في مفاجأة لم يكن يتوقعها العديد من المراقبين، أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، عن ترشيح المذيع التلفزيوني والعسكري السابق، بيت هيغسيث، لمنصب وزير الدفاع في إدارته.

لم يكن اسم هيغسيث من بين الأسماء المتداولة بشكل بارز ضمن الاختيارات المحتملة لهذا المنصب، ما جعل الإعلان عن ترشيحه يثير الدهشة في الأوساط السياسية.



منذ إعلان ترشيح بيت هيغسيث لمنصب وزير الدفاع في إدارة ترامب، برزت موجة من الانتقادات التي تطال خلفيته ومواقفه السابقة، حيث تركز أولى الانتقادات على افتقار هيغسيث للخبرة الحكومية، فرغم تاريخه العسكري والإعلامي، إلا أنه لم يشغل مناصب إدارية في الحكومة من قبل.

ويثير هذا النقص تساؤلات حول مدى قدرته على إدارة وزارة الدفاع بفعالية، خاصة في بيئة تتطلب خبرة واسعة في التعامل مع البيروقراطية والعمليات المعقدة التي تميز الوزارة، هذه النقطة قد تُذكر بمواقف مشابهة في إدارة ترامب حين تم تعيين أفراد في مناصب حساسة دون خبرة كافية، مما تسبب في تحديات إدارية لاحقة.

????BREAKING: President Trump Just Announced Pete Hegseth @PeteHegseth as Secretary of Defense Congratulations Pete!!!

Thanks to President Trump do the right thing for WE THE PEOPLE! Let's Make America Great Again! pic.twitter.com/yPT364QUqj — AJ Huber (@Huberton) November 13, 2024


من ناحية أخرى، تأتي مواقف هيغسيث المتشددة في السياسة الخارجية كمصدر للجدل، لا سيما تأييده المعلن لتدخلات عسكرية في الشرق الأوسط ودعمه اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي، وتصريحاته السابقة التي دعت إلى "تدمير غزة" تُثير القلق لدى السياسيين الداعين إلى حلول أكثر توازنًا، وتضع تساؤلات حول انعكاس تلك التوجهات على قرارات وزارة الدفاع حال توليه المنصب، كما أن موقفه الصارم تجاه إيران ودعمه لتصعيد العمليات العسكرية قد يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة، ما يثير تحفظات داخل الكونغرس وخارجه.

جانب آخر من الانتقادات يتمثل في خبرته الإعلامية وخطاباته الحادة خلال عمله كمقدم في فوكس نيوز، تُطرح تساؤلات حول مدى استقلالية هيغسيث في اتخاذ القرارات إذا كان منصبه الجديد مبنيًا على تاريخه الإعلامي المنحاز أيديولوجيًا. هذا الانحياز قد يؤثر على تعاطيه مع السياسات الدفاعية ويزيد من الشكوك حول تنفيذه لأجندة سياسية تتماشى مع توجهات الحزب الجمهوري وإدارة ترامب.

الجميع مصدوم
أشار أحد مسؤولي الدفاع لشبكة CNN إلى أنه فوجئ بهذا الترشيح، قائلاً: "الجميع مصدومون ببساطة"، بينما قال مسؤول آخر كان يتابع اختيارات ترامب المحتملة: "لم أكن أعرف حتى في الساعات التي سبقت الإعلان عن الترشيح كيف أتصرف حيال ذلك".

ورغم أن هيغسيث قد لا يكون قد تم تداول اسمه في الأوساط السياسية بشكل كبير، إلا أن موقفه الواضح وموالاته لترامب قد يكونان عوامل حاسمة في هذا الاختيار.

ويعتبر بيت هيغسيث شخصية مثيرة للجدل في السياسة الأمريكية، حيث يعد من أبرز المؤيدين لسياسات ترامب المتشددة على جميع الأصعدة، مواقفه العسكرية والإعلامية والمناهضة لبعض السياسات الديمقراطية تُظهر كيف يمكن لهيغسيث أن يلعب دورًا مهمًا في المستقبل السياسي لأمريكا.


أيدولوجية هيغسيث ودعمه لإسرائيل
ويعرف هيغسيث، بمواقفه القوية في السياسة الخارجية، خاصة دعمه اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي، أشار في وقت سابق إلى أن "إسرائيل يجب أن تدمر غزة".

في أكثر من مناسبة، عبر عن دعمه الثابت لإسرائيل واصفًا إياها بأنها حليف استراتيجي أساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأثناء الأحداث المتعلقة بالحرب على غزة، كان له مواقف متشددة، حيث داعا مرارًا إلى دعم إسرائيل في اتخاذ الإجراءات العسكرية ضد حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.

الموقف من إيران: في عام 2020، دعم هيغسيث عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائلاً إنها كانت خطوة ضرورية لحماية الأمن الأمريكي والإسرائيلي. كما دعا إلى مزيد من التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، وتحديدًا ضد إيران، مشددًا على ضرورة قصف المنشآت الإيرانية كرد فعل مباشر على تهديداتها للأمن الأمريكي.

تصريحاته حول سوريا: خلال فترة إدارة ترامب، كان هيغسيث من المنتقدين لقرار انسحاب القوات الأمريكية من سوريا الذي أعلنه ترامب في عام 2019، واعتبره خطوة غير حكيمة تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

????Another huge win for Israel and the Jewish people! President Trump picks Army veteran, FOX News host Pete Hegseth for Secretary of Defense.
Hegseth has two Bronze Stars, degrees from Harvard and Princeton and served in Iraq and Afghanistan.
He is unapologetically anti woke, pro… pic.twitter.com/VWyki1UFkz — Daniel Cohen (@DanielCohenTV) November 13, 2024
آراء عن سياسة الدفاع
التوجهات الحربية: يُصنف هيغسيث كأحد "صقور الحرب"، حيث يُؤمن بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة دائمًا لاستخدام القوة العسكرية ضد أعدائها. دعمه المتواصل للتدخلات العسكرية في الشرق الأوسط يعكس توجهه العام نحو سياسة خارجية حازمة.


الخبرة العسكرية
تخرج هيغسيث من جامعتي هارفارد وبرينستون، وعُرف كمحارب قديم، حيث خدم في الجيش الأمريكي كضابط في القوات البرية، حيث بدأ خدمته في عام 2003، تمت خدمته في مناطق النزاع مثل غوانتانامو، العراق، وأفغانستان، كان جزءًا من الفرقة 82 المحمولة جواً في الجيش الأمريكي.

ومن خلال عمله الإعلامي وتواجده في الصحافة، كان يدعو هيغسيث إلى مزيد من الدعم المالي للقوات المسلحة الأمريكية، ويشدد على ضرورة تحديث الأسلحة والأنظمة العسكرية.

الأوسمة: حصل هيغسيث على عدة أوسمة وجوائز خلال خدمته العسكرية، بما في ذلك وسام الاستحقاق العسكري وجائزة الخدمة المتميزة.

Let's set the record straight about @PeteHegseth, Trump's choice for Secretary of Defense. The left is quick to mock this choice, calling him just a "Fox News anchor," but there's more to it:

- He's still an active member of the Army National Guard, holding the rank of Major.
-… pic.twitter.com/B0YMFUm1qW — MagaVeteran1969 (@LouisCuneo1) November 13, 2024
الخبرة الإعلامية
عمل كمقدم برامج في فوكس نيوز بعد خدمته العسكرية، وبدأ هيغسيث مسيرته الإعلامية كمقدم برامج في قناة فوكس نيوز، حيث أصبح أحد أبرز المذيعين الذين يعبرون عن آراء سياسية محافظة، ليكون بذلك أحد أبرز الوجوه الإعلامية الموالية للحزب الجمهوري، حيث تمنحه تجربته العسكرية والإعلامية خلفية مميزة في ميدان السياسة الدفاعية.

البرامج التي قدمها: من بين أبرز برامجه التي قدمها على قناة فوكس نيوز هو برنامج "Fox & Friends Weekend"، حيث كان يشارك في مناقشات حول قضايا سياسية وأمنية داخلية ودولية.


تعزيز الأمن الأمريكي في عهد هيغسيث
في بيانه عن ترشيحه لهيغسيث، قال ترامب: "يشرفني أن أعلن أنني أرشح بيت هيغسيث لمنصب وزير الدفاع.. بيت شخص صارم وذكي ويؤمن بوضع أمريكا في المقام الأول. مع بيت، سيعرف أعداء أمريكا أن قواتنا ستكون عظيمة مرة أخرى". هذه الكلمات تعكس صورة هيغسيث كرمز للقوة والتشدد في السياسة الدفاعية الأمريكية.
Meet our New Defense Secretary! Isn’t it grand? Pete Hegseth is a true hero IMO hears a little story he shares with we was over seas! It’s very moving! pic.twitter.com/Mt7gfKuif7 — Kathleen Winchell ❤️???????????????????????? (@KathleenWinche3) November 13, 2024
 الكتب والمؤلفات:
كتاب "American Crusade": في عام 2020، نشر هيغسيث كتابًا بعنوان "American Crusade: Our Fight to Stay Free"، الذي يتناول فيه رؤيته حول دور الولايات المتحدة في العالم، وكيفية مواجهة التهديدات الخارجية مثل إيران والصين، بالإضافة إلى التحديات الداخلية التي تواجه الأمة الأمريكية مثل الانقسامات السياسية والاجتماعية.
 حياته الاجتماعية
هيغسيث متزوج ولديه عدة أطفال، وهو معروف بتصريحاته العائلية التي يظهر فيها بشكل قوي دفاعًا عن القيم الأسرية التقليدية.


خلافات سابقة في إدارة ترامب
لا يمكن إغفال أن وزارة الدفاع الأمريكية كانت في عهد ترامب مسرحاً لعدة خلافات، بدءاً من استقالة وزير الدفاع الأول، جيمس ماتيس، احتجاجاً على قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

كما أظهر مارك إسبر، وزير الدفاع الأسبق، تحذيرات علنية بشأن سياسة إدارة ترامب، ما يطرح تساؤلات حول مدى التوافق الذي سيجمع هيغسيث مع بقية أعضاء الإدارة في المستقبل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ترامب هيغسيث وزير الدفاع وزارة الدفاع غزة امريكا غزة الاحتلال وزارة الدفاع وزير الدفاع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط وزیر الدفاع تساؤلات حول إدارة ترامب فی السیاسة بیت هیغسیث فوکس نیوز pic twitter com فی عام

إقرأ أيضاً:

السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي

ترجمة: نهى مصطفى

يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة من الاضطراب العميق. فحتى قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كان يواجه صدمات جيوسياسية متلاحقة، ويستعد لتحولات تكنولوجية قد تعيد رسم المشهد الاقتصادي بالكامل. أما اليوم، فقد أضيف إلى ذلك مستوى غير مألوف من التغيّر السياسي القادم من أقوى دولة في العالم، مما أدى إلى اهتزازات واسعة، لم تقتصر على الأسواق المالية، بل أصابت أيضًا خبراء الاقتصاد وواضعي السياسات بالتردد والارتباك.

وعلى مستوى أعمق، زعزعت هذه الاضطرابات الأسس التي بُنيت عليها السرديات التقليدية عن الولايات المتحدة. تراجعت الافتراضات المستقرة التي طالما وجهت قرارات الشركات والمستثمرين، وأصبحت القواعد العامة أقرب إلى أوهام قديمة منها إلى بوصلة يُعتد بها. في الوقت ذاته، تراجعت مؤشرات ثقة المستهلكين والمنتجين بشكل حاد، وارتفعت توقعات التضخم إلى مستويات لم تُسجل منذ عام 1981.

في ظل الغموض الراهن، يجد خبراء الاقتصاد صعوبة في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد الأمريكي، لكن برز سيناريوهان رئيسيان: الأول يتوقع إعادة هيكلة اقتصادية شبيهة بعهد ريجان وتاتشر، والثاني يرجح ركودًا تضخميًّا شبيهًا بفترة جيمي كارتر.

ومهما كانت النتيجة، ستكون لها تبعات عالمية؛ نظرًا لأن الاقتصاد الأمريكي ظل لعقود في قلب النظام المالي العالمي، والدولار عملة احتياطية رئيسية. لذا، فإن أي تدهور في الوضع الأمريكي قد يمتد أثره إلى بقية العالم، وهو ما دفع كثيرًا من الحكومات إلى محاولة تقليل اعتمادها على سياسات واشنطن المتقلبة. فعلى سبيل المثال، تعمل أوروبا على تعزيز مكانتها الإقليمية، مع بناء علاقات اقتصادية جديدة وأكثر متانة مع أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الوقت ذاته، ترى الصين فرصة سانحة لترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية عظمى ذات مصداقية. إلا أن هذه الجهود لا تزال تواجه عقبات معقدة؛ إذ لا توجد دولة أخرى تضاهي الولايات المتحدة في الثراء أو القوة لتأخذ مكانها.

مع تصاعد عدم الاستقرار، تحتاج الحكومات والشركات والمستثمرون إلى سرعة ومرونة أكبر، مع توافر رأسمال وقدرات بشرية قادرة على التكيّف. فالمرونة قد تساعدهم على تجاوز الأزمات والخروج أقوى، أما الجمود فقد يُهدد رفاه الأجيال الحالية والمقبلة.

رغم قوة الولايات المتحدة وازدهارها، فإن سياستها الاقتصادية والمالية باتت تشبه أحيانًا ممارسات دول نامية، مع فرض تعريفات جمركية مفاجئة، وقرارات انتقائية تشبه الامتيازات، في ظل عجز مالي متصاعد. وقد بات نهجها أقرب لما شهدته دول أمريكا اللاتينية منه إلى ما ينتظر من أقوى اقتصاد عالمي.

وكلما طال أمد هذا النهج، ازداد خطر تعرّض الاقتصاد الأمريكي لمشاكل تقليدية تواجهها الدول النامية. هناك بالفعل مؤشرات على خروج رؤوس الأموال، وتردد متزايد لدى المستثمرين الأجانب، وقلق متزايد بشأن استقلالية البنك المركزي. فبعد عقود من الهيمنة، سجلت الأسواق الأمريكية أداءً ضعيفًا في مطلع عام 2025. فقد الدولار، الذي كان قويًّا في السابق، جزءًا من قيمته، حتى مع ارتفاع العوائد المرتبطة بحيازته. كما تراجعت السياحة إلى حد كبير. ومن غير المرجح أن يتلاشى هذا الاضطراب قريبًا.

ترشح ترامب في 2024 متعهدًا بإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وسحب الحماية الأمريكية، وهو ينفذ وعوده بلا مؤشرات على التراجع. وقد أدت سياساته، مثل الرسوم الجمركية وضعف الدولار، إلى اضطراب عالمي كبير، في ظل غياب قيادة موثوقة توجه الدول وسط هذه المرحلة الانتقالية المعقدة.

قائمة الشكوك كثيرة ومقلقة، من تأثير الرسوم الجمركية على التجارة والتضخم، إلى قدرة البنوك المركزية، خصوصًا الاحتياطي الفيدرالي، على تحقيق التوازن بين السيطرة على الأسعار وتجنب الركود، وسط توتر متزايد بين ترامب وجيروم باول يهدد استقلالية البنك وثقة الأسواق.

لا أحد يعرف بعد تأثيرات انقطاعات سلاسل التوريد أو ما إذا كانت الدول ستجبر على الاختيار بين الصين وأمريكا. هذا الغموض يربك الحكومات ويعقد قرارات الشركات والمستثمرين، خاصة مع تفكك العلاقات التقليدية بين الأصول، وتراجع موثوقية الملاذات الآمنة، وضبابية مؤشرات العوائد والمخاطر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية واضحة.

في محاولاتهم لفهم ما قد يحدث، انقسم الاقتصاديون إلى رؤيتين متطرفتين: الأولى، متفائلة بشأن المسار الحالي، تفترض أن إدارة ترامب ستنجح في تقليص حجم البيروقراطية، وإلغاء اللوائح غير الضرورية، وخفض الإنفاق، مما يؤدي إلى قيام حكومة أكثر كفاءة وأقل مديونية، وعودة النمو الاقتصادي. في ظل هذه الرؤية، سيتعافى الاقتصاد من الاضطرابات الراهنة، ويبرز قطاع خاص حر قادر على استثمار الابتكارات التي تعزز الإنتاجية، لا سيما في المجالات التي تتصدرها الولايات المتحدة مثل الذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والروبوتات، والحوسبة الكمومية مستقبلًا.

في هذا السيناريو، قد تبقى الرسوم الجمركية الأمريكية مرتفعة، لكن يُتوقع أن تؤدي إلى نظام تجاري أكثر عدالة تُخفّض فيه الدول الأخرى تعريفاتها وتتحمّل مزيدًا من أعباء السلع العامة. تتجاوز هذه الرؤية إصلاحات ريجان وتاتشر، إذ تدعو لإعادة ضبط شاملة للنظامين المحلي والعالمي.

لكن نجاح هذا المسار يتطلب ظروفًا مثالية: نموًا اقتصاديًّا سريعًا لتخفيف الديون، صبرًا من الأسواق تجاه الدولار وسندات الخزانة، وثقة دولية بالتزام واشنطن تجاريًّا رغم التوترات مع الصين. كما يجب أن يكون الاحتياطي الفيدرالي مستعدًا لخفض الفائدة، وهو ما يتطلب حل الخلاف بين ترامب وباول، سواء بالتنحي أو بانتظار انتهاء الولاية في مايو.

في السيناريو المتشائم، قد يحصل ترامب على خفض لأسعار الفائدة، لكن ليس بالطريقة التي يتمناها. في هذا السيناريو، تفشل واشنطن في كبح عجزها المالي، وتتراجع الثقة بمؤسساتها وسط مخاوف متزايدة بشأن سيادة القانون وتجاوزات السلطة. يظهر تخلٍّ تدريجي عن الالتزام بالمعايير الدولية، فيما تبدأ دول أخرى بإعادة تقييم موقعها في النظام العالمي، وتسعى للاعتماد على الذات وبناء تحالفات جديدة، مما يُثير قلق الولايات المتحدة اقتصاديًّا وأمنيًّا.

يعيد هذا السيناريو إلى الأذهان أزمة السبعينيات، حين تسببت صدمات العرض وارتفاع الأسعار وسوء السياسات في ركود عالمي. سيكون المشهد قاتمًا: تكاليف مرتفعة وضعف طلب للشركات، عوائد هشة للمستثمرين، وتراجع في القوة الشرائية والأمان الوظيفي للأسر. قد ينزلق العالم إلى ركود عميق يترك ندوبًا طويلة الأمد على الجيل الحالي والمقبل، وسط ديون متزايدة وتفاوت اجتماعي وأزمات مناخية. وفي ظل الغموض، يبقى كل من السيناريو المتفائل والمتشائم مطروحًا، إلى جانب احتمالات أخرى بينهما.

في بداية عام 2025، أشارت مؤشرات الأسواق إلى احتمالية تقارب 80% لانفراج إيجابي، مقابل 20% لاحتمال تفاقم الأوضاع. لكن هذه النسبة تراجعت إلى أقل من 50% في أوائل أبريل، بعد إعلان ترامب عن رسوم جمركية أعلى بكثير مما توقعت الأسواق. ثم ارتفعت التوقعات مجددًا بنهاية الشهر، مع ازدياد ثقة المستثمرين بأن قرار التأجيل لمدة 90 يومًا سيُفضي إلى رسوم يمكن إدارتها، من دون التسبب في صدمة كبرى للنظام التجاري العالمي.

ومع ذلك، يبقى هذا المزيج هشًّا ومتقلبًا بطبيعته، ومن المرجح أن يظل كذلك في المستقبل القريب. ومهما بلغت تطلعاتها، فقلّة من الجهات -سواء كانت حكومية أو خاصة- تستطيع تحصين نفسها بالكامل من موجات التقلب الاقتصادي المستمرة.

رغم التقلبات، هناك استراتيجيات ممكنة لتجاوز المرحلة، أبسطها المراهنة على استمرار الوضع كما كان. فقد تعافت الأسواق من تصريحات ترامب، وحققت المؤشرات الأمريكية مستويات قياسية، ما يفتح الباب لاحتمال تهدئة نسبية مع استمرار التصريحات والمفاوضات.

في هذه الأثناء، قد تقيد بكين صادراتها في آسيا لتجنّب إثارة قلق الدول من إغراق أسواقها بالسلع الصينية، كما فعلت اليابان قبل عقود عندما فرضت قيودًا طوعية على صادراتها. وقد تُعيد الصين النظر جذريًّا في نموذج نموّها، متخلية عن محركاته التقليدية -كالصادرات والاستثمار الحكومي- لصالح تنشيط الاستهلاك المحلي والاستثمار الخاص. لكن في ظل حالة عدم اليقين السائدة، قد لا تميل الشركات ولا الحكومات إلى المراهنة على تحقق مثل هذه النتيجة المتفائلة.

إذا أصبح الدور الأمريكي في النظامين الاقتصادي والمالي العالمي أكثر ضبابية وفوضوية بطبيعته، فسيكون على صنّاع القرار الاستعداد لعالم أكثر تجزؤًا، تزداد فيه المخاطر من حيث التكرار والحِدة. سنكون أمام واقعٍ يُهيمن عليه تقلب السياسات، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، وتوتر أسواق الديون المالية.

وقد تسعى الدول إلى الحد من تعرّضها للمخاطر عبر خطوات تُعمق من الانقسام العالمي. وفي هذا السياق، ستشتدّ المنافسة بين بكين وواشنطن، فيما تحاول قلة من الدول المتأرجحة -مثل البرازيل والهند- الحفاظ على توازن في علاقاتها مع الطرفين. أما الغالبية، فستجد نفسها مضطرة للاختيار.

في ظل هذا الواقع المضطرب، ستحتاج القوى الكبرى إلى تحركات استثنائية. على أوروبا، بقيادة ألمانية أكثر جرأة، التغلب على ترددها بشأن الديون المشتركة وتوسيع صلاحيات بروكسل، مع إطلاق مبادرات دفاعية واقتصادية. الصين مطالبة بقبول التضحية بالنمو قصير الأجل مقابل إصلاحات هيكلية، أما دول مثل البرازيل والهند، فقد يدفعها السلوك الأمريكي المتقلّب إلى كسر الجمود وإطلاق إصلاحات بنيوية. وبالنسبة لأوروبا، قد يشكل هذا الاضطراب فرصة للمضي قدمًا في إصلاحات دراغي، وتعزيز الابتكار والإنتاجية، وتطوير سوق رأسمالية أكثر تجانسًا تُقلّل الاعتماد على الأصول الأمريكية.

رغم أن التغيير الجذري ضروري، فإنه محفوف بالمخاطر، والجمود له كلفته أيضًا. لذلك، قد يلجأ البعض إلى نهج وسط: تقليص انكشافهم على الولايات المتحدة تدريجيًّا وبهدوء، تفاديًا لأي تصعيد. وفي ظل عالم سريع التغير، سيتعيّن على كل جهة -حكومية أو خاصة- تحديد المسار الأنسب لها.

ولمواجهة التقلبات، يجب تعزيز المرونة المالية والتشغيلية والبشرية عبر:

- زيادة السيولة وتنويع سلاسل التوريد والمحافظ الاستثمارية.

- تطوير الكفاءات باستخدام أدوات جديدة، وتحسين الاتصال الداخلي والخارجي، كما ينبغي على صانعي القرار تعزيز قدرتهم على استشراف السيناريوهات المستقبلية، واختبار فعالية استراتيجياتهم، وتحديد مكامن الضعف المحتملة. ويعني ذلك تمكين الوحدات المحلية، والمسؤولين، والأفراد من إعداد الخطط واختبار السياسات بمرونة.

في أوقات عدم اليقين، تزداد قابلية الأفراد للوقوع في التحيزات المعرفية، ومنها «القصور الذاتي النشط» -أي إدراك الحاجة للتغيير، مع التمسك بالسلوك المعتاد. مثال بارز على ذلك شركة IBM، التي رغم إدراكها صعود الحواسيب الشخصية في الثمانينيات واتخاذها قرارًا بتحويل مواردها نحو هذا المجال، فشلت في التنفيذ بسبب تمسك إدارتها بالنهج التقليدي.

النتيجة: تفوقت عليها شركات منافسة، واضطُرت إلى إعادة تشكيل نموذجها لتصبح شركة خدمات، وفقدت ريادتها في قطاع التكنولوجيا.

يشهد العالم حالة غير مسبوقة من انعدام الأمن، مع تراجع استقرار الاقتصاد الأمريكي وضعف التنسيق العالمي، ما يهدد بتفكك النظام التجاري الدولي.

في هذا السياق، على صنّاع القرار التحلّي باليقظة والجرأة، وتجاوز الأدوات التقليدية في إدارة الاقتصاد والأعمال. ورغم صعوبة المرحلة، فإن مواجهة التحديات بمرونة وابتكار، مدعومة بابتكارات قادمة، قد تُمكّن العالم من الخروج من العاصفة أكثر قوة وازدهارًا.

مقالات مشابهة

  • حرب إلكترونية بلا هوادة.. 600 هجوم أمريكي على المنشآت العسكرية الصينية
  • ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
  • مساعد وزير الدفاع يشارك باجتماع لجنة التخطيط الاستراتيجي المشترك بين وزارة الدفاع ونظيرتها الأمريكية
  • السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي
  • مركز أمريكي: العقوبات والحملة العسكرية الأمريكية يفشلان في وقف هجمات صنعاء
  •  الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني يستقبل سعادة سفيرة كندا بالجزائر
  • هذه المناصب التي تقلدها رئيس مجلس قضاء الجزائر الجديد محمد بودربالة
  • الجماز: الرئيس الجديد للهلال لن يكون له الصلاحيات التي كان يتمتع بها من سبقه
  • ألمانيا تطلق خطة مشتريات دفاعية ضخمة بهدف تعزيز قدراتها العسكرية
  • مسيرات إسرائيلية تستهدف قوات رديفة لوزارة الدفاع السورية في ريف السويداء الغربي