شهدت محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، تحولات دراماتيكية خلال الأربعة الأيام الأولى من شهر ديسمبر الجاري، انتهت بسيطرة القوات المسلحة الجنوبية على مدينة سيئون، المركز الإداري والعسكري لوادي حضرموت، بعد سنوات من وجود قوات المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب الإصلاح، الذراع المحلية لتنظيم الإخوان المسلمين.

وجاءت هذه التطورات ضمن عملية عسكرية واسعة حملت اسم "المستقبل الواعد"، وامتدت تداعياتها إلى محافظة المهرة وشبوة، وسط انشقاقات داخلية، واحتجاجات شعبية، وحراك سعودي لاحتواء الموقف.

هذا التقرير يرصد التسلسل الزمني للأحداث، بدءاً من شرارة التوتر الأولى التي انطلقت في سيئون في 30 نوفمبر، بالتزامن مع ذكرى الاستقلال، إلى الحسم العسكري وتغيير خريطة السيطرة في الشرق الجنوبي.

بداية التحولات

تُعيد كثير من الأطراف بداية التوترات إلى يوم 30 نوفمبر، ذكرى استقلال الجنوب، حيث تحولت المناسبة الوطنية إلى نقطة فاصلة في العلاقة بين الشارع الحضرمي وقوات المنطقة العسكرية الأولى.

فمع تدفق الحشود إلى سيئون للمشاركة في الفعالية، استحدثت المنطقة الأولى العديد من النقاط العسكرية التي أعاقت آلاف المشاركين من الوصول إلى موقع الاحتفال. ورغم الطوق الأمني والانتشار المكثف، تمكنت الجماهير من كسر الحصار وسط هتافات تطالب بـ"تحرير وادي حضرموت".

هذا المشهد أدى إلى انفجار غضب شعبي واسع. فبعد ساعات فقط، أعلنت مجموعات شبابية، من بينها "شباب الغضب"، الدعوة إلى اعتصام مفتوح في ساحة الستين بسيئون للمطالبة بإخراج المنطقة العسكرية الأولى وتمكين القوات المحلية من تأمين الوادي. غير أن قوات المنطقة الأولى واجهت الاعتصام بالقوة، واقتحمت الساحة مستخدمة الرصاص الحي لتفريق المعتصمين، مع تنفيذ اعتقالات ومصادرة كاملة للخيام.

زاد هذا القمع من تآكل شرعية المنطقة العسكرية الأولى في نظر الشارع، وترافق مع اتهامات متصاعدة للقوات بأنها أصبحت منفذاً للتهريب ومظلة لجماعات متطرفة.

وفي بيان رسمي، اتهم المجلس الانتقالي الجنوبي هذه القوات بأنها "الرئة التي يتنفس منها الحوثي والإخوان والتنظيمات الإرهابية"، مؤكداً أن الجنوب "لن يكون ممراً للتهديدات الأمنية ولا مأوى للجماعات المتطرفة".

تزامن ذلك مع تصاعد الاحتجاجات في مناطق الساحل، والتي غذّتها أزمة خدمات خانقة، أبرزها انهيار شبه كامل في منظومة الطاقة بعد قطع إمدادات الغاز عن محطات التوليد. وكنتيجة لذلك، أعلنت شركة بترومسيلة توقف الإنتاج في القطاع (14) نتيجة "الأوضاع الأمنية المتدهورة"، محذّرة من مخاطر اشتباكات قرب المنشآت النفطية.

على وقع هذه الأزمات، برز اسم عمرو بن حبريش، وكيل حضرموت ورئيس حلف القبائل السابق، الذي قاد ما وصفه مسؤولون بـ"تمرد مسلح" عبر السيطرة على مواقع شركات نفطية مستغلاً حالة الغضب الشعبي. وفي مقابلة مع "BBC عربي"، برّر بن حبريش خطواته بأنها "لحماية المنشآت"، رافضاً مشروع "الجنوب العربي"، ومطالباً السعودية بالتدخل لوقف ما سماه "الانفلات".

لكن تصريحات بن حبريش قوبلت برد رسمي حاد من عضو رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء فرج البحسني، الذي وصف تحركاته بأنها "عمل تخريبي"، محمّلاً قيادة المجلس مسؤولية تقاعسها في التعامل مع الملف في وقت مبكر.

كل هذه التطورات المتزامنة صنعت مشهداً يمكن القول إنه مهّد لمرحلة الحسم العسكري، الذي انتهى بإطباق السيطرة على مناطق الوادي وسقوط آخر معاقل الإخوان في الجنوب.

سقوط المنطقة العسكرية الأولى

مع دخول ديسمبر، بدأت ملامح مواجهة شاملة تتشكل. ففي يوم الثلاثاء الماضي، 2 ديسمبر، تحركت وحدات من القوات المسلحة الجنوبية باتجاه سيئون، في خطوة وصفتها مصادر عسكرية بأنها تهدف إلى "تأمين الوادي ووقف تغوّل المنطقة العسكرية الأولى". ونقلت قناة "عدن المستقلة" عن مصادر قولها إن قوات المنطقة الأولى استخدمت معتقلين كـ"دروع بشرية" في منطقة الغرف بتريم لعرقلة التقدم.

في خضم هذه التطورات، شهدت المنطقة العسكرية الأولى انفجاراً داخلياً غير مسبوق. فقد أكدت مصادر أن عشرات من أفراد كتيبة الحضارم أعلنوا انشقاقهم وانضمامهم للقوات الجنوبية، كما نقل مركز "سوث24". فيما رحبت القوات الجنوبية بهذه الخطوة، معتبرة أنها "تصحيح لمسار وطني" ومؤشراً على اهتزاز جبهة المنطقة الأولى من الداخل.

وفي صباح 3 ديسمبر، انطلقت رسمياً عملية "المستقبل الواعد". ووفق المتحدث باسم القوات الجنوبية المقدم محمد النقيب، فإن العملية تهدف إلى "تطبيع الأوضاع، وقطع طرق تهريب السلاح للحوثيين، والقضاء على الإرهاب".

وتقدّمت القوات بسرعة قياسية، حيث أظهرت مقاطع مصورة دخولها مدينة سيئون ورفع علم الجنوب على نقطة "شحوح" الاستراتيجية ثم نقطة "السويري" في تريم. وفي غضون ساعات، سيطرت القوات على "شارع الستين" والمباني الحكومية، قبل أن تعلن إحكام السيطرة على مطار سيئون الدولي، مع نشر مشاهد حصرية من داخله.

لكن التقدم لم يكن دون ثمن. فقد أكدت مصادر عسكرية سقوط ثلاثة قتلى من القوات الجنوبية خلال اشتباكات قرب المطار.

على المستوى الشعبي، أظهرت صور ومقاطع مصورة ترحيب سكان سيئون بدخول القوات، فيما خرجت مسيرات مؤيدة في الضالع وأبين، وسط دعوات إلى "تثبيت الأمن" و"إنهاء سنوات الفوضى".

وفي اليوم نفسه، وصل وفد سعودي رفيع إلى المكلا برئاسة اللواء محمد القحطاني، في محاولة لاحتواء التوتر. وأكد الوفد أن التحالف "لن يسمح بانزلاق حضرموت نحو الفوضى"، مشدداً على ضرورة إعادة الاستقرار.

ومع ساعات المساء، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي "السيطرة الكاملة" على سيئون، فيما وصف اللواء أحمد سعيد بن بريك ما حدث بأنه "فرصة تاريخية لتحرير الوادي، وبداية مسار لاستعادة الدولة الجنوبية".

إنجازات جنوبية متتالية

لم تتوقف تداعيات عملية "المستقبل الواعد" عند حدود حضرموت. ففي 4 ديسمبر، أعلنت قناة "عدن المستقلة" أن القوات الجنوبية تسلمت رسمياً قيادة محور الغيضة واللواء 137 مشاة في محافظة المهرة، إلى جانب النقاط الأمنية الرئيسية وميناء نشطون.

من جانبها، وجهت السلطات المحلية في المهرة بسحب كافة القوات الشمالية من نقاط المحافظة، وتكليف الشرطة العسكرية الجنوبية بقيادة محسن مرصع بتأمينها.

وبالتزامن مع تقدم القوات نحو الشرق، أعلنت القوات الجنوبية السيطرة على اللواء 23 ميكا في منطقة العبر بصحراء حضرموت، حيث ظهرت عناصرها وهي تحتفل داخل المعسكر.

وفي الساحل، استعادت قوات النخبة الحضرمية السيطرة على مواقع الشركات النفطية في الهضبة بعد انسحاب مسلحي عمرو بن حبريش، وقالت المنطقة العسكرية الثانية إنها صدت "هجوماً فاشلاً" للمسلحين، مؤكدة فرض "تأمين كامل" للمواقع الاستراتيجية.

كما برزت خلافات داخلية بين قيادات حلف القبائل التابع لبن حبريش حول الاتفاق مع السلطة المحلية، فيما أعلنت قيادة حضرموت التوصل إلى تفاهمات تقضي بوقف التصعيد والبدء بترتيبات انسحاب المسلحين من محيط الشركات.

وفي المهرة، أكد المجلس الانتقالي في تصريحات منفصلة أن "الأوضاع الأمنية مستقرة"، داعياً المواطنين للتعاون في "ضمان السكينة العامة".

ومع نهاية 4 ديسمبر، كانت خريطة السيطرة في شرق الجنوب قد تغيّرت جذرياً: سيئون تحت سيطرة القوات الجنوبية، المنطقة العسكرية الأولى منهارة، مراكز عسكرية في العبر والغيضة انتقلت للقيادة الجنوبية، والنفوذ القبلي المسلح الذي قاده بن حبريش يتراجع أمام تدخلات أمنية وسياسية سعودية ومحلية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: المنطقة العسکریة الأولى القوات الجنوبیة المنطقة الأولى قوات المنطقة السیطرة على بن حبریش

إقرأ أيضاً:

تحليل: تصعيد عسكري يفكيك آخر معاقل الإخوان في وادي حضرموت والمهرة

كشف تحليل نشرته مؤسسة اليمن الثامن للإعلام والدراسات أن محافظة حضرموت تتجه نحو مرحلة شديدة الحساسية، مع اتساع رقعة التحركات العسكرية الهادفة إلى إنهاء النفوذ المتبقي لجماعة الإخوان المسلمين في الجنوب، في وقت تكشف فيه التطورات الميدانية عن تحول إستراتيجي يشمل وادي حضرموت والصحراء والمهرة، ويهدف إلى إحلال قوات محلية مكان القوات اليمنية التقليدية المرتبطة بولاءات تعود إلى ما قبل 2011، وقطع طرق التهريب الإيرانية، وإنهاء الدور المشترك المتنامي بين الإخوان والحوثيين في شرق اليمن. 

وبحسب التحليل الذي أعده الكاتب والباحث السياسي صالح أبو عوذل إن القوات المحلية في حضرموت تتحرك لإنهاء الوجود العسكري لقوات المنطقة العسكرية الأولى في الوادي، عقب تصاعد تمرد مسلح تدعمه شخصيات قبلية مرتبطة بالجماعة. ويشير مسؤولون محليون إلى أن هذا التحول يتجاوز الجانب الأمني ليطال إرثاً عسكرياً ظل قائماً منذ حرب 1994، حين دخلت تلك القوات المحافظة على ظهر الدبابات وظلت متمركزة فيها رغم كل المتغيرات.

ويؤكد التحليل أن غالبية أفراد قوات المنطقة العسكرية الأولى ينحدرون من محافظات تعد خزاناً بشرياً للحوثيين، مثل عمران وصعدة وصنعاء، إذ ارتبطت هذه القوات لسنوات طويلة بولائها للواء علي محسن الأحمر. وهو ما دفع محافظ حضرموت السابق مبخوت بن ماضي إلى القول إن على هذه القوات “التوجه لقتال الحوثيين إن كانت فعلاً ضد الانقلاب، أما بقاؤها في حضرموت فمرفوض”.

وأشار الباحث صالح أبو عوذل إلى أن الوجود العسكري لقوات المنطقة الأولى ظل مصدر قلق لأبناء حضرموت، خصوصاً بعد نجاح تجربة القوات المحلية "النخبة الحضرمية" في تحرير ساحل المحافظة من تنظيم القاعدة عام 2016 بدعم إماراتي. وظل أبناء الوادي يطالبون بتكرار التجربة، لكن الحكومة اليمنية والتحالف أرجآ تلك الخطوة لسنوات.

وأبرز التحليل أن حادثة مقتل ضابط سعودي في نوفمبر 2024 على يد جندي يتبع المنطقة العسكرية الأولى – قبل فراره إلى مناطق الحوثيين – مثلت نقطة تحول، إذ اعتُبرت رسالة رفض واضحة لأي محاولة لزج تلك القوات في مواجهة الحوثيين في مأرب ومحيطها.

وسلط التحليل الضوء على قوات "درع الوطن" التي موّلتها السعودية لتكون بديلاً محلياً في حضرموت، إلا أن المنطقة الأولى رفضت دخولها وهددت بالحرب، على غرار ما فعلته تشكيلات أخرى مدعومة من إيران أو سلطنة عمان في المهرة، ما عمّق التوترات شرق اليمن.

وفي هذا السياق، أعلن وكيل حضرموت عمرو بن حبريش تمرده عبر تشكيل "قوات حماية حضرموت"، وهو تحرك تقول مصادر محلية إنه حظي بدعم إعلامي وسياسي من الإخوان والحوثيين. في المقابل، أكد العميد صالح بن الشيخ أبو بكر "أبو علي الحضرمي" أن ما يحصل "تمرد لن يُسمح بتمريره".

ويضيف التحليل أن التظاهرات الضخمة في وادي حضرموت في 30 نوفمبر، التي رفعت أعلام دولة الجنوب السابقة، جاءت لتؤكد رفض الشارع الجنوبي لاستمرار وجود القوات المحسوبة على الإخوان في الوادي، وللتأكيد على ضرورة استكمال "تحرير ما تبقى من الأراضي الجنوبية" وفق رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي.

كما تطرق إلى البعد السياسي لمسألة الهوية الجنوبية، خصوصاً النقاش الدائر حول تسمية الدولة المنشودة بين “الجنوب العربي” و”حضرموت الكبرى”، مع تأكيد رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي أن التسمية ستحسم عبر استفتاء بعد تحقيق الاستقلال.

التحليل أوضح أن شخصيات حضرمية وازنة مثل اللواء أحمد سعيد بن بريك واللواء فرج البحسني تقود جهوداً لفرض نموذج القوات المحلية في كامل حضرموت. زيارة بن بريك في أبريل 2025، رغم وضعه الصحي، جاءت لتؤكد أن "حل مشاكل حضرموت سيكون من الداخل"، فيما تشير المعطيات إلى أن السعودية غضت الطرف عن التحركات العسكرية الجارية، ما يعكس وجود تفاهمات ضمنية حول إنهاء نفوذ الإخوان شرق البلاد.

ورجح التحليل أن التحرك العسكري في وادي حضرموت سيفضي إلى صيغة تنهي وجود القوات اليمنية التقليدية في الوادي والصحراء، بما يعني فعلياً "طي صفحة الإخوان في جنوب اليمن"، خصوصاً بعد تصنيف الولايات المتحدة للجماعة كتنظيم إرهابي، وهو ما خفف الضغوط عن حلفاء إقليميين ظلوا يتحفظون على المواجهة المباشرة سابقاً.

ويشير تحليل مؤسسة اليوم الثامن إلى أن المشهد في المهرة ينتظر تكرار السيناريو نفسه، عبر إخراج التشكيلات الموالية للإخوان من المحافظة، باعتبار أن السيطرة على شرق اليمن ستقطع شرايين التهريب الإيرانية، خصوصاً المسارات البرية والبحرية التي تُستخدم لنقل السلاح والمخدرات إلى الحوثيين.

وفي ضوء ذلك، يؤكد التحليل أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو خروج القوات اليمنية سلمياً من وادي حضرموت والمهرة، أما في حال اندلاع مواجهة، فإن موازين القوة تميل لصالح القوات الجنوبية المدعومة بتسليح نوعي وخبرة ميدانية. ويرى التقرير أن هذا المسار – إن اكتمل – قد يفضي إلى واقع جديد في اليمن خالٍ من الإخوان والحوثيين معاً، رغم احتمال محاولات إيرانية لإشعال جبهات جديدة لتعطيل هذا التحول.

مقالات مشابهة

  • الانتقالي عقب سيطرته على سيئون: حضرموت ركنا أساسيا في مشروع "الدولة الجنوبية"
  • قيادي رفيع في العسكرية الأولى يفجرّ فضيحة مدوية: سيطرة الانتقالي على حضرموت تمت بعملية “استلام وتسليم”
  • رئيس حلف قبائل حضرموت: محرقة بانتظار قوات الانتقالي إذا حاولت السيطرة على حقول النفط.. فيديو
  • القوات الجنوبية تتسلّم رسميًا قيادة العسكرية الأولى بسيئون وتبدأ تأمين وادي حضرموت
  • الانتقالي يسيطر على مدينة سيئون ومطارها الدولي ووف سعودي يصل مطار الريان لتطبيع الأوضاع
  • سقوط المنطقة العسكرية الأولى في سيئون والسعودية ترسل وفدا أمنيا للمكلا
  • المستقبل الواعد.. القوات الجنوبية تفرض سيطرتها على سيئون وسط انهيارات العسكرية الأولى
  • تحليل: تصعيد عسكري يفكيك آخر معاقل الإخوان في وادي حضرموت والمهرة
  • قائد العسكرية الأولى وقيادات في درع الوطن يتفقدون المواقع الأمامية ويؤكدون على رفع الجاهزية