لجريدة عمان:
2025-05-27@23:30:34 GMT

صمت السودان الذي لا يغتفر

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

في سبتمبر الماضي، عندما زرت مستشفى مؤقتا في أدريه بتشاد، حيث كان اللاجئون السودانيون الصغار يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد، لم أسمع شيئا غير هذا: صمتا غريبا.

كنت قد حاولت تأهيل نفسي لبكاء الأطفال ممن يعانون المرض والهزال، لكن أولئك المرضى كان قد تمكن منهم الضعف فلم يقووا حتى على البكاء.

في ذلك اليوم، رأيت طفلا يبلغ من العمر ستة أشهر، وحجمه هو حجم طفل حديث الولادة، وطفلا كاحلاه متورمان، وجسمه مليء بالتقرحات، من جراء سوء التغذية الحاد.

كانت المشاهد سواء من وجهين، فهي مريعة مستحدثة، ومأساوية مألوفة.

كنت قبل عشرين عاما قد زرت المدينة نفسها والتقيت بلاجئين سودانيين فروا من العنف في دارفور، حيث نفذ الجنجويد، بدعم من نظام عمر البشير، حملة إبادة جماعية شملت القتل الجماعي والاغتصاب والنهب.

واليوم، حولت الحرب الأهلية السودان مرة أخرى إلى جحيم لا يطاق. ولكن حتى بعد أن أعلنت جماعات الإغاثة أن الأزمة الإنسانية في البلد من أسوأ الأزمات في العالم، لم يلق الشعب السوداني غير القليل من الاهتمام أو المساعدة.

وإنني أضغط منذ ما يقرب من عام على مجلس الأمن في الأمم المتحدة لكي يجهر بالحديث. وأخيرا في الثامن من مارس دعا المجلس إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية. وهذه خطوة إيجابية إلى الأمام، ولكنها ليست حتى بالقريبة من الكافية - وهي لا تغير حقيقة الصمت إلى حد كبير من المجتمع الدولي ومن وسائل الإعلام.

يجب أن ينتهي صمت العالم وتقاعسه، ويجب أن ينتهي الآن.

أول ما يجب أن يحدث هو أن علينا أن نزيد الدعم الإنساني للفئات الأكثر ضعفا في السودان. إذ يواجه ثمانية عشر مليون سوداني الجوع الحاد، والمجاعة بادية في الأفق. واضطر ما يقرب من ثمانية ملايين شخص على ترك منازلهم في ما أصبح أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم. وانتشرت الحصبة والكوليرا وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

منذ بداية هذا الصراع، وعاملو المجال الإنساني موجودون على الأرض، وغالبا ما يعرضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ الآخرين، ولكن المقاتلين من كلا جانبي الحرب يتعمدون تقويض جهودهم. إذ أعاقت القوات المسلحة السودانية عبور المساعدات الإنسانية الرئيسية من تشاد إلى دارفور، وقام أعضاء قوات الدعم السريع المنافسة بنهب مستودعات المساعدات الإنسانية.

يجب على القادة الإقليميين والعالميين أن يطالبوا الأطراف المتحاربة بشكل معلن ولا لبس فيه باحترام القانون الإنساني الدولي وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وإذا لم يصغ الأطراف، فيجب على مجلس الأمن أن يتخذ إجراءات سريعة لضمان تسليم وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة. ويجب أن ينظر المجلس في كل الأدوات المتاحة له، ومنها التفويض بالتحرك من تشاد وجنوب السودان إلى السودان، كما فعلت الأمم المتحدة مع تدفقات المساعدات عبر الحدود إلى سوريا. والولايات المتحدة مهيأة للمساعدة في قيادة هذه المبادرة.

ونعتقد أيضا أنه ينبغي للأمم المتحدة تعيين مسؤول إنساني رفيع المستوى خارج السودان للدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية، وتوسيع نطاق جهود الإغاثة، وحشد الجهات المانحة الدولية. ولقد حذر برنامج الغذاء العالمي من أنه ما لم تصل تمويلات جديدة فإنه سيضطر إلى قطع المساعدات الغذائية عن مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين في تشاد في وقت مبكر من الشهر المقبل. ولم يلق النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل السودان غير استجابة ضئيلة. وهذا غير مقبول. والولايات المتحدة هي أكبر دولة مانحة منفردة في كل المسعيين. والآن يجب أن تتقدم دول أخرى.

ولا بد أن يطالب المجتمع الدولي أيضا بحماية المدنيين وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب.

في تقرير قانون إيلي ويزل لعام 2023، نبهت إدارة بايدن إلى استمرار التقارير عن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في السودان. وفي ديسمبر، قطع وزير الخارجية أنطوني بلينكن أن المقاتلين من كلا الجانبين قد ارتكبوا جرائم حرب وأن أفرادا من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا.

عندما زرت الحدود السودانية في العام الماضي، أعلنت عن عقوبات أمريكية على قادة الميليشيات الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، منها عنف جنسي مرتبط بالنزاع وقتل على أساس عرقي. ومنذ ذلك الحين، أصدرنا عدة دفعات أخرى من العقوبات المستهدفة.

علينا أن نكسر دائرة الإفلات من العقاب. علينا أن نطالب بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي تجري أمام أعيننا، وهي فظائع موثقة بتفاصيل مروعة في تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة. فقد تبين لمحققين أن النساء والفتيات، وبعضهن لا يتجاوز عمرهن أربعة عشر عاما، تعرضن للاغتصاب الوحشي على أيدي رجال من قوات الدعم السريع، وأن قناصة المجموعة استهدفوا المدنيين بشكل عشوائي، وأن قرى بأكملها تعرضت للإحراق وذبح السكان، فضلا عن فظائع أخرى. وفي أواخر العام الماضي، بحسب التقرير، تعرض أكثر من ألف من المساليت والأقليات غير العربية للذبح في قرية أرداماتا بغرب دارفور.

علينا أن نقف جميعا داعمين للتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في دعاوى جرائم الحرب في المنطقة، وداعمين أيضا لجهود التوثيق المحلية والدولية ومبادرات المساءلة الأخرى.

وعلينا أخيرا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف القتال وإعادة السودان إلى طريق الديمقراطية. وفي الوقت الراهن، تقوم بضع قوى إقليمية بإرسال الأسلحة إلى السودان. وهذا الدعم الخارجي يعمل على إطالة أمد الصراع وتمكين ارتكاب الفظائع التي تحدث في جميع أنحاء غرب دارفور، ومنها مجازر تذكِّرنا بالإبادة الجماعية عام 2004. وقد أوضح مجلس الأمن أن عمليات نقل الأسلحة غير الشرعية هذه تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة وأنها يجب أن تتوقف.

لن يتم حل هذا الصراع في ساحة المعركة. ولكن سيتم حله على طاولة المفاوضات. فعلى أصحاب النفوذ، وخاصة الاتحاد الأفريقي وزعماء شرق أفريقيا والخليج العربي، أن يدفعوا الأطراف المتحاربة نحو السلام.

وسوف تواصل إدارة بايدن دعم هذه الجهود الدبلوماسية. ففي الشهر الماضي فقط، قام الوزير بلينكن بتعيين توم بيرييلو، صاحب الخبرة الكبيرة بالمنطقة، مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى السودان.

وتعمل الولايات المتحدة على توحيد اللاعبين المعنيين حول هدف مشترك متمثل في منع تفكك السودان الذي من شأنه أن يغذي الاضطراب في عموم أنحاء منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. كما نعمل أيضا مع القادة الشعبيين الشجعان من أجل بناء زخم نحو مستقبل أفضل، يستطيع فيه الشعب السوداني تحقيق تطلعاته إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

برغم ضجيج إطلاق النار والقصف، سمع شعب السودان صمتنا. وإنهم ليسألوننا لماذا تخلينا عنهم، ولماذا نسيناهم؟ يجب على المجتمع الدولي، بعد طول انتظار، أن يجهر بالحديث وأن يعمل مجتمعا على إنهاء هذا الصراع الذي لا معنى له.

ليندا توماس جرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الأمم المتحدة علینا أن یجب أن

إقرأ أيضاً:

بعثة أممية تزور الحديدة لتقييم الأوضاع الإنسانية وسلطات الحوثيين تدعو لاستئناف المشاريع المتوقفة

دعت سلطات الحوثيين في محافظة الحديدة، غرب اليمن، الأمم المتحدة، لاستئناف المشاريع المتوقفة وتوسيع الاستجابة الطارئة لمواجهة الاحتياجات المتزايدة بالمحافظة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.

 

جاء ذلك خلال زيارة بعثة أممية مشتركة، لمحافظة الحديدة، برئاسة مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماريا روزاريا برونو، وضمت البعثة ممثلين عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة.

 

وقالت وكالة سبأ الحوثية، إن زيارة البعثة الأممية تهدف للاطلاع على الأوضاع الإنسانية وتحديد التدخلات الممكنة في القطاعات الخدمية ذات الأولوية، في ظل استمرار التداعيات الناجمة عن "العدوان".

 

وأشارت إلى لقاء البعثة الأممية مع محافظ الحديدة عبدالله عطيفي المعين من قبل الحوثيين، حيث ناقش اللقاء التحديات التي تواجه المحافظة، وفي مقدمتها الخدمات والتدخلات الممكنة في مجالات الصحة، المياه، والتعليم، والطرق، والدفاع المدني، وكيفية تعزيز دور الأمم المتحدة في تلبية الاستجابة الإنسانية.

 

واستعرض عطيفي، الاحتياجات الضرورية التي تفتقر لها محافظة الحديدة، وعلى رأسها دعم قطاع الصحة، وتعزيز قدرات الدفاع المدني، وتوفير مشاريع خدمية في مجالات المياه والصرف الصحي، مشيراً إلى أن المحافظة تضررت بشكل بالغ من السيول العام الماضي، وأودت بحياة العشرات وتسببت في تدمير مئات المنازل.

 

وطالب عطيفي، الأمم المتحدة بتكثيف التدخلات وتوسيع نطاق المشاريع التنموية والإنسانية، في محافظة الحديدة، بما يسهم في تخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استجابة فاعلة ومستدامة تتناسب مع حجم التحديات.

 

وأكد القيادي الحوثي إسماعيل المتوكل المعين من قبل الحوثيين وكيلا لقطاع التعاون الدولي بوزارة الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، خلال اللقاء، أن ميناء الحديدة بات جاهزاً لاستقبال المساعدات الإنسانية، معبرًا عن الأمل في وفاء الأمم المتحدة بالتزاماتها السابقة وتوسيع حجم المساعدات بشكل عاجل.

 

بدورها، أكدت مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية برونو، أن البعثة الأممية تتفق مع السلطات المحلية في العديد من الأولويات المتعلقة بالاستجابة للكوارث وتغير المناخ.

 

وأشارت إلى أن تأخر بعض التدخلات الإنسانية يعود لتقليص التمويلات، داعية إلى تعزيز التنسيق وتبادل المعلومات لتسريع الاستجابة، خصوصاً في مواجهة الأوبئة.

 

وفي وقت سابق اليوم، قالت جماعة الحوثي إن خسائر موانئ الحديدة، جراء الغارات الأمريكية والإسرائيلية بلغت نحو 1.4 مليار دولار.

 

وذكرت مؤسسة موانئ البحر الأحمر التابعة للحوثيين، في بيان لها، أن خسائر مباشرة وغير مباشرة تجاوزت مليارا و387 مليون دولار في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، نتيجة لسلسلة غارات العدوان الصهيوني الأمريكي، التي استمرت من يوليو (تموز) 2024 حتى مايو/أيار 2025، وفق وكالة سبأ نسخة صنعاء.

 

وأشارت إلى أن الأضرار المباشرة بلغت أكثر من 531 مليون دولار، في الوقت الذي قدرت المؤسسة الخسائر غير المباشرة بـ 856 مليون دولار نتيجة توقف الخدمات وتعطل تدفق الإمدادات.

 

وأكدت أن هذه الاعتداءات استهدفت البنية التحتية والمنشآت التشغيلية للموانئ المدنية، كما تسببت في تدمير أرصفة، ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية.

 

وبحسب البيان، فقد شمل الدمار الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية، في الموانئ الثلاثة المذكورة.

 

وأفاد أن الغارات تسببت بتدمير الأرصفة (1، 2، 5، 6، 7، 8)، ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية، بما في ذلك الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات، التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية.


مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: خطة توزيع المساعدات في غزة «تشتيت للانتباه»
  • الأمم المتحدة تدعو إلى فتح جميع معابر قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية
  • الأمم المتحدة تطالب بفتح جميع معابر قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية
  • السودان بين أقدام الفيلة-الحرب، والمصالح الدولية، والتواطؤ الصامت
  • «الأونروا» تحذر من نقص حاد بالمستلزمات الطبية وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة
  • الإعيسر: أمريكا سارعت باتهام السودان في الوقت الذي تم فيه ضبط أسلحة أمريكية بيد المليشيا المتمردة
  • الأمم المتحدة: غزة تغرق في المجاعة والمساعدات لا تكفي
  • بعثة أممية تزور الحديدة لتقييم الأوضاع الإنسانية وسلطات الحوثيين تدعو لاستئناف المشاريع المتوقفة
  • المحافظ عطيفي يلقتي بعثة أممية تزور الحديدة لتقييم الأوضاع الإنسانية والاحتياجات الطارئة
  • شاهد المأساة.. فلسطينيون يتدافعون للحصول على الطعام في غزة