سودانايل:
2025-10-12@11:50:38 GMT

يا د. النور حمد… ليس بمجرد حمل السلاح

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد

المقال الذي كتبه د. النور حمد بعنوان (يفقد المدني حقه كمدني بمجرد أن يحمل السلاح) صُمم بحيث يعطي القارئ من الوهلة الأولى إيحاءات بأن مجرد حمل المدني للسلاح يفقده حقه في الحماية، ويتأكد ذلك من عنوان المقال، فضلاً عما حشده في المقال من مواد القانون الدولي الإنساني لا مراء في نصها ومدلولها.

.. وقد تم تغليف المقال بإسقاطات ذاتية في مقدمة وخاتمة المقال حيث قال في المقدمة :(ضلوع المدنيين في القتال يسلبهم الحقوق المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني إذ يحولهم لمقاتلين وهنا يفقدون مبدأ الحماية بالقانون نظرا لتحولهم من صفة مدنيين لمقاتلين).
إذا كان الكاتب يشير لما جري من أحداث خاصة في ولاية الجزيرة والمجازر التي شهدتها منطقة شرق الجزيرة، وهزت الضمير الإنساني، فيجب التذكير في البدء بأن معظم المراقبين والفاعلين والقوى السياسية لم يترددوا في وصف ما جرى في الجزيرة بأنه يرتقي لجرائم الحرب بحق المدنيين. حيث لم يكن لإرتكارب تلك الفظائع مبررٌ كافي. فقتل المدنيين بدم بارد لا تَطمِس معالمه تدبيج المقالات المرصعة بمواد من القانون الدولي الإنساني مهما سُرد من مواد أو مهما تم من إسقاطات، الشئ الذي يقدح في نوايا النور حمد وموقفه من الضحايا، بل ويفضح للأسف الشديد جهله بمرامي وفهم القانون الدولي الإنساني، وكيف تُفسر مواده وكيف تُقرأ في حالات النزاعات المسلحة. فالواضح أن د.حمد غير مطلع بشكل كافي على أدبيات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إجتهاداتها المتصلة لتكييف مواد ونصوص القانون الدولي الإنساني مع ديناميات النزاعات المسلحة والحروب، نسبة لأن هذا القانون لا ينطبق عليه مبدأ One size fits all بمعنى أن هنالك حالات محددة يمكن أن يرفع فيها المدني السلاح ويظل متمتع بصفته كمدني وبالتالي الحماية... بل حتى أن المحاربين الحاملين للسلاح والذين أصبحوا عاجزين عن القتال يشملهم مبدأ الحماية.. وليس هنالك مبرر أخلاقي يجعل د.حمد في وضع يدافع فيه عن سلوك إجرامي في تصفية مدنيين جسدياً في قرية نائية لم يخبروا السلاح في ثقافتهم المحلية الموروثة إلا بعد أن وصلتهم الحرب في عقر دارهم وبعد شعروهم بأنهم مستهدفين في أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم... كما أن د.حمد قد تناسى مبدأ مهماً من مبادئ القانون الدولي إن كان ينطلق من مبدأ أخلاقي في النظر لقضايا الحرب والنزاع، وهو مبدأ (التناسبية Proportionality ) هو إستخدام الدرجة المناسبة من العنف مع حجم الجُرم المقرر.. فما تم ممارسته بحق المدنيين قد تجاوز ذلك المبدأ بمراحل بعيدة ومخزية.
كما د.حمد قد قفز في نهاية مقاله بعد سرد بعض المواد القانون الدولي الإنساني الي ما أسماها خلاصة قانونية كأنه مشرّع في القانون الدولي الإنساني فقد ذكر بالنص : (الدلائل القانونية تشير بوضوح الي أن حماية المدنيين تعتمد على عدم مشاركتهم في الأعمال العدائية وبمجرد مشاركتهم بشكل مباشر في العمليات القتالية أو تقديم دعم ملموس للقوات المسلحة، فإنهم يفقدون الحماية التي يتمتعون بعد كمدنيين ويصبحون أهدافا مشروعة للهجمات) ... هنا يمكن ملاحظة أن الكاتب قد قصف هؤلاء المدنيين بأسلحة محرمة أخلاقياً بعد أن حاقت بهم تلك المجازر المروعة بتجريدهم من حق الحماية بوصف أعمالهم أما أنها عدائية أو بمشاركتهم في الأعمال القتالية أو تقديم دعم ملموس للقوات المسلحة... وهذه الأخيرة أي تقديم الدعم للقوات المسلحة هذا أمر لم يرد في سياق الحرب في الجزيرة على أقل تقدير لأنها لم تجرِ فيها إشتباكات عسكرية بالمعنى الحقيقي... أما اشتراكهم في الأعمال العدائية والعمليات القتالية فهذا يتطلب تفسير "المشاركة المباشرة" في "الأعمال العدائية" وهذا ما لم يجهد نفسه فيه د.حمد لقصور واضح في فهمه لما تشير إليه مدلولات المشاركة المباشرة والأعمال العدائية.
إن تفسير المشاركة المباشرة يقود في نهاية الأمر وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لأهمية تمييز "المشاركة المباشرة" بمعنى هل تتصل بعمليات الدفاع عن النفس مثلاً أم أنها تقع ضمن دعم طرف من أطراف الحرب بغرض ونية إيقاع ضرر مباشر على العدو كالموت والإصابة والتدمير... فضلاً عن أن اللجنة الدولية تتحدث في أدبياتها عما تسميه ب (الهَبّة الشعبية) والتي هي في النهاية تمثّل شكلاً من أشكال المشاركة في الأعمال القتالية، غير أنها في نفس الوقت لا تسقط حق الحماية بحكم أن المنخرطين في الهبات الشعبية مدنيين ومحميين بموجب القانون الدولي فقد ورد في كتاب (القانون الدولي الإنساني - مقدمة شاملة الصادر عن اللجنة الدولية 2016 في صفحة 80 تحت عنوان جانبي المشاركون في هَبّة شعبية حيث تؤكد أن الصفة المدنية لا تسقط عنهم حيث أوردت ما نصه : "أما الاشخاص الآخرين الذين يشاركون مشاركة مباشرة في العمليات العدائية على أساس تلقائي أو متقطع أو غير منظم فيجب إعتبارهم مدنيين".) وهذا التوصيف بالضبط ينطبق على أهالي الجزيرة فحتى بفرضية رفعهم السلاح فإن ذلك قد كان كرد فعل تلقائي ولا يدرجهم ضمن القوى المسلحة النظامية المقاتلة، فهم ليسوا جزءا من الجيش ولا القوات المشتركة ولا قوات كتائب البراء على سبيل المثال ولا مُستنفَرِين بالمعنى العسكري للكلمة.. لذلك لا يتم حرمانهم من حق الحماية بوصفهم مدنيين في حالة دفاع عن النفس. أو كما أوردت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المشاركين في هبة شعبية من حقهم أن يُعاملوا كمدنيين طالما لم يكونوا جزءا من التشكيلات العسكرية المسلحة المنظمة.
الواضح أن الدكتور حمد يحاول إطلاق تعميم مخل بإسقاط حق الحماية عن المدنيين الذين يدافعون عن أنفسهم بأنهم قد جنوا على انفسهم ويستأهلون ما حاق بهم من مجازر طالما رفعوا السلاح دون أن يبيّن مستويات الأضرار الناجمة عن رفع السلاح وتناسبها مع العقوبة وفي ذلك تطفيف بيّن ومخزي.
تجدر الإشارة هنا الي حقيقة أن السياق الذي حدثت فيه المجازر في الجزيرة يقع ضمن ما يُحرِّمه القانون الدولي الإنساني فيما يُعرف ب (الإقتصاص من المدنيين) الذي لم يعد يردع أصحاب الدوافع الشريرة الذين تضطرم في عروقهم هرمونات الإنتقام المقيت بلا رادع، وبشهوة تستعر كلما إزداد سلسال الدم زادهم ولوغاً فيه. فالقانون الدولي الإنساني بصفة عامة يقدم الحماية حتى للمقاتلين النظاميين المحترفين حال عجزهم عن القتال كالأسرى والجرحى والمستسلمين والمرضى والعالقين في السفن الغارقة ويحرم قتلهم وتصفيتهم. فما بال النور حمد بمزارعٍ بسيط في صقع من قرى الجزيرة رفع سلاح بدائي في وجه عدو مدجج بالأسلحة الفاتكة إستهدفه داخل بيته ليسلب ماله ويهتك عرضه ويستحل دمه.
د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية والنائب السابق لرئيس جمعية الهلال الأحمر السوداني

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی المشارکة المباشرة الأعمال العدائیة اللجنة الدولیة فی الأعمال حق الحمایة النور حمد

إقرأ أيضاً:

52 عاما في الظلام اتحسس النور بقلبي وبصيرتي

صالح السروجي : كان اخر ما شاهدته بعيني جثث العدو الاسرائيلي  مع صيحات التكبير
 


" كان اخر ما رأت عيني الالغام الارضية التي زرعناها في الدفرسوار وهي تنفجر في الدبابات الاسرائيلية ..كان هذا اخر عهدي بالنور واخر ما شاهدته بعدها لم ارى النور مرة اخرى .ويكفيني فخرا ان اخر ما رأت عيني كان الانتصار الذي كنا نحققه وصيحات التكبير لا تتوقف من حناجرنا " هكذا جاءت كلمات المهندس صالح حسن ذكي السروجي ابن مدينة الاسماعيلية واحد ابطال حرب اكتوبر المجيدة .


وتابع في حديثه لبوابة الوفد " 52 عاما مرت على فقداني  البصر  لم ارى فيهم قط  اقرب الناس لقلبي زوجتي وابناءي واحفادي ولكنني كنت دائما واثقا في حكمة الله وحامدا لفضله  بانني لم  افقد البصيرة وطريقي الى الله وعوضني الله  بعائلة طيبة وذرية صالحة "
وقال صالح " تخرجت من كلية الزراعة عام 1970  والتحقت بعدها بالقوات المسلحة مجندا بسلاح المهندسين .وطوال ثلاثة سنوات قبل حرب اكتوبر كنت قد تلقيت وزملاءي مجموعة تدريبات عالية على اعلى تقنية .كانت الروح المعنوية بداخلنا تزداد كل يوم ولدينا قناعة ان الحرب قادمة والنصر قريبا …حالة من التفاؤل بين الجنود كانت تسيطر علينا رغم الاحباط واليأس الذي كانت تعيشه البلاد بعد هزيمة 67 ."

 

تدريب على نصب الكباري البرمائية في ٨ دقائق

 واضاف "كان اهم ما تدربنا عليه في سلاح المهندسين  هو نصب الكباري البرمائية وفكها في أسرع وقت ووصلنا بالتدريبات ان تمكنا من نصب الكباري في موعده اقصاه 8 دقائق فقط وهو انجاز في وقت قياسي غير مسبوق .كنا نعلم ان المقصود من التدريبات تهيأتنا للمعركة الكبرى وعبور قناة السويس ولكننا لم نكن نعلم موعد العبور ولا ساعة الصفر  حتى جاء يوم السادس من اكتوبر "
واضاف "كان تمركز الكتيبة التي انتمي لها في منطقة الدفرسوار وكانت المهمة المحددة التي تكلفنا بها  يوم 10 اكتوبر زرع حقول الغام بالضفة الشرقية لقناة السويس بمنطقة الدفرسوار، وصدرت لنا الأوامر ايضا بزرع  حقل آخر من الألغام على بعد 20 كيلو من الحقل الأول وذلك بغرض التمويه للعدو، وبالفعل تم تنفيذ الأمر وكان نتيجة ذلك حدوث خسائر كبيرة ووقوع قتلى في صفوف العدو عند مرورهم بحقل الألغام الأول والذى قمنا بزرعه، وباليوم التالى الموافق 11 اكتوبر عندما طلب منا ازالة حقل الألغام الذى وضعناه بغرض التمويه شن الطيران الإسرائيلى غارة  علينا .وقتها فقدت الوعي ولا ادري ما الذي حدث حتى افقت على سرير المستشفى بالقصر العيني ".


وتابع "عندما استعدت وعي لم ارى شيئا كانت عيني مغممة وتخيلت وقتها انني لازالت على الجبهة وظللت لدقائق انادي على زملائي الذين كانوا بجواري وكان الرد من التمريض انني مصاب وانني في المستشفى وانني نقلت الى هنا منذ عدة ايام " .

وقال "جاءت امي لزيارتي ومعها اشقائي وابي وكنت وقتها اظن ان اصابتي ستأخذ فترة وانني سأعود للنظر مرة اخرى بعد خضوعي لعدد من العمليات الجراحية ولكن الامر طال وعلمت بعدها ان عدد من زملائي استشهد وان ابن خالي الملازم اول سيد وصفي استشهد هو الاخر في الحرب " واضاف "ظللت بالمستشفى عدة اشهر انتقلت خلالها من مستشفى القصر العيني لمستشفى المعادي العسكري. 

رحلة علاج طويلة
واضاف "انقطع ابي عن زيارتي لفترة وكنت كلما سألت اشقائي وامي عنه تحججوا انه مشغول في عمله حتى علمت من ابن عمي وكن وقتها طفلا ان ابي مات على باب المستشفى بعد زيارتي من عدة اسابيع بعدما علم من الاطباء انني فقدت البصر نهائيا وانه لا امل من اجراء اية جراحات لاستعادة بصري مرة اخرى . وقال " كانت الصدمة لي كبيرة في فقداني ابي وهو سندي وعضدي وفي فقداني بصري وانا عمري 21 سنة  .ولا انكر انني دخلت في حالة من الحزن الشديد وقتها لكن امي رحمة الله عليها كان لها الفضل في مساعدتي للخروج من الازمة " .
وقال "كان اخر عهدي بالعمليات الجراحية والمحاولات الطبية عندما اوفدت القوات المسلحة مجموعة من المصابين لرومانيا  لتلقي العلاج اللازم وهناك اجريت لي عملية جراحية ولكنها باءت بالفشل وعدت الى القاهرة مرة اخرى وكانت اصابتي كما مدونة  بالتقرير الطبي " فقد كامل بالعين اليسرى وضمور بالعين اليمنى " 
وتابع بعد  الهجرة  وعودتي لمدينة الاسماعيلية . التحقت بالعمل كمدرس مواد زراعية في احدى مدارس الاسماعيلية  وحصلت بعدها على اجازة اصابة لاني من مصابي حرب اكتوبر حتى اكرمني الله بزوجتي التي كان لها دور كبير في دعمي ومساندتي معنويا وانشغلت مع ابناءي الثلاثة "حسن  صيدلي واميرة مدرسة وهما   توامان .,وياسمين  الابنة الصغرى وتعمل طبيبة بيطرية "في مذاكراتهم ودروسهم حتى تخرجوا جمعيا من كلياتهم .
وقال " كلما احسست بلحظة بضيق تذكرت الانتصار .وكلما استشعرت بهم تذكرت الوطن الذي كان يستحق الكثير من اجله .فهناك من ضحى بروحه فكيف لي ان احزن وانا حي ارزق اعيش بين ابناءي واحفادي وكانت دائما زوجتي تقول لي "اخذ الله منك عينين وارسل اليك 6 اعين " كانت تقصد بذلك اعين ابناءي.واكرمها الله ان تستحق عن جدارة لقب الام المثالية عن محافظة الاسماعيلية في عام 2005 لوقفتها بجواري ودورها في تربية الابناء .
وقالت فردوس محمد زوجة المهندس صالح " كنت فتاة في التاسعة عشر من عمري عندما وقعت حرب اكتوبر وهاجرت مع  اسرتي من الاسماعيلية للصعيد .كنت اتابع بشغف اخبار الحرب والمعارك طوال حرب الاستنزاف  على امل تحرير سيناء وعودتنا مرة اخرى لبيتنا في الاسماعيلية .ولا اخفي سرا  كم كنت اتمنى من الله ان ارتبط بزوج من ابطال حرب اكتوبر .كنت بدعي ربنا ان اتزوج واحد منهم وده كان احساس بيمتلكني كل ما تابعت اخبار المصابين وصورهم في الجرائد والمجلات .ولان تربيتي الصعيدية كانت تمنعني من البوح بمثل هذه الامنية لاحد ...وكنت اعرف صالح لانه كانت خالته جارتنا لكنني لم يخطر على بالي ان ارتبط به حتى كان النصيب وقامت احدى جارتنا بالحديث معي عن راي في الارتباط بصالح وبالفعل وافقت وتم الزواج وانا فخورة بارتباطي ببطل من الحرب "وقالت " صالح رجل خلوق ويعتمد على نفسه في كل شيء حتى انه كان يستذكر دروس الابناء ويتابعهم في مدارسهم وكان دائما يحكي للابناء ومن بعدهم الاحفاد عن الحرب وبطولات زملاءه .

مقالات مشابهة

  • افتتاح كنيسة أم النور ومعهد للأزهر في أربيل
  • خط سليمانية دوكان 3 يرى النور لإنهاء شح المياه
  • وزير الخارجية الأسبق: احترام القانون الدولي هو عنصر أساسي في الأمن القومي المصري
  • الأمم المتحدة تدين مقتل عشرات المدنيين في الفاشر على يد الدعم السريع
  • الشيباني: ننطلق بحوارنا مع قسد من مبدأ دولة واحدة وجيش واحد وأرض واحدة
  • 52 عاما في الظلام اتحسس النور بقلبي وبصيرتي
  • خطيب المسجد الحرام: احترام التخصص مبدأ عقلي ومقصد شرعي
  • الكشف عن بنود "الملحق الإنساني" في اتفاق غزة
  • إسرائيل تواصل قتل المدنيين في غزة قبل تصديق اتفاق وقف الحرب
  • من أجل الترشح لانتخابات النواب.. القانون يلزم هؤلاء بالاستقالة| تفاصيل