مدرين المكتومية
في بعض الأحيان وقبل أن أشرع في كتابة مقالي الأسبوعي، ينتابني شعور غامض بأنني أخوض معارك ذاتية في أعماق نفسي، شيء ما يُشبه الحرب، لكنها حرب أفكار، تتصارع في ذهني، هل أكتب عن ذلك الموقف الذي وقع أمامي واستخلصتُ منه العِبر والحِكَم؟ أم أتطرق لقضية تلك المرأة التي تُعاني في حياتها الزوجية من شريكها الذي لا يكف عن إيذائها نفسيًا؟ أم أُناقش قضية تفجّرت على منصات التواصل الاجتماعي وأصبحت حديث الرأي العام والنَّاس في كل منزل، رغم أنها لو حدثت في العصر الذهبي للصحافة الورقية لنُشِرَت على عمودين في صفحة داخلية دون أن ينتبه إليها أحدٌ!!
في الحقيقة ما وددت قوله في هذه المقدمة هو أننا نعيش كل يوم بمزاج مختلف، وتقلب في الطاقات، أننا نعيش وفق الأفكار التي تسكننا والتي تتشبث بمخيلتنا، فتجدنا مرة من السعادة المفرطة نود لو أن نهدي العالم بأكمله لمن نحبهم، وفي أحيان أخرى نتمنى أن نعيش الحياة بأنفسنا دون أن نتشاركه مع أحد، وفي بعض اللحظات من فرط الفرح نود لو أن لدينا أجنحة تأخذنا للبعيد، وفي بعض اللحظات الأخرى نتمنى لو أنَّ الحياة تقف عند هذا الحد.
كل هذه التناقضات التي يعيشها العقل البشري هي حصاد ما يسكنه من أفكار وهواجس تراكمت مع الوقت وأصبحت تشكل لديه تشويشاً بين الحين والآخر، لذلك الإنسان فينا يعيش بمزاجات متقلبة وفق ما ينهي به يومه أو يبدأ به يوميه، لذلك علينا دائماً أن نكون حريصين في كل ما نفكر به قبل النوم وما نستيقظ عليه.
والأفكار السلبية تحبط الشخص وتصنع منه شخصًا متقاعسًا غير قادر على العطاء، أو استكمال يومه بطريقه صحيحة، فتجده يتهرب من أداء عمله بشكل متكامل تحت عذر أنه بمزاج سيئ، ولكن كل هذا لا يأتي إلّا بما يُمليه الشخص على نفسه من شعور، فكل ما أرسلت لعقلك رسائل سلبية فإنه يرسلها بطريقة تحولك لشخص يعيش حالة سيئة، فالجسم يعمل بنظام " الرد " أي كما نقول نحن لكل فعل رد فعل، ولكل نوع من المشاعر تأثيره المباشر على تقلب المزاج.
إننا بحاجة لأن نصنع لأنفسنا حاجزَ أمانٍ من الأفكار السلبية، وبلغة حروب العقل "منطقة منزوعة السلاح"، بالطبع سلاح الفكر. علينا ألا نُعطي الأفكار السلبية أي فرصة لتتحكم بمشاعرنا وتخلق منّا أشخاصًا سيئين أو على الأقل أشخاصاً لا يملكون القدرة على اكتشاف جماليات الأشياء في داخلهم، والامتنان لكل اللحظات الجميلة، ولكل الأشخاص المحيطين، ولكل ما بين أيدينا من نعم، دون أن نفكر بطريقة سلبية أو عكسية اتجاه المواقف والأحداث.
علينا ألا نعطي تحليلات لكل شيء خاصة وأن العقل يكبر الأشياء أكثر من حجمها إذا ما أخذ فرصته، بل علينا أن نرى الأشياء بحجمها الطبيعي حتى نكون سعداء كفاية، علينا أن نهتم بصحتنا النفسية، وحياتنا العملية، وواجباتنا الاجتماعية دون أن يطغى أحدها على الآخر حتى نعيش السعادة بكل ما نستطيع.
وأخيرًا.. إنَّ كل فكرة تلمع في عقولنا يجب أن نتعاطى معها بصورة إيجابية، وأن نكف عن تصدير السلبية وتضخيم الأمور والمبالغة في طرح الرؤية ووجهة النظر، علينا أن نشعر بالامتنان إلى هذا الوطن المعطاء مهما ضغطت علينا الظروف، ومهما ضاق بالبعض الحال، وعلينا أن نمارس الود والمحبة وكرم الأخلاق مع جميع من حولنا، وخاصة أولئك الذين نلتقي بهم يوميًا من الأهل وزملاء العمل.. الحياة فرصة للسعادة أو التعاسة، فاخترْ أيهما تريد!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزارة إدارة الأزمات المجتمعية وجودة الحياة
د. علي بن حمد المسلمي
في ظل التطور والتقدم العلمي في الحياة المعاصرة تبرز كثير من التحديات والمعوقات التي تحول دون جودة أنماط الحياة المعيشية في المجتمعات الإنسانية.
ويعد علم الأزمات من العلوم الحديثة نسبيا الذي يسهم في إدارة الأزمات ومعالجتها؛ سواء كانت أزمات ناجمة عن البشر، أو الكوارث الطبيعية بأسلوب علمي رصين قبل وبعد وأثناء حدوثها.
وتُعد العلوم الإنسانية والاجتماعية من العلوم التي تظهر فيها الظواهر الإنسانية والاجتماعية التي تحتاج إلى إجراء دراسات وبحوث؛ لمعالجة كثير من الظواهر المجتمعية والإنسانية، ويمكن توظيف علم إدارة الأزمات في هذه العلوم للتصدي لها وفق بحوث وبرامج وأساليب محاكاة للظواهر والأزمات التي تحصل في الواقع؛ رغبة في القضاء عليها، أو التخفيف من وطأة آثارها، ووضع العلاج الناجع لها.
وفي ظل الأزمات التي تشهدها البشرية الناجمة عن البشر أنفسهم أو خارجة عن إرادة الإنسان، والتي يقف فيها الإنسان عاجزا عن فعل أي شيء؛ كالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والأوبئة الطارئة مثل أزمة وباء كورونا وإنفلونزا الطيور.
ومن هذه الأزمات التي تعاني منها بعض من دول العالم ومن بينها سلطنتنا الحبيبة عُمان البطالة المصطنعة؛ سواء كانت بسبب شح الوظائف، أو المسرحين من أعمالهم، حيث بلغت نسبة البطالة وفق المصادر المحلية 21.3% في الربع الأول من عام 2025، على الرغم من أن معدل البطالة لدينا وفق المؤشرات العالمية تشير من ضمن أقل المعدلات العالمية إذ متوقع وصولها بنهاية عام 2025 بنسبة 2.00% وفق توقعات المحللين.
هذه الأزمة التي توضحها الأرقام التالية تبين عدد الباحثين عن العمل في مختلف محافظات السلطنة؛ حيث بلغ عددهم أكثر من 100 ألف مواطن ومواطنة.
وهذه الأزمة تستوجب النظر، وتحتاج إلى تطبيق علم إدارة الأزمات في معالجتها، من حيث العمليات الإدارية المعروفة في علم الإدارة، التخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة والرقابة.
وهذا لا يتأتى إلّا من خلال وجود وزارة تعنى بإدارة الأزمات تختص بمعالجتها؛ من أجل جودة الحياة وسعادة الإنسان العُماني الذي تعصف بها كثير من الأزمات الحياتية في ظل الحياة المعيشية المعاصرة المرتفعة؛ سواء كانت ناجمة عن الإنسان نفسه أو المجتمعية، أو نتيجة عدم توفر الوظائف أو التسريح عن العمل أو التقاعد الناجم عن انتهاء الخدمة، أو أسباب مرضية وغيرها. وهذا لا يقلل من دور الحكومة في معالجة مثل هذه الأزمات.
ومثل هذه الوزارة المختصة التي تعنى بإدارة الأزمات المجتمعية بكوادرها المختصة في علم إدارة الأزمات ستكون بيت خبرة؛ لمعالجة كثير من الأزمات التي تكون مختصة بها، فهي تسهر على راحة المواطن؛ حيث تكون قريبة منه بالوسائل التقنية الرقمية الحديثة بأدواتها المختلفة، وتكون ذات مصداقية دون تدخل العنصر البشري، فهي تشخص الأزمة قبل وقوعها وأثناءها وبعدها؛ لوضع علاج لها أو التخفيف من أثارها.
وتكون هذه الوزارة حلقة وصل بينها وبين الوزارات الأخرى؛ وخاصة وزارة العمل، التي تعنى بالتوظيف والمؤسسات الحكومية والخاصة ومكاتب المحافظين والجمعيات والهيئات الخيرية مثل الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية وصناديق الزكاة وغيرها لإيجاد حلول وبدائل لها.
ويمكن لهذه الوزارة أن تستفيد من دول متقدمة نسبة البطالة فيها أقل، في معالجة قضايا شبيهة كمسألة الباحثين عن عمل عن طريق إدارتهم لهذه الأزمة مثل: سويسرا، والنرويج، واليابان، وكوريا الجنوبية، وآيسلندا، وقطر، وكمبوديا، وتايلاند، وبوروندي، وتشاد.
ولنا أسوة حسنة في معالجة الأزمات قصة سيدنا يوسف عليه السلام ونبينا المصطفى في قضية اختلاف أهل مكة في وضع الحجر الأسود في مكة، والفاروق في عام الرمادة وغيرها.
إنَّ تغيير اسم وزارة التنمية الاجتماعية ومحتواها في ظل نهضة مُتجدِّدة تسعى إلى التغيير والتطوير؛ لتحقيق رؤية "عُمان 2040" لتجويد حياة الإنسان العُماني الصبور المثابر المجتهد للعيش بسعادة وطمأنينة؛ يعد ضرورة ملحة في ظل تعقيدات الحياة المعاصرة، والأزمات التي تعصف بالعالم وفي ظل التجديد والتطوير الذي تنتهجه النهضة المتجددة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وسدد على طريق الخير خُطاه.