هل من نقطة تحول في التوترات الإقليمية بالشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
د. بدر البلوشي
تتزايد التوترات في الشرق الأوسط بشكل لم يسبق له مثيل؛ حيث تقف إيران اليوم في قلب صراع قد يتجاوز حدود الحسابات التقليدية، في ظل التساؤلات المتكررة عن إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران، نجد أنَّ الأوضاع تبدو أكثر تعقيدًا مما تظهره العناوين المُعتادة. فهل نحن على وشك الدخول في مرحلة مصيرية، أم أنَّ هناك قوة خفية تدفع نحو تصعيد مدروس لا يُظهر كل أوراقه بعد؟
إيران ليست مجرد دولة تنازع على برنامجها النووي أو نفوذها الإقليمي؛ بل هي ركيزة لا يُمكن تجاهلها في أي سيناريو دولي للشرق الأوسط.
إن ما يميز الوضع الراهن هو أن إيران قد تكون على أعتاب ابتكار استراتيجية جديدة تعزز من وجودها الإقليمي، في ظل تغير موازين القوى، تسعى طهران لتطوير أسلحة هجومية غير تقليدية، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ الذكية، التي تمنحها قدرة على توجيه ضربات موجهة إلى أهداف بعيدة دون الحاجة إلى تدخل مباشر. هذه الاستراتيجية لا تمثل فقط تكنولوجيا جديدة، بل تعكس أيضًا تحولًا في التفكير العسكري الإيراني، حيث إن الهجمات المحتملة لن تكون فورية، بل قد تتأخر حتى تصبح إيران مستعدة تمامًا لإطلاق العنان لما لديها من قوة تدميرية في اللحظة الأكثر تأثيرًا.
وفيما يتعلق بالتحالفات، نجد أن إيران تبني شبكة من العلاقات التي تساهم في تعزيز نفوذها الإقليمي. مع ظهور تحالفات جديدة بين الدول مثل الصين وروسيا وإيران، يمكن أن تبرز صورة جديدة لعالم متعدد الأقطاب.
هذه الديناميكيات تجعل من الصعب على القوى الغربية فرض أي نوع من العقوبات أو الضغط، حيث ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع تحالفات جديدة قد تعيد تشكيل قواعد اللعبة.
التحليل الدقيق للعلاقات الإقليمية يشير إلى أن إيران ليست معزولة، بل هي جزء من شبكة عالمية معقدة، وهذا يضيف بعدًا جديدًا للأزمة. علاوة على ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن أي تصعيد عسكري لن يكون مجرد زلزال محلي، بل ستكون له تداعيات واسعة على الساحة الدولية. تهديد إيران بإغلاق طرق الشحن أو استهداف مصالح دولية في المنطقة يمكن أن يتسبب في انقطاع إمدادات النفط العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وخلق أزمات اقتصادية في دول لا ترتبط بالصراع. هذه الديناميكيات تجعل من الصراع الحالي قضية عالمية تتطلب تدخلاً دوليًا جادًا، حيث إن اللامبالاة قد تؤدي إلى فوضى تهدد الاستقرار ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في الاقتصاد العالمي بأسره.
لكن في خضم هذا التصعيد المستتر، قد تكون الدبلوماسية هي الورقة الرابحة الوحيدة المتبقية على الطاولة. العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لم تنجح في كسر إرادتها، لكن الضغوط المستمرة قد تدفع النظام الإيراني إلى مراجعة سياساته. ومع ذلك، تبقى فكرة "الحل الدبلوماسي" مرهونة بمدى استعداد الأطراف الأخرى للجلوس مجددًا إلى طاولة المفاوضات.
أما بالنسبة للدور الإسرائيلي في هذا الصراع، فقد أصبح واضحًا أن هناك رؤية لتهديد وجودي، إذا ما قررت إسرائيل الانخراط في أي عملية عسكرية، فإن النتائج قد تكون كارثية على المنطقة بأسرها، مما يؤدي إلى مواجهات غير تقليدية تشمل تقنيات حديثة.
إذا تم اتخاذ قرار الضربة العسكرية، ستكون تداعياتها على استقرار المنطقة كارثية، فإيران ليست دولة معزولة، وأي اضطراب في المنطقة سيؤدي إلى أزمات اقتصادية وسياسية تؤثر على الجميع.
الأوضاع الداخلية في إيران تؤدي أيضًا دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل الصراع، إذ قد يجد النظام نفسه مضطرًا للتصعيد كوسيلة لتوحيد الصف الداخلي.
هل ترى أن هذا التصعيد قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية؟ هذا سؤال مثير للاهتمام، ويمكن التفكير في النقاط التالية:
التغيرات الجيوسياسية: يمكن أن يمثل التصعيد محاولة لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، في ظل تزايد التوترات بين القوى الكبرى، قد تسعى بعض الدول إلى تعزيز تحالفاتها أو خلق تحالفات جديدة في مواجهة التهديدات المشتركة. دوافع اقتصادية: قد يكون التصعيد مرتبطًا بمصالح اقتصادية، مثل السيطرة على الموارد أو تأمين طرق التجارة، وفي سياق الصراعات، قد تسعى الدول إلى تأمين مواقعها الاستراتيجية من أجل تعزيز اقتصادها الوطني. ردود الفعل على السياسات الدولية: قد يكون التصعيد رد فعل على السياسات الدولية، مثل العقوبات أو الضغوط الدبلوماسية، وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي هذا التصعيد إلى إعادة تقييم التحالفات الحالية، حيث تسعى الدول لتأمين دعم حلفائها في مواجهة الضغوط. أثر الانقسامات الداخلية: يمكن أن يكون التصعيد أيضًا نتيجة للانقسامات الداخلية في الدول المعنية، إذ قد تسعى الأنظمة السياسية لتعزيز قوتها أو لصرف الانتباه عن المشكلات الداخلية من خلال تصعيد الأمور على الساحة الدولية. دور القوى العظمى: من المهم أيضًا النظر في دور القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، في تشكيل التحالفات، حيث قد تؤثر تحركات هذه القوى في المنطقة على الاستراتيجيات الإقليمية وتعيد تشكيل التحالفات. المسار المستقبلي: قد يتسبب التصعيد في ظهور تحالفات جديدة أو في تعزيز التحالفات الحالية، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى ظهور تكتلات جديدة تتقاطع مع القضايا الجيوسياسية الكبرى، مما يؤدي إلى تغيير مشهد العلاقات الدولية.باختصار.. يُحتمل أن يكون التصعيد جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية، ومن المهم مراقبة تطورات الأحداث لفهم الاتجاهات المستقبلية بشكل أفضل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مصر والصين.. شراكة صناعية متنامية تحول قناة السويس إلى قلب الاستثمار العالمي
تحولت المنطقة المحيطة بقناة السويس خلال السنوات الأخيرة إلى مساحةٍ حيوية للاستثمارات الصينية في مصر، ليست مجرد نموذج تعاون اقتصادي بل نافذة للصين نحو أسواق إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. دخول مئات الشركات وتأسيس عشرات المشروعات أعادا تشكيل ملامح النشاط الصناعي واللوجيستي في المنطقة، في وقت تعمل فيه القاهرة على تعظيم الفائدة من موقعها الاستراتيجي وسياساتها التحفيزية.
قوة الأرقام ونمو الاستثمارات
شهدت الاستثمارات الصينية ارتفاعاً ملموساً خلال العام الجاري، إذ سجّلت زيادة قدرها نحو 2.7 مليار دولار في أول أحد عشر شهراً لتصل إلى 5.7 مليار دولار في نوفمبر مقارنةً بفترة سابقة كانت فيها نحو 3 مليارات دولار، وفق بيانات الهيئة المعنية. وعلى مدار ثلاث سنوات ونصف نجحت الهيئة في جذب استثمارات تُقدّر بنحو 11.6 مليار دولار، نصفها تقريباً من شركات صينية، ما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين في هذه المنطقة.
مشروعات استراتيجية وشراكات لوجستية وصناعية
لم تقتصر التدفقات الصينية على أعمال صغيرة بل تضمّنت مشاريع كبرى متعددة المجالات. فالتعاون مع منطقة "تيدا" الصينية داخل المنطقة الاقتصادية شمل أكثر من مئتي مشروع صناعي وخدمي ولوجستي باستثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، فيما بلغ حجم التعاون في منطقة القنطرة غرب الصناعية نحو 700 مليون دولار. أما على صعيد الصفقات الفردية فقد أُبرمت عقودٌ مهمة هذا العام، أبرزها عقد بقيمة مليار دولار لشركة "سايلون" الصينية لتصنيع إطارات السيارات، وعقد آخر لشركة CJN لإنشاء مصنع أسمدة فوسفاتية ضمن مشروع "سخنة 360" المطور من قبل شركة السويدي للتنمية الصناعية باستثمارات مماثلة.
مزايا المنطقة الاقتصادية وجذب المستثمرين
تستفيد الاستثمارات من سهولة الإجراءات، والإعفاءات الجمركية والضريبية التي توفرها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إلى جانب موقعها الجغرافي الذي يربط بين قارات العالم ويتيح وصولاً سريعاً إلى أسواق بمليارات المستهلكين. هذه العوامل، إلى جانب التوترات التجارية العالمية وارتفاع تكلفة سلاسل الإمداد التقليدية، دفعت العديد من الشركات الصينية إلى تنويع مواقع إنتاجها واللجوء إلى مصر كمحطة استراتيجية للتصدير وإعادة التصدير.
القاهرة تُظهر حرصًا واضحًا على تعميق شراكتها مع الصين وتوسيع قاعدة الإنتاج المشترك، ليس كهدف رقمي بحت بل كمسار لبناء قدرات صناعية وتكنولوجية حقيقية ذات قيمة مضافة. المسؤولون يؤكدون أن الغاية تتجاوز جلب رأس المال إلى مجرد أرض مصرية؛ الهدف هو خلق صناعة وطنية أقوى، رفع حصة الإنتاج المحلي في سلاسل القيمة، وزيادة الصادرات إلى الأسواق الإقليمية والدولية مع إبقاء أكبر قدر ممكن من العائد الاقتصادي داخل اقتصادنا.
أما قناة السويس فصارت أكثر من ممر ملاحٍ؛ تحولت إلى حلبة استثمارية تنافسية يشعلها تزايد التدفقات الصينية. ومع استمرار تحسين بيئة الأعمال وربط الحوافز بسياسات التصنيع والتصدير، تبدو مصر في وضع يمكنها من تحويل هذه الاستثمارات إلى محرك نمو حقيقي يعيد تنشيط الصناعة ويوفر فرص عمل جديدة ويعزز موقع البلاد داخل شبكات القيمة العالمية.