"يعد الدقائق لمغادرته".. استياء فرج فودة من زيارة حسن الترابي للقاهرة
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
أثارت زيارة سابقة لحسن الترابي، أحد المنظرين السودانيين لجماعة الإخوان الإرهابية، إلى مصر، استياء الكاتب والمفكر الكبير فرج فودة، لذا رأى أنه من الأليق مواجهة زيارته بكتابة مقال بعنوان "تحية إلى حسن الترابي"، وللأسف فقد منعت المقالة من النشر حيث وصفت بأنها "عنيفة" في انتقاد الزائر غير المرغوب فيه.
مقال "فودة" بعنوانه الساخر، يُعدد المآسي الفكرية والسياسية التي تسبب فيها الترابي (توفي في5 مارس2016) ومعها تصبح تحية الزائر بصورة عكسية، أي أن تحيته هي تذكيره بدوره الكارثي في الحياة الفكرية والسياسية العربية، خاصة وأنه يتم ترويج صورته على أنه من أصحاب الأفكار التجديدية، وله كتاب في ذات الشأن يحمل عنوان "تجديد الفكر الإسلامي".
كتابة المنظرين المنتمين لجماعات الإسلام السياسي في القضايا الذائعة والشائعة، مثل قضايا تجديد الخطاب الديني تهدف في المقام الأول هو استغلال صدى وتأثير هذه الدعوات في القراء والجمهور العام الذي يبحث فعلا عن خطاب مجدد يبعدهم ويبعد الأبناء من الوقوع في فخ الجماعات الجهادية الإرهابية، فمن المفارقات أن تأتي الكتابات التجديدية من هؤلاء المنظرين الذين ينتمون (فكريًا) إلى جماعات إرهابية، مثل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، فهي خدعة مستغلة من قبل المنظرين الذين يعلنون انفصالهم (تنظيميًا) عن التنظيم الدولي بينما يظل طوال عمره خاضعًا لخدمة المشروع الإخواني، والترابي أحد هذه النماذج.
وعن الترابي قال “فودة”: "كان بودي أن يقرأ هذا المقال، حتى يعلم أن هناك من يعد الدقائق حتى يطمئن إلى مغادرته لأرض القاهرة، وحتى يعلم أن سعية إلى إراقة الدماء وتمزيق الأشلاء لم يضع سدى، وأن حسابه لن يكون فقط في الآخرة وإنما سوف يلقى بعضه في الدنيا، جزاء وفاقا على إساءته للحضارة ولحقوق الإنسان وللوجه الحضاري للسودان، وقبل ذلك كله للإسلام الحنيف الذي تحول على يديه إلى إسلام عنيف".
توسع "فودة" في مقاله للإشارة سريعا لتوجهات الترابي الدموية وتحويل الإسلام إلى أيديولوجية عنيفة مؤذية، مشيرا إلى عدة نقاط تمتع بها مصر في إطار كونها دولة مدنية لا يتحكم فيها هؤلاء المنتمين إلى هذه الجماعات العنيفة الإرهابية، كما لفت إلى القمع الذى شاهده المواطن السوداني من جراء تشنج الترابي وأتباعه في تطبيق حد السرقة أو حد الزنا بحق أبرياء، كما ألمح إلى عقيدة هذه الجماعات تجاه الآثار المصرية والنظر إلى تماثيلها كأنها أصنام تحتاج للتكسير وهو ما قام به ونفذه تنظيم داعش الإرهابي بحق الآثار السورية في مدينة تدمر وغيرها، والآثار العراقية والمتاحف التي وقعت تحت سيطرتهم بعد عام 2014.
من المفارقات المضحكة، أن أحد المنتمين فكريا إلى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، التونسي أبو يعرب المرزوقي، أكاديمي، ويدعم بشدة مشروع جماعة الإخوان وحركة النهضة التونسية، تعرض بالنقد لتجربة الترابي السياسية في السودان، فاعترف بفشل تجربته، متماديا إلى الاعتراف بأنه ليس عالما كما يجري الترويج له.
في مقاله له بعنوان "أدواء الأمة"، تحدث المرزوقي عن نموذج السودان قائلا: "ماذا بقي بعد من شهدوا على العصر منه؟ الترابي مثلا. كل ما بقي هو أن الحركات الإسلامية تحاكي فاشية الأنظمة العسكرية وتسهم فيها. وقد لقيته مرة فاكتشفت أن كل ما قيل في علمه شهادة زور من الخلط بين العلم والتعلم"، أي أنه يناقض خطاب الإخوان السائد بوصف الترابي مفكرا ومجددا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جماعة الاخوان الارهابية فرج فودة
إقرأ أيضاً:
عندما حاول الأخوان سرقة ثورة 23 يوليو وفشلوا
كانت جماعة الإخوان قد نجحت في الأربعينيات، في اختراق الجيش المصري، وكونت عددًا من الخلايا الإخوانية، بين الضباط، كان على رأسها مجموعة من أكثر ضباط الجيش نشاطًا، إلا أنه سرعان ما ابتعد معظم هؤلاء عن الجماعة خاصة بعد رحيل المرشد الذي أقسموا معه على المصحف والسيف وذلك بسبب عدم وضوح توجيهات الجماعة، وتأييدها لإسماعيل صدقي والقصر هذا بالإضافة إلى نجاح «جمال عبد الناصر» في استقطاب معظم الخلايا والجماعات الوطنية التي كانت تعمل بالسياسة داخل الجيش، والتي شكلت في النهاية تنظيم الضباط الأحرار، الذي أثر الابتعاد به عن كافة القوى السياسية سواء العلنية أو السرية.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، وأيدتها جماعة الإخوان وتعاون رجالها مع قوات الجيش في السيطرة على طريق السويس، تحسبًا لأي هجوم إنجليزي على القاهرة، كما قام بعض رجالها بحراسة المنشآت العامة والسفارات وأماكن القيادة خشية من اندساس العناصر المخربة.
وإن كان «جمال عبد الناصر» قد حرص على ضمان تأييد الجماعة للثورة، إلا أنه سرعان ما استشعر ضغوط المرشد وقيادات الجماعة حيث لفت نظره، تلويح الجماعة بقوتها ودورها في مؤازرة الضباط ليلة 23 يوليو، وترجم «عبد الناصر» هذه الضغوط، على أنها شروع من الإخوان أو تمهيد للسطو على السلطة مما دفعه بداية من منتصف أغسطس 1952 إلى وضع الحواجز أمام حركتها ومستقبلها السياسي، ونتيجة لذلك بدأت السحب الكثيفة تتجمع في سماء العلاقات بين الضباط والإخوان، ولكن الملاحظ أن الأزمات التي وقعت في أواخر عام 1952 وطوال العام الثاني 1953 كانت من النوع الذي لا يؤدي إلى القطيعة أو إطلاق الرصاص، وبمعنى أخر كانت عوامل التجاذب بين الطرفين أقوى من عوامل النفور والافتراق، وجميعها مردود إلى عوامل سياسية-- اجتماعية في المقام الأول، حيث عارض الإخوان في الحد الأقصى لملكية الأرض، عندما طرح الضباط، قانون الإصلاح الزراعي وانحازوا إلى رأي علي ماهر رئيس الوزراء وقتئذ، عندما طالب بأن يكون الحد الأقصى للملكية خمسمائة فدان، وليس مائتي فدان كما أراد الضباط. وطالبوا في هذه المرحلة المبكرة بأن تعرض الأمور التي يناقشها مجلس قيادة الثورة، وكذا ما يشرع في اتخاذه من قرارات، على الجماعة قبل إقرارها، وذلك مقابل استمرار تأييد الجماعة للمجلس، ورغم أن مصدرنا هنا، هو بيان مجلس قيادة الثورة فإننا نعتقد أن طبيعة العلاقات بين الإخوان والضباط، أو إن شئنا الدقة بين بعض قيادات الجماعة وجمال عبد الناصر على وجه الخصوص، قبل 23 يوليو، تدعم إمكانية بل ومعقولية مطالبتهم بالمشاركة أو بنصيب من الحكم، إن لم يكن بالحكم كله، من أجل «تطبيق الشريعة الإسلامية، والمباعدة بين مصر والعلمانية».
وبدأت الجماعة بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي، تتحفظ في تأييدها للضباط، الذين أرادوا الحصول، على تأييدها ودعمها لهم بدون مقابل ومع أن طبيعة الحركة السياسية في هذه الفترة المبكرة للضباط والإخوان، قد أدت إلى تجنب وقوع الأزمات التي تنتهي بالقطيعة والتصادم، فأن أزمة اشتراك الإخوان في الوزارة تعد من أبرز أزمات تلك الفترة، وقد انتهت بطرد واحد من أعضاء مكتب الإرشاد، من رجال الحرس القديم للجماعة «الشيخ حسن الباقوري» كما أدت إلى تكريس الانقسامية داخل صفوف الجماعة.
لقد كان مجرد تصور الضباط لشكل خريطة القوى السياسية بعد مصرع الأحزاب السياسية، ونزول المنظمات الشيوعية تحت الأرض وانشغالها بخلافاتها النظرية، كان هذا التصور يكفي ليُذكر الضباط بخطورة الجماعة، وبأن قوتها قد تضخمت، وأنها يقينا باتت تطمع في دور سياسي يناسب قوتها، وأعتقد أنه لم يكن أمام الضباط إلا أن يرفضوا النتائج التي كان يمكن أن يستخلصوها من المقدمات السابقة. لذا خطط الضباط بسرعة لتهميش الدور السياسي للجماعة تمهيدًا لبتره ومع ذلك ظلت العلاقة بين الطرفين حتى نهاية 1953، علاقة ودية فاترة لكن سرعان ما تحول الأمر مع بداية عام 1954 إلى المواجهة العنيفة التي انتهت بحملة اعتقالات كبيرة لأعضاء الجماعة أعقبها قرار بحلها يوم 14 يناير 1954.
ورغم قرار الحل، فإن نشاط الجماعة لم يتوقف، بل تتابعت المنشورات العنيفة التي هاجمت «عبد الناصر»، ووصفت نظامه بإنه نظام «علماني كافر». وإبان أزمة فبراير 1954، وقفت الجماعة إلى جانب «اللواء محمد نجيب» وشاركوا بل وقادوا المظاهرات التي نادت بسقوط «عبد الناصر» والخونة المتأمرين أعضاء مجلس قيادة الثورة وبالطبع كان التحالف مع اللواء نجيب بهدف الصعود خطوة صوب مركز السلطة، لكن الحوادث سرعان ما أثبتت ضعف «الرجل الكبير»، الأمر الذي دفع الجماعة إلى التخلي عنه والوقوف على الحياد في الجولة الأخيرة من جولات الصراع بين مجلس قيادة الثورة، واللواء نجيب، وكان وقوفهم على الحياد في أزمة مارس في الحقيقة أكبر لطمة وُجهت إلى اللواء نجيب حليف الأمس، وأعظم دعم حصل عليه عبد الناصر ورفاقه.
ولم يمض وقت طويل، حتى تجدد الخلاف بين الثورة والإخوان، حيث تصاعدت الأحداث، وكانت الجماعة في الحقيقة تدافع عن وجودها، عندما هاجمت مجلس قيادة الثورة قبيل وبعد توقيع اتفاقية الجلاء، حيث هاجمت منشورات الجماعة العنيفة والمثيرة، الاتفاقية، كما هاجمت شخص عبد الناصر واتهمته بأنه «باع القضية الوطنية».
كانت منشورات الإخوان والشائعات التي أطلقتها قد استهدفت التهييج والإثارة بهدف النيل من شعبية النظام من ناحية، ودفع القوى المعادية له داخليًا وخارجيًا إلى محاولة الإطاحة بعبد الناصر ومجلس قيادة الثورة من ناحية أخرى، وكان تفاقم الأزمة الداخلية في صفوف الجماعة، واختفاء المرشد «حسن الهضيبي» واضطراب قواعد الجماعة من ناحية، وتزايد ضغط النظام، وتكرار حملات الاعتقال، وفشل الجهود التي بذلت في محاولة يائسة للتوفيق بين الطرفين من ناحية أخرى بمثابة المناخ الملائم لبروز خطط الثأر والانتقام بين صفوف الجماعة، وجميعها موجه في المقام الأول إلى «جمال عبد الناصر» الخائن، المرتد الناقض للبيعة، «ولنظامه اللا إسلامي»، ولقد كفانا أحد أعضاء الجماعة "حسن العشماوي" حشد الأدلة على اتجاه الجماعة إلى العنف، ولتخرج من أزمتها الخانقة حيث أورد في مذكراته، الكثير من خطط الثأر والانتقام التي أعدت بالفعل للتخلص من عبد الناصر، والأمر الذي انتهى بإطلاق الرصاصات الثماني الطائشة على جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر عام 1954.
وتعد هذه المحاولة الفاشلة بمثابة نهاية تراجيدية، لفصل من أهم فصول العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وثورة يوليو فالرصاصات الثماني التي أطلقها عضو الجماعة «محمود عبد اللطيف» لم تصب قلب عبد الناصر، وإنما أصابت الجماعة في مقتل، إذ كانت هذه المحاولة الفاشلة فرصة ذهبية اقتنصها عبد الناصر ليوجه ضربة قاسمة للجماعة، فقبض على عدد كبير من قيادات الجماعة وكوادرها وأفرادها، وحوكموا أمام محكمة الشعب التي أصدرت حكمها على سبعة من أعضاء مكتب الإرشاد بالإعدام وبالأنشغال الشاقة المؤبدة على سبعة آخرين من أعضاء مكتب الإرشاد أيضًا وبالسجن لمدد مختلفة على آخرين.
اقرأ أيضاًثورة 30 يونيو.. 12 عاما على الانطلاق «تصاعد الأزمة ومؤامرة الإخوان»
«أحمد موسى»: ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من ميليشيا الإخوان الذين حاولوا تدمير الوطن «فيديو»