هناك نظريتان بهما فلسفة معينة، النظرية الأولى أن صلاح الرعية من صلاح حاكمها والعكس بالعكس، وأما النظرية الثانية فإن الحاكم أولًا وأخيرا ابن البيئة، وأنه ليس سوى انعكاس لطبيعتها، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»، حيث تُعتبر العلاقة بين الحاكم والمحكوم هى الإشكالية الأساسية فى أية دولة، وعلى حلّها يتوقف تقييم الدولة بأنها ناجحة، أو فاشلة، عادلة أو ظالمة، ديمقراطية أو تسلطية، والأمر يتعلق بشكل الدولة وطبيعة نظامها السياسى، والمبادئ والقيم التى تحكمها، وتاريخيًا كان (ابن خلدون) مؤرخًا عربيًا من القرن الرابع عشر ويعتبر أبو علم التأريخ ومعروفًا بنظرياته حول صعود وسقوط الإمبراطوريات وأشهر أعماله «المقدمة» وهو نص تأسيسى فى مجال التأريخ ويعتبر من أهم الكتب فى الفلسفة الإسلامية، وفى هذا العمل وضع ابن خلدون نظرية شاملة فى التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة، وقام بتحليل أسباب صعود وسقوط الإمبراطوريات، حيث نظر ابن خلدون إلى علاقة الحاكم والمحكوم على أساس فهمه الخاص للتاريخ والحضارة، ووجد ابن خلدون أن نهضة الحضارات ترتكز على مجموعة من الأفراد الذين يعملون معًا لتحقيق أهداف مشتركة، ومثل هذه الجماعات تستمر فى الوجود طالما أدرك أفرادها أنهم يتشاركون فى مصيرهم المشترك وأن نجاحهم يتوقف على وحدتهم وتعاونهم، وعلى الجانب الآخر نجد أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم لها تاريخ حافل بالمتناقضات والمتجانسات، وبالاستقرار والاضطرابات، ولقد مر على بعض الأمم فترات كان الحاكم فيها له السلطة المطلقة التى تجعله يتظاهر بأنه إله، أو يدعى الربوبية، كما ورد بالقرآن العظيم: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِى حَاجَّ إبراهيم فِى رَبِّهِ أن آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّى الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ قَالَ أنا أُحْيِى وَأُمِيتُ قَالَ إبراهيم فإن اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: 258) وفى آيات أخرى: {اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ أنه طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إلى أن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أنا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخرةِ وَالأولى} (النازعات: 17-25)، وبالتالى ومما سبق ذكره أرى أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، انطلاقًا من المساواة والعدل والشراكة والمشاركة، وبالطبع مبادئ الحريّة، فإنها تشكّل أساس المواطنة فى الدولة العصرية، وللحديث بقية أن شاء الله.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د أحمد محمد خليل ابن خلدون
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: قمة بغداد .. خطابات الدعم وتعميق الخذلان!
شكّلت القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد، المنعقدة في 17 مايو 2025، محطة كاشفة لطبيعة الموقف العربي من الأزمة السودانية. فعلى الرغم من الزخم السياسي الذي أحاط بالقمة، بدت الفجوة واضحة بين الخطاب التضامني المُعلن، وبين غياب الآليات العملية والاستجابة الحقيقية لحجم المأساة السودانية المتفاقمة. السودان، المنهك من حرب داخلية طاحنة جراء تآمر إقليمي ودولي، وجد نفسه من جديد في قلب بيانات التعاطف، دون تضامن حقيقي.
مشاركة الفريق مهندس إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة السوداني، في القمة، سعت الخرطوم من خلالها إلى تثبيت شرعيتها السياسية، وتأكيد استمرار ارتباطها بالنظام الإقليمي العربي رغم التحديات الداخلية. الكلمة التي ألقاها باسم السودان جاءت ناعمة و محمّلة برؤية لما وُصف بـ”خارطة طريق للسلام”، تضمنت وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وانسحاب مليشيا الدعم السريع من المدن، وفتح ممرات إنسانية تمهيدًا لحوار سياسي شامل يقود إلى الحكم المدني والانتخابات. غير أن هذه الرؤية الطموحة ظلّت لا تجد الدعم الكافي من الوسطاء، بجانب تآكل الثقة بين الفاعلين ، فضلًا عن تدخلات خارجية تُغذّي الصراع بدلًا من احتوائه.
كلمات القادة العرب والبيان الختامي أكّدت مجددًا دعمهم لوحدة السودان ورفضهم التدخل في شؤونه، وهو خطاب مألوف لا يخرج عن ثوابت العمل العربي المشترك. لكن عند اختبار هذا الموقف على أرض الواقع، تتكشّف محدوديته؛ إذ لم تُطرح أي مبادرة جادة للضغط على المليشيا وداعميها، أو لإقرار دعم اقتصادي طارئ، أو ممارسة ضغط دبلوماسي لتنفيذ اتفاق جدة الموقّع في 11 مايو من عام 2023. باستثناء مساعدات إنسانية رمزية، ظل السودان يواجه حربه منفردًا، وسط فراغ استراتيجي إقليمي يعكس ضعف الإرادة السياسية الجماعية.
من بين أكثر المشاهد دلالة في القمة كان لقاء الفريق جابر مع المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو ما عكس ميلًا سودانيًا واضحًا إلى تنويع الحلفاء، والبحث عن منافذ دعم بديلة بعد خذلان المنظومة العربية. هذا الانفتاح يحمل احتمالات ذهاب السودان إلى استخدام أوراقه الرابحة في محاور دولية أكثر ثقة، بحسب ما أثبتته التجربة، خصوصًا في ظل تصاعد التنافس الجيوسياسي على الأرض السودانية. إدارة هذه العلاقات تتطلب من السودان قدرًا عاليًا من التوازن السياسي، والبحث عن مصالحه بما يحفظ له سيادته واستقلالية قراره الوطني وسط صراع إقليمي متجدّد.
على هامش القمة أيضًا، انعقد اجتماع ثلاثي جمع الجامعة العربية، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، في محاولة لتنسيق المواقف حيال الأزمة. ورغم أهمية التنسيق بين هذه الجهات، فإن نتائج الاجتماع كشفت مجددًا التحديات البنيوية التي تعيق فاعلية العمل المشترك: تعدد المرجعيات، تداخل الأدوار، وغياب آليات تنفيذية ملزمة. الاتفاق على استمرار التشاور لم يكن كافيًا لمجاراة تسارع الأحداث على الأرض، والمتعلقة بانتقال الصراع إلى استهداف البنية التحتية باستخدام مسيّرات استراتيجية، والتي صفتها الحكومة السودان “بالعدوان” ، ما يُبرز الحاجة إلى تحرك مؤسسي عربي فاعل.
في السياق ذاته، أثار غياب أي إشارة صريحة إلى دور الإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع تساؤلات ملحّة. ورغم اتهامات مباشرة من السلطات السودانية لأبوظبي، تصاعدت لمستوى قطع العلاقات، لم تتضمن بيانات القمة أي إدانة، ما يعكس عمق الخلل في آليات المحاسبة داخل النظام العربي. فالقمم العربية، ووفقًا لما يُعرف بـ”الحد الأدنى من التوافق”، تتجنب المسّ بالخلافات البينية، لا سيّما إذا كانت تطال دولة ذات نفوذ إقليمي .
نفوذ الإمارات، الاقتصادي والسياسي داخل الجامعة العربية، يمنحها قدرة على تعطيل أي تحرّك جماعي ضدها، حتى عندما تكون هناك اتهامات موثّقة بالتورط في أزمات دولية. كما أن غياب آلية قانونية للمساءلة داخل الجامعة، وتضارب المصالح الإقليمية، يجعل من إدراج إدانة كهذه أمرًا صعبًا. يُضاف إلى ذلك ضعف الموقف السوداني نفسه، الذي لم يتمكن من حشد دعم عربي كافٍ لمطالبه، في ظل تباين المواقف وانقسام الداخل السوداني.
السودان اليوم لم يعد مجرد أزمة داخلية، بل بات ساحة مفتوحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، ما يُصعّب إيجاد حل وطني ما لم يتم الانتباه لذلك. التدخلات الخارجية، سواء كانت دعمًا لمليشيات أو محاور دبلوماسية متنافسة، تعيد إنتاج الصراع وتُعقّده، بينما يبقى الموقف العربي مترددًا، متحفّظًا، وعاجزًا عن تقديم نموذج استباقي وفعّال لإطفاء الحريق.
عليه، يمكن القول إن قمة بغداد، رغم ما حملته من وعود وخطابات تضامن، ستبقى كسابقاتها. السودان لا يحتاج إلى مزيد من البيانات الختامية، بل إلى التزامات سياسية واقتصادية وأمنية قابلة للتنفيذ. إذا لم تتبع القمة تحرّكات ملموسة، سواء بدعم خارطة الطريق السودانية، أو ببلورة مبادرة عربية فاعلة لفرض وقف إطلاق النار، فسيُسجلها السودانيون – مع الأسف – كمناسبة أخرى لتعميق الخذلان لا لنصرتهم.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
الأحد 18 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com