يشعر كثيرٌ من المراقبين للساحة الإثيوبية بقلقٍ متزايدٍ حيال التطورات المتسارعة في الداخل الإثيوبي، حيث تسارعت وتيرتها بالتعديلات الوزارية الأخيرة التي طالت أبرز وجوه الحكومة وحلفاء رئيس الوزراء الإثيوبي، وأتت بقادمين جدد آخرين ليغلب عليهم الطابع الأمني والعسكري بعد كثير من التباينات والآراء داخل حزب الازدهار الإثيوبي الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء آبي أحمد، حيث عصفت الرياح الإثيوبية بنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المعتق دمقي مكونن بعد فتور العلاقة بينهما والتباين في وجهات النظر وتباعد الخطى بينهما، مع تململ كبير في إقليم أمهرا وقوات فانو التي ينحدر أفرادها من الأمهرا، ولم تهدأ بعد جبهة تيغراي.



وسمي تسمقن طورونه نائبا لرئيس الوزراء وهو ينتمي إلى الأمهرا أيضا، وكان يشغل منصب رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات وقبلها حاكما لإقليم أمهرا، وهي هندسة جديدة لحصار حالة اللاستقرار في الإقليم المضطرب والذي يشكل أيضا مهددا متحركا على الساحة الإثيوبية. فالسيد طورونه يعتبر من الموثوق بهم بالنسبة لآبي أحمد، حيث تزاملا معا في مؤسسة شبكة أمن المعلومات الإثيوبية (ENSA)، وهو توجه يعتبره الكثيرون أنه يهدف إلى إخضاع إقليم أمهرا على غرار إقليم تيغراي الذي بدأ بالعنف وانتهى باتفاق بريتوريا الموقع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وما يزال هشا لاستمراريته في ظل تحديات على الأرض لا سيما في تواجد القوات الإريترية -العدو اللدود للتيغراي- وحالة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما دفع منظمات حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي إلى إدانة تلك الانتهاكات المستمرة في الإقليم والتي قد تعجّل بانهيار الأوضاع هناك.

في ضوء ذلك، فإن حالة إقليم أمهرا لا تبدو شاذة -مثله مثل حالات التململ في معظم أقاليم البلاد المضطربة- إذ يغلي الإقليم بالاحتجاجات المتكررة والتمردات التي ما أن تخمد جذوتها حتى تعاود الانبعاث من جديد حتى قبل مليشيات فانو في الوقت الراهن، والتي تحظي بشعبية كبيرة في الإقليم، وهو أمر دفع آبي أحمد إلى تعزيز موقعه هناك بوزير خارجية جديد من ذات القومية، وهو أتايي اتسكي سيلاسي. تتزايد حالة الاضطراب في الداخل الإثيوبي الهش، فبعد أقاليم تيغراي وأوروميا وأمهرا التي شهدت وتشهد صراعات مسلحة، اتجهت الاضطرابات جنوبا إلى إقليم سيداما، حيث تتصاعد وتيرة الاحتجاجات والتوترات من نشطاء وسياسيين وأحزاب لتبرز إلى السطح في الآونة الأخيرة، لتضاف إلى قائمة طويلة من الأزمات تمر بها البلادوهو سفير سابق بالأمم المتحدة ودبلوماسي ضليع يعرف كواليس السياسة الدولية، وهو ما يحتاجه نظام آبي أحمد في المراحل المقبلة. لكن من الواضح أنه سيتنازل عن مهنيته وتاريخ شخصي طويل في دروب الدبلوماسية المهنية لصالح شخصية رئيس الوزراء الذي همّش دور وزارة الخارجية كمؤسسة طوال السنوات الخمس الأخيرة، حيث غدت تُدار من مكتب رئيس الوزراء.

وعطفا على ذلك، مضى هذا التغيير وفق هندسة جديدة للداخل الإثيوبي تتيح مساحات كبيرة لمناورات الخارجية التي يمتاز بها آبي أحمد.

وفي إطار توازنات الداخلية ورهاناته الخارجية، اختار آبي أحمد كذلك كاتم أسراره وصندوقه الأسود، السفير رضوان حسين، رئيسا لجهاز الأمن الوطني والمخابرات؛ فهو مؤخرا مهندس مذكرة التفاهم مع جمهورية أرض الصومال، وأبرز مهندسي التواصل مع المعارضات في إريتريا والسودان والصومال، حيث تبرز قدرات الرجل في شد الداخل الهش إلى مناورات الخارج.

وكان آبي أحمد قد أطاح في نهاية العام الماضي بوزير السلام تايا دنديا وقام باعتقاله على خلفيه اتهامه بالتعاون مع قوى مناهضة للسلام يُزعم أنها تحاول تدمير الدولة الإثيوبية، في إشارة إلى جيش تحرير الأورومو. ووُصفت تلك الاتهامات ومن ثم لاحقا الاعتقال بالبربرية؛ بهدف إقصائه من الحياة السياسية لانتقاده المتكرر للسياسات الأمنية للنظام الإثيوبي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفاوضات الحكومة الإثيوبية التي عُقدت في تنزانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مع جيش تحرير الأورومو الذي انشق عنها أوناق شاني، وتصنفه الحكومة الإثيوبية كمنظمة إرهابية، قد فشلت في جولتين منها.

وتتزايد حالة الاضطراب في الداخل الإثيوبي الهش، فبعد أقاليم تيغراي وأوروميا وأمهرا التي شهدت وتشهد صراعات مسلحة، اتجهت الاضطرابات جنوبا إلى إقليم سيداما، حيث تتصاعد وتيرة الاحتجاجات والتوترات من نشطاء وسياسيين وأحزاب لتبرز إلى السطح في الآونة الأخيرة، لتضاف إلى قائمة طويلة من الأزمات تمر بها البلاد.

اقتصاد يتدهور مع عجز يثقل كاهل الداخل

مع الأوضاع الداخلية البالغة التعقيد، دفع الاقتصاد الإثيوبي النامي ثمن التمردات والاضطرابات الداخلية، فتراجعت قدرة الحكومة على سداد الديون السيادية بعد إبلاغ وزارة المالية حاملي السندات أنها في وضع لا يسمح لها بدفع الفوائد المترتبة عليها والتي حان استحقاقها.

ويعاني الاقتصاد الإثيوبي من انكماش واضح نتيجة الصرف الكبير على حرب التيغراي، وهو ما عزز من مخاوف المستثمرين من أن بلدا تشتعل الحروب في كل أطرافه، بعضها تم قمعه والبعض الآخر ينزع فتيل البارود مؤقتا، غير مغرٍ. ورغم المجهودات والدعم الدولي الضخم، فقد خفضت المؤسسات الاقتصادية الدولية من قيمة العملة الإثيوبية مع فجوات كبيرة في التمويل الخارجي وفوائد الديون التي تصل لمبلغ يتجاوز المليار دولار سنويا، مما خلق وضعا اقتصاديا ضاغطا في الداخل المضطرب، وأدى بالتالي إلى المطالبات بتعليق الديون وهيكلتها أو تجميدها لهذا العام وحتى ربما العام القادم.

وفي محاولة للحد من التدهور الاقتصادي في البلاد، تسعى الحكومة لتقديم طلب رسمي للحصول على تمويل طارئ من صندوق النقد الدولي، مع ملاحقات الدائنين في نادي باريس من أجل عقد اتفاق نهائي لا يتجاوز نهاية آذار/ مارس القادم.

وطلبت كذلك من الصين جدولة ديونها وهيكلتها مرة أخرى، مما يقلل فرص المناورة مع الصين التي تعمل على تعزيز وجودها في أفريقيا، وهو أمر يجد الامتعاض من الدول الغربية. وهذه الديون كرت رابح تدرك بكين أهميته مع أديس أبابا في خضم تنافس جيوسياسي.

حروب الداخل وفشل النموذج الوطني

بفشل نظام آبي أحمد في إقرار مشروع وطني متماسك -بالرضا والتوافق- رغم الدعم الدولي الذي حظي به وحالات الحماية التي يتمتع بمظلتها، فإنه يبدو غير آبه بالإدانات الدولية أو انتقادات المنظمات الحقوقية، خاصة مع دعم المنظمات الإقليمية التي تسيطر عليها إثيوبيا (كإيغاد) أو تلك التي تتخذ من أديس مقرا لها (كالاتحاد الأفريقي). وإضافة الدعم الغربي والأمريكي والتركي، فمع الوجود الإماراتي المتعاظم في الساحة الإثيوبية للإبقاء على تماسك النظام واستمراريته في خضم تحديات داخلية متعاظمة، تبقى الحالة الإثيوبية في أعلى درجات التململ والتمرد الوشيك الانفجار في أكثر من إقليم، مع انسداد الأفق السياسي ولجوء الحكومة إلى الحلول العسكرية والإخضاع بالقوة.

ونتيجة لذلك اتسعت دائرة المواجهات، مع انتهاكات كبيرة في حقوق الانسان أثارت قلق المنظمات الحقوقية الدولية التي ما فتئت توجه الإدانات التي لا يلقي لها النظام الإثيوبي بالا.

مناورات الخارج وشد الداخل

يجادل المراقبون بأن الهدف من مناورات حكومة آبي أحمد الخارجية هو توحيد الداخل المتشظي؛ فالمناورة مع جمهورية أرض الصومال -على سبيل المثال لا الحصر- عبر حصول إثيوبيا على منفذ بحري مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، مع تشجيع بعض الشركاء الإقليميين لهذه الخطوة.

يجد النظام الإثيوبي نفسه في حالة حرب معلنة وخفية ضد جيرانه، مما قد يجر المنطقة مرة أخرى إلى اصطفافات مكلفة واحتمالات عودة حالة العنف والمواجهات، مع ديناميات جديدة تغذي الصراع الذي تشعله إثيوبيا وطموحاتها غير الواقعية في حقبة آبي أحمد
غير أن هذه الخطوة قد تفتح أبواب لتجدد المرارات والثأرات بين الجيش الإثيوبي وحركة الشباب الصومالية التي قامت باستعراض قوتها لتسديد ضربات ضد إثيوبيا، سواء باستهداف قواتها في الصومال أو القوات الإقليمية. وهذه التوقعات لا تخلو من رسالة سياسية موجهة لشركاء الحكومة الإثيوبية، مؤداها أن مناورة آبي أحمد مع جمهورية أرض الصومال قد تقوّض كل ما بذلته الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الدوليون، فضلا عن تضحيات وجهود بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس أو أميصوم سابقا) منذ 2007، والتي كان الجيش الإثيوبي أحد أهم مكوناتها.

على الصعيد الإقليمي الأوسع أيضا، ينظر السودانيون كذلك إلى حالة التماهي الإثيوبي مع الدعم السريع في حربه ضد المدنيين والجيش السودانيين بعين الريبة، بعد الإسناد الخفي في المنظمات الإقليمية وتجييرها لصالح التمرد، لتتضح رغبة النظام الإثيوبي في سودان منهك وضعيف.

وإضافة الى ذلك، هنالك حالة الشد والجذب مع إريتريا ودغدغة مشاعر الإثيوبيين بالسيطرة على أحد موانئ إريتريا، بذلك يجد النظام الإثيوبي نفسه في حالة حرب معلنة وخفية ضد جيرانه، مما قد يجر المنطقة مرة أخرى إلى اصطفافات مكلفة واحتمالات عودة حالة العنف والمواجهات، مع ديناميات جديدة تغذي الصراع الذي تشعله إثيوبيا وطموحاتها غير الواقعية في حقبة آبي أحمد.

في ضوء هذا السلوك الإثيوبي، فإن عودة ظاهرة أمراء الحرب وتعبئة المجموعات العنيفة برعاية إقليمية واضحة، كما حدث في الحالة السودانية، تهدد بانشطارات جديدة وواقع من حالات التمرد والعصيان والانتهاكات الصارخ لكل حقوق الإنسان. ويبدو هنا أن إثيوبيا تمضي لتسكين أزماتها الداخلية بإشعال بور التوتر مع جيرانها، وهي في الواقع تقود إلى انهيار المنطقة واتساع دائرة العنف والانقسامات في إثيوبيا؛ والتي وصلت إلى عنف المجتمعات الإثنية ضد بعضها البعض، وهي حالة شديدة الخطورة والتعقيد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صراعات الأزمات أفريقيا أفريقيا أثيوبيا أزمات صراعات ابي احمد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس الوزراء فی الداخل آبی أحمد

إقرأ أيضاً:

تحقيق لهآرتس: هكذا يطارد الشاباك بدو الداخل الفلسطيني

منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتعرض الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، وأبناء المجتمع البدوي في النقب خاصة، إلى موجة متصاعدة من الاستهداف الأمني، تقودها أجهزة الدولة الإسرائيلية على رأسها جهاز الأمن العام (الشاباك).

فقد تحوّل التعبير عن الرأي، أو مجرد الإعجاب بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أو التعبير عن التعاطف مع الشعب الفلسطيني في غزة في "واتساب" إلى مبرر كافٍ لاستدعاءات أمنية وتهديدات وملاحقات تنذر -بحسب ناشطين- بتحوّل النقب إلى "غرفة تحقيق مفتوحة" يعيش أهلها تحت رقابة دائمة.

ورغم أن الممارسات الأمنية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الـ48 ليست جديدة، فإن ما يحدث في النقب منذ السابع من أكتوبر يشكّل مرحلة نوعية في أساليب الضبط والمراقبة، فإلى جانب أدوات الهدم والتمييز الاقتصادي، تُستخدم أدوات أمنية صارمة تزرع الخوف وتخرس الأصوات.

وإذا كان التعبير عن الرأي بات يهدد مستقبل الطلبة ويجرّ القاصرين وكبار السن إلى غرف التحقيق، فإن التهديد لا يمسّ الأفراد وحدهم، بل بنية المجتمع برمته.

صلاحيات واسعة للشاباك

وفي هذا السياق، كشف تحقيق مطول نشرته صحيفة "هآرتس" عن المدى غير المرئي لتدخلات الشاباك في حياة البدو الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وذلك عبر منظومة ترهيب مدروسة تستهدف البدو الفلسطينيين بالمراقبة اللصيقة، والاستدعاءات الأمنية، والتهديدات المباشرة، والابتزاز الشخصي والعائلي، ومحاولة تجنيدهم أو إسكاتهم.

إعلان

كما يسلط التقرير الضوء على محاولات جهاز الشابك توظيف صلاحياته شبه المطلقة أمنيا لتصفية الحسابات مع من يرفضون العمل معه، أو يحاولون التعبير عن هوية وطنية، بينما يُكافأ المتعاونون بتسهيلات حياتية أساسية.

ويصف التحقيق كيف تتحول لقاءات "الدعوة إلى التعاون" إلى لحظات ابتزاز نفسي ومجتمعي، تستغل فيها هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبدو.

ويستهدف الشاباك -حسب ما كشفه التحقيق- شبانًا في مقتبل العمر، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم 17 عاما، ويُستدعون دون مبرر قانوني إلى مراكز التحقيق، حيث يُهدَّدون بمنع من السفر أو الطرد من العمل أو الحرمان من مقاعد الدراسة، إذا لم يوافقوا على التعاون. وفي حالات أخرى، تتلقى العائلات مكالمات مفاجئة من ضباط الشاباك يُطلعونهم فيها على تفاصيل خاصة بحياة أبنائهم لإيصال رسالة واضحة "نراك، ونعرف كل شيء عنك".

ويظهر من التحقيق أن الشاباك لا يكتفي بالمراقبة، بل يمارس دورًا أمنيا اجتماعيا يقوم على صناعة شبكة من الضغط النفسي والعزلة المجتمعية، تدفع الشباب إما إلى الانطواء، وإما إلى الهجرة أو الانخراط القسري في التعاون.

ألعاب إلكترونية تقود للتحقيق

من بين الحالات الصادمة التي وثّقتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية حالة الفتى "نور" (اسم مستعار)، وهو طالب ثانوي من إحدى القرى البدوية في النقب، قاده شغفه بألعاب على الإنترنت -دون أن يتوقع ذلك- إلى مواجهة مباشرة مع محققي الشاباك.

فمنذ أن خرج من لقائه بالشاباك "لم يعد كما كان"، كما تقول والدته لطيفة (اسم مستعار)، أما هو فقال لأمه "أمي، لن أنسى هذا أبدًا".

وتروي والدته أن سبب الاستدعاء كان تواصله أثناء اللعب مع شخص من غزة، وأن المحققين أظهروا له تسجيلًا لتلك المحادثة، وكذلك ما شاهده عبر الإنترنت من مواد إعلامية، مثل قناة "الجزيرة" وأغان عربية "غير مُصرح بها"، فبسبب ذلك "اتهموه بالتحريض على الإرهاب وهددوه بإرساله إلى غزة. قالوا له إنهم يعرفون كل شيء عنه".

إعلان

وقبل الاستجواب، اضطر نور لتوديع أصدقائه خشية ألا يعود. كما خضع -خلال التحقيق- هو ووالده لتفتيش مهين داخل مجمع سري في النقب، وطُلب منهما خلع ملابسهما، ونتيجة لك يعاني -منذ ذلك الحين- من آثار نفسية عميقة.

وتقول والدته إنه عانى من الاكتئاب لمدة أسبوعين، وبالكاد يستطيع التواصل، ولم يكن يجلس معنا لتناول الطعام. وقال لها "يا أمي، البلد مختلف، هذه ليست بلادنا".

حملة إسكات ممنهجة

وبحسب الصحيفة، تحدث نحو 20 شخصًا من سكان النقب عن ممارسات متزايدة من الشاباك تمس جوهر الحقوق المدنية. وتؤكد الشهادات أن الانتقاد السياسي، حتى في الرسائل الخاصة عبر "واتساب"، صار سببًا كافيًا للاستدعاء، خاصة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.

ويقول ثامر (اسم مستعار) أحد الناشطين السياسيين، إن "الجميع يعرف شخصًا تم استدعاؤه للاستجواب، وأحيانا بسبب إعجاب أو تعليق بسيط على منشور". ويضيف "الشعور السائد هو أن الكلام أصبح ممنوعا. نحن نقترب من واقع شرطة فكرية حقيقية".

أما هشام (اسم مستعار) -وهو رجل أعمال عمل في مجال الأمن- فيقول "منذ زمن لم نعد في دولة ديمقراطية فعلية؛ أي منشور عن غزة، أو حتى تحية لقريب هناك، قد تُسبب اختفاء صاحبها ببساطة".

استهداف النساء وكبار السن

الاستهداف الأمني لم يقتصر على الشباب أو الناشطين، بل شمل النساء وكبار السن.

وذكرت هآرتس أن سيدة سبعينية متدينة وجدة لأحفاد تم استدعاؤها أيضًا إلى مقرات الشاباك، وتعرضت للتهديد والتفتيش المهين. ولأسباب أمنية، رفضت هذه السيدة إجراء مقابلة مع الصحيفة.

ويشير ناشط آخر إلى أن "الاستدعاءات لم تعد موجهة للأشخاص بعينهم، بل إلى المجتمع بأكمله". ويضيف "الرقابة موجودة في الهواء، في كل بيت، في كل هاتف. الجميع خائفون من التحدث حتى لأقرب الناس إليهم".

هدم القرى والردع المزدوج

يبدو أن هذه الحملة الأمنية ليست معزولة عن السياق السياسي الأوسع، حيث تشن الأجهزة الإسرائيلية حملة واسعة لتهويد النقب، تشمل عمليات هدم جماعية للقرى غير المعترف بها. ويقول إبراهيم (اسم مستعار)، وهو ناشط اجتماعي مخضرم في النقب، "نشاطي في التصدي لعمليات الهدم هو السبب في استدعائي المتكرر". ويتابع "في إحدى المرات، تم استدعاء والديّ المسنين أيضًا كوسيلة للضغط عليّ. شعرت بالذعر من أن يصيبهما مكروه بسببي".

إعلان

ويرى محللون أن ما تقوم به الدولة هو "ردع مزدوج يضرب المقاومة السياسية والاجتماعية للبدو، ويقوّض أي إمكانية لبناء حركة مدنية فاعلة".

استهداف التعليم والعمل

من جهته، يقول مدير مركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل حسن جبارين للصحيفة إن "تدخل الشاباك في حياة العرب ليس جديدًا، فخلال الحكم العسكري تدخلوا في الزواج والتعليم، وفي بداية الألفية رفعنا التماسا ضد وجود ضابط شاباك داخل وزارة التعليم".

ويضيف "ما نراه اليوم هو إعادة إحياء لهذا التدخل ولكن بطريقة أكثر قسوة، وبغطاء قانوني أقل".

وفي إحدى الحالات التي وثّقتها الصحيفة، لم يكن الشاب المستدعى ناشطًا سياسيا، ولا حتى مهتما بالشأن العام، لكنه تلقى مكالمة من الشاباك لمجرد تواصله مع شخص من غزة في لعبة إلكترونية. وتم تهديده بأنه "في المرة القادمة سيختفي تمامًا".

"رقابة على الهواء"

تقول الصحيفة إن هذه العبارة تكررت على لسان غالبية من قابلتهم "إنهم يراقبونك.. دائمًا في الهواء". وتنقل الصحيفة عن يوسف (اسم مستعار)، أحد وجهاء النقب، قوله إن "الرقابة صارت أسلوب حياة. الجميع يشعر بأن هناك من يتنصت، يقرأ، ويتحين اللحظة المناسبة للانقضاض". وأضاف "نحن نعيش في حالة خوف دائم".

أحد الناشطين قال إنه "حتى المحامون يخشون الدفاع عن المستجوبين لأن التصنيف الأمني يلحق بهم ضررا مهنيا". ويضيف "بعض الأشخاص فقدوا وظائفهم أو حُرموا من الحصول على تصاريح سفر أو تصاريح بناء فقط بسبب تحقيق أمني لم يسفر عن أي اتهام".

واللافت أن كثيرًا ممن تحدثوا إلى هآرتس أصروا على إخفاء هوياتهم، وحتى الامتناع عن ذكر تفاصيل دقيقة عن حياتهم اليومية. بل إن أحدهم قال "لم أعد أتكلم بحرية حتى مع زوجتي. لا أثق في أحد. ليس لأن الناس خونة، بل لأن الخوف تسلل إلى كل الزوايا".

ونقل التقرير عن نشطاء قولهم إن ما يحدث "يؤسس لحالة من التطبيع مع القمع"، حيث "يتعلم الناس كيف يراقبون أنفسهم، ويتفادون المواجهة مع الدولة، ولو على حساب كرامتهم وحقوقهم".

إعلان

وأوردت الصحيفة في ختام تقريرها رد الشاباك على طلبها التعليق على ما ورد في التقرير، والذي جاء كالتالي "في غياب تفاصيل كافية، بما في ذلك أسماء الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في المقال والذين لم يتم إرسالهم إلينا للنظر فيها، فإنه من غير الممكن معالجة الحالات المذكورة في طلبك".

وجاء في الرد أيضا "يلتزم جهاز الأمن العام بالحفاظ على أمن الدولة ونظام البلد الديمقراطي ومؤسساته ضد التهديدات الإرهابية والتخريبية، ولتحقيق هذه الغاية تعمل الوزارة من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات المخصصة لها ضد أولئك الذين يتماهون مع المنظمات الإرهابية أو يحرضون على الإرهاب والعنف"!

مقالات مشابهة

  • حدث في منتصف الليل| عدد المشروعات التي تم التعاقد عليها بالمنطقة الاقتصادية للقناة.. وتطورات سفر العمال الزراعيين لليونان
  • مستقبل وطن يكشف عن إطلاق حملات توعية للمصريين في الخارج
  • الحكومة تكشف عن عدد المشروعات التي تم التعاقد عليها بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس
  • الحكومة: التعاقد على 274 مشروعا بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس
  • أحمد موسى: تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 33 مليار دولار.. قفزة غير مسبوقة
  • أحمد موسي: قضينا تماما على السوق السوداء للعملة
  • أحمد موسى يشيد بدور المصريين في الخارج لهذا السبب
  • العراق وسياسة التوازن بين أطماع الخارج وتحديات الداخل
  • تحقيق لهآرتس: هكذا يطارد الشاباك بدو الداخل الفلسطيني
  • إثيوبيا تستحدث شرطة بحرية لحماية سد النهضة