سودانايل:
2025-06-21@06:48:42 GMT

نحن وهُم : أزمة الضمير في السودان (4)

تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT

• جبير بولاد

( من صعد بغير حق بالحق يهبط )
السيد المسيح

.. خلال سنوات الاسلامويين الظلامية في السلطة ،(35) عاما، فقدت القوي السياسية المدنية توزانها، و لم تتابع التحولات الإجتماعية الكبري التي حدثت للمجتمعات السودانية، و حينما كان الأسلامويين يتمادون في سياستهم بالجبروت و العنف، كانت تحولات كبري تعتمل داخل تلك المجتمعات، لا الاسلامويين يدركون مداها و لا القوي السياسية كانت ترصدها، ناهيك عن أن الكوادر التي كانت من الممكن ان تكون مؤهلة لهذا الرصد معظمها كان قد هاجر في إطار البحث عن الحلول الفردية، مضاف الي معظم هذه القوي لم تكن لها مكاتب دراسات و رصد، ترفد و تطور العمل السياسي لمواكبة هذه التحولات! .


.. ظل مركز الكيزان يستقطب و يكبر بأستمرار لصالح مركز جديد للسلطة و شبكة علاقات واسعة عروتها الوثقي كانت المصالح و التي تقسمت في داخلها الي دوائر تصنيف متعددة، بمعني ان دائرة ال(نحن) القديمة نفسها تقسّمت في داخلها الي دوائر( نحن) متعددة، دخلت فيها تصنيفات داخل التصنيفات التقليدية التي كانت تاريخيا تتولي أمر الدولة بنسبة عالية و معلوم تاريخيا أن أي مجتمع صفوي تربطه المصالح الذاتية سيأتي اليوم الذي تكون فيه ذات هذه المصالح هي ساحة معاركه الدامية و تلك سُنة في التاريخ و لكن ما اكثر العَبر و ما أقل الإعتبار كما قال الإمام (علي) في واحدة من آياته العرفانية العميقة.
.. في مقابل ذلك المحفل الذي نشأ حول السلطة و الثروة و علاقاتها، كانت مجتمعات ال(هُم) المستردفين في دولة ما بعد الإستعمار تتضور و تفقد أسباب وجودها الطبيعية تارة بفعل الطبيعة و تارة أخري بفعل سياسات الدولة الرعناء ، أيضا أصاب الإحباط كثيرا من الشباب السوداني غير المؤدلج حتي داخل المُدن التي كان من الممكن تصنيفهم و أسرهم ضمن الطبقة الوسطي فيما مضي، فمنهم من أنخرط في المحفل الجديد عبر شبكة العلاقات الإجتماعية النفعية و منهم من آثر الهجرة، أما أبناء الأطراف المُصنفين في خانة ال(هُم) كانوا قليلي حيلة و لكنهم أيضا استطاعوا الهجرة بشتي الوسائل، فمن لم يمُت منهم ، وصل الي الضفة الاخري من العالم عبر الهجرة غير الشرعية و أصاب السودان نزف شديد في أبنائه و أجياله التي كان من الممكن ان تكون مورد بشري مُهم جداً اذا كانت هنالك دولة يحمل قادتها مشروع نهضوي قائم علي نقاء الضمير و الحس القومي الوطني و المعرفة بالوسائل العلمية و الفكرية لأدارة بلد بعظمة السودان و ما توفر له من موارد .
.. خلال العقود الثلاثة التي مكثت فيها سلطة الأسلامويين و مزقت النسيج الإجتماعي للسودانيين و مزقت جغرافية الوطن(إنفصال الجنوب) و أشعلت النيران في معظم حواف السودان ، استمرت التحولات الإجتماعية الكبيرة و منها أن هولاء الصبية الذين هاجروا أوائل او منتصف عهد الاسلامويين الظلامي كانوا قد تعرفوا علي العالم و المعادلات التي تحكمه، و نالوا أقساط من المعرفة و الفتوحات الأكاديمية ساوتهم مع نخبة ال(نحن) القديمة، هذه التحولات توازت مع ثورة المعلوماتية و تعدد وسائلها و أصبح العصر عصر الفضاءات المفتوحة بلا منازع، و عندما يقول فيما بعد أحد طرفي الحرب الجنرال حميدتي( أن الشلاقي ما خلي عميان) ، فهو كلام و أن بدأ في غاية البساطة و لكني لو كنت أنا من صحبة المحفل السلطوي لما نمت ليلتها، و لكن الدِعة و الفساد عندما يبلغ قمته فهو يحول البشر الي دواب غايتها الملذات و لا تستشعر المخاطر، حيث يذهب الله بنورهم و يتركهم في ظلمات لا يبصرون( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) البقرة:171 .
.. هذه التحولات الاجتماعية التي لعبت فيها عوامل الداخل و الخارج الكثير لم ينتبه لها لا المحفل السلطوي و لا القوي السياسية المناهضة له و لا حتي الإقليم بجاره القريب الذي يظن في نفسه معرفة حتي دبيب النمل في السودان، و في رأي أن عدم انتباه الداخل كان لموات في الضمير، و إطمئنان لكون ان كل المعادلات في السودان فيما يخص الثروة و السلطة و علاقاتهما مُمسك بها و مسيطر عليها حتي لو كانت السلطة في يد الغريم او المُعارض فهم في نهاية المطاف ابناء مؤول واحد في خانة ال(نحن) التاريخية و التقليدية و هذا موقف او تفكير فضحته هذه الحرب و التي أنتجت أحلاف جديدة تصطف في تقاسيم جديدة ليست لها علاقة بإحداثيات الصراع فيما قبل الثورة السودانية و خلالها و لا الأطروحات و لا المزاعم الفكرية، لذلك هنا برزت بوضوح الانتماءات المُغلّفة بأوجه الحداثة و المثاقفة و قشريات الإنسان الممتاز علي قول المفكر ( بولا) .
.. الآن الصراع أخذ وتيرة اخري، فضحت كل المزاعم القديمة و وضعت تحديات جديدة أمام السودانيين و هي إما أن يتعاهد السودانيين علي عقد إجتماعي جديد و وفق دستور جديد يعمل علي إعادة تقسيم عادل للسلطة و الثروة و قيم جديدة للمواطنة روحها العدل والمساواة و اما هنالك خطر التقسيم الجديد أو يسود قانون الاستبدال الطبيعي كقانون وجود كما حدث في التاريخ من قبل الي بلدان تمت إعادة إستيطانها من جديد من عناصر أجنبية أقوي و ذات قدرة علي السيطرة و الإدارة تحت ذرائع عديدة ، إذاً ليس هنالك مفر من هذه الخيارات، مهما رفضها عقل المتكلس أو عقل الرغبوي، و الآن صارت للرغبوية أوتاد تنام و تصحو علي عذب الأماني التي تدغدغ خيالاتها المريضة ! .
.. أن العقلية التي تجّرم كل من نادي بإيقاف الحرب و أدانة انتهاكاتها و عمل جهده علي إيقافها و تخليص السودانيين من عذاباتها فهي عقلية ذات عطب و فساد في الضمير غير مسبوق، و لا تملك في وجدانها ذرة حب لهذه البلد و أنسانها و لسوف يدفعون ثمن هذا الخذلان قريبا و مستقبلا من الأجيال القادمة .
... نواصل

jebeerb@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التی کان

إقرأ أيضاً:

مع الهندى كرت كانت في الدامر

كرت(بكسر الكاف) كانت قولابداس دوشي هندى/ هندوسي من أعمدة وأعلام مدينة الدامر ذهبت إليه في دكانه العتيق -تاج محل – بالسوق القديم أبحث عن نظارة قراءة فكانت هذه الموانسة
——-
(١)
اسكن الدامر منذ عقود واشتريت فيها بيت وبعد هذا العمر لن اذهب الى اي مكان فالجيران هنا أصبحوا لنا أهل
(٢)
اعمل في هذا الدكان منذ سنين طويلة -نظر للسقف -المروحة هذه مدورة منذ أكثر من أربعين سنة وانا ماكل وشارب منه وفي ثقافتنا ما تغير العتبة البخيتة -!
(٣)
نعم اذهب للهند زيارات في المناسبات ونحن من قجرات واغلب هنود السودان منها وجاءوا في الأصل تجار وصاغة ولهم تاريخ طويل في سواكن تشهد له اقفال (طبل)الدكاكين القديمة الضخمة
(٤)
كثيرة هي المشتركات بين الهند والسودان في الثقافة والعادات مثل الزي -العراقي والسروال خاصة عند الرعاة والثوب الأبيض عند المرأة الكبيرة وتفاصيل المطبخ واستخدامات الزينة مثل الحنة والمحلب والصندل
(٥)
بالنسبة للهنود المهاجرين مافي مثل السودان والسودانيين الناس قلوبها بيضاء وكريمة
وانا مثلا لم اذهب المحكمة إلا مرة واحدة شاهد وكل من رآني فيها اول مره استغرب!
(٦)
نعم عندى صداقات كبيرة في الدامر واغلبهم للأسف رحلوا رجال مثل عبدالله طالب الذي كان عمدة حقيقي وعمنا النجار الذي اشتهر بشنبه الكبير وفاروق النجار وعمر ابراهيم نصار وبابكر عوض درملي وأحمد عبدالله حسن ومجذوب وعزالدين برسي وعلى المطبعجي وأولاده وعوض الكريم خالد والشيخ الاحمدى
(٧)
انا هندوسي ولكن الله واحد وعندي مثل كل هنود وأهل الدامر عقيدة في الشيخ المجذوب واذكر أن رجل صالح في الهند قال لي عندكم رجل صالح في بلدكم بالسودان- يقصد المجذوب -عليكم بزيارة ضريحه هو والشيخ قمر الدين وكانت زوجتى قبل ذلك لا تزور الشيخ المجذوب ولكنها أصبحت مواظبة على زيارته وانا احتفظ ببركة من تراب الشيخ المجذوب في دولابي
(٨)
هنود الدامر الذين يأتون من امريكا وكندا وأوروبا وغيرها يحرصون على زيارة الشيخ المجذوب وله معنا كرامات كثيرة
(٩)
نعم نحن هندوس وعندنا بيت لله في ام درمان وفي غيره نمارس العبادة في بيوتنا
(١٠)
ولدى ينيش أسلم وتزوج مسلمة في الدامر وقلت له خليك معانا في البيت ناكل سواء وكل واحد يعبد لوحده والحمدلله حافظت عليه وعلى الأسرة
(١١)
استأذنت العم كرت للحاق بمباراة السهم -الدامر وهلال كريمة وسألته في الختام عن فريقه بالدامر فقال لي أنا بشجع السهم موت منذ أن كنت صبي -قالها وقد قام من مجلسه وهو يتخير أفضل عطر وبخور هندى ويهديه لي وقد بلغت منى المشاعر الحنجرة وانا أطالع جغرافيا وتاريخ بلدى في وجه هذا الرجل الهندى الأصل الهندوسي الديانة المجذوبي الطريقة والسهمابي موت!!
بكري المدنى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أزمة الجوع في السودان تصل ذروتها.. هل ينقذ المجتمع الدولي الوضع؟
  • العبدلي: أزمةُ النزاع على رئاسة مجلس الدولة كانت السبب الرئيس في نهايته
  • التحولات الثقافية في سوريا.. عنوان يوم بحثي في دمشق
  • السعودية تزيل إسم السودان .. تفاصيل جديدة عن التأشيرات
  • جوجل تواجه أزمة جديدة بسبب غرامة مكافحة الاحتكار الأوروبي
  • حزب الاتحاد: مصر تدافع عن القضية الفلسطينية باسم الضمير الإنساني والشرعية الدولية
  • مع الهندى كرت كانت في الدامر
  • ناشط سوداني يتحدث لـ«التغيير» عن أزمة الحرب ومعركة الخطاب.. فيديو
  • “خطاب جلالة الملك في ستراسبورغ رسالة الأردن إلى الضمير العالمي”
  • بسبب شهادات التخرج.. أزمة جديدة تواجه أطباء الأسنان المصريين بالخليج.. فيديو