صحيفة البلاد:
2025-05-14@08:52:53 GMT

الإدريسي.. مدرسة في رسم الخرائط

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الإدريسي.. مدرسة في رسم الخرائط

عبد الله صقر – مركز المعلومات

“إن مصنف الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وأن ما يحتويه من تحديد للمسافات والوصف الدقيق، يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية” – دائرة المعارف الفرنسية.

يعتبر الشريف الإدريسي أحد كبار الجغرافيين في التاريخ الإنساني، وقد لاقى كتابه” نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” اهتمامًا كبيرًا من قبل المستشرقين حيث تعددت طبعات أجزاء منه بعد ترجمته – حسب اهتمام المستفيد – وربت على عشرين ترجمة لأبوابه المختصة بالبلدان المتعددة.

ويذكر كراتشكوفسكي في كتابه “تاريخ الأدب الجغرافي العربي” في حديثه عن كتاب “نزهة المشتاق” أنه أفضل رسالة في الجغرافيا وصلتنا عن العصور الوسطى؛ سواء من الشرق أو الغرب، وعلى هذا الحكم يقف الآن إجماع آراء المستعربين ومؤرخي الجغرافيا على السواء.


رسم الخرائط
حرص الإدريسي منذ بداية رحلاته على أن يرافقه في سفره ورقة وقلم؛ ليكتب عن كل ما رآه وسمع عنه في جميع الأماكن التي زارها. ويعتبر الإدريسي مدرسة قائمة بذاتها في رسم الخرائط؛ تمثل المرحلة الثالثة من تطور الخرائط، فقد تأثر بالمرحلة الأولى الرياضية والفلكية؛ حيث اعتمد على الفلك في تحديد الخطوط العرضية السبع لبروزه في الفلك، وإن كان خالف هذا المنهج في تقسيمها إلى أجزاء لا تعتمد على أساس فلكي.
وقد تخلص من قيود المرحلة الثانية في اتجاهاتها الخطية القوسية كما فعل ابن حوقل؛ ولهذا فقد انفرد بمرحلة خاصة به تميزت بتخلصها من قيود الرسم المحلية، واتجه إلى العالمية بالإضافة إلى الخرائط الإقليمية. ويتميز منهجه أنه غطى غير المعمور من الأرض كما بين ذلك في مقدمة كتابه.

الطريق إلى الخارطة
شكّلت عملية رسم خريطة العالم التي أنيطت بالإدريسي، بالإضافة إلى الكتاب الذي يشرح الخارطة أكبر تحديًا له. مرَّ الإدريسي في إنجاز خرائطه، التي شكّلت مجملها خارطة العالم، بالإضافة إلى كتابه، الذي يعد شرحًا للخرائط بمراحل علمية مجدولة، استغرقت خمس عشرة سنة. وقد أوضح الإدريسي في مقدمة كتابه المراحل الأربع، التي ينتهجها في تحصيله العلمي وبناء الخارطة، التي تعد منهجًا علميًا متكاملًا للوصول إلى أفضل النتائج؛ حيث اعتمد الإدريسي على القراءة والمشاهدة الشخصية والمقابلة والبعثات الاستكشافية.

القراءة في كتب السابقين
أراد أن يقف على آخر ما توصل اليه الجغرافيون الأوائل في هذا المجال، فقرأ الإدريسي الكثير من كتب الجغرافية لعلماء الرومان واليونان وعلماء العرب الذين سبقوه، وأهم من أخذ عنهم العالم اليوناني بطليموس، فعلى سبيل المثال، فقد استفاد الإدريسي في وصف العالم في كتابه من طريقة بطليموس في تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم، أي أحزمة عريضة فوق خط الاستواء، غير أن الإدريسي أضاف على ذلك بأن قام بتقسيم كل إقليم إلى عشرة أقسام رأسية، ابتداء من الشرق إلى الغرب، وكل قسم من هذه الأقسام ربطه في خارطة.
وقد كان الإدريسي واضحًا وصادقًا في نقله. ففي مقدمة كتابه “نزهة المشتاق” ذكر المصادر التي نقل عنها ما بين عرب وغير عرب.


المشاهدة الشخصية
جمع الإدريسي الكثير من المعلومات الموثقة بالمشاهدة والمعاينة، وذلك لكثرة أسفاره وترحاله، فوصف الأماكن وصفًا دقيقًا يدل على رؤيته لتلك الأماكن ومعاينتها بشكل جيد.
ومن المعروف أن منهج المعاينة أو الملاحظة الشخصية يعد مصدرًا مهمًا للأبحاث ومنها البحث الجغرافي بشقيه الطبيعي والبشري، ومن تتبع كتابه يلاحظ أنه عند الحديث عن مناطق زارها، فإنه يسهب في الحديث عنها، ويعطي تفاصيل توحي للمتتبع أنه زار هذه المناطق فعلًا، خاصة أنه أحيانًا يستخدم عبارات: وقد شاهدت أو وقد رأيناه عيانًا.

المقابلة (جمع المعلومات)
كان الإدريسي يتردد على سواحل صقلية لمقابلة الرحالة والبحارة، ممن لديهم معلومات تؤكد معلوماته، والذين يرسون على سواحل صقلية حيث مقامه هناك، وسماعه منهم مباشرة زيادة في التأكيد على صحة المعلومات. وكان يتم اللقاء بينه وبينهم بشكل فردي وجماعي. وهذا المنهج يعتبر من أفضل أساليب المقابلة لجمعه بين نوعين من المقابلة (فردية/ جماعية).

البعثات الاستكشافية
لم يتمكن الإدريسي من السفر الى بلدان كثيرة، فقام بإرسال رسامين ومصورين إلى تلك البلدان، وطلب منهم تقصي المعلومات عنها، وتصوير معالمها.
أول ما فعله عالم الجغرافيا الذي لم يتجاوز عمره 37 عامًا هو تشكيل فريق (يتألف من 12 رجلاً) لمساعدته في أداء مهمته، فاختار أفضل من لديه معرفة بتقنية الملاحة الجديدة والرياضيات ورسم الخرائط، تحت إشرافه الدقيق، وقام بإرسال فريق آخر إلى مشارق الأرض ومغاربها وبالفعل حدث ذلك، ومع انتهاء الفريق من مهمته رجعوا إلى الإدريسي بجميع المعلومات التي يحتاجها.
قام الإدريسي بوضع منهج العمل، وهو الذي سن طريقة إيفاد البعثات الاستكشافية، واشترط إثبات ذلك بالرسوم، أي توقيع ذلك على خرائط للتأكد من المسافات وللمقارنة بين المكتوب والمرسوم.

من أقواله

قال واصفًا كروية الأرض:” إن الأرض مدورة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها وراكد عليها ركودًا طبيعيًّا لا يفارقها، والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمح (الصفار) في جوف البيضة. ووضعهما وضع متوسط، والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما، وهو جاذب لهما إلى جهة الفلك، أو دافع لهما. والله أعلم بحقيقة ذلك، والأرض مستقرة في جوف الفلك، وذلك لشدة سرعة حركة الفلك، وجميع المخلوقات على ظهرها، والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل، بمنزلة حجر المغنطيس الذي يجذب الحديد إليه”.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: الحضارة الإسلامية

إقرأ أيضاً:

إطلاق مسار “سياحة الفلك الآثاري”

صراحة نيوز ـ نظمت سلطة إقليم البترا التنموي السياحي بالتعاون مع جمعية الرواد للسياحة الفلكية أمس الاثنين، في مدينة البترا، حفل إطلاق مسار “سياحة الفلك الآثاري” وتوقيع كتاب “الرقيم: المشروع النبطي العلمي في البترا” للباحث مأمون النوافلة.

وقال رئيس مجلس مفوضي السلطة الدكتور فارس البريزات، إن إطلاق مسار سياحة الفلك الآثاري في البترا يأتي ترجمة لرؤية السلطة في تنويع المنتج السياحي وإثرائه بمضامين ثقافية وعلمية تعكس العمق الحضاري والتاريخي للمدينة الوردية وإبراز جوانب غير تقليدية من تاريخ الأنباط، منها معرفتهم الفلكية المتقدمة لتكون جزءاً من تجربة الزائر.

وأشار إلى أن السلطة تدعم جميع الجهود والمبادرات التي توظف البحث العلمي لخدمة السياحة والتنمية المستدامة في البترا وبما يسهم في تنويع المنتج السياحي في المنطقة وإطالة أمد إقامة السائح ويعود بالنفع على المجتمعات المحلية كافة.

من جهته، أكد رئيس جمعية الرواد للسياحة الفلكية ومؤلف كتاب “الرقيم: المشروع النبطي العلمي في البترا” الباحث مأمون النوافلة، أهمية المسار الجديد في إحياء البعد العلمي والفلكي للحضارة النبطية وعرض أبرز اكتشافات كتابه التي تسلط الضوء على الجانب الفلكي والمعماري المتقدم في البترا.
وتناول النوافلة في كتابه أن أول بوصلة في التاريخ التي ما تزال تُستخدم حتى يومنا هذا كانت من ابتكار الأنباط، بالإضافة إلى أن الآلة المعروفة باسم “القياس والكمال” التي شكلت الأساس في تطوير الأسطرلاب ونظام (GPS) هي اختراع نبطي، إضافة إلى أن مبنى الخزنة في البترا يُعد قاموساً حياً للظواهر الفلكية التي تشهدها قبة السماء طوال ليالي العام.

بدورها، قدمت الروائية الأردنية صفاء الحطاب مداخلة أدبية تناولت فيها توظيف الرواية في توثيق هوية المدينة، مشيدة بجهود الباحث النوافلة ومبادرة السلطة والجمعية في إبراز ملامح غير تقليدية من الإرث النبطي.

وشهد الحفل عرض قطعة نيزكية تم العثور عليها في البترا بعد فحصها من قبل الخبراء في جامعة الحسين بن طلال، تأكيداً لطبيعتها النيزكية في لفتة رمزية تُجسد الصلة بين أرض البترا وفضائها الكوني.

ويُعد مسار “سياحة الفلك الآثاري” استكمالاً لجهود السلطة في تطوير مسارات سياحية ثقافية متنوعة تهدف إلى إثراء تجربة الزائر وتسليط الضوء على أوجه متعددة من هوية البترا التاريخية، حيث يأتي ضمن مجموعة من المسارات التي عملت السلطة على تطويرها أخيرا، مثل مسار الخرمة ووادي فرسة والمدرس ومسار النبي هارون وغيرها من المسارات التي تفتح آفاقاً جديدة أمام الزوار لاكتشاف عمق الإرث النبطي وتنوع البيئة الطبيعية والثقافية في الإقليم وتعود بالنفع على المجتمعات المحلية وتوفير فرص عمل ومصادر دخل متنوعة لهم.

ويأتي هذا الحدث في ضمن جهود سلطة إقليم البترا المستمرة لتطوير البترا كوجهة سياحية عالمية تجمع بين الأصالة والتجديد وتقدم تجربة متكاملة تمزج بين التاريخ والهوية والعلوم

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • شركة الفلك تعلن عن وظائف شاغرة
  • عاجل.. معهد الفلك: لا هزات ارتدادية حتى الآن
  • بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة
  • بعد قليل.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة
  • زلزال قوي في البحر المتوسط.. ومعهد الفلك: هذه المناطق تأثرت به
  • إطلاق مسار “سياحة الفلك الآثاري”
  • كيف يُقرأ تسليم الخرائط الفرنسيه للحدود مع سوريا ؟
  • صيدلة عين شمس تنظم ندوة حول أدوات التخطيط الذهني اليدوية والإلكترونية
  • من قبوه يكتب إليكم رجل الخيال.. المعتقل السياسي لطفي المرايحي يصدر كتابه الجديد