بقلم : حسن أبو زينب عمر
(1)
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح يوجعني أن أسمع النباح ما دخل اليهود من حدودنا وانما تسربوا كالنمل من عيوبنا نزار قباني لن أضيف جديدا اذا قلت ان سواكن بتأريخها العريق وحضارتها الضاربة في الجذور انكفأت على نفسها ردحا من الزمان وصارت كومة من الحجارة الصماء ينعق فوقها البوم بعد أن جار عليها الزمان واسدل عليها ستار النسيان وانقض التجاهل على ماضيها وهي ماض كان يمكن استثماره سياحيا لجنى العملات الصعبة كما يفعل الآخرون ولكنها ظلت حتى الآن خارج قائمة تراث اليونيسكو بعكس ضرتها جدة التي نالت العضوية بجهود مقدرة من وزارة السياحة السعودية فيما تنكرت لها وزارة السياحة والآثار السودانية وتركتها يتيمة ترقد جوهرة منسية يعلوها الغبار على الشاطئ الذي وطأته كل الحضارات منذ نبي الله سليمان الى رمسيس الثاني (فرعون مصر القديمة) وحتى الى الأتراك وحكم كيتشنر وكلها لم تشفع لها لدخول منظومة اليونيسكو .
(2)
لكن تشييد ميناء الأمير عثمان دقنه بث فيها الروح وهي رميم فاستطالت وتمددت بضواحيها وامتداداتها المتناثرة طولا وعرضا بعد ان تدفق نحوها وأتى اليها من كل فج عميق كل الباحثين عن فرص العمل من كل الأطياف الاثنية في السودان .. حبل صرة أسواقها وفنادقها ومطاعمها ومقاهيها بل كل أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية مرتبط بشرايين الميناء كجوع كل دم الغريق الى الهواء كما يقول السياب ..اذا كانت مصر هبة النيل كما يقول المؤرخ (هيروديت) فان سواكن هبة ميناء عثمان دقنة كما يقول الواقع المعاش وأي هزة في الميناء هي هزة للمدينة التي تعيش وتعتمد عليها الاف الاسر.
(3)
لأن الظروف والامكانيات لا تساعد هذا الفئات لشراء كميات كبيرة من السلع من الأسواق السعودية فهي تلجأ عادة الى عمل شراكات ومساهمات لشراء كميات صغيرة من السلع تدخل ميناء سواكن محمولة فوق ظهر طبليات لبيعها والتكسب منها بعد تسديد كل الرسوم والضرائب المستحقة والمطلوبة من الجمارك على (دائر المليم) وهي رسوم تتزايد من حين لآخر وتضع مزيدا من الأعباء على كاهل هؤلاء المساكين بإصدار فرمانات ضاغطة جديدة.
(4)
مهنة مارسوها منذ عشرات السنين وأصبحت مصدر الرزق الوحيد لهم .. الآن وتحت مبرر تطوير الأداء وتنظيم المهنة فكرت إدارة الجمارك وقدرت وضربت أخماسا في أسداس واتجهت كالعادة الى الحيطة القصيرة وأصدرت القرار الأسهل تنفيذا والأكثر دمارا وهو تخصيص قضية التصدير والاستيراد لأجسام اعتبارية كبيرة مثل الشركات ورجال الأعمال بموجب رخص تصدير واستيراد وأن يكون التعامل عبر البنوك وهو قرار سيذهب بالمرض كما تعتقد إدارة الجمارك السودانية ولكنه قطع شك سيذهب أيضا بالمريض والمريض هنا المئات من العمالة التي تم قطع أرزاقها ودفعها الى هاوية البطالة والتشرد والضياع.
(5)
بالتجارب الكثيرة فقد بات واضحا ان إدارة الجمارك تتعامل مع هذه الطبقات المسحوقة التي تكافح سحابة يومها تحت الشمس اللاهبة والرطوبة الخانقة لتحقيق حد الكفاف من متطلبات ضرورية بقسوة مطلقة وعنجهية غير مبررة ..في الشهر الماضي حجزت داخل حظيرة الميناء حاجيات هذه العمالة في العراء وتحت تقلبات الطقس ولم تطلق سراحها الا بعد أن فسدت معظمها وبالذات المواد الغذائية مما أدى لخسائر فادحة لم يجدو لها تعويضا من أحد فالغلبة دائما لمن يستغل السلطة بصورة بشعة للتحكم في الناس .
(6)
القرار الظالم غير المدروس للتداعيات والآثار السالبة صدر تحت شعار تنظيم وتطوير المهنة ونقول هنا (كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا) فالتنمية والتطوير دائما تأتي في العالم الذي يحترم إنسانية الانسان لصالح هذا الانسان ولا خير فيها ان لم تجير لصالح هذا الانسان الا في هذا البلد المنكوب بأبنائه ففي الوقت الذي يتصدر فيه هدف توفير فرص العمل للعطالى هدف علم الاقتصاد في العالم يكون المصير هنا هو التشريد والحرمان والبهدلة وتضييق الخناق. ولعل هذا سبب الجريمة التي انتشرت مؤخرا بصورة مخيفة .
(7)
لا أحد يطالب باستثناء هذه الفئات الضعيفة التي تعيش رزق اليوم باليوم من الضرائب والاتاوات والرسوم فهم جاهزون لتسديدها حسب القوانين ولوائح التي تراعي ظروفهم وامكانياتهم أما أن يكون الحكم هو شطب المهنة وقطع الأرزاق فلن يقبل به أحد سيما وان هناك تسريبات بأن ورائها جماعة دارفور الذين يخططون لاحتكار مجمل الحراك الاقتصادي ووضع اليد عليه بإحلال رجال أعمال تابعين لهذه الاثنية يتصدر نشاطهم وزير المالية جبريل وقد حاولوا تنفيذ نفس الهدف في هيئة الموانئ فوقفوا لهم بالمرصاد وبروح النمر الجريح وأفشلوا مخططهم .
(8)
السيد عمر بانفير ... القضية ربما تكون الأولى التي توضع أمامك وأنت تتولى قيادة الوزارة ولكنها قطع شك هي أكثرها سخونة لكونها تتعلق بأرزاق بشر يراد قطعها و كل هؤلاء الضحايا يعرفون تأريخك الناصع رفضا للتهميش ونصرا للمظلومين ويثقون في قدراتك لنصرة المستضعفين. نحن العباد والبلاد نعيش أزمة طاحنة غير مسبوقة يكون فيها السودان أو لا يكون ولا أحد يريد أن يفتح جبهة جديدة تنكأ مزيدا من الجراح المتقيحة.
(9)
أقولها صادقا أنى أرى تحت الرماد وميض نار فسجل هذه الفئات ومعظمها تعيش في الضواحي والأطراف المنسية من سواكن برئ من المخالفات ..لا يعملون في تجارة الذهب المحرم ولا يعرفون تهريب المخدرات بالكونتينرات .. يتجهون مع خيوط الفجر الى الميناء بأمل انتزاع حاجياتهم التي دفعوا لها الغالي والرخيص من أنياب جمارك .. يمدون حبال الصبر بأمل أن يفرجها الله ولكن أخشى ما أخشى والجوع والحرمان ينهش في الأجساد أن يلجأوا الى علاج الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي قال ذات مرة (أعجب لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج الى الناس شاهرا سيفه).
oabuzinap@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حقيقة الإلحاح في الدعاء يكون بترديده 3 مرات فقط
حقيقة الإلحاح في الدعاء يكون بترديده 3 مرات فقط، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب تكرار الدعاء ثلاثًا، وذلك في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا» رواه مسلم (1794) وأصله في البخاري أيضا.
وروى الإمام أحمد في "المسند" (1/397) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا»، قال الإمام النووي إن الحديث فيه استحباب تكرير الدعاء ثلاثا.
وقال جمهور العلماء إن تكرار الدعاء أمر مطلوب، كلما كرر الإنسان الدعاء كان ذلك أفضل، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا، هذا في غالب الأحيان، وعلى هذا فتكرار الدعاء لا بأس به؛ لأن الدعاء عبادة لله عز وجل، وليعلم أن الداعي بصدق وإخلاص لا بد أن يغنم: إما أن يستجيب الله تعالى له ما أراد، وإما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخر له الأجر يوم القيامة؛ لأن الدعاء عبادة، فلا بد فيه من خير.
وأكد جمهور العلماء أن السنة في تكرار الدعاء أن يكون ثلاث مرات، ومن زاد على ذلك أحيانًا فلا حرج عليه، كما أن من اقتصر على الدعاء مرة واحدة لا حرج عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ إِلا قَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ! إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ. وَلا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ فِي يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلا قَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ! إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ».
كما قال الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، إن المقصود من الإلحاح في الدعاء تكراره، وهو أمر طيب ومشروع.
وأضاف عاشور، في إجابته عن سؤال “حكم الإلحاح في الدعاء؟”، أن الإلحاح في الدعاء مما يحبه الله ويرضاه، وهو من الإصرار على بلوغ المراد ضمن الأسباب المشروعة، والدعاء أحد هذه الأسباب، فهو من قضاء الله وقدره، وهو علامة العبودية، وأمارة الإيمان.
وتابع: “إن الله تعالى يحب العبد اللحوح، فجاء فى الحديث أن سيدنا جبريل قال يا ربي ما زلنا نرفع طاعة لهذا العبد ويلح في دعائه، فاستجب له يا الله فيقول الله دعه يا جبريل أأنت خلقته فيقول لا أأنت رزقته فيقول لا فيقول الله إنى أحب أن أسمع صوت عبدي بالدعاء، فالله تعالى يحب أن يسمع صوت عبده بالدعاء فإنت تظهر العبودية فيعطيك الأكثر من أثار الربوبية فالإلحاح بالدعاء مع الله مطلوب ومرغوب فيه ومستحب”.