الأكاديميا العربية هل تعدل مقرراتها على غزة؟
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
لا أزعم الاطلاع على كل المقررات الدراسية في الجامعات العربية الرسمية/ العمومية أو الخاصة لأجزم بقول فصل فيما تقدمه لطلبتها وخاصة في مجال العلوم الإنسانية والفلسفة من مقررات، لكن باعتماد ما نراه في الجامعة التونسية وما يصلنا من ترجمات في هذا المجال، وهي عادة دروس مقدمة في الجامعات تم نشرها في مقالات وكتب وأعمال ندوات علمية متنوعة من المغرب إلى بغداد مرورا بتونس والقاهرة ودمشق، فإننا نجد زاوية نظر معتمدة تستنسخ في أغلبها رؤية غربية للمعارف الإنسانية والفلسفية، حتى تصير في بعض الأعمال مجرد مسودات معادة النشر بالعربية موجهة لمتلق عربي مهمته أن يحفظ ويرد البضاعة مزجاة لصاحبها.
وقد توفرت فرص كثيرة لإعادة النظر في هذه المناظير منذ النكبة مرورا بحروب العراق ووصولا إلى حرب الطوفان، لكن لم يتم تعديل النظر إلى علوم الغرب في مجال الإنسانيات والفلسفة خاصة، بل إن علوم التاريخ ظلت لفترة طويلة تتحدث عن احتلال الجزائر من مراجع فرنسية فتسمي الغزو فتح الجزائر.
نطرح السؤال مرة أخرى على ضوء التدمير المنهجي الذي يمارس في غزة، بدعم مباشر من بلدان علمتنا حقوق الإنسان وأقنعت نخبنا بأن قوانين الغرب مقدسة.
نطرح السؤال مرة أخرى على ضوء التدمير المنهجي الذي يمارس في غزة، بدعم مباشر من بلدان علمتنا حقوق الإنسان وأقنعت نخبنا بأن قوانين الغرب مقدسة
رهاب الانغلاق على الذات
تأسست الجامعات العربية الحديثة في كل قُطر بحماس شعوب تتحرر من الاحتلال المباشر وتشرع في بناء نخبها الوطنية، ورغم ذلك الحماس الوطني القائم على روح تحررية فقد ارتعبت النخبة المؤسسة من مسألة أن تنغلق الجامعات على تراثها المحدود (الجامد) وترفض معارف الغرب التي كانت سببا في نموه وازدهاره، ولم يقل أحد في هيمنته على العالم ومنه العالم العربي. لذلك وُضعت المقررات على مبدأ الانفتاح على الآخر والشرب من معينه العلمي، ولم تنسِّب الانفتاح فتحولت مع الوقت إلى مؤسسات إعادة إنتاج الفكر الغربي بحذافيره.
وقد كان طموح أي جامعي عربي (ربما أقيس على تونس ومستعمرات فرنسا بشكل خاص) يحصل على شهادة جامعية غربية يعود بها مسلحا ظافرا لنقل دروسه هناك إلى طلبته هنا دون نقد أو تمحيص. الخوف من الانغلاق أدى إلى انفتاح مطلق وهروب تام من إعادة النظر النقدي في رؤية العالم كما صنعتها الأكاديميات الغربية ووجهت بها نظر العالم.
لقد صار الأمر عجزا عن التفكير والإبداع واتخذت منتجات الغرب العلمية والفنية مقاييس يحكم بها حتى في مجالات الإبداع الفني، بما في ذلك التخلي عن عامود الشعر فلا شعر إلا ما كان مبنيا على نموذج زهور الشر لبودلير الفرنسي والويل لمن يعود لتنظيم قصيد عامودي. وعندما نوسع النظر في قوائم المنتج الفكري المورد ونطل على درس حقوق الإنسان سنجد أن الإعلان الفرنسي العالمي لحقوق الإنسان تحول إلى نص مقدس؛ يوضع قبل قرآن المسلمين وتراثهم القانوني في مجال الحقوق التي ضمنت حتى حقوق الحيوان.
عندما نوسع النظر في قوائم المنتج الفكري المورد ونطل على درس حقوق الإنسان سنجد أن الإعلان الفرنسي العالمي لحقوق الإنسان تحول إلى نص مقدس؛ يوضع قبل قرآن المسلمين وتراثهم القانوني في مجال الحقوق التي ضمنت حتى حقوق الحيوان
لقد ولدت الجامعات العربية بعقدة نقص فلم ترتق إلى نقد دروسها، وصنعت أجيالا من التبع لا تجرؤ على سؤال نقدي. وهذه الأجيال وصلت إلى حكم بلدانها فزادتها غرقا وتبعية.
ابن خلدون "خوانجي"
يتحدث مالك بن نبي عن الثقب الأسود في الفكر الغربي، وهو الثقب المبني من نظرة غير علمية لتاريخ العلوم، فالعلوم في تاريخها الغربي ولدت في أثينا والقانون ولد في روما ثم ماتا بموتهما حتى انبعثا مع الفلسفة في عصر النهضة، لذلك يقولون الولادة الثانية أو إعادة الولادة، فلفظ النهضة هو ترجمة عربية لما يراه الغرب مرورا من أثينا إلى باريس وأخواتها من منابع المعرفة الغربية. الثقب الأسود هو القفز في فوق قرون المعرفة العربية والإسلامية التي تُرجمت وطورت ونشرت من جامعات المغرب إلى الهند الإسلامية.
القفزة الغربية في الظلام تتجاهل على سبيل المثال الإضافة الخلدونية في علوم الإنسان والتاريخ والاقتصاد، حتى أننا عندما نقدم درس نشأة تاريخ علم الاجتماع نبدأ من أوجست كونت ونقول عن ابن خلدون فرصة جميلة انتهت ونختبر طلبتنا في ذلك، وكل من تعرض إلى نقد هذا المنظور يُتهم بالانغلاق، بل يلحق بـ"الإخوانجية" حتى تصير وضعية كونت دينا جديدا.
هذه الأكاديميا الكونتية مرعوبة مما يحصل في غزة الآن، وتطرح أسئلة من قبيل كيف عدنا إلى الحروب الدينية؟ وتتجاهل أن الحروب الدينية لم تنقطع أبدا وأن الغرب الوضعي هو من يثيرها تحت عنوان التنوير الغربي، فكذبة التنوير الغربي مستمرة وتتوالد في الجامعات الغربية، حتى أن علماء مراجعين من الأكاديميا الغربية لا يحظون بالترجمة والنشر الا بمجهودات فردية خارج الجامعات. فجاك غودي، صاحب كتاب سرقة التاريخ، لم يرتق إلى مقرر في مادة تاريخ الأفكار. أما روجيه غارودي وأشابهه القلائل ممن تحملوا وزر مراجعة تاريخ الهولوكوست؛ فدرس محرم في الجامعات العربية.
هل آن أوان المراجعة؟
حرب الطوفان دعت إلى مراجعات عميقة في مستوى إعادة بناء صورة للعالم لا يكون الغرب مصدرها ولا تكون دروسه قاعدة لها، خاصة في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية. إن دروس حقوق الإنسان كما رتبها الغرب قد سقطت في غزة (سقطت قبل ذلك في العراق وفي أفغانستان وفي أمريكا اللاتينية ولم ننتبه)، وصار لزاما البحث عن مرجع مختلف للنظر إلى الإنسان وإعادة تعريف حقوقه والتي لا يقر الغرب من ضمنها حق التحرر من الاحتلال.
المراجعة تقتضي إعداد الرد المناسب على كل مستنقص نفسه يعيد علينا تهمة الانغلاق والتقوقع. إن الغرب الذي يحارب في غزة ويستدعي كل مراجع الحروب الصليبية ويتهم أنصار غزة بالرجعية الدينية؛ ليس مرجعا أخلاقيا ولن يقبل كمرجع علمي، وهذه دروس من غزة ربما لم يفكر من أطلق حرب الطوفان في مداها الكامل والشامل
مراجعة المنظور القانوني/الحقوقي تسير وجوبا مع مراجعة كل مناظير الغرب للإنسان وللمختلف، بناء على جملة واضحة وشجاعة. الغرب ليس مثالا يقتدى به، وعلى هذه الجملة الصريحة تؤسس أكاديميا مختلفة واثقة من نفسها ولا تعيش من عقدة نقصها التاريخي أمام الفكر المحتل للعقول. وهذا ليس عملا فرديا ولا عملا سهلا، ولكنه عمل يحتاج وقتا طويلا يؤسس بالقوة على روح استقلالية، وتتحمل كلفة إعادة التأسيس. سيكون أمرا مماثلا لحركة الترجمة العربية الأولى التي لم تشعر بنقص أمام الفكر اليوناني ولم تُعد إنتاجه، بل طورته وتحررت منه وقد استغرق منها ذلك وقتا وجهدا عظيمين.
لقد قال بهذا الأمر مفكرو النهضة الأول لكن الهجوم الاستعماري الغربي منع المشروع من التبلور، حتى انتهينا في غزة نتساءل عن طبيعة هذا الغرب وعن مصداقيته وسلامة نظرته للعالم. هذه المراجعة تقتضي إعداد الرد المناسب على كل مستنقص نفسه يعيد علينا تهمة الانغلاق والتقوقع. إن الغرب الذي يحارب في غزة ويستدعي كل مراجع الحروب الصليبية ويتهم أنصار غزة بالرجعية الدينية؛ ليس مرجعا أخلاقيا ولن يقبل كمرجع علمي، وهذه دروس من غزة ربما لم يفكر من أطلق حرب الطوفان في مداها الكامل والشامل.
من عليه أن يقوم بهذا؟ كل الأكاديميا العربية التي رأت في غزة معركة تحرر فكري، وليس فقط مجرد فوضى محلية معاكسة لتقدم التاريخ هي المعنية بتحرير الجامعات العربية خاصة في درس التاريخ والاجتماع والفلسفة من هيمنة الغرب المنافق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجامعات العلوم ترجمة علوم جامعات ترجمة التقدم صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجامعات العربیة حقوق الإنسان فی الجامعات فی مجال فی غزة
إقرأ أيضاً:
انتصار جديد.. إشادة برلمانية بفوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان
قال الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، إن فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة 2026- 2028 يمثل انتصارًا جديدًا يُضاف إلى سجل النجاحات التي حققتها الدولة المصرية على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويُعد دليلًا واضحًا على ما تحظى به مصر من تقدير واحترام من المجتمع الدولي.
وأوضح محسب أن حصول مصر على 173 صوتًا في انتخابات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يعكس الثقة الدولية في النهج الذي تتبناه الدولة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وقال النائب إن هذا الفوز هو الثالث في تاريخ عضوية مصر بالمجلس، وهو ما يؤكد أن هناك رؤية استراتيجية متكاملة لبناء دولة حديثة تُعلي من شأن الإنسان وحقوقه، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية حققت تطورات ملموسة في هذا الملف، أبرزها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، والتي تمثل إطارًا شاملًا لتعزيز الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تطوير منظومة العدالة الجنائية وتحديث مراكز الإصلاح والتأهيل، بما يواكب المعايير الدولية، والتوسع في برامج الحماية الاجتماعية، وتمكين المرأة والشباب وذوي الإعاقة.
وأضاف عضو مجلس النواب أن الدولة تعمل بمنهجية واضحة في متابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان التي تقدم تقارير دورية للرئيس السيسي، آخرها التقرير الرابع في 30 سبتمبر الماضي، والذي وجه خلاله الرئيس ببدء الإعداد لاستراتيجية وطنية جديدة تواكب التطورات وتستكمل ما تحقق من نجاحات، مؤكدًا أن انتخاب مصر يعكس أيضًا النجاح الكبير للدبلوماسية المصرية التي لعبت دورًا محوريًّا في الترويج للترشح من خلال خطة تحرك مدروسة استعرضت إنجازات الدولة في مجال حقوق الإنسان.
وشدَّد محسب على أن هذا الإنجاز جاء تتويجًا لدور مصر الريادي في دعم السلم والأمن الإقليمي والدولي، وامتدادًا لمواقفها الثابتة في الدفاع عن قيم التعايش والسلام، وهو ما ظهر جليًّا في قمة شرم الشيخ للسلام التي عقدت مؤخرًا، وأبرزت حجم الثقة الدولية في القيادة المصرية، مؤكدا أن عضوية مصر في مجلس حقوق الإنسان خلال الفترة المقبلة ستكون منصة جديدة لعرض التجربة المصرية المتوازنة في احترام الحقوق والحريات مع تعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية واحترام الخصوصيات الثقافية، وتأكيد أن مصر تنطلق من قناعة راسخة بأن حماية الإنسان هي أساس التنمية والاستقرار وليس استجابة لأي ضغوط أو إملاءات خارجية.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتور أيمن محسب إشادة برلمانية مجلس حقوق الإنسان أحدث الموضوعاتفيديو قد يعجبك:
أخبار مصر 90 مليار جنيه لدعم الصناعة والزراعة.. الحكومة تُبقي على مبادرة تمويل القطاعات منذ 34 دقيقة
إعلان
أخبار مهرجان الجونة
المزيدأخبار
المزيدإعلان
انتصار جديد.. إشادة برلمانية بفوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
29 20 الرطوبة: 45% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك