تتغير خريطة التحالفات الاقتصادية والإستراتيجية العالمية بسرعة، حيث يتجه النظام العالمي نحو التعددية القطبية.

وفي هذا السياق، يسلط تقرير بلومبيرغ الضوء على التحولات الجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى مثل مجموعة السبع (G-7) ودول البريكس (BRICS)، وتأثير هذه التغيرات على السياسة والاقتصاد العالميين.

وتذكر الوكالة أنه وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، شددت مجموعة السبع إجراءاتها ضد روسيا من خلال فرض سقف على أسعار النفط الروسي وتجميد الأصول الروسية، مع فرض عقوبات على الشركات التي تحاول التهرب من هذه القيود.

إلى جانب ذلك، أصدرت المجموعة بيانا ينتقد "الممارسات غير السوقية" للصين وتأثيرها السلبي على الصناعات والعمال في دول المجموعة.

مجموعة السبع شددت إجراءاتها ضد روسيا في أعقاب غزو أوكرانيا (شترستوك)

لكن دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) بدأت في تشكيل تحالف قوي يسعى لتعزيز نفوذها العالمي كبديل لمجموعة السبع.

وتوسعت المجموعة مؤخرا لتضم دولا جديدة مثل إيران والإمارات ومصر وإثيوبيا مع تطلعات السعودية ونيجيريا وماليزيا للانضمام أيضا.

ورغم التوترات الثنائية، مثل الخلافات الحدودية بين الهند والصين، فإن الدول الأعضاء في البريكس تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث أشار التقرير إلى أن الهند تسعى إلى جذب الاستثمارات الصينية لتعزيز قدراتها التصنيعية.

وفقًا للتقرير، قد يؤدي فوزكامالا هاريس في الانتخابات الأميركية المقبلة إلى استمرار جهود واشنطن في توجيه الأجندة العالمية من خلال مجموعة السبع، مع تعزيز العلاقات مع بعض أعضاء البريكس مثل الهند لمواجهة النفوذ الصيني.

من جهة أخرى، فإن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة قد تشير إلى العودة لسياسات خارجية أكثر انعزالية، مما يتماشى مع رؤية البريكس حول التعددية القطبية والتعاون القائم على القضايا بدلاً من التحالفات التقليدية.

إعادة تقييم الصين

ويقول التقرير إنه في الولايات المتحدة، تُعد الصين الهدف المشترك للحزبين الجمهوري والديمقراطي فيما يتعلق بالتوجهات الحمائية، وهذا الأمر يعقد العلاقات التجارية لليابان وكوريا الجنوبية مع الصين.

على سبيل المثال، تواجه شركات تكنولوجيا كبرى مثل سامسونغ وتويوتا مخاطر كبيرة إذا ما تم فرض المزيد من القيود على صادرات أشباه الموصلات إلى الصين.

وتشير بلومبيرغ إلى أن اليابان وكوريا الجنوبية بدأتا في اتخاذ خطوات للحفاظ على علاقاتهما مع الصين، رغم التحديات الأميركية، حيث التقى زعماء البلدين مع لي تشيانغ، المسؤول الثاني في الصين، لتعزيز التعاون في سلاسل التوريد والمضي قدمًا في محادثات حول اتفاقية تجارة حرة.

الصراع في أميركا اللاتينية

وتشهد أميركا اللاتينية انقساما أيديولوجيا بين الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا والرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي، فعندما فاز لولا في الانتخابات الرئاسية في عام 2022، شكل ذلك جزءًا من موجة انتصارات لمرشحين يساريين في المنطقة.

ميلي قدم نموذجا من الحكم يعتمد على سياسات تقشفية صارمة لخفض التضخم (الفرنسية)

إلا أن ميلي، الذي تولى رئاسة الأرجنتين في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قدم نموذجا جديدا من الحكم يعتمد على سياسات تقشفية صارمة لخفض التضخم، والذي وصل إلى 300%.

ورغم أن سياسات ميلي القاسية أدت إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع معدلات البطالة، فإن معدل التضخم انخفض إلى 4% في يوليو/تموز الماضي.

وفي المقابل، يسعى لولا إلى تحقيق النمو الاقتصادي في البرازيل بعد تحقيق نتائج قوية في الربع الثاني من عام 2024، وهو ما قد يخفف من الضغط على حكومته لتنفيذ تدابير اقتصادية قاسية.

وتلاحظ بلومبيرغ أن هذا التنافس بين لولا وميلي يعكس الانقسام الأيديولوجي في أميركا اللاتينية، حيث يسعى كل منهما لقيادة المنطقة على أسس مختلفة. فبينما يشارك لولا في منتديات دولية مثل قمة البريكس، يميل ميلي إلى تبني سياسات أقل تعاونًا مع التحالفات الدولية.

وتخلص بلومبيرغ إلى أن هذه التحولات توضح كيف أن النظام العالمي لم يعد يعتمد على قطب واحد، بل يتجه نحو عالم متعدد الأقطاب تتغير فيه التحالفات باستمرار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مجموعة السبع

إقرأ أيضاً:

التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي

تظل التعبيرية في الأدب على اختلاف المكان والزمان تشكل نزعة شمولية صارخة تطمح إلى الكشف بطريقة درامية ومؤثرة عن معاناة الإنسان المعاصر، وتنعكس آثارها على النتاج الأدبي بشتى أنواعه، وتمتد لتشمل الفنون الأخرى كالرقص والرسم والموسيقى.

والتعبيرية بمعناها اللغوي تعني تصوير ما يعتمل في النفس الإنسانية من مشاعر محيطة، وإحساسات مقهورة واعية وغير واعية، يتضح من خلالها جوهر الإنسان وحقيقة ذاته الحية بأنماطها الغريزية والخلقية، ولا يعني ميلنا إلى التفسير اللغوي المبسط للتعبيرية أنها نزعة انطوائية مرتدة إلى الداخل، وإنما هي من أرحب الحركات الفنية استيعاباً لأعباء الأنا الجماعية، واستقطاباً لما يحيط بها من إرهاصات وتحديات يجتمع على تجسيد انعكاساتها أكثر من كاتب وفنان.

التعبيرية أواخر القرن الـ19 دعوة للاهتمام باختزانات النفس الاجتماعية والسياسية (الذكاء الاصطناعي-الجزيرة) نشأة التعبيرية ومصادرها الفكرية

ولتوضيح هذه الظاهرة المرحلية الغامضة في الأدب العالمي، لا نجد أنسب من هذه الفقرة التي يسوقها الدكتور عبد الغفار مكاوي على لسان الناقد "هرمان بار" الذي كان من أبرز المعاصرين للحركة التعبيرية ومن أكثر الداعين لها حماساً، بقول بار "الإنسان في هذه الفترة يصرخ بحثاً عن نفسه، والعصر كله أصبح صرخة واحدة تنطق بالمحنة، والفن كذلك يصرخ معه ويطلق صيحته في أعماق الظلام، يستغيث يستنجد بالروح" وهذه هي التعبيرية.

لقد اختلف النقاد ومؤرخو الأدب في تحديد مكان نشأة التعبيرية وزمانها كحركة فنية قائمة بذاتها، إلا أن معظمهم يقر بأن ألمانيا هي المنبع الأول لهذا النهج الفكري الوجداني الصارخ، والذي يرفض جميع المعالجات السطحية لخلفية القضايا الإنسانية ومكوناتها الداخلية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2التشادي روزي جدي: الروایة العربية طریقة للاحتجاج ضد استعمار أفريقياlist 2 of 2“أسرار خزنة” ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجياend of list

فبعد أن ظهرت نظريات فرويد ونضجت تجاربه في ميدان التحليل النفسي، أخذ نفر من الكتاب الساخطين يلتقطون باهتمام لاهف هذه الاستكشافات الباطنية ليوظفوها في كتاباتهم، كما أخذوا يغوصون في أعماق النفس البشرية، ويحيلون انطباعاتهم المضطربة والمتوترة إلى صرخات واحتجاجات معبرة تتصدى بعنف لانجراف الحضارة التكنولوجية المادية، هذه الحضارة التي أحالت القيم والمثل الأخلاقية إلى أرقام ومعادلات مدرجة في جداول الربح والخسارة من وجهة نظر الأفكار النفعية.

إعلان

وبهذا فقد ظهرت التعبيرية أواخر القرن الـ19 دعوة إلى الاهتمام باختزانات النفس الاجتماعية والسياسية، ثم تحددت هذه الحركة بشكل أقوى وأعم في الربع الأول من القرن العشرين، حيث اندفع المزيد من الشباب الألمان ما بين 1915 و1925 ليرفعوا أصواتهم عالياً، وليحشدوا صيحاتهم التعبيرية في جو دخاني فاسد زاخر بالصراعات القومية الطاحنة، والتيارات المادية الضاغطة، والويلات الناجمة عن الحرب العالمية الأولى.

فرانز كافكا كان على اتصال وثيق بالروائيين التعبيريين (غيتي) التعبيرية في الشعر والرواية والقصة القصيرة

ففي مجال الشعر ظهرت في ألمانيا 3 أصوات شابة جعلت من القصيدة لوحة صارخة الألوان، متسمة بالإيحاء، مليئة بالاحتجاج على زخمة الواقع، غنية بالشوق إلى عالم يوتوبي جديد يتسم بالمثالية والنقاء المنشود.

وتتمثل هذه الأصوات البارزة في أشعار كل من "جورج هايم" و"جورج تراكل" و"جو تغريدبن" ونكتفي في هذه العجالة أن نورد مقطعاً من قصيدة "هايم" قام بترجمتها ملكاوي في كتابه "التعبيرية" وذلك للتدليل على طبيعة الشعر التعبيري في مقطع يصف فيه الشاعر آلهة الحرب في الطغيان والجبروت، فيقول:

"نهض من رقاده
من طال نومه
نهض من الأقباء المنخفضة العميقة
يقف في الشفق ضخماً ومجهولاً
يسحق القمر في اليد السوداء"

أما في مجال الرواية والقصة القصيرة، فمع أن الإبداع التعبيري كان أقل أثراً من غيره وأبطأ نظراً لما تحتاجه طبيعة العمل القصصي من أناة وتدبر، ومع ذلك فقد برز في هذا الميدان عدد لا بأس به من كتاب القصة بتقدمهم كل من "ألفريد دوبلين" و"كاريل آينشتاين" و"فرانز كافكا" الذي كان على اتصال وثيق بالروائيين التعبيريين، بالإضافة إلى "روبروت موزيل" و"توماس مان".

المسرح التعبيري

أما على صعيد المسرح، فقد كانت الحركة التعبيرية أكثر بروزاً وتبلوراً، حيث أعلن رواد المسرح التعبيري ثورتهم على الدراما الكلاسيكية المقتدية بكل من "ليسنج" و"غوته" و"شيلر" كما رفضوا المذهب الطبيعي المتمثل في المنهج الواقعي عند "إبسن".

وإن كان للتعبيريين دور ظاهر في حقل الشعر والقصة، فإن دورهم على خشبة المسرح كان أعظم أثراً في بث روح الحيوية والإثارة في طبيعة الأداء المسرحي الذي طالما سيطرت عليه الرتابة المملة، والقيود التقليدية المتحكمة في التأليف والإخراج، فجاء حصاد الكتاب التعبيريين في حقل الدراما فائضاً بكل دفعات الاحتجاج المنتصرة لإرادة النفس الإنسانية، ولمعاناته العاطفية والذهنية.

ولم يبدأ هؤلاء المسرحيون المجددون من الفراغ، فقد وجدوا في أعمال الكاتب المسرحي "جورج بوشنر" ما يغذي طموحهم كما وجدوا في إنتاج "سترند برغ" و"فرانك ديكند" الكثير من الصراعات الداخلية والاتجاهات التحليلية الزاخرة بالرموز التعبيرية والمونولجات المتعددة الطويلة.

وقد جاءت المسرحية التعبيرية مستمدة من دوي الحرب وصخب التقدم التكنولوجي وحمى التعصبات القومية المتصاعدة، ومن الطبيعي أن يتميز هذا اللون من المسرحيات بالرفض الصارخ والتمرد على الواقع المعاش، والحنين الجارف إلى عالم هادئ جديد يستعيد فيه الإنسان جوهره المفقود.

إن قراءة أولية لبعض المسرحيات التعبيرية تجعلنا نتوصل إلى أن المسرحية التعبيرية قد تشكلت على خشبة المسرح بسمات فنية جديدة تقوم على التجريب، وبوسعنا أن نلمس هذا التجديد والتجريب في بعض المسرحيات التي تركها "بروتولد برخت" لعشاق المسرح التعبيري رغم انشغاله بالشعر الملحمي والمسرح الذهني، وهي "طبول الليل" و"أحراش المدن" و"القروش الثلاثة".

إعلان

كما يشير الدكتور مكاوي -في دراسته للمسرح التعبيري في ألمانيا- إلى أن المسرحية الثلاثية "غاز" للكاتب "جورج كايزر" تعتبر نموذجاً فريداً للمسرحية التعبيرية الغنية بالمواقف المتصارعة والإيحاءات العميقة الموحية.

وفي كتابه "أشهر المذاهب المسرحية" يتعرض الناقد دريني خشبة لأبرز السمات الفنية التي تمتاز بها المسرحية التعبيرية عن غيرها، ويهمنا أن نزاوج بهذا الصدد بين ما أورده خشبة وبين ما تكوَّن لدينا من انطباعات واستنتاجات قرائية لنماذج من المسرح التعبيري على صعيد العمل الدرامي الذي أصبح في مقدمة الفنون الأدبية.

في المسرحية التعبيرية يستريح البطل لالتقاط الأنفاس ثم يواصل السير في طريق الخلاص (الجزيرة) السمات الفنية للمسرحية التعبيرية

تدور أحداث المسرحية التعبيرية عادة حول شخصية محورية تحمل في ذاتها مشكلة تنعكس آثارها السيكولوجية على حركات البطل ومنطوقاته. أما بقية الشخصيات فهي بعيدة عن الضوء متحركة في الظل، وإذا ظهرت فهي تظهر ظهوراً جانبياً، يأتي مساعداً لدور الشخصية المحورية وخادماً للفكرة العامة.

وفي المسرحية التعبيرية يستريح البطل لالتقاط الأنفاس، ومن ثم يواصل الحركة في الطريق المرسومة والمؤدية إلى الخلاص من الأزمة الحادة والتي يكون البطل المحوري قد طرح أبعادها على الجمهور منذ البداية، وبشكل عاطفي مثير يهدف إلى إيجاد الاندماج بين المسرح والجمهور.

ولا يعني هذا أن المسرحية التعبيرية -لدى محاولاتها لامتلاك وجدان الجمهور- تعتمد على بهرجة شكلية أو تصنُّع ميلو درامي في الأداء، وإنما تأتي بطبيعتها مشحونة بالصرخات العميقة المتزنة والإيماءات الصادقة المصحوبة بإيقاع معبر إلى جانب الحيل المسرحية والأقنعة والتحولات الضوئية من جانب إلى آخر، حيث يشكل عنصر الإضاءة ركيزة أساسية في إخراج المسرحية التعبيرية، فيتعاون كل من المؤلف والمخرج ومهندس الإضاءة على تسليط الأضواء على البطل المحوري، وذلك بما يتناسب مع الحالة النفسية التي يمر بها، فنرى المشاهد حافلة بالإنارة والتعتيم، ورسم الخيالات والظلال والأشباح، حيث يساعد ذلك كله في الإيحاء بأسرار النفس وخلجاتها المكبوتة.

وفي معرض التمرد الحر على الكلاسيكية الرتيبة، ونتيجة للاحتجاج الشامل على المدرستين الطبيعية والرمزية الغامضة، لم يكن كتاب المسرح التعبيري في حاجة إلى شخصيات فردية خاصة وتقديمها بأسمائها المحددة وبصورتها الطبيعية، ولذلك نراهم قد مالوا إلى رسم الصورة النموذج للشخصية، واكتفوا بإسداء الألقاب عليها كالأب والابن والرجل والشبح والرئيس وهكذا.

مقالات مشابهة

  • غزة أم سياسات ترامب.. كيف فاز ممداني بالترشح لمنصب عمدة نيويورك؟
  • الطاهر بن جلون يفتتح معرض يصوّر السكينة في عالم مضطرب بالرباط
  • يمن الأحرار.. مواقف صادقة تكسر أعتى التحالفات وتفشل مساعي الأعداء لاستباحة الأمة
  • رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد تخرج دورات جديدة من دارسى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية
  • رئيس الأركان يشهد تخرج دورات جديدة من دارسي الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية
  • دراما جيل زد.. كيف ترسم مسلسلات المراهقين لوحة فنية معقدة؟
  • «فورمولا 1» يٌدخل النجم الصاعد دامسون إدريس إلى عالم هوليوود
  • التلفزيون الإيراني: استشهاد عالم نووي في هجمة إسرائيلية قبل وقف إطلاق النار
  • التليفزيون الإيراني يعلن اغتيال عالم نووي
  • التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي