جميعنا نعرف بأن الهندسة علمٌ ومجال معرفي له تخصصاته وفروعه، ولكن ظهر أعقاب جائحة كورونا مصطلح «هندسة الحظ»، وقد يبدو ذلك غريباً بعض الشيء، ولكنه تعبير مجازي لمهارة اقتناص الفرص غير المتوقعة وبشكل إيجابي وتنافسي، وقد استخدم هذا المصطلح في عالم الابتكار وريادة الأعمال العلمية، وتحديداً في سياق قراءة تجارب الشركات التي ازدهرت في ظل حالات عدم اليقين، فقد ساد الانطباع الكارثي للجائحة على جميع تفاصيل الحياة آنذاك، ونشوء قصص نجاح الأعمال خلال تلك الفترة العصيبة كان أبعد ما يمكنه أن يطرأ على الأذهان، ولكن في الواقع هناك العديد من الشركات الابتكارية التي صمدت أمام المتغيرات التي رافقت هذه الجائحة، وتمكنت من الحفاظ على أدائها، وتحقيق نجاحات تاريخية، والأدهى من ذلك أن ابتكارات بعض هذه الشركات الاستثنائية كانت في مجالات كمالية بحتة، فإلى أي مدى كان لهندسة الحظ دوره في وضع استراتيجيات التكييف والصمود في بيئة سريعة التغير؟
في البدء دعونا نتوقف عند أهم محور في الابتكارات الثورية التي تحقق التحولات الجذرية؛ نجد بأن جميع هذه الابتكارات اشتملت على مختلف أبعاد الاستشراف المستقبلي كدعامة أساسية في أعمالها، وتختلف ممارسات الاستشراف الاستراتيجي تماماً عن التنبؤات والتوقعات النمطية القائمة على تخيل المستقبل، لأن القاعدة الذهبية المتعارف عليها هي بأنه وكلما زاد النطاق الزمني للتنبؤات كلما أصبحت التوصيات أقل موثوقية، ولذلك تفقد الكثير من الشركات الناشئة الابتكارية ميزتها التنافسية بالتقادم المعرفي، ليس ذلك بسبب قلة المهارات العلمية والتقنية، ولكن لأنها لم توجه تركيزها نحو فهم التراكم المعرفي لمجال ابتكارها، فليس صحيحاً دائماً أن البداية تكون من حيث انتهى الآخرون، حيث أن اتساع نطاق الفرص والمخاطر في آفاق الابتكار التكنولوجي يستوجب توظيف جميع معطيات الماضي والحاضر لتحديد الوجهة الأساسية للابتكار، وهل تسعى هذه الشركات الابتكارية لتحقيق قفزات نوعية للمستقبل عبر الاقتناص الذكي للفرص، أم أنها تكتفي بالولوج للمستقبل بخطوات محددة وقائمة على ترشيد التوسع التكنولوجي، وهذا هو أساس هندسة الحظ، لأن صناعة الفرص هي من الممارسات الأساسية التي تقوم بها جميع الشركات الابتكارية، وتبقى نقطة التفاضل في القدرة على الاستشراف التقني والعلمي والسبق في رصد التحولات المِفْصَلية لتحقيق الاستحواذ على القطوف الأولى للابتكارات قبل تزاحم بقية المنافسين.
تعالوا نتعرف على أبرز الأمثلة على موضوع هندسة الحظ خلال جائحة كورونا، والمتمثل في قصة مجموعة مستحضرات التجميل الفرنسية لوريال (L’Oreal) التي لم تتأثر بالإغلاقات والتدابير الاحترازية المرتبطة بالتباعد الاجتماعي، حيث قامت المجموعة بتفعيل مسارات البيع الافتراضية مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن الجائحة، وعلى الرغم من أن مستحضرات التجميل لم تكن ضمن قائمة أولويات المستهلكين خلال الجائحة إلا أن التسوق عبر المنصات الرقمية قد شهد رواجا كبيرا، وارتفعت نسبة استخدام تقنية التجارب الافتراضية الخاصة بمجموعة لوريال بمقدار خمسة أضعاف، وسجلت مواقعها الالكترونية «زحمة» في أعداد الزائرين والمستخدمين، وليس هذا وحسب، بل ساعدت التقنيات الرقمية المتاحة عبر متاجرها الافتراضية عددا من المتاجر ومنصات البيع الالكترونية الأخرى مثل «أمازون» و «سيفورا»، التي اعتمدت على التكنولوجيا ذاتها في مبيعاتهم لمنتجات لوريال، هذا بالإضافة إلى ابتكارات الفريق الرقمي لمجموعة لوريال في إتاحة البث المباشر لرواد عالم التجميل، واستضافة فعاليات وبرامج افتراضية مخصصة في مواضيع ذات الصلة بالمستهلك، وقد كانت المشاهدات عالية وحققت مؤشرات غير مسبوقة، ويعود ذلك كله إلى التخطيط المسبق في مواكبة الاتجاهات المستقبلية للتكنولوجيا، وتعريف أفضليات المستهلكين في الرفاهية وأنماط الحياة التي تشكلها زحف التقنيات الحديثة لتفاصيل الحياة اليومية.
إذن لم يأت تفوق مجموعة لوريال بين ليلة وضحاها، وإذا عدنا بالزمن للوراء فإنه يمكن إرجاع ذلك إلى مطلع عام 2018 حين أعلنت المجموعة رسمياً بأنها قد قررت التوسع في الخدمات الرقمية، وقامت بشراء شركة مودي فيس (ModiFace)، وهي شركة تكنولوجية كندية أسسها أستاذ بكلية الهندسة في جامعة تورنتو عام 2007م، وتقدم هذه الشركة خدمات وحلولا لقطاع صناعة التجميل عبر منتجاتها القائمة على تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي، ومع انضمامها لمجموعة لوريال التي تتخذ فرعها الرئيسي في فرنسا إلا أن شركة مودي فيس بقيت مكانها في تورونتو، لتظل قريبةً من جامعة تورنتو التي انبثقت منها، حيث يمكنها إقامة شراكات بحثية وابتكارية، ومنذ ذلك الوقت عملت مجموعة لوريال على توظيف تقنية الواقع المعزز والعوالم الافتراضية المتقدمة في تجربة المستهلكين، وذلك بفعل الجهود الابتكارية التي تقودها مختبرات مودي فيس ويعمل بها أكثر من (70) باحثا وعالما، وحينما حل الوباء، عكفت المجموعة على إتاحة هذه التقنيات في معظم المواقع الإلكترونية لعلاماتها التجارية، ما يسهل التكامل بين الموقع الرسمي للمجموعة ومنصات البيع التابعة لشركائها في مختلف دول العالم، وبفضل قدراتها المعيارية على تحقيق الميزة التنافسية من ابتكارات تكنولوجيا التجميل، تمكنت الشركة من التكييف والاستجابة الذكية لتداعيات الجائحة، وحققت السبق في الصمود أمام الاتجاهات غير المتوقعة، وبحسب تصريح رئيس الفريق التقني لمجموعة لوريال فإن قرار إدماج التقنيات الرقمية في تجربة المنتجات لم يكن مجرد تطوير في العرض أو التسويق، ولكنه قد جاء بمثابة «إعادة اختراع تجربة الجمال».
إن هندسة الحظ هو الوجه الآخر لمؤشر الاستعداد المستقبلي، فالمؤسسات ومجموعات العمل التي تضع محور الاستشراف والاستعداد لما هو غير متوقع هو أساس استراتيجياتها، هي التي تكتسب قدرات اغتنام الفرص الذهبية الحاسمة، وصناعة آفاق الفرص غير المسبوقة، فالاستشراف الاستراتيجي ليس أداة لتوقع تقنيات المستقبل، ولكنه متطلب أساسي لتحقيق التفوق التنافسي، وضمان استدامة الأعمال، ويبدأ الاستشراف بفهم القدرات الداخلية، وتقييم جاهزيتها لمواكبة المتغيرات الخارجية، وتعريف أولويات التطوير والابتكار، ويأتي ذلك مع إيلاء المرونة أهمية مركزية، فالفرص الصاعدة لا تتهيأ بشكل واضح وبارز للكل، وإنما يفطن إليها من يملك القدرة والاستعداد على توظيفها، واكتساب القيمة منها، والتجاوب مع تحولات المستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وفد تجاري برازيلي يزور المملكة لاستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية
صراحة نيوز – يبدأ وفد تجاري برازيلي يزور الأردن يوم غد الاحد مباحثات مع جهات ومؤسسات رسمية وفاعليات القطاع الخاص لاستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية المتوفرة بالمملكة بالعديد من القطاع الاقتصادية.
وينظم زيارة الوفد التي تستمر خمسة أيام الغرفة التجارية العربية البرازيلية بالتعاون مع غرفة تجارة الأردن وبالتنسيق مع السفارة الأردنية في ساو باولو، وبرئاسة رئيس الغرفة الدكتور ويليام أديب ديب جونيور.
ويضم الوفد مجموعة من أصحاب الأعمال والمدراء التنفيذيين، من مختلف القطاعات الاقتصادية، إلى جانب ممثلين عن وزارة الزراعة والثروة الحيوانية البرازيلية، ووكالة ترويج الاستثمار بولاية ساو باولو.
وستتضمن زيارة الوفد إقامة منتدى أعمال أردني برازيلي ولقاءات ثنائية بين الشركات، واجتماعات في وزارات الزراعة والصناعة والتجارة والتموين والاستثمار، ودائرة الجمارك، علاوة على جولات لترويج المناطق السياحية.
وقال رئيس غرفة تجارة الأردن العين خليل الحاج توفيق، إن زيارة الوفد تشكل خطوة مهمة في مسيرة تطوير العلاقات الاقتصادية مع البرازيل، وتفتح آفاقا جديدة لزيادة مبادلات البلدين التجارية، مشيدا بالجهود التي يبذلها السفير الأردني لدى البرازيل معن مساعدة بهذا الخصوص.
وأضاف الحاج توفيق في بيان اليوم السبت، إن الزيارة ستتيح المجال للوفد للاطلاع على الفرص الاستثمارية وبيئة الأعمال، وبناء شراكات استراتيجية، مؤكدا إن اختيار الوفد لزيارة الأردن دليل على أن المملكة محط اهتمام المستثمرين والشركات من مختلف الدول.
وأشار إلى إن البرازيل تعتبر من أهم بلدان أمريكيا الجنوبية اقتصاديا وتمتلك صناعات قوية ومتطور بالعديد من المجالات ولا سيما الغذائية، ما سيسهم في تعزيز العلاقات التجارية مع الشركات الأردنية.
وأكد وجود اهتمام خاص من غرفة تجارة الأردن لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع البرازيل في مختلف المجالات وزيادة حجم التبادل التجاري وتشجيع القطاع الخاص على إقامة شراكات تجارية واستثمارية، وبخاصة بمجال الأمن الغذائي.
وشدد على أهمية تبادل الزيارات للوفود التجارية المتخصصة والمستثمرين والمشاركة بالمعارض لدى الجانبين، وإيجاد الآليات المناسبة والفاعلة لتبادل المعلومات والفرص الاستثمارية بين البلدين.
ولفت العين الحاج توفيق لعمق العلاقة التي تجمع تجارة الأردن مع الغرفة التجارية العربية البرازيلية ما سيسهم في استقطاب الشركات البرازيلية للاستثمار بالمملكة ومضاعفة مبادلات البلدين التجارية وبخاصة لجهة صادرات الأردنية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 511 مليون دينار اردني منها 60 مليون صادرات للمملكة ، تركزت بشكل شبه كامل في منتجات الصناعات الكيماوية والمنتجات المرتبطة بها، التي شكّلت ما نسبته 98.7% من إجمالي الصادرات، بقيمة بلغت 60.0 مليون دينار، مما يعكس اعتماداً كبيراً على هذا القطاع في العلاقة التجارية مع السوق البرازيلية، ومن أبرز تلك المنتجات (املاح بوتاس طبيعية، اسمدة معدنية او كيماوية).
وفد تجاري برازيلي يزور المملكة لاستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية
عمان – يبدأ وفد تجاري برازيلي يزور الأردن يوم غد الاحد مباحثات مع جهات ومؤسسات رسمية وفاعليات القطاع الخاص لاستكشاف الفرص التجارية والاستثمارية المتوفرة بالمملكة بالعديد من القطاع الاقتصادية.
وينظم زيارة الوفد التي تستمر خمسة أيام الغرفة التجارية العربية البرازيلية بالتعاون مع غرفة تجارة الأردن وبالتنسيق مع السفارة الأردنية في ساو باولو، وبرئاسة رئيس الغرفة الدكتور ويليام أديب ديب جونيور.
ويضم الوفد مجموعة من أصحاب الأعمال والمدراء التنفيذيين، من مختلف القطاعات الاقتصادية، إلى جانب ممثلين عن وزارة الزراعة والثروة الحيوانية البرازيلية، ووكالة ترويج الاستثمار بولاية ساو باولو.
وستتضمن زيارة الوفد إقامة منتدى أعمال أردني برازيلي ولقاءات ثنائية بين الشركات، واجتماعات في وزارات الزراعة والصناعة والتجارة والتموين والاستثمار، ودائرة الجمارك، علاوة على جولات لترويج المناطق السياحية.
وقال رئيس غرفة تجارة الأردن العين خليل الحاج توفيق، إن زيارة الوفد تشكل خطوة مهمة في مسيرة تطوير العلاقات الاقتصادية مع البرازيل، وتفتح آفاقا جديدة لزيادة مبادلات البلدين التجارية، مشيدا بالجهود التي يبذلها السفير الأردني لدى البرازيل معن مساعدة بهذا الخصوص.
وأضاف الحاج توفيق في بيان اليوم السبت، إن الزيارة ستتيح المجال للوفد للاطلاع على الفرص الاستثمارية وبيئة الأعمال، وبناء شراكات استراتيجية، مؤكدا إن اختيار الوفد لزيارة الأردن دليل على أن المملكة محط اهتمام المستثمرين والشركات من مختلف الدول.
وأشار إلى إن البرازيل تعتبر من أهم بلدان أمريكيا الجنوبية اقتصاديا وتمتلك صناعات قوية ومتطور بالعديد من المجالات ولا سيما الغذائية، ما سيسهم في تعزيز العلاقات التجارية مع الشركات الأردنية.
وأكد وجود اهتمام خاص من غرفة تجارة الأردن لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع البرازيل في مختلف المجالات وزيادة حجم التبادل التجاري وتشجيع القطاع الخاص على إقامة شراكات تجارية واستثمارية، وبخاصة بمجال الأمن الغذائي.
وشدد على أهمية تبادل الزيارات للوفود التجارية المتخصصة والمستثمرين والمشاركة بالمعارض لدى الجانبين، وإيجاد الآليات المناسبة والفاعلة لتبادل المعلومات والفرص الاستثمارية بين البلدين.
ولفت العين الحاج توفيق لعمق العلاقة التي تجمع تجارة الأردن مع الغرفة التجارية العربية البرازيلية ما سيسهم في استقطاب الشركات البرازيلية للاستثمار بالمملكة ومضاعفة مبادلات البلدين التجارية وبخاصة لجهة صادرات الأردنية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 511 مليون دينار اردني منها 60 مليون صادرات للمملكة ، تركزت بشكل شبه كامل في منتجات الصناعات الكيماوية والمنتجات المرتبطة بها، التي شكّلت ما نسبته 98.7% من إجمالي الصادرات، بقيمة بلغت 60.0 مليون دينار، مما يعكس اعتماداً كبيراً على هذا القطاع في العلاقة التجارية مع السوق البرازيلية، ومن أبرز تلك المنتجات (املاح بوتاس طبيعية، اسمدة معدنية او كيماوية).