العلم الرئيس في ما بعد الأخلاق.. القرآن هل هو مصنف تلفيقي أم نسق نقدي؟
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
لم يمثل طوفان الأقصى، زلزالا سياسيا فقط لجهة إسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر لدولة الاحتلال، وإنما أيضا مثل سؤالا فكريا وثقافيا وفلسفيا لا يزال يتردد منذ عصر النهضة العربية الأولى، عن سر النهضة والتقدم..
صحيح أن طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية موغلة في الإبادة والوحشية، هو في ظاهره معركة بين حركات تحرر وطني وشعب يتوق إلى الاستقلال والسيادة، وبين قوة احتلال ترفض الانصياع للقانون الدولي، لكن ما تبعه من اصطفاف دولي غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني هو ما أثار علامات استفهام كبرى، حول مفاهيم الحرية والقانون والسيادة والمساواة والحقوق وغيرها من القيم التي عملت الإنسانية على مدى تاريخها بإسهامات تراكمية في صياغتها.
الفيلسوف والمفكر التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي يعمل في هذه المقالات التي تنشرها "عربي21" في أيام شهر رمضان المبارك، على تقديم قراءة فلسفية وفكرية وقيمية للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف باعتبارهما المرجعية الأساسية التي يبني عليها العرب والمسلمون إسهاماتهم الحضارية..
الفصل الأول.. المحتوى النسقي والغاية المطلوبة
نسمي نصا بأنه مصنف تلفيقي كل نص قابل للرد إلى التناص وانتحال جل عناصره التي تعكس سياقا اجتماعيا وثقافيا يحدد مادته النصية ومضمونه الفكري اللذين ليس لهما نسق ذاتي وهدف بينين فيكون غائبا فيه ما يعلل حضور ما ظنه ناقدوه تناصا وانتحالا فلا يجعله ناقدوه مادة بحثهم لعدم إدراكهم لدلالة محتواه النسقي وغايته المطلوبة.
وما كان من النصوص قابلا للرد إلى التناص وتلفيق المنتحلات يعد عامة من الأدب الشعبي الذي يتعدد مؤلفوه المجهولين وغير معيني الهوية. ولنقل بوضوح إن المدرسة الغالبة على دراسات الإسلامولوجيين تضمر أن القرآن مصنف تلفيقي يعتمد التناص والانتحال ولا عمل لهم إلا البحث لتعيين المصادر التي منها "المنتحلات" وأصحابها.
وذلك هو مقصودهم بتاريخ القرآن الاجتماعي والثقافي أي بتاريخ الانتحال بدليل التناص الصريح أو الضمني. وفرضيتي تؤسس لمحاولة تبين أن هذه الرؤية لا يمكن ان تنطبق على النص القرآني. ولكن قبل ذلك هل رؤية هذه المدرسة تمثل حقا وصفا أمين للقرآن وهي يمكنها حقا أن تدعي الانتساب إلى الحداثة الابستمولوجية كما يتوهم من يتبناها؟ فهي رؤية لا تكتفي بمجرد التبخيس فإنها اكثر انتسابا للقرون الوسطى من الرؤية التي يستعملها علماؤنا التقليديين الذين كانوا على الأقل حذرين بتخليصها من الطابع التبخيسي وحيد المنظور بتحديدهم الدور الذي يؤديه هذا التناص المزعوم.
من البين بنفسه أن مفسري القرآن التقليديين لم ينتظروا الإسلامولوجيين المحدثين لاستعمال السياق الاجتماعي والثقافي في تأويلاتهم وإلى النصوص الدينية التي من نفس طبيعة القرآن (المنزلة) لتأييد تاويلات نص القرآن أو لدحضها بما كان عاملا في وسطهم الذاتي أو خاصة ما صدر منها عن الخصومات الكلامية بينهم وبين دينيي أهل الكتاب وحتى بينهم وبين الأديان الطبيعية الموجودة في عصرهم مثل الصابئية والزرادشتية.وفعلا فإن هذه القراءة بسبب غياب الأمانة في وصف الظاهرة والحذر المنهجي اللذين كانا يمكن أن يحول دون تعريف جنس نص القرآن الأدبي وطبيعة رسالته لا يمكن ألا تنتج إلا التزاما أيديولوجيا إما ذي مرجعية قروسطية أو ذي مرجعية ماركسية ولكن خاصة التزاما ابستمولوجيا لا تطيقه الفلسفة الحديثة ولا العلم الوضعي منذ ثورة المدرسة النقدية الغربية (ورمز غايتها كانط) وقبلها المدرسة النقدية العربية (ورمز بدايتها الغزالي) الرافضتين لموقفهم في الحالتين القروسطية والحديثة أي وهم العلم المحيط بالواقع والعمل التام في التغلب على معوقاته الناتجة عن السباق الاجتماعي والتاريخي.. وذلك برد أفعال الإنسان في النظر والعقد وفي العمل والشرع إلى كونهما مجرد انعكاس لفاعلية الاجتماعي والتاريخي ورد للمجهول إلى المعلوم وللمنشود إلى الموجود من دون وهم رد ما يسمونه الواقع إلى ما يدركه الإنسان من الوجود والمنشود أي الميتافيزيقا التي أعادها هيجل وماركس عندما جلعوا التاريخ الحكم النهائي بوهم تجاوز المدرستين النقديتين عماد الفلسفة والعمل المدركين لحدود العلم العمل الإنسانيين.
ومن البين بنفسه أن مفسري القرآن التقليديين لم ينتظروا الإسلامولوجيين المحدثين لاستعمال السياق الاجتماعي والثقافي في تأويلاتهم وإلى النصوص الدينية التي من نفس طبيعة القرآن (المنزلة) لتأييد تاويلات نص القرآن أو لدحضها بما كان عاملا في وسطهم الذاتي أو خاصة ما صدر منها عن الخصومات الكلامية بينهم وبين دينيي أهل الكتاب وحتى بينهم وبين الأديان الطبيعية الموجودة في عصرهم مثل الصابئية والزرادشتية.
فلجوؤهم للسياق وللأدبيات التي من هذا الجنس كان يمثل أحد مصادر الاستعلام حول مضمون القرآن أو أحد العلوم المساعدة التي كانت موجودة لفهم الرسالة القرآنية.. بل ويمكن أيضا أن نحدد مراحل تكون علم التفسير بالقياس إلى استعمال هذين الوسيطين في بنائه. لذلك فالمشكل الذي أريد علاجه ليس متعلقا بالتناص ولا خاصة بالسياق الاجتماعي الثقافي بل هو مشكل المنزلة التي ينسبها نقدة القرآن بهذه الحجج إلى رد القرآن إلى مصنف تلفيق وسرقات أدبية.
ورغم أني أنزه كبار المستشرقين من أن يصل بهم التحيز الأيديولوجي إلى تجاهل هذه المعطيات أو فقدان البصيرة الأبستمولوجية إلى جهلها فإني أشك في أن هذا النوع الجديد من الاستشراق لا يعاني من التحيز وفقدان البصيرة لأن ما أصفه لا ينكره أدنى مطلع على نص القرآن وتحقيب مراحل تكون علم التفسير بالاعتماد عليها ثم بمراحل التخلص منها.
وبالفعل فإن أولى مراحل التفسير وأشملها هي دون شك المرحلة التي اعتمدت على التراث التاريخي للأفكار الدينية بل وحتى على الأخبار وعلي سبيل المثال تلك التي تسمى الإسرائليات واستعمال فقه اللغة والشعر العربي بوصفهما علمين مساعدين ليس عامة بل خاصة في ما يسمى بغريب القرآن لفهم بعض المفردات الواردة في نص القرآن غير المفهومة سواء ما تعلق منها بالدلالة الاصطلاحية النظرية أو القيم الخلقية التي يتكلم عليه.
إن استعمال فنون البلاغة وعلوم العصر واللجوء إلى معرفية بسيطة بالتاريخ سواء كانت مما يسمى أيام العرب من خلال الشعر أو تاريخ الشعوب الكبرى في العصر أعني بداية التاريخ الكوني مثلت الشكل النهائي للتفسير. وهكذا فإن السياق الاجتماعي والتاريخ والتناص كانا من مقومات دراسات التفسير التقليدية بصورة مطلقة الصراحة والمعتمد عليها باتفاق كل علماء التفسير وإن حصل الاختلاف حول منزلتها والاعتماد عليها لما سنرى من العلل. وهي من ثم لا تحتوي على أي دلالة حداثية بل أنها بالأحرى ليس لها من الحداثة إلى الظاهر وهي بوضوح تتصف بما يفيد بوضوح النزعة التبسيطية المتجاهلة لتكوينية علم التفسير.
ورغم أن مصدر هذه الأوهام الحداثية هي بالجوهر من طبيعة أيديولوجية فإنني لن انشغل إلا بالعائق الإبستمولوجي الذي يبدو لي عين الأصل الذي تترتب عنه دغمائية الذين يختارون هذه الرؤية. ذلك أن هذه الموضة في دراسة النصوص الدينية عامة والقرآن خاصة لا تقتصر على تلك التي يمارسها الأيديولوجيون المتبنون الخصومات الكلامية التي كانت من تقاليد القرون الوسطى أو الذين يتبنون آراء اليسار الهيغلي والماركسية.
فالنزعة الأيديولوجية رغم الدور الذي تؤديه في هذه الخصومات ليست ما يعنيني كثيرا في هذه المحاولة. فلعلها ليست إلى من آثار خصومات القرون الوسطى بين أصحاب الأديان الكتابية المتنافسة بل ما اهتم به هو بالأساس انبعاث الخصومات التي تستند إلى رؤية ما بعد هيجلية وماركسية ضد الدين عامة وعندنا خاصة ضد الإسلام ونص القرآن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير القرآن الحديثة تاويلات القرآن رأي خطاب ديني الحديث تاويلات أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بینهم وبین نص القرآن التی من
إقرأ أيضاً:
الملف الاجتماعي في عام 2026
د. عبدالله باحجاج
في بلد كبلادنا التي تأسست على بنية اجتماعية ثقيلة، ذات وزن مُؤثِّر في كيانها السياسي والأيديولوجي، يصبح الاعتداد بالبُعد الاجتماعي قدرها الثابت والمُستدام، وينبغي أن يكون دائمًا في موقع حاسم في موازين سياساتها وخططها الإصلاحية متناغمًا مع المسير في خططه القصيرة والمتوسطة وطويلة الأجل؛ أي غير مؤجل.
وبلادنا، الدولةُ الخليجية الوحيدة التي لا يزال مجتمعها في تعدده وتنوعه قوة ناعمة يُحسب لها حسابات جيوسياسية إقليمية وعالمية. لذلك؛ فالنظرة للميزانيات العامة للدولة بصفة عامة هي إعلان اتجاهات وتوجهات الحكومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقدرها أن تحمل الملف الاجتماعي بإدارة سياسية واضحة وصريحة، وهذه الخصوصية تستفرد بها عُمان، ولا تُقارَن بغيرها في دول محيطها الخليجي التي تراهن- مع التفاوت- على قوتها الخشنة بفواتير تريليونية وتأسيس علاقات دولية قائمة على البرجماتية، لضمانة أمنها واستقرارها.
أما بلادنا فلا يُمكنها أن تُضاهي دول المحيط الخليجي في تركيز اعتمادها على القوة الخشنة المُحدَّثة بوسائل التكنولوجيا المتطورة، بما فيها القوة النووية، حتى لو توفرت لها السيولة المالية؛ لأنَّ قوتها الفعلية تكمُن في منطقتها الاجتماعية، ومن منظور المفهوم الجديد للأمن وهو الأمن الشامل، وبالذات: الأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، والأمن السيبراني، والأمن الغذائي والمائي، وأمن العلاقات الدولية.
إنها منظومة أمنية شاملة ومترابطة، تتعاظم أولوياتها بالقدر نفسه، لكن في خصوصية بلادنا يكون الأمن الاجتماعي- كما يسمونه- بالقاعدة الصامتة لكل منظومات الأمن؛ فمثلًا لا يُمكن الحديث عن أمن خارجي دون أمن اجتماعي، ولا أمن اقتصادي دون أمن اجتماعي، ولا أمن عسكري دون أمن اجتماعي، ولا سيبراني ولا علاقات دولية دونه كذلك. وهنا لا ينبغي النظر لأي موازنة سنوية على أنها مجرد بنود وأرقام فحسب، وإنما من خلال دورها في استدامة منظومات الأمن الشاملة بقاعدتها الصامتة؛ أي الاجتماعية، وأيُ مرورٍ سنويٍّ على مسيرتنا المتجددة يكون ترقُّب الجديد صيرورة وظيفية للدولة عامة ومؤسساتها خاصة، وبالذات على الصعيد الاجتماعي، والآن على وجه الخصوص.
لماذا الآن؟ لأن هناك مجموعة اعتبارات تقف وراء كتابة هذا المقال؛ أبرزها: ما أفادت به شخصية إقليمية أن بلادها قد بَنَتَ قوةً ناعمةً تسهم في تشكيل مستقبل المنطقة، وأنها قد أصبحت قوة ناعمة مؤثرة في محيطها الإقليمي. كما إن آخر 5 موازنات لبلادنا ركَّزت على معالجة الاختلالات المالية الناجمة عن أزمات كورونا وانخفاض أسعار النفط وانكشاف حجم المديونية الكبير، وقد حققت الحكومة فيها فعلًا نجاحات كبيرة، نُقدِّرها ونُثمِّنها عاليًا، وهي تكمن في تعزيز مستويات الاستقرار المالي ورفع كفاءة إدارة الموارد المالية العامة؛ مما انعكس على تحسُّن التصنيف الائتماني للبلاد وتراجع مستويات الديْن العام بصورة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. وكما قال معالي وزير المالية سلطان بن سالم الحبسي في مجلس الشورى قبل أيام، إن الإصلاحات الهيكلية وبرامج التوازن المالي أسهمت في تعزيز الثقة الدولية في اقتصاد السلطنة، وفتحت آفاقاً أوسع لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وبسبب تلكم الأزمات تضررت القاعدة الصامتة؛ مما يجعل الحديث الوطني الآن عن الملف الاجتماعي في العام الجديد بشكل عام، وموازنة 2026 خاصةً، حديثًا ينبغي أن يتصدر الاهتمامات السياسية العاجلة؛ حيث ينبغي أن يطغى عليه الاعتبار الاجتماعي بدافع سياسي بعد النجاح المالي، وبعد بروز أصوات كبيرة تتوجع من انعكاسات الإصلاحات وبرامج التوازن المالي. وهنا التساؤلات: هل كانت هذه التحديات حاضرة أثناء التحضير وإعداد الموازنة الجديدة؟ وهل هي حاضرة أثناء مناقشات الموازنة في مجلس الشورى؟ وهل هناك حاجة وطنية لمنح اللامركزية مزيدًا من الصلاحيات لمواجهة التحديات؟
هذا يتوقف على مستوى الوعي بتلكم الأصوات ومستقبل أوجاعها وتذمراتها في ضوء التحديات الجيوسياسية الجديدة، ومدى استجابة "موازنة 2026" لها، خاصةً في قضايا البطالة والمُسرَّحين وتحولات أخرى تمس أساسيات المعيشة كالماء والكهرباء، بعد خفض الدعم الحكومي المُتدرِّج، وغلاء المعيشية، رغم محاولات الحكومة التخفيف من وطأتها؛ لأنها قد أصبحت تأكل دخل الأسر بعد سياسة التقاعد الإجباري.
لذلك.. لا ننظر لموازنة 2026 على أنها أرقام مجردة، وإنما قراءة سياسية للجديد الذي تحمله على الصعيد الاجتماعي- خصوصًا- في ضوء تطلع المواطن لدعم معيشته بصورة ملموسة، وحل قضية الباحثين عن عمل والمُسرَّحين، على إثر تراكمٍ عدديٍّ للمخرجات السنوية من التعليم مقابل توظيف بطيء. ونرى أنَّ هناك أولويات عاجلة ينبغي الانفتاح عليها؛ أبرزها: تطبيق منحة الباحثين عن عمل، وتفعيل أدوار المؤسسات المحلية في المحافظات التابعة للمركزية لإيجاد فرص عمل للباحثين في كل محافظة، من خارج التفكير الاعتيادي. وهذا ما أقدمت عليه مُديريتا العمل والإسكان والتخطيط العمراني في ظفار؛ حيث أقدمت هذه الأخيرة على مبادرة تقضي بتدريب وتأهيل باحثين في تخصصات قانونية، لكي تكون جاهزة للعمل في المكاتب الاستشارية العقارية بعد الاتفاق على تعمينها، وتوظيف القانونين المتدربين فيها، فيما ستتكفل وزارة العمل بدعم التدريب على رأس العمل والأجور. أما الأولى (مديرية العمل)، فقد أعدت برنامجًا مُتخصِّصًا لتدريب الباحثين عن عمل في مجال القانون وكلية القانون في جامعة ظفار على قضايا تسوية المنازعات العمالية. ومثل هاتين المبادرتين تندرجان ضمن الحلول التي يُمكن أن تفُك تعقيدات الواقع بأفق تفاؤلي، فكم نحتاج لصناعة هذا التفاؤل؛ إذ إن التفاؤل لا يجعل الشباب يستسلمون سريعًا، ويربطهم بالدولة والمجتمع؛ أي يشعرون أن لهم مكانًا ووزنًا في بلادهم، كما يُقلِّل من الاحتقان الاجتماعي.
هاتان المبادرتان تُدلِّلان على حجم الرهانات على اللامركزية والمؤسسات المحلية للمركزية في المحافظات، وقدرتها على حل قضية الباحثين والمُسرَّحين (مقترح سابق لنا عن دور اللامركزية والمؤسسات المحلية في حل قضية الباحثين والمُسرَّحين) أو على الأقل أن تصنع حلولًا مُستدامة للقضية، وتُخفِّف من حدة الاحتقانات، وتُعزِّز التفاؤل بالمستقبل عند جيل شبابنا. ووراء تلكم المبادرتين نضوج مؤسسي لمؤسسات محلية تابعة للمركزية؛ أي أكبر من أن ننسبه للامركزية. هنا ينبغي العمل على استنهاض دور اللامركزية، وهذا ما تحاول وزارة الداخلية القيام به من خلال عقد لقاءات وندوات لقادة اللامركزية، وآخرها، يوم الأحد، من خلال تنظيم منتدى الإدارة المحلية لترسيخ اللامركزية، وتمكين المحافظات وتفعيل دورها في خلق فرص عمل من خلال اقتصادياتها المحلية، وإبراز دور البلديات في منظومة الإدارة المحلية في المحافظات كافةً، بمشاركة 150 من قيادات اللامركزية.
ولنجاح هذا التوجه المُهم، نرى أنَّه قد حان الوقت لمنح نظام اللامركزية مزيدًا من الصلاحيات، كضرورةٍ وظيفيةٍ لتمكينه من القيام بأدواره المختلفة، وبالذات الاقتصادية المُنتِجة لفرص عمل، وأفضل مثال هنا، تمكينه من تأسيس اقتصاديات محلية بمشاريع كبيرة وليست صغيرة أو متوسطة، ومنحها جزءًا من الموارد الوطنية في المحافظات، مع رقابة مركزية فعَّالة، وإعطاء مساحة إضافية للمجالس المُنتخبَة (الشورى والبلدية) لدواعي المشاركة المنضبطة.
هذه المشاركة المحدودة المنظمة نراها ضرورية في حقبة التحديات الداخلية وتقاطعها الجيوسياسي غير المسبوق، كما إنها تعني استجابة ديناميكية طبيعية لمسارات التطورات في بلادنا، وهي ستأتي لا محالة؛ لأنها منصوص عليها في الهندسة السياسية لنظام اللامركزية في بلادنا، لكننا نحثُ هنا على استحقاقاتها الزمنية والسياسية، وهي الآن عاجلة.
رابط مختصر