الجزيرة:
2025-05-28@07:48:48 GMT

أوكرانيا في أفريقيا: منافس جديد أم وكيل دولي؟

تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT

أوكرانيا في أفريقيا: منافس جديد أم وكيل دولي؟

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية ضد روسيا في فبراير/شباط 2022، برزت أفريقيا بشكل مفاجئ كمنطقة محورية في السياسة الخارجية الأوكرانية. فبعد خمسة أشهر فقط من بدء الحرب، عيّنت كييف ممثلًا خاصًا لأفريقيا والشرق الأوسط. وبعد ثلاثة أشهر، قام وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا – الذي أُقيل من منصبه مؤخرًا – بأول زيارة للقارة الأفريقية منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود.

شملت تلك الجولة الأولى كلًا من كينيا والسنغال، اللتين تربطهما علاقات دبلوماسية مع أوكرانيا، بالإضافة إلى ساحل العاج وغانا، حيث تم إنشاء علاقات دبلوماسية حديثة معهما. تلا هذه الجولة ثلاث زيارات أخرى قام بها كوليبا إلى القارة، ليصل مجموع زياراته إلى أربع جولات شملت اثنتي عشرة دولة، كان آخرها في يوليو/تموز الماضي، حيث زار مالاوي وزامبيا، وهما دولتان وقّعتا على مبادئ السلام الداعمة لأوكرانيا في يونيو/حزيران الماضي، بالإضافة إلى موريشيوس.

هذا الاهتمام الدبلوماسي المفاجئ والمتسارع تُوج في يوليو/تموز الماضي بإعلان كييف تقديم كل المعلومات اللازمة للحركات المسلحة مثل "جماعات الطوارق" أو "الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن شعب أزواد"، المتحالفة مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لمواجهة الجيش المالي وقوات فاغنر، وهي المواجهات التي أسفرت عن مقتل 84 من مرتزقة فاغنر، و47 جنديًا ماليًا.

رغم نفي أوكرانيا تقديم أي دعم عسكري مباشر لهذه الحركات، أثارت هذه الخطوة استياء مالي والنيجر اللتين قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية مع أوكرانيا، كما قامت السنغال باستدعاء سفير أوكرانيا، وأعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) رفضها القاطع لأي تدخّل خارجي في المنطقة.

هذا التدخل الأوكراني في أفريقيا يطرح تساؤلات حول أهدافه وآلياته ومدى فاعليته، وهل هو تدخل حقيقي نابع من رؤية القيادة الأوكرانية لأهمية القارة الأفريقية – رغم انشغالها بالحرب مع روسيا – أم أنه مجرد تدخل بالوكالة عن الغرب لمزاحمة النفوذ الروسيّ في القارّة؟

أهداف أوكرانيا في أفريقيا

يمكن القول إن هناك عدة أهداف وراء الاهتمام الأوكراني المتأخر بأفريقيا، منها:

زيادة الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، حيث تُعد أفريقيا أكبر تكتل دولي في الأمم المتحدة بواقع 54 دولة تمثل نحو 28% من إجمالي الدول الأعضاء. وقد سعت أوكرانيا لتعزيز هذا الدعم، خاصة أن الدول الأفريقية أبدت دعمًا محدودًا لها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022. ففي التصويت الأول للجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/آذار 2022 الداعي لإنهاء الحرب على أوكرانيا، صوّتت 28 دولة أفريقية لصالح القرار، مقابل معارضة دولة واحدة، وامتناع 17 دولة عن التصويت، وغياب 8 دول عن المشاركة. تعويض التأخر الأوكراني في الانخراط مع القارة الأفريقية، فمنذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود، لم يقم أي رئيس أوكراني أو وزير خارجية بزيارة للقارة حتى عام 2022. منافسة النفوذ الروسي المتنامي في أفريقيا، حيث تحاول أوكرانيا الحد من تأثير روسيا في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية في القارة، وذلك عبر دعم الجماعات المسلحة المناوئة للأنظمة المدعومة من موسكو، مثل النظام العسكري في مالي. آليات كييف في أفريقيا

اتبعت أوكرانيا عدة آليات لتحقيق أهدافها في القارة الأفريقية، من أبرزها:

المدخل الدبلوماسي: تمثل في الزيارات المكوكية لوزير الخارجية ديمتري كوليبا، والتي تزامنت مع زيادة التواجد الدبلوماسي الأوكراني في القارة. قبل الحرب، كان لأوكرانيا 11 سفارة فقط في أفريقيا، موزعة على الجزائر، أنغولا، إثيوبيا، مصر، كينيا، ليبيا، المغرب، نيجيريا، جنوب أفريقيا، السنغال، وتونس. ولكن بعد الحرب، أنشأت أوكرانيا 6 سفارات جديدة في كل من رواندا، موزمبيق، بوتسوانا، ساحل العاج، الكونغو الديمقراطية، وغانا، بالإضافة إلى 4 سفارات أخرى في الطريق (السودان، تنزانيا، موريتانيا، والكاميرون)، ليصل العدد المتوقع إلى 21 سفارة خلال عامين، أي ما يقارب ضعف عدد السفارات الأوكرانية في القارة قبل الحرب. المدخل السياسي: ركّزت أوكرانيا على استغلال أوجه التشابه التاريخية بينها وبين الدول الأفريقية، مثل التعرض للاستعمار: (الاستعمار الروسي بالنسبة لأوكرانيا، والاستعمار الغربي بالنسبة للدول الأفريقية). المدخل العسكري: تشير تقارير إلى أن أوكرانيا قد تدخّلت عسكريًا لدعم الجيش السوداني في مواجهته قوات الدعم السريع ومليشيا فاغنر، رغم نفيها الرسمي لذلك. صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت في مارس/آذار الماضي أن قوات أوكرانية ساعدت الفريق أول عبد الفتاح البرهان في فكّ الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على القيادة العامة للجيش في الخرطوم في أبريل/نيسان الماضي، وكذلك في استرداد مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان. كما ألمح المتحدث باسم المخابرات العسكرية الأوكرانية في تصريحات لمجلة "بوليتيكو" إلى أن أوكرانيا لديها دور في هذا الصراع. المدخل الإنساني: قبل الحرب، كانت أوكرانيا ثاني أكبر مورد للذرة لأفريقيا وثالث أكبر مورد للقمح. استمرت أوكرانيا في توريد الحبوب للدول الأفريقية بعد الحرب، ولكن مع تحول كبير؛ حيث بدأت كييف في تقديم الحبوب مجانًا كجزء من برنامج الحبوب الذي أطلق في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، واستفادت منه عدة دول مثل السودان (250 ألف طن)، بالإضافة إلى نيجيريا، إثيوبيا، كينيا، والصومال. تقييم الدور والفاعلية

رغم التحرّكات الأوكرانية المكثفة نحو أفريقيا، فإن تأثيرها يظلّ محدودًا مقارنة بالنفوذ الروسي. فعلى الصعيد الدبلوماسي، ورغم قيام كوليبا بأربع جولات شملت 12 دولة أفريقية، فإن هذه الدول ذات تأثير محدود على الساحة الدولية والإقليمية باستثناء نيجيريا وإثيوبيا والسنغال وساحل العاج. وعلى الرغم من أن بعض هذه الدول، مثل غانا وليبيريا وساحل العاج، أيدت إعادة شبه جزيرة القرم إلى السيادة الأوكرانية، فإن معظم الدول الأفريقية لم تقدم دعمًا كبيرًا لأوكرانيا في محافل الأمم المتحدة.

على الجانب الآخر، نجد أن روسيا تتمتع بزخم دبلوماسي أكبر. فقد قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بست جولات مكوكية شملت 14 دولة أفريقية خلال عامين فقط، كان آخرها في يونيو/حزيران 2024، حيث زار غينيا، تشاد، الكونغو برازافيل، وبوركينا فاسو. وتميزت هذه الدول بأنها شهدت انقلابات سياسية مؤخرًا أو اضطرابات داخلية. كما أنّ لروسيا تمثيلًا دبلوماسيًا في 43 دولة أفريقيّة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 47 في المستقبل القريب.

 أفريقيا بين أوكرانيا وروسيا

قام وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا بأربع جولات إلى أفريقيا خلال عامين، شملت 12 دولة. بدأت جولاته في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بزيارة كينيا والسنغال وساحل العاج وغانا؛ لتعزيز العلاقات الدبلوماسية، وتبعتها جولة في مايو/أيار 2023 شملت المغرب ونيجيريا وإثيوبيا ورواندا وموزمبيق. في يوليو/تموز 2023، زار غينيا الاستوائية وليبيريا، ثم اختتم جولاته في يونيو/حزيران 2024 بزيارة ملاوي وزامبيا وموريشيوس.

أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فقد قام بست جولات دبلوماسية خلال نفس الفترة، شملت 14 دولة. بدأت جولاته في يوليو/تموز 2022 بزيارة مصر وإثيوبيا وأوغندا والكونغو، ثم في يناير/كانون الثاني 2023 زار جنوب أفريقيا وإسواتيني وأنغولا وإريتريا. تبعتها زيارات في فبراير/شباط 2023 لمالي وموريتانيا والسودان، وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023 زار كينيا وبوروندي وموزمبيق وجنوب أفريقيا، واختتم جولاته في يونيو/حزيران 2024 بزيارة غينيا وتشاد والكونغو برازافيل وبوركينا فاسو.

تركزت زيارات لافروف على دول تعاني اضطرابات سياسية ولها علاقات تاريخية مع روسيا، بينما ركز كوليبا على تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول جديدة.

ومن الواضح أن روسيا، مقارنة بأوكرانيا، تمتلك نفوذًا أكبر في أفريقيا سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري. فالتمثيل الدبلوماسي الروسي يتواجد في 43 دولة أفريقية، في حين أن أوكرانيا تسعى إلى رفع عدد سفاراتها من 11 إلى 21 سفارة فقط.

على الصعيد السياسي

المدخل السياسي الأوكراني، الذي يعتمد على التاريخ المشترك بين أوكرانيا والدول الأفريقية فيما يخصّ الاستعمار، لم يحقق النتائج المرجوة. بل إنه أتى بنتائج عكسية، حيث أدى دعم أوكرانيا بعض الحركات المسلحة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دول مثل مالي والنيجر.

هذا السلوك قد يُضعف موقف أوكرانيا كدولة تطالب بالدعم الأفريقي في المحافل الدولية، إذ إنها بدلًا من دعم الشرعية، تعمل على تقويضها. كما أن العديد من الدول الأفريقية ترى في أوكرانيا وكيلًا عن الغرب الذي تراجع نفوذه في أفريقيا، خاصة فرنسا والولايات المتحدة في منطقة الساحل الأفريقي.

وبالتالي، فإن هذه الدول تفضل الحفاظ على علاقاتها مع موسكو التي تدعمها سياسيًا وعسكريًا، بالإضافة إلى أن روسيا تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، وتاريخ طويل من دعم حركات التحرر الأفريقية خلال فترة الاتحاد السوفياتي.

على الصعيد العسكري

رغم أن أوكرانيا حققت بعض النجاح في مواجهة مليشيا فاغنر في مالي، فإن تأثيرها العسكري يظل محدودًا بالمقارنة مع روسيا. فموسكو أسست، في أواخر عام 2022، الفيلق الأفريقي، وهو بديل لمليشيا فاغنر ويتبع مباشرة لوزارة الدفاع الروسية. يضم هذا الفيلق حوالي 50 ألف مقاتل متمركزين في ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى. تسعى موسكو إلى توسيع رقعة انتشار هذا الفيلق في دول أخرى، بينما تفتقر أوكرانيا لرؤية إستراتيجية وآليات واضحة في أفريقيا.

من ناحية أخرى، نجحت روسيا في إبرام العديد من الاتفاقيات العسكرية مع دول أفريقية، مثل مكافحة الإرهاب وتزويد هذه الدول بالسلاح وتدريب قواتها. ووفقًا لدراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي، فقد أبرمت موسكو اتفاقيات عسكرية مع 43 دولة أفريقية بين عامي 2015 و2022. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات في جعل روسيا المورد الرئيسي للأسلحة في القارة الأفريقية، حيث شكلت صادراتها من السلاح نحو 40% من واردات أفريقيا من أنظمة الأسلحة الرئيسية خلال الفترة من 2018 إلى 2022.

على الصعيد الإنساني

رغم أن أوكرانيا نجحت في تصدير الحبوب إلى بعض الدول الأفريقية مثل السودان ونيجيريا وإثيوبيا، فإن روسيا دخلت بقوة إلى هذا المجال أيضًا، حيث قامت بتزويد العديد من الدول الأفريقية بالقمح مجانًا. وخلال القمة الروسية الأفريقية، وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشحن الحبوب مجانًا لست دول أفريقية تشمل زيمبابوي، بوركينا فاسو، مالي، إريتريا، أفريقيا الوسطى، والصومال.

على صعيد الاستثمارات الاقتصادية

لم تحقق أوكرانيا تأثيرًا ملموسًا في مجال الاستثمارات الاقتصادية في أفريقيا، وهو ما اعترف به كوليبا في تصريحات له في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حيث قال إن أوكرانيا حققت "عائدًا منخفضًا للغاية" من استثماراتها في القارة الأفريقية.

الخلاصة

رغم التحركات الأوكرانية المكثفة نحو أفريقيا منذ بداية الحرب مع روسيا، فإن تأثيرها يظل محدودًا مقارنة بالنفوذ الروسي. فموسكو استطاعت أن ترسخ وجودها في القارة الأفريقية، سواء عبر الزيارات الدبلوماسية المكثفة أو عبر الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، نجحت روسيا في ترسيخ صورة ذهنية لدى الأفارقة؛ مفادها أن أوكرانيا مجرد وكيل للغرب الاستعماري الذي يتراجع نفوذه في القارة، بينما تُظهر موسكو نفسها كحليف داعم للنظم الحاكمة، بغض النظر عن شرعيتها.

على النقيض، أوكرانيا تواجه تحديات كبيرة في بناء نفوذ قوي في القارة الأفريقية، حيث تفتقر إلى الرؤية الإستراتيجية الواضحة والآليات الفعالة لتحقيق أهدافها. وما لم تعمل أوكرانيا على تحسين موقفها وتعزيز إستراتيجيتها، سيظل نفوذها في أفريقيا محدودًا، مقارنة بموسكو التي تواصل تعزيز وجودها ودعمها للدول الأفريقية في مختلف المجالات.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی القارة الأفریقیة الدول الأفریقیة فی یونیو حزیران وزیر الخارجیة فی یولیو تموز دولة أفریقیة بالإضافة إلى أن أوکرانیا أوکرانیا فی على الصعید فی أفریقیا جولاته فی هذه الدول روسیا فی مع روسیا محدود ا

إقرأ أيضاً:

ما رسائل ومآلات تصعيد روسيا حربها على أوكرانيا؟

بين رسائل القوة وضغوط الاستنزاف عادت روسيا إلى واجهة المواجهة عبر هجوم عسكري وُصف بأنه الأوسع والأعنف منذ بداية حربها على أوكرانيا، وهو تصعيد بدا في ظاهره ميدانيا، لكنه في العمق يعكس تموضعا سياسيا جديدا تسعى موسكو إلى فرضه في لحظة إقليمية ودولية معقدة.

فقد تعرضت العاصمة كييف ومقاطعات أوكرانية عدة لسلسلة ضربات بالصواريخ والمسيّرات خلفت قتلى وجرحى وخسائر في البنية التحتية.

في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها صدت هجمات أوكرانية استهدفت 13 مقاطعة داخل روسيا، مؤكدة أن منظوماتها الدفاعية أسقطت عشرات الطائرات المسيرة.

وبحسب الباحث في الشؤون الروسية محمود حمزة، فإن هذا التصعيد لا يمكن قراءته كرد فعل مؤقت فقط، بل يأتي في سياق دورة متكررة من الكر والفر، إذ تشهد الحرب مراحل من التراجع والهدوء يعقبها تصعيد واسع، ولا سيما بعدما وصلت الطائرات المسيرة الأوكرانية إلى عمق الأراضي الروسية، بما في ذلك مناطق حساسة مثل مقاطعة كورسك الحدودية.

وأوضح حمزة في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" أن إحدى هذه الضربات الأوكرانية تزامنت مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتلك المنطقة، وهو ما اعتبرته موسكو مسا مباشرا برمز سيادتها ودافعا إضافيا نحو تنفيذ هجوم واسع يحمل طابعا انتقاميا ورسالة قوة في آن معا.

إعلان

لكن تلك العمليات لا تخرج -وفق المتحدث ذاته- عن السياق السياسي العام الذي يشهد فشلا في مسارات التفاوض، ويرى أن موسكو تحاول عبر التصعيد العسكري فرض شروطها كمدخل لتسوية شاملة، في ظل برود أميركي واضح تجاه جهود الوساطة، وتردد أوروبي في اعتماد مسار تفاوضي جاد.

نمط ثابت

من جانبه، أشار أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني عبيدي إلى أن موسكو باتت تمارس نمطا ثابتا عبر تصعيد عسكري عند كل منعطف تفاوضي.

واعتبر عبيدي أن الضربات الأخيرة استهدفت زرع الرعب داخل كييف، باعتبارها مركز القرار السياسي والعسكري، وهو ما يؤثر في تماسك الجبهة الداخلية الأوكرانية.

وأكد أن الهدف الروسي يتعدى الضغط العسكري، ليصل إلى محاولة إعادة تشكيل معادلة القوة النفسية والمعنوية عبر إضعاف الروح المعنوية للمدنيين والسياسيين على السواء، ودفعهم إلى القبول بصيغ تفاوضية جديدة.

ورغم هذا التصعيد فإن الرواية الغربية تروج أن موسكو في حالة تراجع، ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين غربيين أن روسيا تسيطر على أقل من 0.6% من الأراضي الإضافية منذ بدء الحرب، وتواجه نقصا حادا في الجنود والعتاد، وسط خسائر قدرتها كييف بما يفوق نصف مليون قتيل روسي.

وأقر حمزة بوجود آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة تركتها الحرب على روسيا، مشيرا إلى ارتفاع الأسعار وشيوع أجواء التقشف، لكنه شدد على أن القيادة الروسية بكاريزميتها المعهودة لا تزال ترفض الاعتراف بالهزيمة، وتصر على استمرار القتال حتى تحقيق اتفاق دائم.

من ناحيته، استبعد عبيدي أن يكون هناك اختراق قريب في مسار التفاوض، مشيرا إلى أن المواقف لا تزال متباعدة، وأن الأوروبيين يعوّلون على استثارة موقف أميركي أكثر حزما، وربما على تغير محتمل في موقف الرئيس دونالد ترامب.

وفي هذا السياق، اعتبر أن الهجوم الأخير يسعى كذلك إلى إحراج إدارة ترامب عبر إثبات أن الرئيس الروسي لا يملك نية حقيقية للتفاوض، وأشار إلى أن تصريحات السيناتور الأميركي ليندسي غراهام بشأن ضرورة استغلال عائدات النفط لتسليح أوكرانيا تمثل تصاعدا في الخطاب الغربي الهادف لردع موسكو.

إعلان

لكن حمزة رأى في التحركات الدبلوماسية الروسية -مثل تبادل الأسرى والتأكيد على إعداد وثيقة تفاوضية- مؤشرات على رغبة مضمرة بإنهاء الحرب، شرط توافر ضمانات كافية لموسكو بشأن أمنها وموقع أوكرانيا المستقبلي في علاقاتها مع الغرب وحلف شمال الأطلسي.

صفقة شاملة

ووسط غياب الثقة بين الطرفين، قال عبيدي إن الدعوات الأوروبية لوقف إطلاق نار مؤقت تمهد لمفاوضات تصطدم بإصرار بوتين على صفقة شاملة تسبق أي هدنة، وهو ما يجعل فرص التهدئة محدودة في ظل غياب وسيط موثوق لدى الطرفين.

ويبدو أن موسكو تراهن على الوقت رغم أنها لم تحقق تقدما نوعيا منذ أكثر من 3 سنوات، وفق عبيدي.

وأضاف عبيدي أن الثابت الوحيد في المشهد هو تصميم أوروبا على دعم كييف، في حين يبقى الموقف الأميركي -ولا سيما من جانب ترامب- هو المتغير الذي قد يقلب موازين الحرب أو يمددها.

أما حمزة فرأى أن الطابع "الصبور والمثابر" للشعب الروسي وقيادته يجعلهما أقل ميلا للتراجع، حتى مع تصاعد الخسائر.

واعتبر أن التغير الحقيقي لن يأتي إلا إذا نجحت أوروبا في دفع ترامب نحو موقف أكثر وضوحا، سواء بالضغط السياسي أو بتحريك الرأي العام الأميركي.

ورأى عبيدي أن التطورات الأخيرة كاستهداف منطقة كورسك أثناء وجود مروحية الرئيس بوتين تمثل تجاوزا رمزيا لخط أحمر، وقد تدفع موسكو نحو مزيد من التصعيد بدل التهدئة، محذرا من أن مثل هذه الضربات قد تفسَّر كرسائل استهداف مباشر للقيادة الروسية.

ومع اقتراب موعد حضور ترامب لقمة حلف الأطلسي في يونيو/حزيران المقبل، وتزامنه مع زيارة مرتقبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يعتقد عبيدي أن الشهرين المقبلين قد يشهدان تغيرات في المعادلات السياسية والعسكرية، لكنها تظل رهينة بمدى انخراط واشنطن الجدي في ملف التسوية.

وفي ظل هذا المشهد المتداخل يبقى التصعيد الروسي الأخير علامة على أن الحرب تتجه نحو مزيد من التعقيد، في وقت تُجمع فيه معظم الأطراف على أن الحلول الجزئية لم تعد ممكنة، وأن أي تسوية محتملة لن تكون إلا وفق صيغة قاسية على أحد الطرفين، أو ربما عليهما معا.

إعلان

مقالات مشابهة

  • واشنطن تعيد صياغة استراتيجيتها في أفريقيا ورسالتها لدول المنطقة: أديروا أمنكم بأنفسكم
  • ألمانيا وحلفاء أوروبيون يرفعون القيود عن إطلاق أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى على روسيا
  • عطاف: معركة التحرر الإفريقي لم تكتمل بعد وإفريقيا اليوم توجد وسط محيط دولي صعب
  • جامعة القاهرة تنظم مؤتمرها الدولي السنوي بكلية الدراسات الأفريقية العليا
  • كينيا تشيد بالمبادرات الملكية لفائدة الدول الأفريقية
  • نائبة حماة الوطن: العلاقات المصرية - الأفريقية شهدت زخماً قويا في عهد السيسي
  • مؤتمر دولي في مدريد يجمع دولاً أوروبية وعربية لمناقشة مأساة غزة وحل الدولتين
  • روسيا تنفذ هجومها الأوسع ضد أوكرانيا وكييف ترد بمسيّرات على موسكو
  • ما رسائل ومآلات تصعيد روسيا حربها على أوكرانيا؟
  • روسيا تعلن تحقيق تقدم في شرق أوكرانيا