شبكة انباء العراق:
2025-11-06@21:46:35 GMT

ثعلبية الإنسان !!

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

بقلم : حسين الذكر ..

في غياهب تاريخ القرية وكذا المدينة ، ظلت حكايات الثعلب وابن آوى وغيرهما، وما قرب إليها في التحايل والحكمة الخبيثة – إن جازت التسمية – تدور رحاها وتتناقلها طيات الألسن وبطون الكتب من ظهر جيل لغرز جيل آخر ، في تعبير واضح ؛ للبحث عن تبرير خطايا الانسان ، ورميها على كائن غيره ، فالثعلب المزعوم لا يعمل أكثر من الحصول على حصته ، وغنيمته التي يعيش عليها ويتواصل مع أجياله ومفرداته من خلالها ، وأي طريق للعيش متاح في عرف الطبيعة – لا سيما النتشوية منها – في غاية يرخص لها ، ويباح على مذبح طريقها كل شيء ، فلم الثعلب يقع فريسة التعليم والتحريض تحديداً؟
لم أرَ الثعلب ولا مرة في حياتي وجهاً لوجه إلا في التلفاز ومخرجاته وتوابعه .

منذ الصغر أحمل عنه فكرة سيئة جراء الضخ الموجه ضده ، مع أني على يقين أنه ليس وحيداً في ميدان الدنس الذي أشاركه فيه ببعض أفكاري الاستبطانية ككائن يمتلك غريزة الأنا المتكدسة والمزدحمة والمتخمة بالأماني الضالة والشاردة ؛ لذا أعطف عليه أحياناً كحيوان جميل المنظر ، ويعد أحد تحف السماء التي لا أستطيع إدراك كنه تحفياتها المشرعة فوق الإحصاء ، بل أعقد من الإدراك في ظل مدارك ما زالت متحيونة ، وإن نطقت بها، وتبجحت في حروفها وأقلامها ومدادها وصناعتها الراقية حد الاستهجان .
سمعت مؤخراً صديقي يشتكي من فقد دجاجاته المدجنات اللواتي لطالما عبّرتُ عن إعجابي بجمالهن وروح التدجين التي يتحلَّيْن بها ، والتعايش السلمي معهن كجزء من براءة الآخر ، والذي نحتاجه لنناغي ونغازل ضميرنا الذي مات منه الكثير ، ولم يتبقَ إلا جزء غير ثعلبي كما يزعمون ، مع أني أشك في تلك النتيجة والدليل : قال لي آخر مرة رأيته فيها متهجماً : ( لقد أكل الثعلب بعض دجاجاتنا ، وأرعب الأطفال وأبكاهم صباحاً ، وما يزالون يئِنون تحت ويل تلك الكارثة الحزينة ، على الأقل بالنسبة إليهم ) . فقلت له : ( يا أخي كيف تتهمون الثعلب ؟ لقد ولى زمن الثعالب الحيوانية ، وها هم قوم الاحتيال يدورون في مدننا في الأرض وبقاعها ، يُسخّرون كل ما في المعمورة لتلك الغريزة والعقدة الثعلبية بلا هوادة ولا حياء وخشية ..) .
فقال : ( لقد صورت كاميرة الحديقة المشهد ، وقد رجعت إليه ، فهو من سرقهن وأكلهن ، وسأنتقم منه حتماً ، ويمكنك ان تشاهد الفلم معي ) ..
بينما استسلمت للدليل مع تأكدي أن ثمة حيوان غير ناطق فعلها بهذه الطريقة المحكمة التي لا تقوى ثعالب البشر على أن تأتي بمثلها بالدقة والخفة والسرية ذاتها، لكني حاولت أن أغطي على زميلي ومرافقي الحيواني الأرضي ؛ كي أجد له عذراً في متاهات طريق لم ندرك أنا وإياه وبقية المخلوقات كنه الحدث حتى الحين .
لم أنم تلك الليلة ، فقد أثرت بي كلمات صديقي ، وتغلغلت حداً أثرت على أفكاري التي حاولت جاهداً فيها حماية الثعلب ، وتبرير أفعاله حتى المشينة منها ؛ كونها أقرب لسلوك كثيرٍ من الناس ، ولا غرابة فيها ، إلا أن حكاية دموع الأطفال وحفلة شواء الدجاجات وتمزيقهن ظلت تقلقني حتى اقتنعت بضرورة المحاسبة ، بل قتل الثعلب بأية صورة ممكنة ؛ لإنهاء مسلسل الاغتيال الدجاجي المعهود منه ، والمدرج على طول صفحات القصص والأفلام ، لا سيما الحدائقية والغابية بينها .
بلغ الأرق مدارك الفجر حينما بدأت العصافير تزقزق ، والديك يصدح بجمال صوته من على سطوح جيراننا ، ومنافذ حديقتنا ، متغلغلاً بأعماقي كأنه يريدني أن أنسى ، وأنام صابراً على ضحية الدجاج والمأتم الثعلبي .
رفضت أحاسيسي إيماءات الديك ، وظل الصخب الحزين يدق نواقيسه في الضمير والمحايا لدرجة تصاعدت وتيرة الحقد حداً غير مسبوق ، وغضب لم يبق للنعاس أثراً ما ، فأخذني منولوج حزين يتحاور مع النفس عن ذلك الثعلب القاتل الذي اختار أكثر مدخراتنا وداعة ، وأكثرها جمالاً وبساطة ومسالمة .
فكرت ملياً في الأسباب والبواعث الثعلبية لانتهاج هذا الدرب الشائن ، ولماذا الدجاج بالذات ؟
هل كونها مسالمة ؟ أم أن لحمها أكثر وأشهى طعماً من لحم البشر و بقية المخلوقات التي تجود بها الطبيعة ؟
لم أبلغ قمم التسليم بحل وإجابة ما سوى أن النوم بدأ يطرق أبواب عيني ، ويثقل جفني ، ويزح مصدات الكرى لدي.
في المنام قال لي الثعلب : لا ترهق نفسك سيدي ، فإن لم آكلها أنا سيأتي ثعلب آخر من صنوف الثعالب المتخمة بها إنسانيتك المزعومة ، ثم هجم علي محاولاً نهش أنفي وأذني وعيني .
ويحك ماذا تفعل ؟ أخذت أصرخ بكل قواي الهستيرية لعل أحداً يحمي حواسي ، إنه يستهدف عقلي وإدراكي ، لكن أحداً لم يسمع أويُجِبْ ، كأن الخلائق قد غادرت المكان إلى الأبد .
بقيت أعاني الحرب الثعلبية محاولاً الخلاص بأية صورة ، لم يعد لمذبحة الدجاج أي أثر في ناموسي ومنطقي ، فانقلاب هذا الكائن على غريزته وسلوكياته المعتادة جعلني أفكر ألف مرة بكيفية الخلاص ، لو كان دجاج العالم كله في حضني لقدمته هديته له ، بل أشويه له على طبق إنساني مفعم بتوابل الشهوة والحيازة والغلبة التي أعانيها وتختلجني حد الصراع .
لم تفد كل توسلاتي وتعهداتي بعدم ذكر الثعلب بسوء ، لكن أحداً لم يرحمني من بني جنسي ، فقد تركوني أسير تلك الليلة تحت رحمته ومخالبه وشناعة نزقه وشراسة هجماته .
في نهاية المطاف ، وبينما كنت أحاول وأتوسل بكل ما أوتي لدي ؛ كي يتم إنقاذي من أسنان الثعلب الصاكة على رقبتي ، والخانقة كالجيثوم على روحي ، والقاطعة أنفاسي ، مع قنوط حالي ، وردت فعل أي إنسان آخر يمكن له أن ينقذني في ظل تعتيم ثعلبي تام على جريمته .
وبينما كنت أنزع اللحظات الأخيرة ، وأكاد أستسلم لنزواته ، وإذ بالقدر يبعث دجاجة تسير بالقرب منا ، كان له سبق الشرف حينما تركني الثعلب طوعاً ، وربما شرفاً أو زهداً ، وولى مهرولاً خلف الدجاجة ، منقضاً عليها ، عاضاً إياها بكل قساوته واشتهائه ، بينما كنت أسترد أنفاسي مستمتعاً بحيلة الثعلب ، وهو يلتهم فريسته ، بينما نهضت سعيداً جداً بتلك الضحية التي نابت عني في غياهب الدهر حتى شكرت السماء ، ودعيت لأهل الأرض .

حسين الذكر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

باحثة فرنسية: قيّم الغرب التي عاش عليها ثمانية عقود انهارت

تعتبر الباحثة الفرنسية نيكول نيسّوتو، أن الغرب يعيش أعمق أزماته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لأنه أصبح مهددا من الداخل، من شعوب غربية فقدت الثقة في الديمقراطية التي بنت مجدها خلال ثمانية عقود.

وأكدت نائبة رئيس معهد جاك دولور المتخصصة في الشؤون الأوروبية، في حوار لصحيفة لوفيغارو، أن ما يعرف بالغرب، أي التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة على أساس الليبرالية الاقتصادية والديمقراطية السياسية وسيادة القانون قد انهار فعلا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من هو دودو كروس بيتوم المشتبه به في سرقة متحف اللوفر؟list 2 of 2تلغراف: ما يحدث في نيجيريا ليس إبادة جماعية ضد المسيحيين بل هو أسوأend of list

وقالت نيسوتو -في الحوار الذي أجرته معها إيزابيل لاسير- بمناسبة صدور كتابها "الانقسامات داخل الغرب"، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دمرت هذه الركائز الثلاث باستبدالها الليبرالية الاقتصادية بالحماية التجارية، والديمقراطية بالسلطوية، والقانون بالقوة.

الباحثة: بوتين (يمين) وترامب لا يختلفان في تجسيد احتقار القانون وازدراء الديمقراطية (غيتي)

وبهذه الطريقة -كما تقول الباحثة- قضى زعيم الدولة التي ابتكرت ما صنع مجد الغرب وقوته خلال ثمانية عقود، أي النظام الليبرالي الذي كان العالم كله يسعى إلى تقليده، مؤكدة قناعتها، أن ترامب ليس حدثا عابرا، وبالتالي من يظنون أن أميركا ستعود بعد الانتخابات إلى ديمقراطيتها الهادئة والطبيعية، يعيشون وهما.

خيبة مزدوجة

ووصفت نيسّوتو صعود ترامب بأنه ثورة مضادة للديمقراطية أكثر من كونه تحولا سياسيا، إذ يكشف عن تمرد شعبي غربي على النظام الديمقراطي نفسه، بعد أن مني المواطنون بخيبة مزدوجة، خيبة اقتصادية من العولمة التي أفادت الأغنياء وأفقرت الطبقات الوسطى، وخيبة سياسية من ديمقراطية لم تعد تحقق العدالة ولا المساواة في الخدمات.

وترى نيسّوتو، أن الأزمة تعود أيضا إلى تآكل دولة الرفاه في أوروبا، حيث صارت الديمقراطية تمنح حريات فردية واسعة، لكنها في المقابل أضعفت الخدمات العامة، مما جعل الناس يشعرون بأنهم أحرار أكثر، لكنهم غير محميين، وعليه فهم يرغبون في "تجربة شيء آخر"، ربما أنظمة أكثر صرامة أو سلطوية.

إعلان

وانتقدت الباحثة الفرنسية كذلك ما تسميه "الووكيسم" أو أيديولوجية الاستيقاظ، معتبرة أنها نتاج انحراف اليسار عن قضاياه الاجتماعية في الدفاع عن حقوق العمال والنساء، نحو قضايا الهوية والجندر، والاندفاع في خطاب أخلاقي وثقافي مفرط، ساهم في إضعاف قاعدته الشعبية وفتح المجال للشعبويات.

وترى الباحثة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يختلف عن ترامب، لأن كل واحد منهما يجسد احتقارا للقانون وازدراءً للديمقراطية، ويمارس تدخلات سياسية في الخارج، الأميركيون علنا والروس سرا، إلا أن الغرب يتغاضى عن الانحراف الأميركي لأنه لا يتصور أن تصبح أميركا عدوا للديمقراطية.

ونبهت نيسّوتو إلى أن المؤسسات الأميركية التي كانت تعد حصونا للديمقراطية فقدت قدرتها على المقاومة، وأن "العمل التخريبي للديمقراطية" قد أنجز جزءًا كبيرا من أهدافه، في وقت لا يزال فيه الديمقراطيون عاجزين عن الاعتراف بمسؤوليتهم في الانهيار السياسي الأخير.

الديمقراطية لم تمت بعد، لأن جيل الشباب في العالم، ولا سيما الجيل زد يطالب بالكرامة والحرية والاحترام، وهي قيم لا تزال حية، لكن استمرارها يتطلب دفاعا فعالا وإصلاحا جذريا للنظام الاقتصادي الليبرالي

الشعارات لن تنقِذ الديمقراطية

ورغم هذا التشخيص القاتم، ترى نيسّوتو، أن الديمقراطية لم تمت بعد، لأن جيل الشباب في العالم، ولا سيما "الجيل زد" يطالب بالكرامة والحرية والاحترام، وهي قيم لا تزال حية، لكن استمرارها يتطلب دفاعا فعالا وإصلاحا جذريا للنظام الاقتصادي الليبرالي الذي أنتج التفاوتات الحالية.

ومع أن أوروبا تمتلك فرصة أفضل من الولايات المتحدة للصمود بفضل ذاكرتها التاريخية مع الفاشية والشيوعية -كما ترى الباحثة- فإنها تواجه مأزقا إستراتيجيا، سمته نيسوتو "المأساة الأوروبية"، وهو أن الدفاع عن الديمقراطية يستدعي الاستقلال، في حين أن الدفاع عن الأراضي الأوروبية لا يزال يعتمد على المظلة الأميركية.

أما بالنسبة لفرنسا بصفة أخص، فترى الباحثة أن أزمتها السياسية الداخلية قوضت تأثيرها الدولي، رغم أنها كانت على مدى عقود منبع الأفكار الأوروبية الكبرى.

وخلصت نيسّوتو إلى أن الديمقراطية لن تنقذ بالشعارات، بل بإصلاح الاقتصاد والسياسة معا، ودعت إلى إعادة بناء ديمقراطية فعالة وعادلة من خلال تقليص الفوارق في الدخل، ومراقبة أداء دولة الرفاه، وتشديد الانضباط في قضايا الهجرة.

مقالات مشابهة

  • مصادر تكشف لـCNN هوية الدولة التي ستنضم الليلة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية
  • ويتكوف: خطة التطوير التي وضعناها لغزة رائعة
  • أهم تجاوزات ترامب التي تهز أمريكا فعلا
  • باحثة فرنسية: قيّم الغرب التي عاش عليها ثمانية عقود انهارت
  • العلي: كتاب "إلى ابنتي التي لم أنجبها رسالة إبداعية إلى كل البنات
  • مذيعة تقتل والدتها.. جريمة "الهالوين" التي هزت أمريكا
  • المذيع احمد طه يجب ان يرعوي من قلة الادب والاحترام التي يقوم بها
  • ماهي القضية التي تقاتل من أجلها مليشيا الجنجويد؟
  • عمّان التي تسكنني
  • ما هى الكفارة التي تلزم المسلم إذا تسبب في قتل إنسان عن طريق الخطأ؟