محمد مغربي يكتب: الذكاء الاصطناعي واللعبة السياسية
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
على مر التاريخ، شهدت الانتخابات الرئاسية فى مختلف أنحاء العالم تدخلات خارجية ومحاولات تزوير بطرق مختلفة. من بين أبرز هذه الحوادث، ما حدث فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1960، عندما تم اتهام بعض الدوائر الانتخابية فى ولاية إلينوى بتزوير الأصوات لصالح جون كينيدى، ما جعله يفوز على ريتشارد نيكسون بفارق ضئيل.
لكن لم يقتصر التلاعب فى الانتخابات على الولايات المتحدة فقط، فقد كان الاتحاد السوفيتى خلال الحرب الباردة، مشتهراً بمحاولاته للتأثير على نتائج الانتخابات فى الدول الأوروبية والأمريكية اللاتينية عبر دعم مرشحين مؤيدين له أو إضعاف معارضيه. التدخل الروسى فى انتخابات 2016 الأمريكية عبر الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل الإعلامى يعتبر أحدث حلقة فى هذا المسلسل الطويل.
فى إطار هذا السياق التاريخى، جاء اتهام الرئيس السابق دونالد ترامب لنائبة الرئيس كامالا هاريس بأنها استخدمت الذكاء الاصطناعى لتضخيم حجم الحشود المؤيدة لها فى حملاتها الانتخابية، ليضيف فصلاً جديداً إلى كتاب التلاعب فى الانتخابات. على الرغم من أن هذا الاتهام لم يتأكد بعد، إلا أنه يعكس التحديات المعاصرة التى يواجهها العالم مع تطور التكنولوجيا.
الذكاء الاصطناعى، الذى يعد من أعظم الابتكارات التكنولوجية فى العصر الحديث، يحمل فى طياته إمكانيات هائلة فى مختلف المجالات. لكن مع هذه الإمكانيات تأتى مخاطر جديدة، خاصة فى عالم السياسة والانتخابات. استخدام الذكاء الاصطناعى فى عمليات التضليل يمكن أن يأخذ أشكالاً متعددة، منها إنشاء صور أو مقاطع فيديو مزيفة، أو التلاعب بالبيانات لإظهار نتائج مغلوطة. وهذه الأدوات يمكن أن تُستخدم بسهولة لتضليل الناخبين أو تزوير النتائج.
الذكاء الاصطناعى يمكن أن يصبح أداة خطيرة فى يد مَن يسعون إلى تزوير الانتخابات. فتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى قادرة على خلق محتوى مزيف بشكل يصعب تمييزه عن الواقع، ما يجعل من السهل إقناع الجماهير بمعلومات غير صحيحة. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعى لإنشاء فيديوهات تظهر مرشحين وهم يدلون بتصريحات لم يصرحوا بها أبداً، أو لإنشاء صور تظهر حشوداً كبيرة لدعم مرشح معين.
مثل هذه الأدوات يمكن أن تغير مسار الانتخابات بشكل جذرى، خاصة إذا ما تم استخدامها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعى، حيث من السهل نشر المعلومات المضللة بسرعة ودون رقابة كافية. قد يجد الناخب العادى صعوبة فى التمييز بين الحقيقة والخيال، ما يؤدى إلى تشكيل آراء قائمة على معلومات مغلوطة.
المشكلة الأساسية تكمن فى أنه حتى مع تقدم تقنيات كشف التزييف، يظل من الصعب دائماً مواكبة سرعة تطور التكنولوجيا. التكنولوجيا تتحسن باستمرار، وأدوات الذكاء الاصطناعى تصبح أكثر ذكاءً وقدرة على التلاعب بالحقائق. وهذا يضع تحدياً كبيراً أمام الحكومات والمؤسسات المسئولة عن نزاهة الانتخابات.
على الصعيد الأمريكى، نجد أن التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعى أصبحت مصدر قلق كبير. المؤسسات المعنية بدأت بالفعل فى تطوير آليات لمواجهة هذه التحديات، لكن تبقى هناك فجوات قد يستغلها المتلاعبون.
إذا كانت التكنولوجيا قد قدمت للعالم وسائل مبتكرة لتحسين حياتنا، فإنها أيضاً قدمت لمن يسعون إلى التلاعب أدوات جديدة وأكثر فاعلية. إن الذكاء الاصطناعى يُعد سلاحاً ذا حدين: فهو يمكن أن يُستخدم لتحسين العملية الانتخابية من خلال تحليل البيانات وتقديم توقعات دقيقة، لكنه أيضاً يمكن أن يُستخدم لتضليل الناخبين والتلاعب بالنتائج.
على الرغم من عدم ثبوت صحة الاتهامات التى وجهها ترامب لكامالا هاريس، فإنها تلقى الضوء على التهديدات المحتملة التى قد تواجهها الانتخابات فى المستقبل. على المجتمع الدولى أن يأخذ هذه التهديدات على محمل الجد وأن يعمل على تطوير تقنيات وتدابير لحماية نزاهة الانتخابات فى كل مكان.
فى النهاية، الحفاظ على نزاهة الانتخابات هو أحد أعمدة الديمقراطية، وإذا لم نتخذ إجراءات حاسمة لمواجهة هذه التهديدات، فقد نجد أنفسنا أمام مستقبل تتلاشى فيه الثقة فى العملية الديمقراطية تماماً.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعى اللعبة السياسية الانتخابات الرئاسية التضليل الإعلامى نزاهة الانتخابات الذکاء الاصطناعى یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يدخل عالم التسوق
تستعد مجموعات عملاقة في مجال التكنولوجيا لطرح أدوات مساعدة في التسوق الرقمي تتيح للمستخدمين تجربة السلع افتراضيا بعد البحث عن أفضل الأسعار والنماذج التي تناسب مختلف الأذواق، حتى أن في استطاعتها، بحال السماح لها، دفع ثمن المشتريات.
يقول أنجيلو زينو المحلل في شركة "سي اف ار ايه" للبحوث CFRA Research إن "هذه هي المرحلة التالية في عالم التسوق".
وأصبحت هذه الثورة ممكنة بفضل ظهور برامج الذكاء الاصطناعي التي لم تعد تكتفي بالإجابة على الأسئلة أو إنشاء محتوى على غرار مساعدي الجيل الأول، بل أصبحت قادرة على أداء الكثير من المهام عند الطلب بلغة الحياة اليومية.
كشفت شركة "غوغل"، الأسبوع الماضي، عن ميزات تسوق في محرك البحث المُحسّن بالذكاء الاصطناعي، "إيه آي فاشن" AI Fashion الذي "يُقلل وقت البحث من أيام إلى دقائق"، بحسب فيديا سرينيفاسان رئيسة قسم الإعلان والتجارة في المجموعة .
في حالة الملابس، بات يُمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء صورة للشخص المعني مرتديا بدلة أو قميصا يُفضّله، مع مراعاة القياسات والشكل بناءً على الخامة والقصّة.
يمكن للمستخدم، بعد ذلك، تحديد الحد الأقصى للسعر والسماح لمحرك "غوغل" بالبحث في الإنترنت حتى يجد عرضا مُطابقا، حتى لو استغرق الأمر ساعات أو أياما.
يمكن للعميل بعد ذلك إتمام عملية الشراء باستخدام منصة الدفع "غوغل باي" Google Pay.
وقال المحلل في شركة "تكسبوننشل" آفي غرينغارت "إنهم ينافسون أمازون قليلاً"، معتبرا أن التسوق "وسيلة لتحقيق الربح" من الذكاء الاصطناعي، إذ يمكنه زيادة عدد الزيارات وإيرادات الإعلانات.
في نهاية أبريل، أضافت "أوبن إيه آي" ميزة تسوق إلى "تشات جي بي تي" تستجيب لطلب يتضمن أفكارا للمنتجات وتقييمات المستهلكين وروابط لمواقع التجار.
وبحسب موقع "تك كرنش" المتخصص، لن تحصل الشركة الناشئة، التي تتخذ مقرا في كاليفورنيا، على نسبة من إيرادات التجارة الإلكترونية المُحققة عبر هذه القناة.
الشراء "نيابة" عن المستخدمين
قدّمت شركة "بربلكسيتي إيه آي" Perplexity AI الناشئة أيضا في نوفمبر عرضا لمشتركي خدمتها المدفوعة يتيح لهم إكمال عمليات الدفع من دون مغادرة التطبيق.
يتوقع أنجيلو زينو أن "المنصات الأخرى ستحتاج إلى أن تحذو حذوها، وسيصبح هذا الوضع الطبيعي".
أطلقت "أمازون" مساعدها الرقمي "روفوس" في سبتمبر، تلاه في أوائل أبريل وضع "Buy for Me" ("اشترِ نيابة عني") الذي يتيح إجراء عملية شراء مباشرة من موقع بائع تجزئة خارجي، خارج منصة أمازون.
في منتصف مايو، أشار هاري فاسوديف كبير مسؤولي التكنولوجيا في مجموعة "وول مارت" إلى وصول وكيل الذكاء الاصطناعي إلى منظومتها، لكنه أوضح أن الشركة ترغب أيضا في العمل مع منصات أخرى ليتمكن مساعدوها من التوصية بمنتجاتها.
في نهاية أبريل، كشفت كل من "فيزا" و"ماستركارد"، أكبر شركتي دفع في العالم، عن بنية تقنية جديدة تُمهد الطريق للشراء المباشر من جانب وكيل رقمي عبر شبكتيهما.
تتوقع إليز واتسون من شركة "كلاركستون" للاستشارات أن "على تجار التجزئة الآن التفكير في كيفية تحسين" مكانتهم من خلال أداة مساعدة عاملة بالذكاء الاصطناعي، وفهم "المعلومات التي ستجعل المنتج أكثر جاذبية لكل وكيل رقمي".
وتضيف "لا يتعين على أدوات المساعدة هذه الكشف عن أنواع المعلومات التي تعطيها الأولوية. لذا، سيُجبَر التجار على تجربة الخوارزمية واختبارها".
لا يتوقع أنجيلو زينو تحولا في هيكلية التجارة الإلكترونية. ويرى أن هذا النموذج الجديد سيفيد غوغل، وكذلك ميتا التي يتوقع دخولها عالم أدوات المساعدة على التسوق.
ويقول المحلل "ربما جمعوا معلومات عن المستهلكين أكثر من أي شركة أخرى. ولهذا، يُعتبرون منذ زمن بعيد بأنهم من الرابحين المحتملين في هذا التحول نحو الذكاء الاصطناعي".
ستُحسّن غوغل ملفات المستهلكين بناءً على عمليات البحث السابقة التي أجروها، لكنها تُؤكد أن المستخدمين سيُضطرون إلى الموافقة صراحةً على استخدام معلومات إضافية مثل رسائل البريد الإلكتروني أو التطبيقات الأخرى.
ويتساءل كريس جونز من شركة "بي اس اي كونسلتينغ" PSE Consulting "هل يمكننا الوثوق بالآلات لتشتري نيابة عنا؟"، مضيفا "ستعتمد المرحلة التالية من التجارة الإلكترونية على هذا السؤال".