مع مرور أكثر من أسبوعين من شهر رمضان وانتهاء عرض كثير من الأعمال الدرامية في مصر حيث يشهد العام الحالي اتجاها متزايدا نحو المسلسلات ذات الـ15 حلقة، يدور التساؤل عما إذا كان بعضها تناول الأزمات الاقتصادية في ظل غلاء الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه المصري. 

يتفق كل من الناقدين الفنيين طارق الشناوي وأندرو محسن على أنه ليس هناك أعمال درامية ناقشت الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار بشكل مباشر.

 

وقال الشناوي إن "هناك أعمالا فنية ضمن 34 مسلسلا مصريا هذا العام قدمت الأوضاع الاجتماعية والأزمات الاقتصادية في السياق، وكيف أن الظروف المادية قد تؤدي إلى خروج البعض عن القانون".

وقال محسن لموقع "الحرة" إن "هناك قضايا متعددة نوقشت بأشكال مختلفة كان أكثرها من خلال التركيز على الأسرة، لكننا لا نستطيع القول إن هناك مسلسلا حل مشكلة معينة أو طرح حلولا". 

وتابع: "على سبيل المثال، فإن مسلسلي "صلة رحم" و"أعلى نسبة مشاهدة" مرا على فكرة المعاناة الاقتصادية التي أدت إلى وصول شخصيات بيننا في المجتمع المصري إلى الوقوع في أخطاء كبيرة، بغض النظر عن فكرة المعالجة الفنية". 

وأضاف أن هذين المسلسلين تحديدا تناولا فكرة الاحتياج والظروف المالية الصعبة التي يمر بها البعض، ولمسا أمورا واقعية بيننا". 

ويقترب التضخم من مستويات قياسية مرتفعة (35.7 بالمئة في فبراير) ويقول كثير من المصريين إنهم يجدون صعوبة في تدبير أمورهم.

وأعلنت مصر في السادس من مارس الجاري تحرير سعر الصرف ليبلغ سعر الدولار الواحد نحو 50 جنيها بعد أن كان رسميا بـ31 جنيها، قبل أن يتحسن سعره ويبلغ 46.5 جنيها. 

لكن في اليومين الأخيرين ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه، في البنوك المصرية ليصل إلى 47.72 جنيه للشراء و47.82 جنيه للبيع، بحسب ما نقلت صحيفة "المصري اليوم".

وأدى إقدام مصر على خفض قيمة الجنيه حالة من الإحباط على الإنترنت وفي الشوارع في وقت يشكو فيه المصريون من كل شيء، من ثمن الحفاضات إلى سعر الدجاج، بعد سنوات عانوا فيها من ضيق العيش.

وقال محسن لموقع "الحرة" إن مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" مر على الأزمة الاقتصادية من خلال أسرة لديها احتياج مادي كبير فيلجأ أفرادها إلى حلول غريبة عليه وبالتالي أدت إلى نهايات لم يتوقعوها بغض النظر عن النزعة الأخلاقية في نهاية المسلسل". 

وأضاف أن "هذا المسلسل يظهر من خلاله الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها بعض الأسر من خلال أب يبحث عن عمل بأي طريقة فيقدم تنازلات حتى يجد عملا في سن كبير، كما أنه يظهر الفرق الكبير بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في مصر". 

وأشار إلى أن "فكرة الانسياق وراء التريند قضية موجودة ونلمس تأثيرها على المجتمع بوضوح، ونرى فتيات ترضى بأن تهين نفسها أمام الكاميرا حتى تحصل على أموال". 

ويرى الشناوي أن "الجزء العميق في هذا المسلسل أن العائلة بكاملها لديها أزمة اقتصادية وتعاني ماليا فاضطر أفراد منها اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن المال، لكنه لم يقدم أزمة الفقر بأسلوب مباشر مثل رواية نجيب محفوظ في "بداية ونهاية" حيث قدم فيها العائلة الفقيرة المقهورة التي تعمل ابنتها في مجال الدعارة". 

لكن محسن لم تعجبه ما وصفه بـ"العظة الأخلاقية الواضحة في نهاية المسلسل"، مشيرا إلى أنه "بدا وكأن اللوم كله يقع على مواقع التواصل الاجتماعي ووجودها وأنها السبب في انحراف الشباب والفتيات بالرغم من أن المسلسل كله يتحدث في بدايته على الأسرة والاحتياج المادي والتفكك الأسري". 

أما مسلسل "صلة رحم" فيرى أنه لا يركز على مشاكل اقتصادية لكنه يطرح فكرة الاحتياج المادي والمعنوي وعدم الشعور بالأمان خاصة بالنسبة للمرأة". 

وقال: "الاحتياج المادي لبطلة المسلسل التي كانت قد خرجت من قضية خلع زوجها الذي كان يهينها ويعتدي عليها جسديا ثم الاضطرار إلى أن تكون وسيطا يحمل طفلا لأشخاص آخرين رغم أنها لم تكن مقتنعة بالأمر".

وأشار إلى أن المسلسل طرح أمورا عديدة من بينها "العنف الجسدي على المرأة وحق الخلع ومشاكل المرأة وطرح تساؤلات بشأن ما إذا كان من حقها قانونيا الأجهاض أم لا وكيف يتعامل معه الأطباء هل من ناحية إنسانية أم يستغلون الأمر حتى يتربحون منه". 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

(بيت أبو عبد الله).. مسرح ما بعد الدراما

منذ سنوات بعيدة سمعت عن مسرحي شاب، تنتمي أعماله إلى مسرح مغاير، يعتمد على الصورة، والتعبير الحركي أكثر من اعتماده على الحوار، والسرد الدرامي، وصنع صدمة للمتلقي، في الفكر، والمشاهد البصرية، اسم هذا المسرحي هو (أنس عبدالصمد)،

ولم تتح الفرصة لمشاهدة عمل له على خشبة المسرح، فمثل هذه العروض لا نشاهدها إلّا في المهرجانات، وجاء مهرجان الدن المسرحي الدولي ليوفّر لنا فرصة مشاهدة عرض (بيت أبو عبد الله)، الذي هو من إنتاج دائرة السينما والمسرح -الفرقة الوطنية للتمثيل في العراق.

وكانت الرغبة تدعوني لمشاهدة عرض للمخرج (أنس عبد الصمد)، كونها تعتمد على لغة الجسد، غير المنطوقة، التي تحمل فكرة، تمييزا لها عن أداء الحركة في الألعاب الرياضية، كما يؤكّد في أحاديثه، ومن هنا، فجسد الممثل بكلّ تعبيراته هو ركيزة أساسية، باعتبار حركة الجسد لغة عالمية تمكّن فريق العرض من التواصل مع العالم، خصوصا أنّ أفكار عروضه تخاطب الوجدان الإنساني، وتناقش قضاياه،

كما شاهدنا في عرض (بيت أبو عبد الله)، عندما حذّر من المصير الذي سيؤول إليه المجتمع الإنساني، فيما لو استمرّ الحال على ما هو عليه، ولم يكتف بالجسد كأداة تعبيرية، فقد أولى الجانب البصري مساحة واسعة من خلال الاشتغال على سينوغرافيا تماهت مع فكرة العرض، بالاستفادة من التطور التكنولوجي، فقدّم المخرج (أنس عبدالصمد) في(بيت أبو عبدالله) عرضا ينتمي للميتا مسرح نحو (مسرح ما بعد المسرح)، ووفق هذا المسعى، يمضي إلى ما هو أبعد بحثا عن أشكال تعبيرية جديدة، من خلال عدة تقنيات من بينها : الاشتغال على مسرح داخل مسرح وتوظيف الشاشة، وتداخل الفنون، ففي العرض بُعد سينمائي وتكوينات بصرية تتناغم مع حركة الجسد، شغلت المساحة الأمامية للمسرح وهي: مائدة طعام عليها جبنة تفتح الشهية للفئران، ومقعد "تواليت" ودلالته، وكيس الملاكمة الذي يرمز للعنف مع الآخر ومع النفس، والكراسي، والصحيفة، التي يقرأها سكان البيت وهم يجلسون على مقعد "التواليت"،

والكتاب الذي يرمى بعنف، وتمزق صفحاته، واللاب توب الموضوع على منضدة الطعام، والوسائد والمايكروفون، وكلها مفردات تشكّل مدخلا لفكرة تصل للمتلقي من خلال الاشتغال على شعرية الميتا مسرح، وهي كما يقول الباحث حسن يوسفي في بحثه (المسرح في المرايا) :" شكل درامي يترجم رؤية للعالم تقوم على تنسيب القيم التي يخلقها الإنسان وفق ما تمليه الشروط المحيطة به، لذا فإن القيم المطلقة التي تقوم عليها التراجيديا تصبح غير صالحة في عالم متغير يخلق أشكالا جديدة للتعبير عن نفسه".

وتدور فكرة العرض التي شكّلها (أنس عبدالصمد) كونه كاتبه أيضا، حول الضغوطات النفسيّة التي تواجه الإنسان، وتبدأ بمحاصرة الجدران لأفراد العائلة، التي تحاصرها العزلة، والضوضاء التي تصمّ السمع، وما تسبّبه لها من إرهاق، وزاد من ذلك انعدام الحوار بين أفراد العائلة،

فتتسلّل الفئران دون أن يشعروا بذلك، يتقدمهم الفأر الكبير الذي تسلّق جدران العائلة الهش، والتهم الجبنة الموضوعة على مائدة الطعام، على مرأى من العين الكبيرة التي تظهر على الشاشة في خلفيّة المسرح، وغضّت النظر عن ذلك، فزحفت الجدران لتضيق على أفراد العائلة، التي نجحت في الخروج منها، ويأتي الطبيب، ليعالج الأوضاع، فيعود النشاط لأفراد العائلة، لكنهم يظلوا يسكنون إطار عزلتهم، حتى ينطلق صوت رصاص ليضع نهاية لأفراد العائلة، وللمرة الثانية ينهضون ليواصلوا رحلة (سيزيف) حتى يتداعى البيت بعد أن شنت الفئران هجومها ليمتلئ المسرح بها وهي تزحف، ضوئيا، على الوجوه، والجدران، والأجساد،

فالمخاطر التي تحيط بالكوكب استشعرتها الفئران، فهربت بحثا عن الخلاص، لينطلق الصوت الأخير ضمن موّال حزين، كل هذه الأفكار ناقشها العرض الذي فاز بأكثر من جائزة، من بينها جائزة أفضل عرض متكامل في أيام قرطاج المسرحية، وجائزة أفضل إخراج وأفضل سينوغرافيا، كما رُشحت لأفضل عمل متكامل في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، كما رُشحت الفنانة ثريا بوغانمي لجائزة أفضل ممثلة في المهرجان نفسه.

ولأن هذا النوع من المسرح يحتاج إلى اللياقة وتعبيرات الوجه وسيمياء الجسد، فقد أبدع فريق العمل في الأداء وخصوصا: ماجد درندش، ثريا بوغانمي، أنس عبدالصمد، د. محمد عمر، وتعاضد هذا مع الإضاءة التي صمّمها د. علي السوداني- الذي قَدِم من تونس حاملا معه جائزة أفضل سينوغرافيا مسرحية (الجدار) للدكتور سنان العزّاوي- فأبدع في ذلك، وجعل إحساسنا مضاعفا بزحف الفئران، رغم أنّ بيئة العرض لم تخدمه، كونه جرى تقديمه في خيمة، فواجه صعوبة في تطويع فضاء العرض، لصالح مفرداته البصريّة، خصوصا في تحريك الجدران، التي كان لها دور حيوي ودلالي في العرض، لكنّ (د. علي السوداني) عمل بالممكن، فنجح في إيصال فكرة عرض بصري يشير إلى تفاقم المخاطر التي يواجهها الإنسان في كل مكان، ليتجاوز محلّيّته، ويعبر إلى الفضاء الإنساني، ليبعث المخرج من خلال بيت يرمز لكوكب يواجه ساكنوه مخاطر جمّة، رسالة تحذيرية للعالم

بأسره.

مقالات مشابهة

  • غادة عبدالرازق تعود بصدمة درامية في «عاليا»… وتصوير يبدأ قبل المواجهة الرمضانية
  • باحثون يتوصلون لطريقة فعّالة لمحاربة الرغبة بتناول الحلويات والوجبات السريعة
  • (بيت أبو عبد الله).. مسرح ما بعد الدراما
  • المشاط: تثمن حجم العلاقات المصرية الإماراتية التي تتجسد في التعاون في مختلف المجالات
  • هيثم شعبان: تقييم المدربين فكرة غائبة عن الإدارة المصرية
  • رئيس بولندا يعارض فكرة توسك بدفع وارسو تعويضات لضحايا الحرب بدلا من ألمانيا
  • بعد غياب 4 سنوات.. «رأس الأفعي» يعيد ماجدة زكي إلى الدراما الرمضانية في 2026
  • فكرة خارج الصندوق للباحثين عن عمل
  • المسرح ما بعد الدراما.. موت اللغة أم ولادتها؟
  • المعهد العالي للصحة العامة بجامعة الإسكندرية ينظّم ندوة توعوية حول «مخاطر التدخين وسرطان الرئة