موقع النيلين:
2025-05-18@07:56:45 GMT

توسيع دائرة الصراع الإقليمي.. من يخدم؟!

تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT


مُنذ 7 من أكتوبر 2023م، تصاعدت الكثير من الأصوات –في إسرائيل وداخل المجتمعات الغربية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية– التي تدعو علناً لحرب مفتوحة على قطاع غزة بدعوى الانتقام من الذين عبَروا حدود غزة للداخل الإسرائيلي، وثأراً للذين سقطوا وأُسروا من الإسرائيليين في أحداث ذلك اليوم. وتماشياً مع تلك الدعوات المتطرفة وغير المبررة في كثافتها وطريقة تسويقها، استخدمت إسرائيل، وبدعم ومساندة وتأييد كامل من مؤيديها في المجتمعات الغربية، قدراتها العسكرية والتسليحية لممارسة التدمير الشامل والممنهج لقطاع غزة بشكل يمكن توصيفه بالإبادة الجماعية لساكني القطاع، والتشريد المقصود للسكان، والتجويع الممنهج لكل من يسكن القطاع، وممارسة الهدم والتخريب والتدمير لكامل البنية التحتية والخدمية والصحية بشكل يجعل من القطاع أرضاً ومنطقة وإقليماً غير صالح للسكن والمعيشة على المدى القريب.

وفي مقابل هذه الممارسات المتطرفة للجيش الإسرائيلي، تصاعدت أصوات عدة، الجزء الأكبر منها يطالب بوجوب وقف العدوان الإسرائيلي غير المبرر ويدفع باتجاهات الحلول السلمية والمحافظة على الهدوء وتعزيز الاستقرار الإقليمي، أما الجزء الآخر من هذه الأصوات فنادت بالتصعيد المسلح ضد إسرائيل تحت ادعاء نصرة فلسطين والفلسطينيين. فإذا نظرنا إلى هذه المواقف الدولية من الطرفين، نجد أننا أمام مواقف دولية غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تدعو للتصعيد، ونجد كذلك أننا أمام جزء آخر غير رسمي في المنطقة العربية مؤيد للتصعيد متمثل بجماعات وأحزاب ومليشيات في بعض الدول العربية غير المستقرة، وفي مقابل هذين الموقفين الداعيين للتصعيد نجد المواقف الرسمية العربية تدعو للتهدئة ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتنادي بالحلول السلمية وفقاً للقرارات الدولية. إذاً نحن أمام موقفين يدعوان للتصعيد، في مقابل موقف يدعو للتهدئة والحلول السلمية، فأي من هذه المواقف انتصر وفرض رؤيته وتطلعاته؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد العاطفية لجهة الخسارة البشرية التي تعرض للجانبين بحكم أن كل طرف مطالب بالانتقام وأخذ الثأر لمن سقط من أبنائه بسلاح الطرف الآخر، وكذلك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية سواءً لجهة الدول الداعمة والمؤيدة لإسرائيل أو لجهة الأنظمة السياسية الداعمة والممولة للأحزاب والجماعات العاملة لحساب مموليها ومؤيديها وموظفيها. فإذا أخذنا الأبعاد العاطفية، فإننا نجد شيئاً من المبرر لدعوات الانتقام والثأر من أي طرف كان لأنها تحاكي وتتماشى مع العاطفة الإنسانية ورغبات الدول والأنظمة في تعزيز تماسكها الاجتماعي الداخلي والمحافظة على استقرارها السياسي. أما إن أخذنا الأبعاد السياسية، فإننا لا نجد مكاناً لمثل هذه التبريرات أياً كان مستواها وطريقة عرضها وتسويقها لأنها تتنافى تماماً مع قيم ومبادئ القانون الدولي، وتتصادم تماماً مع صوت العقل والحكمة الهادف للمحافظة على الأمن والسلم والاستقرار، وتتجاوز الأعراف والتقاليد التي اعتادت عليها الدول في حل نزاعاتها بالطرق الدبلوماسية والحوار والمفاوضات، حتى إن فشلت يمكن اللجوء للتصعيد في حدود العقل والمنطق وبما يساهم في حل المسألة الدولية ولا يعقدها ويؤجل حلها. فإذا وضعنا هذه النظرة المجردة للبعدين وأنزلناها على ما هو قائم وممارس في المنطقة، نجد أننا أمام حالة انتصرت فيها العاطفة على العقل، والشعارات على الحكمة، والمصالح الذاتية والفئوية والهدامة على المصالح العامة والبناءة والعليا للإنسان والمجتمعات والدول. نعم، إننا عندما نسترجع المواقف السياسية الإسرائيلية والغربية التي أعقبت أحداث 7 من أكتوبر 2023م، نجد أنها تصريحات سياسية متطرفة في لغتها باعتبارها حرباً دينية أو عرقية، وغير أخلاقية في أهدافها حيث وصف الإنسان بما لا يليق بكرامته، ومنحرفة في غاياتها حيث دعوات الإبادة الجماعية وتصريحات استخدام الأسلحة المحرمة دولياً يتم التباهي بها ويفتخر بمن صرح بها من مسؤولي إسرائيل. وتبعاً لهذه المواقف العاطفية والسياسية المتطرفة والمنحرفة وغير الأخلاقية من قبل إسرائيل ومن يقف معها من المجتمعات الغربية، تعرض قطاع غزة وسكانه الأبرياء لما تعرض له من تدمير وتخريب شامل وممنهج. وأمام تصاعد واستمرار هذه الحالة التدميرية الشاملة التي تمارسها إسرائيل، وجدت الأنظمة المتطرفة، والساعية لتدمير المنطقة العربية، فرصتها لتنفيذ مخططاتها التخريبية بالإيعاز والطلب من وكلائها وعملائها، من جماعات وأحزاب خارجة عن سلطة الدولة، بالتصعيد المسلح تجاه إسرائيل بدعوى نصرة قطاع غزة والقضية الفلسطينية. وأمام هذه الحالة من التصعيد المسلح الذي تقوم به إسرائيل والمجتمعات الغربية، والتصعيد المضاد الذي تقوم به جماعات وأحزاب مرتزقة وعميلة للأنظمة المتطرفة في المنطقة، توسعت دائرة الصراع حتى وصلت جنوب منطقة البحر الأحمر لتتعرض حركة الملاحة البحرية الدولية للتعطيل والمخاطر الأمنية.

نعم، لقد أثمرت حالة التصعيد والتصعيد المضاد توسيعاً لدائرة الصراع لمنطقة بعيدة عن منطقة الصراع الحقيقية في الأراضي الفلسطينية، في حالة يعتقد أنها حالة طبيعية إلا أنها في حقيقتها غير ذلك. وبعيداً عن التفصيل في حقيقتها، إلا أن توسيع دائرة الصراع هذه لم يتوقف عند هذا الحد المتمثل باستهداف حركة الملاحة البحرية لكل ما يتعلق بإسرائيل ومن يدعمها ويساند سياساتها، بل إنه تم تأكيد تمدد هذا الصراع وتوسيع دائرته من خلال الولايات المتحدة التي أعلنت عن إنشاء تحالف دولي هدفه مواجهة التحديات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وذلك بحسب الخبر الذي نشره موقع CNN في 19 ديسمبر 2023م، الذي جاء فيه الآتي: “أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن مبادرة دولية بقيادة الولايات المتحدة تركز على التحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن في أعقاب الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على حركة المرور البحرية التجارية في المنطقة. وقال: “أعلن عن إطلاق عملية حارس الازدهار وهي مبادرة أمنية جديدة مهمة متعددة الجنسيات تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، والتي تركز على الأمن في البحر الأحمر”. وأضاف أن “الدول يجب أن تتحد معاً لمواجهة التحدي الذي تمثله الجهة غير الحكومية التي تطلق الصواريخ الباليستية والمسيرات على السفن التجارية للعديد من الدول التي تعبر المياه الدولية بشكل قانوني”. وإذا كانت السياسات السلبية تسببت بتوسيع دائرة الصراع حتى وصلت جنوب البحر الأحمر، فإنها كذلك تواصل تسببها بتوسيع دائرة الصراع في مناطق أخرى ومن ذلك فقدان الولايات المتحدة لعدد من جنودها في المنطقة وقيامها بالرد على مواقع جماعات وميليشيات وأحزاب خارجة عن القانون في بعض الدول العربية غير المستقرة.

وفي الختام من الأهمية القول إن توسيع دائرة الصراع الإقليمي يخدم بشكل مباشر دعاة التطرف والإرهاب، ورافضي السلام والاستقرار الإقليمي، والمعطلين للتنمية والتطور والازدهار، والساعين للهدم والتدمير والتخريب للمجتمعات الآمنة والمستقرة، والهادفين لتنفيذ مخططاتهم التوسعية على حساب المجتمعات والمصالح العربية. نعم، إن استمرار حالة التصعيد والتصعيد المضاد لن يستفيد منها إلا من يمارس هذه السياسات المتطرفة، فهل تجهل ذلك الولايات المتحدة عندما تدعم وتساند وتؤيد سياسات إسرائيل المتطرفة؟!

د. ابراهيم النحاس – جريدة الرياض

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المجتمعات الغربیة الولایات المتحدة دائرة الصراع البحر الأحمر فی المنطقة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

تحوّل في المواقف.. هل بدأ ترامب بتهميش إسرائيل لصالح تحالفات عربية؟

تشهد السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط تغيرات لافتة في عهد الرئيس دونالد ترامب، مع تحوّل تدريجي في أولويات واشنطن من الدعم المطلق لإسرائيل إلى اعتماد مقاربة أكثر توازناً تجاه القضايا الإقليمية المعقدة، فبعد سنوات من الاصطفاف غير المشروط مع تل أبيب، بدأت الإدارة الأمريكية في ولايتها الحالية بإرسال إشارات واضحة نحو الانفتاح على أطراف كانت توصف سابقاً بالخصوم، مثل إيران وسوريا، والسعي لتعزيز الشراكات مع قوى إقليمية كالسعودية وقطر والإمارات.

في السياق، لفتت صحيفة واشنطن بوست في تحليل حديث إلى أن هذه التحركات تضعف من مركزية الدور الإسرائيلي، وتربك الحكومة الإسرائيلية المتشددة برئاسة بنيامين نتنياهو، التي ترى في الحوار والدبلوماسية تهديداً لاستراتيجيتها القائمة على الحسم العسكري، في المقابل، يُنظر إلى ترامب الآن كشريك براغماتي يسعى لعقد “صفقات كبرى” في المنطقة، حتى لو جاء ذلك على حساب التحالف التاريخي مع إسرائيل.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست في مقالة للمعلق الدولي إيشان ثارور أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعد يُعد حليفاً تاماً لإسرائيل، إذ إن توجهاته الأخيرة في الشرق الأوسط تشير إلى تغيير في الأولويات الأمريكية يضعف من مركزية الدور الإسرائيلي في المنطقة.

ورأت الصحيفة أن سعي ترامب إلى التهدئة وفتح قنوات الحوار مع أطراف كانت تُعتبر خصوماً للولايات المتحدة، مثل إيران وسوريا، فضلاً عن تعامله مع ملف الحوثيين في اليمن من منظور تفاوضي، أحدث صدمة داخل القيادة الإسرائيلية، التي تبنّت نهجاً متشدداً تجاه هذه الملفات.

وأشار المقال إلى أن قرار رفع العقوبات عن سوريا وفتح الباب أمام حل سلمي في ملفات إقليمية معقدة، يأتي في وقت ترفض فيه الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تقديم أي تنازلات، وتُصرّ على استخدام القوة في غزة ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وترى الصحيفة أن التوجه الأمريكي الجديد، القائم على تعميق العلاقات مع السعودية وقطر والإمارات، يوفّر لترامب فرصاً دبلوماسية و”صفقات استراتيجية”، بينما تتسبب مواقف إسرائيل المتصلبة بما وصفته “الصداع السياسي” لإدارته، ما يفسر تراجع دور تل أبيب في المشهد الإقليمي.

كما أشار التقرير إلى أن ترامب، خلال جولته الخليجية التي بدأت في 13 مايو، تعمّد تهميش دور رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى أن صحيفة فاينانشال تايمز وصفت نتنياهو بأنه بات “مراقباً” فقط في الملفات الكبرى، لا سيما ملف التقارب الأمريكي مع إيران والسعودية.

وتأتي هذه التطورات لتؤكد، بحسب واشنطن بوست، أن دونالد ترامب في ولايته الرئاسية الثانية لا يتبنى ذات النهج غير المشروط في دعم إسرائيل، بل ينتهج مساراً أكثر براغماتية يركز على الاستقرار الإقليمي وعقد التحالفات الأوسع بعيداً عن المواقف الإسرائيلية المتشددة.

مقالات مشابهة

  • نائب إطاري يدعو السوداني إلى التعامل بالمثل مع الدول العربية التي حضرت للقمة بمستويات أدنى
  • أبو الغيط: الأمن العربي مهدد وإسرائيل تدفع المنطقة نحو دائرة النار
  • أبو الغيط: سياسة إسرائيل في فلسطين وسوريا ولبنان ستدخل المنطقة بحلقات لا تنتهي من المواجهة
  • قادة أوربيون في بيان مشترك: لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية التي تحدث أمام أعيننا في غزة
  • توسيع «أكتف أبوظبي» لتأسيس مجتمع أكثر صحة
  • قضايا الأمن الإقليمي وغزة وسوريا تتصدر قمة بغداد
  • تحوّل في المواقف.. هل بدأ ترامب بتهميش إسرائيل لصالح تحالفات عربية؟
  • هذه الشركات التي ألغت رحلاتها إلى إسرائيل خشية صواريخ الحوثي
  • أبو الغيط: حكومة الاحتلال المتطرفة تنفذ مخططا بهدف البقاء في السلطة
  • السوداني:زيارة ترامب لدول الخليج أثرت على مؤتمر قمة بغداد والمشاريع الاقتصادية التي ينفذها العراق هي لخدمة إيران