جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-16@11:40:35 GMT

حدِّة الطباع في المجتمع

تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT

حدِّة الطباع في المجتمع

 

د. صالح الفهدي

أصبحت حِدِّة الطَّبع في المجتمع صفةً بارزةً وملحوظة حينما يُطرحُ موضوعٌ ما في (المجالس السِّحابية) أو العلاقات الشخصية أو الأُسرية، ولعلَّ أبرز صور هذه الصفة ما يتَّصلُ بالنقاشات التي تطغى عليها الغلظة، والفظاظة، والغضب، والحدة، حتى أنَّ بعضها لا يستحق أن يُلفت نظر الإنسان، ناهيكم عن دخوله في نقاشٍ مضنٍ، ومتعبٍ للنفس!.

هذا يُنبأُ عن عددٍ من المُؤشِّرات علينا أن ننبِّه المجتمع للعواقب التي تسبَّبت بها حِدِّة الطباع، وفظاظة الأُسلوب على لحمة المجتمع وتماسكه!. وبالطبع فإِنَّ الأحكام التي تُطلق على مخالف الرأي، ومعارض وجهة النظر جاهزة تُلقى على الفور!.

هناك أسبابٌ، وتداعياتٌ لهذا السلوك غير الحميد؛

أوَّل الأسباب التي ينتجُ عنها حدَّة الطبعِ في النقاشِ عدم الاهتداء بالمنهجِ الديني الذي أوضحَ طُرقاً للنقاش، وأبان أساليبَ للحوار، وبيَّن أدواتٍ للمجادلة.

ثانياً: الرغبة في تغليب وجهة النظر الشخصية بغضِّ النظر عن نشدان الحقيقة، وهذه مصدرها النرجسية الذاتية، وقلَّة النضج الفكري والنفسي.

ثالثاً: عدم امتلاك مهارة الحوار مع الآخر، وما يتطلَّبه ذلك الحوار من فهم عميق لوجهة النظر الأُخرى قبل الردِّ عليها، ثم استخدام الحجج والبراهين الواضحة للرد وفقَ أسلوبٍ يحفظ حق وكرامة الطرف الآخر.

أما تداعيات ذلك الهيجان والاضطراب الناتج عن حدِّة النقاش مع الآخر فهي:

أولاً: انقطاع الأواصر الأُسرية، والعلاقات مع الآخرين، مما يُؤثِّرُ على وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي، إذ إن النقاشات التي يغلبُ عليه حدة الطبع، والغضب تؤدي إلى الشحناء والفجور في الخصومة وقطع العلاقات.

ثانياً: الأمراض النفسية والعضوية الناتجة عن حدِّة الطبع، وثوران النفس، وهيجان المشاعر، والغضب. لقد أوضحت الدراسات الطبية أثر الاضطرابات الناتجة عن الغضب والثوران والحديَّة على النفس ومن ثم على الجسد في صورة أمراضٍ مختلفة بعضها مزمن.

ثالثاً: حرمان العقول من الاستفادة المعرفية السليمة الناتجة عن الحوار الموضوعي، الهادئ، الرزين الذي يحترم فيه جميع الأَطراف بعضهم البعض وإن اختلفت وجهات نظرهم.

أعودُ إلى الأَسباب التي ذكرتها آنفاً لأقول إن المنهج الإِسلامي قد وضع قواعدَ في النقاش والحوار والمجادلة لا يتسع المقام لسردها، بيد أنني أذكرُ بعضها وفي مُقدمتها ما أمر الله به نبيُّه الكريم من اتباعه عند الحوار والمناقشة فقال سبحانه:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ"(آل عمران-159)، وقال تعالى:"أُدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل-125)، وفي أمره سبحانه لسيدنا موسى وأخيه هارون قال:" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (طه-44)، والنبي الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام قد أجلى أثر الغضب ناصحاً بثلاثٍ "لا تغضب"، وأبان:"ليس الشديدُ بالصرعةِ -أيَّ بقوة الجسد والعضل- وإنما الشديد من يمسك نفسه عند الغضب"(رواه البخاري)، وللإسلام أدبياته وأعرافه في هذا الشأنِ من لا يعيها فذلك يعني أنه لم يفهم دينه حق المعرفة.

أما السبب الثاني وهو المتعلق بتغليب وجهة النظر الشخصية فهذا سببه عدم النضج الفكري، والتعصُّب للرأي وإن كان غير صحيح، وفرض الغلبةِ على الآخر، وفي هذا يقول الإِمام الشافعي:"ما جادلتُ أحداً إلَّا وتمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه" في دلالة على تغليب الحق على الرأي الشخصي، وهذا ما يجب أن يُدرك؛ أنَّ نشدان الحقيقة مقدَّمٌ على نصرة النفس، والانحيازِ إلى الباطل.

ثالثُ الأسباب المُتعلق بفقدان مهارات الحوار وأدبياته فذلك محسوبٌ على التربية داخل البيت فيما يتعلق بقيمة الحوار وأسسه وطرقه وأخلاقياته، كما يعودُ أيضًا إلى المدرسة وطرق المعلمين في إدارة النقاش والحوار، بالإضافة إلى قيم الحوار وأدبياته في المناهج.

المجتمع بحاجة ماسَّة إلى التخلُّص من حدَّة الطبعِ بغضِّ النظر عن الضغوطات المختلفة التي لا يجب أن تُخرج الإنسان من نطاق أخلاقه، وأدبه، فلهُ أن يغضب للحقِّ، ويعبِّر عن مشاعره المكبوتةِ، ولكن دون أن يحمله ذلك إلى استخدام الألفاظ النابية، واللغة الوضيعة، والأسلوب الجارح، يقول الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بجامعة الأزهر: "إن ما نشاهده في هذه الأيام من انتشار حدة الطباع وما ينشأ عنها من صراع بين الزوج وزوجته وبين الأبناء والآباء وبين مختلف فئات المجتمع في العمل والمواصلات العامة هو الضيق بالآخرين، وكثرة العراك، وضيق الصدر بالآخر، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، يؤكد ضرورة الحاجة إلى تعديل العرف العام في السُّلوك والتصرفات والطباع وأن يقوم بهذه المهمة كافة وسائل وأجهزة المجتمع الإسلامي حتى يعود التراحم والصفاء والحب والترابط بين فئات الأمة على اختلاف ديانتهم "·

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعز والحوبان

 

 

فتح طرقات الحوبان ـ مدينة تعز مبادرة كبيرة، إنسانية وطنية جريئة، لا تصدر إلا عن شخص كبير، شخص يشعر بالمسؤولية الوطنية .. يتمتع بمكارم الأخلاق، ويتسم بالجرأة والشجاعة، قراره مستقل، لا يخشى عدوا، ولا ينتظر الإذن من صديق أو حليف .
فتح طرقات الحوبان ـ تعز بعد إغلاقها لتسع سنوات قرار استراتيجي بأبعاده الأخلاقية والاجتماعية والسياسية أيضا .
يحاول الكثيرون ركوب موجة المبادرة، مسؤولون وقيادات وناشطون من هنا وهناك حتى قيادات سلطة الأمر الواقع ” الوكيلة ” التي تدير مدينة تعز وبعض مديرياتها، يحاولون ركوب الموجة وتجييرها لمصلحتهم، مع أنهم فوجئوا بها من الإعلام وعاشوا يوما كاملا من الصدمة والارتباك، قبل أن يهرع الوزير الداعري إلى تعز في اليوم التالي . وفي لقائه بدمى السلطة الذي بدأه بالتوبيخ، حذر وأنذر من التسرع بالاستجابة لمبادرة ” الحوثيين ” فالقرار خطير لا ينبغي التعامل معه بتسرع قرار عسكري يتجاوز شمسان وشيبان والدست أيضا.
بالفعل، مبادرة فتح الطريق قرار كبير، أكبر من الداعري نفسه ومن صغير عزير، وأكبر من العليمي ومجلس الرياض بأكمله.
ولذلك لم يظهروا رفضا علنيا، ولجأوا للنفاق والكذب لتضليل ما تبقى من قطيع.
رحبوا بالمبادرة حفاظاً على ما تبقى لديهم من أقنعة الزيف. فتحوا طريقا فرعيا متعرجا في حي الكمب عرضه أربعة أمتار، وأبقوا على المنافذ والشوارع الرئيسية مغلقة.
نصبوا أكثر من ست نقاط للتفتيش الدقيق في الزقاق الذي يغلق عند السادسة مساء.
السيارات مكدسة بالمئات، وبدلاً من خمس ساعات كان يقضيها المسافرون من الحوبان إلى المدينة في طريق الأقروض، أصبح المسافرون بحاجة إلى خمسة أيام ليعبروا زقاق الكمب إلى وسط المدينة .
مئات العائلات، نساء وأطفال ينامون فيها ليالي في سياراتهم وعلى الأرصفة، ولسان حالهم يقول: ” سلام الله على الأقروض “.
استجابة سلطة المرتزقة للمبادرة على طريقتها: مكبرات تصدح بأناشيد أيوب، وعشرات البراميل مصفوفة على الطريق، وعليها ترفرف أعلام الجمهورية بكثافة، وهنا يحضرني القول المأثور: آخر ما يلوذ به الخونة هو العلم الوطني.
مبادرة فتح طريق الحوبان ـ تعز قرار كبير، يحتاج إلى كبار لتوظيفه في إطاره الأخلاقي الإنساني والسياسي لإجبار الطرف الآخر على قبولها، أو ليعرف الداخل والخارج من الذي يحاصر تعز، ومن الذي يتاجر بمعاناة أهلها؟.
لا يمكن لمن أعلن المبادرة أن يوجه بشن حرب لفتح طريق الحوبان إلى تعز، فقد أرادها أن تكون ” سلمية ” وأبناء تعز يجيدون الحروب السلمية وأسلحة ” الصدور العارية ” والكرة في ملعبهم.
حتى الآن، لم تلق المبادرة وما آلت إليه من اهتمام سياسي وإعلامي. لم تنقل لنا وسائل الإعلام الرسمية والوطنية مشهدا من معاناة آلاف المسافرين على أبواب المدينة التي فاضت بها وسائل التواصل الاجتماعي.
مسؤولو السلطة المحلية في الحوبان الطيبون، يثنون على استجابة الطرف الآخر، رغم معاناة المسافرين والمراوغات، ويكادون يشهدون له بالجدية والإخلاص، بينما يعمل الطرف الآخر على إظهار هذه المعاناة كنتيجة لتفاهمات بين الطرفين، حتى أن أحد الإعلاميين نقل إلى عضو المجلس السياسي الأعلى، سلطان السامعي، طلب المواطنين بتمديد فتح الطريق ساعتين بعد المغرب لتخفيف معاناة الناس، وكأن صنعاء والحوبان هما من حددوا ساعات العبور. تقبل السامعي السؤال بصدر رحب ووعد خيراً، وأنه سينقل الطلب إلى الطرف الآخر.
وفي رسالة لإعلامي آخر، قال أن لغما انفجر بشيول للطرف الآخر، فاضطروا لطلب المساعدة من فريق الحوبان الذي لبى النداء وباشر العمل في منطقة سيطرة الآخر، زميلنا كان سعيدا بما وصفه روح التعاون المشترك. لكن الواقع والتجربة المريرة لا تشير إلى هذه الروح، كما أن الآخر يتذرع بوجود ألغام لتبرير التلكؤ في فتح الطرقات، وربما تكون حادثة الشيول مفتعلة لإثبات هذه الذريعة.
ولا نستبعد أن يتم افتعال حادث يسقط فيه ضحايا لاستخدامه كوسيلة إنقاذ تخرجهم من ” ورطة فتح الطريق ” فيعلنوا إغلاقها ” حفاظا على أرواح المواطنين.
نسيت أذكر اسم ” الكبير” صاحب المبادرة الكبيرة التي حاول الكثيرون ركوب موجتها.. أكيد تعرفوه، وهل يخفى القمر؟

aassayed@gmail.com

مقالات مشابهة

  • الكشف عن سبب تكدَّس السيارات في جولة القصر بمدينة تعز
  • التقدمي: نجدد انفتاحنا على النقاش الجاد والهادئ
  • وعي الثنائيَّات الاستبعاديَّة وأُفق الرِّواية البديلة
  • "حرب البنوك" بين صنعاء وعدن ـ الوجه الآخر للصراع في اليمن
  • الجميل: يجب الا نغرق في النقاش حول شكليات التشاور
  • وكيل تعز: تكدس السيارات بجولة القصر ناتج عن ضيق الخط في نطاق سيطرة الطرف الآخر
  • تعز والحوبان
  • جنيفير لوبيز تمنع النظر في عينيها!
  • حملات الاعتقال والاختطاف.. محاولة حوثية لتفادي خطأ إمامي سابق
  • أزمة القانون الدولي.. حرب غزة وإعادة النظر في منظومة العدالة العالمية