الجزيرة:
2025-06-02@14:37:36 GMT

عن مؤشر الذكاء الاصطناعي 2023

تاريخ النشر: 23rd, July 2023 GMT

عن مؤشر الذكاء الاصطناعي 2023

كشفت جامعة ستانفورد مؤخرا عن تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 والذي جاء بحدود 350 صفحة مستكشفا أحدث التطورات والمخاطر والفرص في مجال الذكاء الاصطناعي المزدهر وتأثير التكنولوجيا على المجتمع.

ويعد التقرير المستند إلى البيانات ومئات الخبراء بمثابة الغوص العميق في 8 موضوعات ذات صلة بالذكاء الاصطناعي مثل:

البحث والتطوير.

الأداء الفني. الأخلاق والبيئة والسياسة. الرأي العام والاقتصاد.

ويتطرق إلى مجموعة متنوعة من الموارد مثل منشورات الذكاء الاصطناعي ومقالات المجلات والمستودعات الرقمية وأنظمة التعلم الآلي على شاكلة نماذج اللغات الكبيرة مثل "شات جي بي تي" (ChatGPT)، ومجموعة واسعة من الموضوعات الأخرى.

بما في ذلك تكلفة التدريب على الذكاء الاصطناعي، والجهود المبذولة للتخفيف من التحيز في النماذج اللغوية وتأثير التكنولوجيا على السياسة العامة، وليس انتهاءً بالشبكات العصبية المُحسَّنة لتوليد الصور.

المؤشرات القياسية تضع الولايات المتحدة في موقع الصدارة في سباق الذكاء الاصطناعي متقدمة على الصين، إذ إن أكبر ميزة لواشنطن هي وادي السيليكون الذي يمكن القول إنه أكبر نقطة ساخنة لريادة الأعمال في العالم.

إحدى الأرقام اللافتة في المؤشر الموجَّه لصانعي القرار من أجل مساعدتهم من اتخاذ إجراءات هادفة للنهوض بهذا القطاع وفق مسؤولية أخلاقية مع وضع البشر في الاعتبار؛ هو أن 36% ممن استُطلعت آراؤهم وجدوا أن القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى كارثة على المستوى النووي، بينما قال 73% إنها يمكن أن تؤدي قريبا إلى "تغيير مجتمعي ثوري".

واستمع الاستطلاع إلى 327 خبيرا في معالجة اللغة كفرع من فروع علوم الكمبيوتر الخاصة بتطوير روبوتات الدردشة مثل "جي بي تي-4" (GPT-4)، وهنا بدا الأميركيون أكثر حذرا بشكل خاص من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث وافق 35% فقط على أن "المنتجات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لها فوائد أكثر من العيوب" مقارنة بـ78% من المشاركين الصينيين وحوالي 76% من السعوديين، و71% من الهنود. كما أشار تقرير ستانفورد أيضا إلى أن عدد "الحوادث والخلافات" المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد زاد 26 مرة خلال العقد الماضي.

تشريعات وأطر حكومية للضبط

نقطة مهمة ركز عليها المؤشر وهي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الفنية والتي تمثل مصدر قلق كبير فيما يتعلق بتطبيقات هذا المجال، حيث تجتمع الحكومات معا لإنشاء تشريعات وأطر عمل ومعايير لحوكمة الذكاء الاصطناعي.

ونقصد بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي؛ تلك التي تتعلق بمفاهيم العدالة والمساءلة والشفافية والقابلية للتفسير.

والذكاء الاصطناعي يمثل أصلا تحولا مذهلا للتنمية المسؤولة في مجتمعاتنا، إلا أنه يثير قضايا أخلاقية كبرى:

كيف يمكننا التأكد من أن الخوارزميات لا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات إلى حرية الاختيار وحرية الضمير؟ هل يمكن ضمان حرية التصرف عندما تكون رغباتنا متوقعة وموجهة؟ كيف يمكننا ضمان عدم تكرار الصور النمطية الاجتماعية والثقافية في برامج الذكاء الاصطناعي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتمييز بين الجنسين؟ وهل يمكن تكرار تلك الصور؟ هل يمكن برمجة القيم، وبواسطة من؟ كيف يمكننا ضمان المساءلة عندما تكون القرارات والإجراءات معالجة بالكامل؟ كيف نتأكد من عدم حرمان أي شخص، أينما كان في العالم، من فوائد هذه التقنيات؟ كيف يمكننا ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة شفافة بحيث يكون للمواطنين العالميين الذين تتأثر حياتهم به رأي في تطويره؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن نميز بين الآثار المباشرة للذكاء الاصطناعي على مجتمعاتنا، أي عواقبه التي نشعر بها بالفعل، وتداعياته على المدى الطويل. وهذا يتطلب أن نشكل بشكل جماعي رؤية وخطة عمل إستراتيجية، ليس على المستوى الفردي فقط ولكن على مستوى الحكومات بشكل رئيسي.

حوادث وخلافات متوقعة

منذ عام 2012، ارتفع معدل الحوادث والخلافات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي 26 مرة وتعكس هذه الطفرة اعتمادا أكبر على تقنيات الذكاء الاصطناعي وفهما متزايدا لإمكانية إساءة استخدامها، كما بلغ الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي عام 2022 في جميع أنحاء العالم حوالي 91.9 مليار دولار؛ وزادت نسبة الشركات التي تطبق تقنية الذكاء الاصطناعي عام 2022 بأكثر من الضعف مقارنة بعام 2017.

وكما هو معروف حاليا، تهيمن الولايات المتحدة والصين على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، وكما ذكرنا أعلاه فإن المؤشر يلفت إلى أن المواطنين الصينيين هم من بين أكثر الدول إيجابية فيما يتعلق بمنتجات وخدمات الذكاء الاصطناعية مقارنة بالأميركيين، فالصين تنشر الروبوتات الصناعية القائمة على الذكاء الاصطناعي أكثر من أي دولة أخرى، ونتيجة لذلك بلغت قيمة أبرز 5 شركات صينية في هذا المجال ما يقرب من 120 مليار دولار؛ ووفق خطة بكين الرئيسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي فقد وُضعت جملة من الأهداف على رأسها أن تبلغ إيرادات بكين بحلول عام 2025 حوالي 400 مليار يوان (64 مليار دولار) من سوق الذكاء الاصطناعي، ناهيك عن أنها تخطط لتحقيق "إنجازات تكنولوجية ضخمة"، وتهيمن على الصناعة في سوق الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس التالية بمبيعات تصل إلى تريليون يوان.

لكن المؤشرات القياسية تضع الولايات المتحدة في موقع الصدارة في سباق الذكاء الاصطناعي متقدمة على الصين، إذ إن أكبر ميزة لواشنطن هي وادي السيليكون الذي يمكن القول إنه أكبر نقطة ساخنة لريادة الأعمال في العالم فهو مسقط رأس عمالقة شركات التكنولوجيا مثل "غوغل" و"آبل" و"إنتل" و"ميتا" التي ساعدت جميعها في تشكيل الفضاء السيبراني والحياة الرقمية العصرية.

ويلاحظ تسجيل الولايات المتحدة لقفزة مهمة في نسبة خريجي الدكتوراه الجدد من الأميركيين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي إلى 19.1% عام 2021، من 14.9% عام 2020 و10.2% عام 2010، وتواصل الحكومة الأميركية زيادة الإنفاق على برامج الذكاء الاصطناعي لا سيما في قطاع التعليم. ومنذ عام 2017، زاد حجم الإنفاق التعاقدي المتعلق بالذكاء الاصطناعي التابع للحكومة الأميركية بمقدار 2.5 مرة تقريبا.

بشكل عام، يعد تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 مصدرا أساسيا لأي شخص مهتم بمستقبل الذكاء الاصطناعي، فهو يقدّم رؤى وبيانات قيّمة لإثراء التفكير والتخطيط في هذا السباق الذي يضع المعمورة أمام تحولات جذرية وكبرى في مختلف القطاعات: من التعليم، والرعاية الصحية، إلى النقل العام، والأعمال التجارية، والترفيه، والحرب، وغيرها.

لذلك تحوّل هذا القطاع إلى حلبة تنافس رئيسية بين دول العالم لا سيما بين واشنطن وبكين ودول أخرى ما زالت تتلمس طريقها في تحديد أولوياتها وخططها سواء على صعيد الإستراتيجيات أو الخطاب والمؤسسات وحتى البحث والتدريس أو التركيز على التنافسية بهذا السباق الذي تتوقع أرقام (Grand View Research) بأن تتجاوز قيمة الذكاء الاصطناعي السوقية عالميا حوالي 1.7 تريليون دولار عام 2030.

عربيا، ثمة تقدّم لدول خليجية مثل السعودية وقطر والإمارات في هذا العالم من خلال تبني هذه الدول لإستراتيجيات تسعى عبرها إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط والاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بمجالات متعددة بينها الصحة والتعليم والإعلام والصناعة والقطاع المالي واستقطاب المواهب وتهيئة البنية التحتية وجذب استثمارات كبيرة، ونأمل أن تلحق دول عربية أخرى من خلال البدء بتقليل الفجوة الرقمية والتعليمية لمواطنيها، فهذا الأمر يلعب دورا مؤثرا في إدارة المخاطر المحتملة التي قد تواجهها هذه الدول التي يصعب عليها بدون الأدوات المساعدة لها على الابتكار؛ أن تسير بركب البلدان المتقدمة تكنولوجيا وأن تضع قدما لها في مستقبل صناعة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بالذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

وليد علاء الدين: الشعراء أول مَن وضع أسس الذكاء الاصطناعي!

لا يهتم الكاتب المصري وليد علاء الدين بفكرة المجايلة، إذ يرى أن الكتابة تجربة فردية للغاية، وبالتالي لا يجب وضع الأدباء في سلة، وهو كذلك يرى أن أعماله تحصل على تقدير نقدي وإعلامي، بالإضافة إلى جوائز مهمة، منها جائزة أدب الحرب المصرية، وجائزة غانم غباش، وجائزة الشارقة، وجائزة ساويرس.

وليد علاء الدين شاعر وروائي وصحفي وفنان تشكيلي ولد عام 73، له في الشعر "تردني لغتي إليَّ"، و"تقشر أعضاءها للوقت"، وفي المسرح "العصفور" و"72 ساعة عفو" و"مولانا المقدم مسرح"، وفي أدب الرحلات "خطوة باتساع الأزرق"، وفي الرواية "ابن القبطية" و"كيميا" و"الغميضة"، بالإضافة إلى عدد من كتب المقالات وكذلك معارض الفن التشكيلي. هنا حوار معه ينطلق من ديوانه الأخير "أيها الموت العظيم" ويتطرق إلى رؤيته للأدب والنقد.

عدت إلى الشعر بهذا الديوان "أيها الموت العظيم"، ماذا يعني لك الشعر؟ وأين تجده؟

أبدا لم أذهب بعيدا عن الشعر، ولكني بطبيعتي دائم التساؤل عن ماهيات الأشياء، حريص على أن تكون علاقتي بها أعمق من مجرد تبني العمومي والشائع والرائج لمجرد أنه عمومي وشائع ورائج، أحب أن أفكر في الأمور وأعيد صياغتها بنفسي، حتى لو اُتهمت بإعادة صنع العجلة، إنها الطريقة الوحيدة لامتلاك طبعة أصلية.

نشرتُ ثلاثة دواوين شعر (أفضِّل كلمة كتاب)، كل كتاب منها يذكرني -ليس بما تضمنه من نصوص أو قصائد أو كتابات- وإنما بعشرات النصوص التي أقصيتها منه وقررت عدم نشرها في كتاب. الشعر أكبر من أن يكون مجرد شكل كتابي، أو نوع فني، الشعر حالة يمكن أن تتحقق في عشرات الأنواع والمقاربات الفنية، كثيرون ينساقون -لسبب أو لغيره- خلف تصورات أنتجها آخرون ويستكملون العمل في خطوط إنتاج حدد معالمها آخرون من دون توقف للمراجعة والتأكد من أصالة ما ينتجون ومدى انتمائه لذواتهم. وكثيرون يخضعون للإرهاب باسم الأشكال الفنية، فيخشون التحليق خارج الحدود الآمنة تنظيرا أو إنتاجا. بهذا المعنى لم أبتعد عن الشعر، أعيش داخل الشعر؛ الشعر باعتباره نسغا، الشعر باعتباره طريقة تفكير، الشعر باعتباره منهج تواصل مع الكون ومحاولة مستمرة لضبط موقعي منه.

*********************************

- يبدو الديوان مثل صرخة ضد العنف والكراهية والقتل وكل الأفعال الشنيعة في العالم.. هل كان ذلك هدفك؟

هو محاولة لإعلان موقفي، ويبدو أن إعلان الموقف هو أقوى موقف ممكن في هذه الحياة التي باتت تشبه ألعاب القتل المصممة بالحاسوب: اقتل لكي تحقق هدفك!

لقد مر جيلنا -في سنوات معدودة- بما هو أقسى من كل ما قرأنا عنه من حماقات في تاريخ البشرية على الأقل الحديث منه. شاهدنا بأعيننا ولمسنا بأيدينا ما خلخل تقريبا معظم الأسس التي نشأنا على اعتبارها حقائق. مررنا بهزات مسّت بعمقٍ المفاهيم الأساسية المتعلقة بالخير والشر، والحق والباطل، والظلم والعدل أو ما كنا نعتقده كذلك.. تخيل أن تضطرك الحياة لمراجعة كل هذه المفاهيم وتتشكك في صحتها، بينما هناك مَن لا يزال يجرِّم إعادة النظر في مفهوم الشعر!

في حياة مثل هذه انتابني شعور بمسؤولية إعلان موقفي لمن سيجيئون بعدي، عن عالم صار الموت فيه في حاجة لمن ينقذه من حملة التشويه التي يتعرض لها على أيدي القتلة.

تقول: "هذه الأرض ليست سوى خدعة".. هل يحاول الديوان فتح أعيننا على وهم الوجود؟

أحيانا أكاد أصدق أن الحياة نسخة تجريبية من لعبة قتل متقنة يلعبها لاعبون مجهولو الهُوية، لهم صلاحيات آلهة السوفت وير، ومهندسي البرمجة. عندما طُرحت هذه الفرضية على نخبة من فلاسفة العصر في صيغة سؤال: هل يمكنك مناقشة فرضية أن الكون مجرد لعبة حاسوب؟ كانت أشد الإجابات تفاؤلا أنها فرضية لا يمكن دحضها بالمنطق.

هل الوجود بهذا المعنى وهم؟ سؤال لا يمكن مقاربة إجابته، إلا من باب الفلسفة، وإذا كانت الفلسفة عجزت عن تقديم إجابة، فأظن أن الشعر هو الوريث الجدير بالفلسفة اليوم.

-"الشجيرة الوحيدة"، شاهدة على امتداد عنف الإنسان إلى "الأم الخضراء".. الشعر في تلك القصيدة ينبع من صور الألم الصافي، حيث يتفنن الجميع في وضع أشيائهم في ندبة الشجرة.. ما تعليقك؟

لا يمكن شرح الشعر إلا بالموسيقى، وقد فاجأني الصديق الموسيقار محمد عنتر، عازف الناي الكبير، بمقطوعة أهداها لي خلال حفل إطلاق كتاب "أيها الموت العظيم"، في مقر بيت الحكمة بالقاهرة. معزوفة استلهم خلالها هذه القصيدة "الشجيرة الوحيدة". وإذا حاولت التعبير عن المشاعر التي انتابتني كمتلقٍ بينما أستمع لتلك المعزوفة التي أعرف أنها تشكَّلت في ضوء معزوفتي الشعرية؛ فسوف أقول إنني شعرت بمدى القسوة التي سكنتْ قلوب الناس تجاه ذواتهم، وتجاه الكون وكائناته، قسوة من ذلك النوع الذي يصعب توصيفه أو وضع اليد على منابعه، قسوة تشبه دحرجة أوراق الدومينو، كل ورقة تُلقي بحملها على التي تليها ظنًّا منها أنها ارتاحت أخيرا؛ بينما التكوين كله ينهار، وبينما يصفق الجميع تحية لهذا الانهيار المريع.

- القصائد تنويع على معاني التوحش والغرور الإنساني.. هل يمكن القول إنه ديوان ضد توحش الإنسان؟

إنها محاولة للتعبير عن مدى هشاشة الإنسان، وعدم قدرته في الوقت نفسه، وربما بدافع منها، على استيعاب هذه الهشاشة والتعامل معها بما تستحق من تخلٍّ، بسبب الخوف.

أكاد أجزم بأن الخوف هو السبب الأصيل خلف كل توحش، الوحوش الأصيلة تمارس توحشها وفق منطق له بنيته البيولوجية وأسسه الغريزية التي تصلح للنقاش، أما وحشية البشر فدافعها الأوحد الخوف، الخوف جهلاً ومعرفة، الخوف إرثاً وتجربة، الخوف تنظيراً وممارسة، الخوف باسم الدين، والعلم، والخرافة، والقداسة، واللعنة، والبركة، والحب، والكراهية. ماذا لو تيقَّن الإنسان من هشاشته، وهشاشة اللعبة كلها، وتخلَّى عن هذا الخوف وآمن بأنه لا مجال لتمتين جدرانه الهشة، إلا على حساب جدران جيرانه الهشة! سؤال عبثي! وما الشعر سوى محاولة لإعادة النظر في الواقع عبر مجهر العبث!

-"قاهرة الغريب.. قاهرة الدهشة"، واحدة من أجمل القصائد.. كيف وصلت إلى هذه القناعة خلالها: "ذنوب القاهرة لا يغفرها سوى إله أو مجنون"؟!

أما اليقين فلا يقين، وأقصى اجتهادي أن أظن وأحدسَ، هكذا همس، قبل أقل من ألف سنة بقليل، المتأمل في محبسيه أبو العلاء المعري. تسألني عن القناعة؟ هل تشعر باللعبة المخيفة التي تحملها الكلمة قَنَعَ؟ قنع أي رضي ولم يطلب المزيد، بينما تقنَّع أي تخفَّى بقناع! هل ندرك مدى غرابة اللعبة؟ هذه اللعبة مخيفة، والقاهرة مخيفة بين القناعة والتقنع، بين الرضا وعدم طلب المزيد، وبين التعطش طلبا ورغبة، وأملا ورجاء، وابتهالا وتوسلا وتسولا، وهذه هي الدنيا التي وصفها من خَبرها فقال: سكنت إلى الدنيا فلما عرفتها، تمنيت أني لست فيها بساكن.

- لماذا ترى أن الوقت هو ما يمنح المدن أرواحها؟

"يا ترى اللي بيعيش الزمن إحنا، وإلا الزمن هو اللي بيعيشنا؟" سؤال فلسفي مُرعب صاغه ببساطة -كما صاغ أذواقنا وعقولنا- الشاعر سيد حجاب. الزمن هو كل شيء، والوقت هو المكيال الذي يُقاس به الزمن، وحدة إحصاء مقسَّمة لوحدات أصغر وأدق، لا نملك التحكم في الوقت ولكننا نمتلك كل القدرة على تشكيله، وتكثيفه، وتعبئته بما يجبره على استهلاك عشرات أضعاف وحدات قياسه لكي يتمكن من تجاوزه، هكذا نقول من باب البلاغة: وقف الزمن مندهشا، أو نَصِفُ فعلا أو عملا بأنه تجاوز الزمن أو سبقه، هذه ليست مجرد بلاغات قولية، الأقوال لا تنشأ في الفراغ، إنه وصف لما نجح البشر في تحقيقه، والمدن -في حدودها الدنيا- مجرد أماكن يعيش فيها البشر، لكن بعض المدن تعتق فيها الوقت وتكثف، وتشكل بأرواح من سكنوها أو عبروها، فامتلكت روحا من جواهر أرواحهم، يحتاج الزمن إلى أزمنة تفوق عمره لكي يستعرضها، ومهما بدا أنها خفتت تظل متقدة كالجمرة تحت الرماد، القاهرة واحدة من هذه المدن ذات الأرواح.

- "رقصة التاريخ" هل هي محاولة لزعزعة إكلشيهات تخص التاريخ؟

نعم، بكل وضوح، إنها قصيدة سخرية مريرة من الاستخدام المفرط للتاريخ في غير الغرض المخصص له، وهو تجنب الوقوع في الأخطاء القاتلة.

-لماذا دعوت الموت أن يكون رشيقا وألا يتمهل؟

ربما يكون رقصتنا الوحيدة، ولم تمهلنا الحياة فرصة للرقص؛ فنستمتع لمرة وحيدة أخيرة بما كنا نظن أرواحنا وأجسادنا قادرة على تحقيقه من رشاقة، وألا يتمهل لأن الأشياء تفقد رونقها حين تقيم طويلا.

-ما المختلف بين "عشرون صورة للحب" وصور الحب عند الشعراء الآخرين؟

لا أعرف، ربما يعرف الشعراء الآخرون. ولا أعرف لماذا عشرون، ولا أعرف لماذا صورة وليس "مشهدا" مثلا! ولا أعرف كذلك كيف نبتت كل هذه الصور وتدفقت من مخيلتي إلى الورق، كل ما أعرفه أنني شعرت بكل صورة منها تماما كما يحدث في ألعاب الواقع الافتراضي المعزز حين يصلون عقلك عبر مجسات بأرشيف لامتناهٍ من الصور تأتمر بأمر خيالك، وتتدفق لتصنع العوالم التي تفكر بها. الشعراء أول من صنع العوالم الافتراضية المعززة، ووضعوا أسس الذكاء الاصطناعي.

- لماذا أضفت رسومات إلى الديوان.. هل كنت ترى أن القصائد تحتاج إلى إضاءة؟

الرسوم ليست إضاءات، إنما تنويعات، قصيدة النثر، كما يسمونها- أقرب للرسوم والتشكيل منها إلى الكلمات. قصائد كُتبت قصد مخاطبة العقل عبر حاسة البصر. يمكنك أن تسمي الرسوم في هذا الكتاب، وهي رسومي، بالمثيرات التي تساعد على تحفيز عملية التلقي، سلبا وإيجابا، لا يُشترط أن تتفق الرسوم في المعنى مع القصائد، ولا أن تختلف، يكفي أنها تتضمن قدرا من الانفتاح على التأويل لتساعد على تفكيك ما لدى المتلقي من معارف؛ فتصنع معه عالما تأويليا جديدا.

- ظهرت واحدة من أهم سمات قصيدة النثر في قصيدتي "لوحات كثيرة لأجلها" و"سؤال يوسف"، أقصد سمة "الكتلة".. ما المختلف بين هاتين القصيدتين وبقية قصائد الديوان في وجهة نظرك؟

المختلف هو أنا، ما صنعه الزمن بي! أو ما نجحت في استنقاذه من الزمن! ما تعقَّد في ذائقتي؟ ربما. ما تفكك من تعقيدات أفكاري؟ ربما. ما تدرب ذهني على التقاطه من خيالي، وما اكتسبه من لياقة في تمريره عبر ركلات متقنة دون اصطناع. ما نجحت مخيلتي على تفكيكه وإعادة تركيبه أصبح من ممتلكاتي وألعابي. أتجنب -قدر الإمكان- القراءة في المنتج التنظيري للشعر، إنه ثقل لا مبرر له. مع الشعر نفسه أشعر أحيانا بأنني غير قادر على محبة ما كنت أحبه من قبل، وأصبح عصيا على الإرضاء؛ فأعرف أنني معلق على عتبةٍ، صعودا أو هبوطا لا يهم، المهم أنني وقتها أصوم عن قراءة الشعر، وقد تمر سنوات من دون أن أقرأ شعرا، ثم تعيدني لقطة مدهشة، أو جملة فاتنة، أو لفتة شاعرة فأعود أكتب كما لم أكتب سابقا.

- أنت كاتب مسرحي وشاعر وروائي وفنان تشكيلي وكاتب مقال.. كيف يتجاور داخلك كل هؤلاء المبدعين؟ ومن أقربهم إلى روحك؟ هل تفضِّل لقب الروائي أم الشاعر؟

في البداية كنت أشعر بالخجل عندما يعرفني أحدهم للآخرين بوصفي شاعرا، كنت أرى الأمر شديد الخصوصية، كأن أحدهم يفتح الباب عليك في لحظة خاصة بحجة أنك شاعر، مع الوقت تأكد هذا الشعور، وانسحب على كل أشكال التعبير عبر كافة أشكال الكتابة الأدبية، وكذلك مع الرسم، والموسيقى وتأليف وتلحين الأغنيات، صرت أنظر إلى كل ما أمارسه من هذه الأمور باعتبارها ألعابي الشخصية. نحن لا نترك اللعب كلما تقدمنا في العمر، إنما نستبدل ألعابنا، ونكتشف، وربما نبتدع ألعابا جديدة تناسب تطورات شخصياتنا، وصار نموذجي الأعلى لاعب الكرات المتعددة، هذا الذي يطمح دوما لإضافة كرة جديدة أو ربما وردة لمجموعته.

- ما جيلك مصريا وعربيا؟

لا أهتم بفكرة الجيل الأدبي، أرى الأمر شخصيا وفرديا للغاية. كل مهتم بالتصنيف سيجد بلا شك روابط تدعم توجهه وترضي رغباته، مهما بدا للآخرين أنها مقحمة وغير ذات صلة، ولست من المهتمين بذلك.

-هل ترى أن أعمالك حصلت على ما تستحقه من اهتمام نقدي؟

بشكل فاق توقعاتي، ترشحت أعمالي في القوائم القصيرة لجوائز مرموقة، وفاز بعضها بجوائز، وأثارت أعمالي جدلا يتعلق بزوايا التناول، أو بقضايا النوع والشكل، وبتساؤلات تتعلق بتجاور الأنواع وحرية الكولاج الفني أو العمل نحو نوع جديد. الحقيقة أقول لقد انتبهتْ حركةُ النقد المصرية والعربية لما أُنتجه -سواء في الشعر أو في المسرح أو في الرواية، أو في مقالات النقد الثقافي التي نشرتها في سلسلة كتب تحت عنوان "واحد مصري"، كذلك حظيت ألعابي في التشكيل بمتابعات جادة التقطت خيط الانشغال الفكري الواصل بين كافة كرات اللعب التي أمررها بين أصابع كفيّ اللتين أحاول أن تظلا تلعبان طوال الوقت.

- أخيرا ما طموحك للكتابة؟

الكتابة طموح كافٍ.

مقالات مشابهة

  • فيلم «الرمز 8».. الذكاء الاصطناعي يشعل الصراع بين ذوي القدرات الخارقة
  • هل يصبح الخليج قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي؟
  • خبراء: الذكاء الاصطناعي لا يهدد الوظائف
  • هل يُعلن الذكاء الاصطناعي نهاية الفأرة ولوحة المفاتيح؟
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: فَيّ المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: في المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يعزز دقة التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة
  • وظيفتك في خطر؟.. جوجل ومايكروسوفت تكشفان مستقبل البشر في عصر الذكاء الاصطناعي
  • لماذا لن يُفقدنا الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟
  • وليد علاء الدين: الشعراء أول مَن وضع أسس الذكاء الاصطناعي!