محمد أكرم دياب يكتب: خلية نحل "مكة"
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
"اذ اوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا"، ايه اقترنت بخاطري من بين ١٢٨ أخرى انزلها الله بوحيه على النبي الكريم في مكة، لتحفظ في اللوح المحفوظ والمصحف الشريف بالسورة رقم ١٦" سورة النحل" تتخذ موضعا مميزا وتضم ايات من اقوام سابقين لهداية السبيل لاقوام حضروا بعدهم، وهو ما يسره في قوله تعالى " ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ".
بالعودة إلى النحل، فنجد ان سورة قرآنية كاملة انزلها الله في مكة قد بكون لها دلالات كثيرة في التدبر، فخلقه للنحل كان مميز، وحياة النحلة تهدي للتي هي اقوم، بها النظام والتسلسل لانتاج ما هو شفاء للناس من بطونها في النهاية، لذلك فهي خلق يعمل في دأب شديد بنظام معقد تجدها مع الروائح الذكية عيشتها بين الزهور وخليتها تمتاز بالتعقيد وتدير الآلاف ملكة واحدة تتم حمايتها بعناية لتنتج هذه المنظومة بدأب شديد و تجلب المنافع.
و في مكة، بعد سنوات من نزول السورة الكريمة إذا تابعت مشاهد مختلفة من الحرم تلك الأعداد الغفيرة التي تطوف بداية من حجر نزل من السماء الحجر الاسود، والاعداد الاخرى التي تنام في التوسعات، والاخرى التي لا تستطيع الوصول إلى صحن الكعبة وتكتفي بالصلاة في الخارج، لا بد ان يجذب انتباهك النظافة المستمرة دون ذرة من الغبار وتتعجب من ذلك رغم وجود أعداد غفيرة من البشر التي خاف الملائكة خلقهم وقالوا " اتجعل فيها من يفسد فيها" لكن رد الله "اني اعلم مالا تعلمون ".
علم الله الواسع جعل اناس مختصين في اصلاح من خاف الملائكة خلقهم يعملون في دأب شديد كالنحل في بيوته، غالبا لاتسمع لهم ضجيج، يسيرون في مهمات خاصة، لاظهار اية الله في خلقه خليفة الارض ولا ثبات قوله للملائكة بإنه يعلم مالا يعلمون تلك النماذج إذا دققت رؤيتك ستجد نفسك محاط بها يوميا وفي الحرم ستعيد نظرك كرتين ستتبين ملامح عملهم التي تتشابه مع خلايا النحل.
يعملون دون ازعاج دون تأثير دون ان تشعر بهم لكن تلمس نتيجتهم في النهاية لاتوجد ذرة غبار، تجد نفسك تدقق في تلك الطريقة التي يتعامل بها العاملون هناك، عدد كبير من العاملين بجنسيات مختلفة أكثرها بنجلاديش وهنود يعملون على مدار الساعة في النظافة وتطهير مخلفات آلاف من المعتمرين، دون ان تشعر بوجودهم تنظيم كبير يشبه خلية النحل يجب دراسته جيدا، وان تتوسع الدراسة إلى كيفة التحكم في ذلك العدد للعمل بحب في خدمة الأماكن المقدسة دون تواني.
بجانبهم يتعامل أفراد الأمن بحرص شديد مع الزائرين فقط يستطيع توجيه الاعداد الغفيرة بكلمه " ياحجي" يمكنه كسب ود العديد من الجنسيات بها كما يمكنه استعمال المعتمرين فيبناء حواجز بشرية امام الكعبة لمنع المتطوفين من الاقتراب أثناء أداء الصلوات بنفس الكلمة تدريباتهم مختلفة في التعامل بحكمة دون أي تذمر من المتواجدين، فهي خلية نحل مكة البشرية.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب.. الوجدان الراقي
عندما نعرف، ونطبق ما تحصلنا عليه من معارف، وصارت لدينا قناعة بما نؤديه، وما نعلم تفاصيله؛ فإن الوجدان لدينا يتشكل شيئًا فشيئا؛ لتصبح سلوكياتنا منضبطة، وقدرتنا على تقييم تصرفاتنا تساعدنا في تصويب ما قد نخطئ هدفه، أو نسدد رميته، وهذا ما يخلق المناخ الآمن؛ كي نواصل سبل اكتساب المزيد من الخبرات الجديدة، ومن ثم نتمكن من التنبؤ بمستقبل وفق ما لدينا من معطيات، ومقومات تسهم في ذلك.
متغيرات البيئة لا تسبب لنا صدمات، أو تجعلنا نحيد عن طريقنا القويم؛ لكن كثيرًا ما نتعلم منها، بل، وتحفزنا لأن نواجه تحديات، ومشكلات وأزمات، ولدينا الرغبة، والإرادة، والعزيمة في أن نصل لغايتنا، ونرسم سيناريوهات مفعمة بالأمل، والطموح يعلوها عطاء مستداما، وفيض فكر، لا ينضب، ويكسوه اتجاه إيجابي، وميول نحو بوابة التقدم، والازدهار؛ ومن ثم تتزايد الاستعدادات المستجيبة لكافة ما يدور في فلك الأماني.
كي نشكل واجدانا راقيا؛ فإنه لا بد من أن نعلى من قدر الاهتمام بمشاعر من نستهدفه؛ فنولى رعاية لآرائه، ونعقد لها من جلسات الحوار ما يسهم في تصويبها، وتقويمها، ونحترم القناعات، التي بين الجنبات؛ فيرى منا تقديرًا لكل ما يمارسه من أفعال، يتمخض عنها نتاجات ننشدها، وسلوكيات مرغوبة لدينا، وهذا بالطبع لا ينفك عن مراعاة حثيثة لكل ما من شأنه أن يساعد في تنمية مهارات التفكير بأنماطه العديدة.
مساحة البحث، والاستقصاء التي نمنحها لمن نريد أن يصبح لديه وجدان راق مهمة للغاية؛ فبواسطتها ينتقى ما يتعرض له من معارف؛ فيمحصها، ويخضعها دون جدال للنقد، بل، ويتأمل مكنونها بتحليل محتواها، وهنا نراه يتقبل ما يتماشى مع منطق العقل، كما يتثبت بالشاهد، والدليل؛ كي لا يقع في متاهة التضليل، التي تحملها أوعية غير موثوقة، أو موثقة، وأصبحت تملأ آفاق الفضاء الرقمي؛ لذا يتقبل صاحب الوجدان الراقي كل ما يتخلله الشك، والتشكيك.
مؤشرات رقي الوجدان نرصده في حُب الإنسان منا لمزيد من شغف الاستطلاع العلمي، والرغبة في التدرج بمستويات الفهم؛ ليصل إلى عمقه، ومطالعة جديد المعرفة، التي تشكل بنى معرفية، تصقل الخبرات، وترفع من مستويات التوقع، والطموح، كما تجعل الفرد متعقلًا نحو كافة المواقف، التي تتسم بالجدة، ناهيك عن منازلة التحديات، والمشكلات غير المألوفة؛ فيمارس صاحب الوجدان الراقي عمليات العلم الأساسية منها، والتكاملية؛ ليحقق مستويات من النضج الخبراتي.
أصحاب الوجدان الراقي ليسوا جامدين، أو منغلقين، أو لديهم حيز ضيق من الاستيعاب، والرؤى؛ لكنهم يتميزون بسعة الصدر، ورحابة الفكر، والتفكر، كما يمتلكون المقدرة على الفرز؛ فلا يتقبلون الغث، ويعززون من الثمين، بالإضافة، والثراء، ناهيك عن التزام خلقي نابع من قيم نبيلة، يؤمن بها، ويطبقها على أرض الواقع؛ فالشخصية جد سوية، والمعتقد يتسم بالوسطية؛ لذا فقد صار التواصل مع تلك الفئة مريحًا، وآمنًا؛ حيث إن الأذهان سليمة، ولا يشوبها فكر معوج، أو منحرف.
في حيزنا التربوي يمكننا أن نقدم الرعاية، التي يستحقها الفرد، وتسهم في بناء شخصيته؛ ليمتلك الوجدان الراقي؛ حيث المواقف المصممة بعناية في صورة أنشطة تعليمية رصينة، المكنون، والمكون وتتطلب في إنجاز مهامها روح العمل الجماعي، وشراكة الفكر؛ ومن ثم يمارس فلذات الأكباد مع بعضهم البعض الاستقصاء، والاستنتاج، والاستنباط؛ لتصنعَ، وتتخذَ القرارات، التي ترسخ المسئولية، والمخاطرة لديهم، بما يفتح المجال إلى مزيد من المشاركات على نطاقٍ واسعٍ، وهنا نتحدث عن توافق، وتكيف فردي، وجماعي في آن واحد، بما يحفز على الإنتاجية في خضم فلسفة التعاون؛ فيتخلى الإنسان منا عن أنانيته، ويصبح قويَّا بغيره، وبنفسه.
ذوات الوجدان الراقي إذا ما تمت مساعدتهم من خلال تقديم متلون الغذاء، والمشرب، متمثلًا في صور الخبرات، التي تخلق العلماء، والمثقفين، والفلاسفة، والمبتكرين، والمهرة في شتى المجالات، بل، القادة المؤهلين؛ قباطنة سفينة الوطن في بحور النهضة، ومحيطات الإعمار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.