مؤمن الجندي يكتب: "الإرهاب والكباب" من أبوتريكة إلى أحمد.. الرسالة واحدة
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
إنها لحظة تقاطع بين الخوف والشجاعة، وبين الرغبة في التراجع ونداء الإقدام.. إنها ليست مجرد لحظة اصطدام أو نزاع، بل هي امتحان للقدرة على التواصل والتأثير، ورحلة للبحث عن حلول وسط تعزز التفاهم وتكسر حواجز الصمت.. المواجهة! إن القدرة على المواجهة ترتبط بمدى نضوج الشخصية ووعيها بقيمة الحوار والاحترام المتبادل، فالمواجهة ليست عنفًا ولا تحديًا للمبادئ، بل هي سعي لتحقيق التوازن بين العدل والمساومة، وبين الحفاظ على الحق وإبداء المرونة.
في زمن أصبح فيه "التنفس بحذر" شعارًا للحفاظ على الاستقرار، تظهر بين الحين والآخر شخصيات تكسر حاجز الصمت واليوم موعدنا مع محمد أبوتريكة نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق، اللاعب الذي دخل قلوب الناس ليس فقط بمهاراته الكروية بل أيضًا بمواقفه الشجاعة تجاه القضية الفلسطينية، موقف ظل يكرره رغم الانتقادات، وكأنه في ملعب لا تسكنه الأهداف فقط، بل تسكنه القضايا.
وهنا أتذكر فيلم الإرهاب والكباب، فيلم رائع يرسم صورة ساخرة لأحلام المواطن البسيط في المجابهة للبيروقراطية، فكما واجه "أحمد" بطل الفيلم (الذي جسده عادل إمام) الوحش الإداري المتعنت في مجمع التحرير، ليجد نفسه وسط تمرد غير مقصود تحول فيه إلى رمز لمقاومة الظلم من نوع آخر، فإن أبوتريكة، بلمسة على قميصه عام 2008 كتب عليها "تعاطفًا مع غزة" ثم مواقف متتالية أخرها إلقاء كلمة دعم للقضية في الاستديو التحليلي لقناة beinsports" رغم أن السياسة في الرياضة تحت الحظر، وقف أمام الجماهير الدولية للرياضة.
في الإرهاب والكباب، لم يكن "أحمد" ينوي أن يحتجز موظفي مجمع التحرير رهائن، بل كان يريد نقل أطفاله من مدرسة لأخرى فقط، لكن المجتمع المرهق من الضغوط، والمشحون بالغضب، تجسد فيه فجأة، فتحول لمتمرد عن قصد أو دون قصد، بينما محمد أبوتريكة، بظهوره مدافع عن القضية الفلسطينية، يجد نفسه فجأة رهينة في ملعب "الفيفا" -حينذاك- والجماهير الدولية التي ترى أن السياسة يجب أن تبتعد عن الرياضة، ناسين أو متناسين أن هناك قضية إنسانية تنبض في قلوبنا تتجاوز الحدود والخطوط الحمراء.
قد يقول البعض إن مقارنة أبوتريكة بـ "أحمد" مغالاة، ولكن بعيدًا عن أي ملاحظات يراها البعض على محمد أبو تريكة.. لنكن صادقين، "أحمد" كان يحتجز الناس بالصدفة، وأبوتريكة اختار أن يكون "رهينة" لمواقفه الشجاعة على الهواء مباشرة، مُقحمًا السياسة في الرياضة مُسلطًا الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.. والحقيقة أن لكل منا دور في الدعم والمساندة، وكلنا نحاول بالمناسبة بدءًا من الزعماء العرب مرورًا بالشعوب وصولًا لي أثناء كتابة هذه السطور.
مؤمن الجندي يكتب: مُحلل خُلع مؤمن الجندي يكتب: حسام حسن "بهلول" واللعب مع الكبارفاجئنا “أحمد” في المشهد الختامي للفيلم، برغبته الوحيدة: "كباب لكل الناس!"، يأتي المشهد ليصدمنا بأن البطل الذي ظنناه إرهابيًا كان فقط يحلم بالكرامة، بالحياة البسيطة، بشيء من العدالة! وربما رسالة أبوتريكة، بطريقة مشابهة، تلخصها كلماته عن القضية الفلسطينية بصوت كل المصريين والعرب: الحلم بحرية أمة، بقضية عادلة، بحل عاجل يستوعب صوت من لا صوت له، رغم كل القيود والممنوعات.
فمن أحمد في مجمع التحرير إلى أبوتريكة، تبقى الرسالة واحدة: أحيانًا، يكفي صوت واحد، ليوقظنا من سباتنا، ويجعلنا ندرك أن البطولة لا تأتي دائمًا بصيحات كبيرة.. أحيانًا تأتي بصوت هادئ، وقلب ينبض.للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: القضية الفلسطينية محمد أبو تريكة بي ان سبورتس مؤمن الجندي يكتب مؤمن الجندی یکتب
إقرأ أيضاً:
أحمد الزرقة يكتب للموقع بوست عن: إعادة تشكيل الرياض وأبوظبي وتيرة تقسيم اليمن وإنهاء وجود الشرعية
خلال الأيام الأولى من ديسمبر 2025، اجتاحت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) مدن وادي حضرموت ومهرة، معلنة السيطرة على سيئون عاصمة الوادي في 3 ديسمبر، ثم تسلمت محافظة المهرة في اليوم التالي دون قتال، هذه التحركات تمت بدعم إماراتي وبحضور لجنة سعودية رسمية، ما جعلها لحظة فارقة نقلت الأزمة اليمنية من مرحلة الغموض إلى مرحلة القاسم الواضح.
أطلق المجلس الانتقالي عمليته تحت شعار «المستقبل الواعد»، فحشد قواته وسيطر على سيئون خلال ساعات، بعد اشتباكات محدودة مع اللواء الأول التابع للمنطقة العسكرية الأولى . وبالتزامن، وصلت وفود سعودية للتفاوض مع القيادات المحلية حول إعادة نشر القوات، ما أعطى إشارات إلى تنسيق سعودي–إماراتي في إعادة رسم خطوط السيطرة .
في 4 ديسمبر، أعلنت مصادر يمنية تسليم المهرة للانتقالي. انتقلت قيادة المحافظة، وميناء نشطون، واللواء 137 مشاة إلى سيطرة المجلس، بينما انسحب الجنود القادمون من المحافظات الشمالية . تقع المهرة على بحر العرب بطول ساحلي يزيد عن 560 كم ، وتُعد ثاني أكبر محافظات اليمن مساحةً، ما يضفي على سيطرتها أهمية جيوسياسية واقتصادية.
توازت عملية الانتقالي مع انتشار قوات «درع الوطن» التي تدعمها السعودية، بهدف حماية الهضبة ومداخل وادي حضرموت . كما وصل رئيس اللجنة الخاصة السعودية، اللواء محمد القحطاني، إلى المكلا للإشراف على إعادة توزيع القوات، في مشهد يكرر ما حدث في جزيرة سقطرى عام 2020 عندما سلّمت للانتقالي بحضور لجنة سعودية .
إن دعم دول إقليمية لمليشيات محلية بهدف تغيير حدود السيطرة يتعارض مع المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة ضد وحدة الدول . كما تنتهك هذه التحركات القرارات الأممية بشأن اليمن، وأبرزها القرار 2216 الذي يطالب جميع الأطراف بوقف العنف والامتناع عن إجراءات أحادية، تجاهل هذه القرارات يظهر أن التزامات المجتمع الدولي لم تُترجم إلى إجراءات رادعة، وأي شرعية تبقى لميثاق الأمم المتحدة عندما تتحول الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى شهود صامتين؟
تشير الوقائع إلى أن ما يبدو تنافساً بين السعودية والإمارات هو في الواقع تقاسم أدوار: أبوظبي تركز على الساحل والموانئ والجزر، بينما تسعى الرياض للهيمنة على الهضبة الداخلية والمعابر والحقول النفطية، ورفع الانتقالي لافتة «شارع شهداء الإمارات» في حضرموت يعكس رمزية بسط النفوذ، فيما تؤكد السعودية أنها تحرص على أمن حضرموت لكنها عملياً تترك للانتقالي السيطرة على المدن .
تمثل حضرموت خزّان النفط اليمني، إذ تحتوي على نحو 80 ٪ من احتياطات البلاد . وتعطيل الإنتاج في منشآت «بترومسيلة» بعد اقتحامها من مسلحين يهدد مصدر دخل رئيسي للدولة . كما دفعت الاشتباكات والنزاعات إلى نزوح سكان سيئون ومحيطها ، فيما يلوح في الأفق خطر انتقال الصراع إلى محافظتي مأرب وتعز، وهو ما قد يفاقم الأزمة الإنسانية.
باتت خارطة التقسيم على الأرض واقعاً ماثلاً؛ سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة تتخطى خط الانفصال التقليدي قبل وحدة 1990، وتؤسس لكيان جنوبي يمتد شرقاً. في المقابل، تبدو مؤسسات الشرعية عاجزة عن حماية الأراضي، فيما تحولت إلى واجهات لتمرير قرارات إقليمية . إن استمرار هذا المسار يهدد بإعادة إنتاج سيناريو 2014 عندما سلّمت صنعاء للحوثيين، مع اختلاف الفاعلين.
ما يجعل المشهد أشد إيلاماً هو تواطؤ المؤسسات التي كان يفترض أن تدافع عن الدولة. بدلاً من أن ينبري مجلس القيادة الرئاسي ومجلس النواب والحكومة وقيادات الأحزاب لرفض إسقاط المدن بيد مليشيا الانتقالي، لجأت هذه الجهات إما إلى الصمت المطبق أو إلى مباركة غير مباشرة. ففي منتصف سبتمبر 2025، عندما أصدر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي مجموعة من القرارات الإدارية غير المنصوص عليها في صلاحياته، هرع وزراؤه إلى اعتبارها تجسيداً لـ“مبادئ الشراكة”، بينما لزم رئيس مجلس القيادة وأعضاء الحكومة الصمت حيال هذه الأفعال التي وُصفت بأنها انتهاك صارخ لصلاحيات الرئاسة . هذا الصمت، في نظر كثير من اليمنيين، لم يكن سوى إشارة إلى أن مؤسسات الشرعية اختارت التعايش مع الأمر الواقع أو حتى تباركه، فتحولت إلى شاهد زور على تقويض الدولة.
إن السيطرة على حضرموت والمهرة ليست إلا خطوة في مسار أكبر. ما يجرى يفتح شهية الفاعلين الإقليميين نحو مأرب الغنية بالنفط وتعز ذات الثقل الديموغرافي. يعتقد البعض أن الرياض قد تضغط لإعادة توزيع النفوذ في مأرب لصالحها، بينما تتطلع أبوظبي إلى تعز لإكمال سيطرتها على الساحل والبحر الأحمر. الحوثيون يراقبون هذا التفكك وقد يستغلون الفرصة للزحف نحو مأرب إذا ضعفت جبهة الحكومة . إذا اشتعلت مأرب أو سقطت تعز، فإن اليمن سيغرق في فوضى أعمق، وسيمتد الحريق إلى البحر الأحمر وقد يدخل لاعبون جدد إلى المسرح.
تُظهر الأحداث الأخيرة أن اليمن يقف على حافة إعادة التشكيل. حملة «المستقبل الواعد» وما تلاها من تسليم المهرة تكشف مدى عمق التنسيق السعودي–الإماراتي في إدارة الصراع ورسم الخرائط الجديدة. وبينما تتغافل القوى الدولية عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، يزداد خطر تقسيم اليمن إلى كانتونات مناطقية، إن المهمة الكبرى أمام اليمنيين اليوم هي كيفية وقف هذا المسار والحفاظ على وحدة الدولة قبل أن يصبح التقسيم أمراً واقعاً، مع ما يحمله من كلفة إنسانية واقتصادية وسياسية.
اليمن اليوم بين مطرقة التاريخ وسندان التقسيم. مشاهد رفع أعلام الانفصال في سيئون والغيضة ليست سوى مقدمات لصور قادمة إذا استمرت الأمور على هذا النحو. السؤال لم يعد «هل سينقسم اليمن؟»، بل «كم دويلة ستنشأ على أنقاضه؟». إننا نقف أمام لحظة تاريخية تحتم على اليمنيين أن يحددوا مصيرهم: إما أن يتوحدوا لإعادة بناء الدولة ومواجهة التدخلات الخارجية، أو أن يقبلوا بدور المتفرج فيما يتقاسم الآخرون خريطة اليمن وثرواته. والتاريخ لا يرحم من يقف مكتوف اليدين.