"آطام النيران".. أرض الـ30 مليون عام تعكس ملامح الاستيطان في الجزيرة العربية
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
تعد "آطام النيران" أو ما تعرف في المملكة بالحرات، مؤشرًا مهمًا للعمق التاريخي الذي تتمتع به المملكة في تضاريسها الجغرافية والبيولوجية، لتعكس مدى التطور الحضاري للأمم المتعاقبة التي عاشت في ربوعها، وتفسر في ملامحها الحياة السابقة وسلوك مواطنيها وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي صُممت من عمق أرضهم، ما يجعل هذه الحرات بمثابة وثائق أثرية طبيعية تكشف الماضي وتتعايش مع الحاضر.
وأضحت الحرات السوداء في مناطق المملكة وخصوصًا شمال الطائف "حفر كشب" تربة " والخرمة" المويه" منشآت حجرية بركانية لامست طبيعتها تدخل عوامل الفصول الأربعة في جوف معالمها، حتى أصبحت متاحف باثقة من الواحات الطبيعية، تسلط مناظرها الضوء على أعين الأجيال الحاضرة وقراءة تاريخ الأمم الغابرة التي استوطنت الجزيرة العربية، في حرات أرضها الغنية الوادعة في قلب الأرض السوداء، والأماكن الحاضرة بأحداثها وقصصها، وتفرد جغرافية أرضها سواءً في باطن كهوفها أو خارج تلالها، وكذلك جبالها وهضابها، وأوديتها وسهولها التي جمعت التاريخ والحضارة والتراث والآثار، لتتشرّب من عبق الماضي الذي تحدث عنه العالم والمؤرخ والمثقف والقاص والراوي، التي نسجت حولها الأساطير وقصص العشق.
وأكد لـ"واس" أستاذ التاريخ والآثار الدكتور حماد الرويلي أن تاريخ البراكين في المملكة يعود إلى نحو 30 مليون سنة، حيث تشكلت على مرحلتين: الأولى كانت بالتزامن مع تدفق الحمم البازلتية وانفتاح البحر الأحمر، والثانية مع بداية النشاط البركاني في شبه الجزيرة العربية قبل عشرة ملايين سنة، ومن أبرز مواقع البراكين الموجودة هي: حفر كشب، وبركان الملساء في أطراف حرّة رهاط الشمالية والجنوبية، جنوب شرق المدينة المنورة، وفي منطقة مكة المكرمة، والحدود الشمالية، وعسير، وحائل، والباحة، وتبوك، والجوف ، وصولًا إلى منطقة جازان، وتعد حرة رهاط أكبر براكين من حيث المساحة، تليها حرَّة خيبر، وحرة الحرَّة، وحرة نواصف، وصولًا إلى حرة حفر كشب التي تضم فوهة الوعبة المعروفة باسم "مقلع طمية"، وهي أعمق الفوهات البركانية في المملكة، إذ يصل قطرها إلى 2 كلم، ويزيد عمقها على 220م، وهي الآن مزار سياحي يقصده السائح العالمي والإقليمي والمحلي، حيث تعرف البراكين في اللغة العربية بأسماء عدة، منها: "آطام النيران"، وفي مجتمع المملكة تسمى باسم الحرّات، والحرة: "أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار"، وسُميت بهذا الاسم لشدة حرارة صخورها، مضيفًا أن البراكين تصنف إلى أنواع عدة، منها: القباب البركانية، وبراكين الأسكوريا، والبراكين الدرعية، والفوهات البركانية.
وأوضح أن حفر كشب نسب اسمها إلى جبل كشب الذي يقع في جزئها الشمالي الشرقي من محافظة الطائف الذي يبعد عن المحافظة قرابة 260 كيلاً، وهو جبل أسود يراه المار على طريق الرياض على يمينه بعد المويه وغالبية المنطقة حرة سوداء متناثرة الأحجار يتخللها مناطق ترابية تعرف باسم القيعان، وكذلك ما تضمه من مناطق أخرى كدغيجة والخوارة والحفر والمشوبة وقيا ومران والمويه وغيرها من المواقع، مشيرًا إلى أن شرقي حفر كشب تنقاد إلى الحرة الخشنة التي يتعذر المسير فيها إلا بمشقة.
ووثقت عدسة "واس" في محاولة جادة خلال جولتها الميدانية الكشف عن أهم المعالم في عصر الأزمنة للأمم السابقة التي استوطنت حفر كشب "الحرات الصماء" التي تتزين أسفلها الأودية ومجاري المياه، لتكون منبع النباتات العطرية والطبية، ذات الندرة العالمية، مما يعطيها نموذجًا أخاذًا تحمله أرضها التاريخية لما تحتوي من مناطق متعددة ومتصلة ببعضها البعض لا يفصل بينها عوازل في تكوين جغرافي بديع، استطاعت من خلالها أن تصمم بطبيعتها مخرجات نوعية ومتخلفة، حازت فيها عوامل محيطها على عمق تاريخي وأثري تصدرت فيه حرة حفر كشب، حتى أصبحت ركيزة أساسية لأهم الروافد في دعم مسيرة السياحة وخطوات التنمية.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: أخبار السعودية آخر أخبار السعودية
إقرأ أيضاً:
بركان عمره 120 مليون سنة يكشف لغز أخطر مناطق الكوكب
نجح الجيولوجيون بقيادة فريق من جامعتي ماريلاند وهاواي في ربط أحد أكبر الثورات البركانية في تاريخ الأرض بمصدره في أعماق المحيط الهادي.
وكشف الفريق أن البقعة الساخنة نفسها الواقعة تحت الماء شكّلت سلسلة من البراكين في مناطق متعددة في جنوبي المحيط الهادي، وعلى رأسها هضبة أونتونغ-جافا الضخمة، شمال شرق بابوا غينيا الجديدة في المحيط الهادي، والتي تشكلت قبل حوالي 120 مليون سنة، ويغطي حجمها ما يقارب 1% من سطح الأرض، أي أنها أكبر حتى من بعض القارات الصغرى.
وتأتي أهمية هذا الدراسة في أنها تكشف بعض جوانب العالم الغامض في منطقة المحيط الهادي التي تعتبر موطنا لأكثر البراكين غموضا وأخطرها على وجه الأرض في الماضي السحيق.
تتسم جيولوجية المحيط الهادي بسلاسل جبال بحرية طويلة متعددة مغمورة في قاع المحيط والتي شكلتها البراكين الساخنة، ومنها سلسلة جبال هاواي-أمبرور البحرية وسلسلة جبال لويزفيل البحرية.
كما أنها تضم هضبة أونتونغ جافا، وكذلك منطقة الحزام الناري، الواقعة في سواحل المحيط الهادي وجزرها حيث تنشط الزلازل والبراكين، كما تعتبر منطقة الحزام الناري أكبر حزام من البراكين المتفجرة في العالم.
وتقول فال فينلايسون، الباحثة المساعدة في قسم الجيولوجيا بجامعة ميريلاند، والمؤلفة الرئيسية للدراسة في تصريح تضمنه بيان رسمي من جامعة ميرلاند "حتى الآن، كانت لدينا صورة متباينة للغاية عن المحيط الهادي وبراكينه، ولكن لأول مرة، تمكنا من إيجاد صلة واضحة بين الأنظمة البركانية الأحدث في جنوب المحيط الهادي والأقدم في غربه، إنه اكتشاف يمنحنا تاريخا أكثر اكتمالا لكيفية تطور حوض المحيط الهادي على مدى ملايين السنين ليصبح ما هو عليه اليوم".
تساءل العلماء عما إذا كانت نقطة لويزفيل البركانية الساخنة في جنوب المحيط الهادي، وهي منطقة ترتفع فيها مواد ساخنة ومتميزة كيميائيا من أعماق الأرض إلى السطح لتكوين البراكين، قد شكلت كلا من سلسلة الجبال تحت الماء التي تحمل اسمها وهضبة أونتونغ-جافا.
إعلانوقد حاولت النظريات والنماذج السابقة حول كيفية تحرك قاع المحيط الهادي تفسير العلاقة بين جبال لويزفيل وهضبة أونتونغ-جافا، لكنها فشلت في تقديم إجابة قاطعة.
وقالت فينلايسون: "لقد اختفى الكثير من الأدلة المادية على وجود صلة بين لويزفيل وأونتونغ-جافا لأن جزءا من مسار نقطة لويزفيل الساخنة قد اندس، أو اندفع، تحت الصفائح التكتونية في منطقة المحيط الهادي، وبالتالي اضطررنا إلى أخذ عينات من براكين مغمورة بعمق من مسار نقطة ساخنة مختلفة وطويلة الأمد للعثور على أدلة من عشرات الملايين من السنين تشير إلى أن نماذجنا لصفيحة المحيط الهادي بحاجة إلى مراجعة".
حققت فينلايسون وفريقها أول إنجاز لهم عندما اكتشفوا سلسلة من الجبال تحت الماء بالقرب من ساموا، والتي كانت أقدم بكثير مما كان متوقعا بالنسبة للبراكين في المنطقة.
ومن خلال تحليل عمر وتركيب عينات الصخور القديمة المأخوذة من المنطقة، خلص الباحثون إلى أن هذه الجبال كانت جزءا من جزء أقدم بكثير من مسار لويزفيل البركاني، والذي قارنته فينلايسون بآثار مسار البركان، فمع تحرك قشرة الأرض (الصفائح التكتونية) فوق النقاط الساخنة، فإنها تُشكل هذه المسارات البركانية.
وأوضحت فينلايسون: "يمكننا تتبع هذه "الآثار" عبر الزمان والمكان. وتزداد هذه الآثار قدما كلما ابتعدنا عن نقطة ساخنة نشطة، على غرار كيفية تلاشي آثار أقدامنا في الرمال أثناء المشي. ولكن لا يزال بإمكانك معرفة أن هذه الآثار تنتمي إلى المصدر نفسه.
وبفضل هذه الأدلة الجديدة، تمكن الباحثون من مراجعة النماذج الحالية لحركة صفائح المحيط الهادي واكتساب فهم أفضل لكيفية تحرك قاع البحر على مدى ملايين السنين.
حل الألغاز الأخرىيخطط فريق فينلايسون الآن لتطبيق نماذجهم المُحسّنة لفهم السمات البركانية القديمة الأخرى المنتشرة في قاع المحيط وفوق سطحه بشكل أفضل. ونظرا لأن العديد من دول جزر المحيط الهادي تقع حاليا فوق منصات بركانية وسلاسل بركانية تحت الماء، تأمل فينلايسون أن يُعزز عملها فهم أسس تلك الدول. كما تعتقد أن اكتشاف فريقها سيساعد العلماء على تطوير فهم أفضل للنشاط البركاني والتطور الجيولوجي، ليس فقط في منطقة المحيط الهادي، بل في جميع أنحاء العالم.
إعلانوقالت فينلايسون: "لقد حللنا لغزا واحدا، ولكن لا يزال هناك عدد لا يُحصى من الألغاز التي تنتظر الحل. يُقدم لنا هذا الاكتشاف تاريخا أكثر دقة للمحيط الهادي ونشاطه البركاني، ويساعدنا على فهم المزيد عن ديناميكيات وأنماط النشاط البركاني الذي يحدث هناك". وأضافت: "كل ما نتعلمه عن ماضي الأرض المضطرب يُساعدنا على فهم الكوكب الديناميكي الذي نعيش عليه اليوم بشكل أفضل".