لجريدة عمان:
2025-05-23@21:15:15 GMT

وطن الأمجاد

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

الأوطان لا تشبه بعضها، ولا تتشابه شعوبها، والأوطان جزء من الكيان البشري الذي عاش عليها، وتأقلم وتنفس هواءها، واستظل بسمائها وتشرّب من عطائها وأعلى من قيمتها، وقادها إلى مصاف الحضارات التاريخية التي أثرت في مسار البشرية وتطورها وازدهارها الذي بلغ ذروته.

وعُمان فاعلة في الحضارة الإنسانية منذ نشأتها على هذا الكوكب، وتجدد مسارها كل عام عبر مناسبة العيد الوطني الذي يمثل إنجازًا وانطلاقًا إلى آفاق أرحب ونحن نحتفل بـ54 عامًا على مسيرة الخير والعطاء التي غيّرت وجه الأرض وفكر الإنسان وأعادت قاطرتها إلى مسار التاريخ والتأثير في محيطها وتربعها على قمم السلام.

وفي علاقتنا بالوطن يجب أن تكون استثنائية ومصيرية؛ فالوطن لا يعادله شيء في الحياة، ولا يساويه في قيمته شيء، ومن دون الوطن لا يمكن أن تكون لنا هوية ولا قيمة ولا مكانة، نختلف ونتفق معه، لكنه في إطار تلك المودة الأبدية التي لا تنفك. وتجارب كثيرة أمامنا، فمن تشرّد عن وطنه وعصفت به الظروف ومن تقاطع مع الوطن واختار المنافي عاد ليطلب الوطن ليكون ظهره وظهيره، بعد أن تراجعت جذوة خلافاته التي تهون كلها أمامه.

الأعياد الوطنية هي مرآة حاضرة لتعرف قيمة الوطن، وبها نراجع علاقتنا معه، ونقيم إنجازاته ونشارك في بنائه ونطور من إمكانياته ونعظم فوائده ونعيش لحظات ذكرى ميلاده، ونجدد عهدنا به ونصوب مساراته وندعم سلطانه وحكومته ونوسع مساحة حوارنا البنّاء من أجله ونعزز قيمته في أجيالنا الناشئة ونساهم في إعمارِه كلٌّ بقدر استطاعته.

هذا الوطن الذي كان في أوجه ممتدًا عبر أكثر من قارة، تعرّض لهزات ونكبات كادت أن تلغي وجوده من هذا الكون، لكن إرادة أهله التي اتسمت بروح الوطنية والتضحيات استطاعت أن تبقيه على قيد الحياة وأن يستعيد دوره عبر مراحل التاريخ بعد كل مطمع مر عليه، فطرد الغزاة ولاحقهم برًّا وبحرًّا وقدّم من التضحيات التي روت دماؤها ترابه ليسترجع مكانته، لعل أقربها قبل 54 عامًا وعبر منها إلى السلام والاستقرار.

علينا أن نعلّم أبناءنا أن الأوطان رويت بالدماء الطاهرة لتكون وطنًا نستظل بسمائه وعلينا أن نحافظ عليها حتى في سلوكنا اليومي الذي أصبح سمة عالمية ينشد البعض الوصول إليها، وهي قيمة أخلاقية توارثناها منذ حقب التاريخ على هذا البلد المعطاء.

وعلينا أن ندرك أن التفريط في الوطن يعني الشتات وملاجئ الدنيا، كما يحدث من حولنا، وعلينا أن نتمسك به بأهداب أعيننا لأنها وصية سلاطينه التي يقود مسيرتها نجل تلك السلاطين، السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

النباح الأخير: الأسطورة أفقا.. التاريخ بطلا

الكثيرون من أدباء العالم كتبوا التاريخ قصائد، وأبدعوا في ذلك أيما إبداع، من أبرز هؤلاء العظيم اليوناني الاسكندراني، (كفافيس) وهناك من وظّف الأسطورة في بناء أدب رفيع خالد لا يذهب بسهولة من أذهان الناس، مثل محمود درويش وأدونيس وبدر شاكر السياب. لكن الكثيرين فشلوا في ذلك مثل باولو كويلو الذي فشل في روايته (بريدا) لأن وعظ الرواية كان مباشرا والأسطورة الموظفة كانت مجرد خلفية دون حيوية أو توتر درامي.

أمامي (النباح الأخير) وهو كتاب قصصي جديد يكثف فيه المبدع القصصي الأردني المتميز مفلح العدوان تجربته في توظيف الأسطورة والتاريخ في قصص قصيرة لا تغادرنا بسهولة. الكتاب صدر حديثا عن دار نشر (ناشرون وموزعون) بمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف جميل للفنان بسام حمدان، قبل التوغل في هذا العالم القصصي الأصيل سأحكي قليلا عن مفلح، ليس عن سيرة حياته، (والتي تهمنا بالطبع) بل عن سيرة مشواره الجمالي القصصي، تعرّفت على مفلح كقاص على مواقع التواصل الاجتماعي، لفتني في لغته السردية تلك المسحة الشعرية التي ترافق أنفاس السرد عنده، المسحة الشعرية غير الطماعة، تلك التي تكتفي بمرور أو بمرافقة خفيفة لا تتدخل في الحبكة ولا تحاول الاستيلاء على الحدث، لاحقا لاحظت أن مفلح يذهب إلى استخدام التاريخ كفضاء سردي متوتر وعميق، واستطعت أن أقرأ تجربته بعناوين أو محاور أو ثيمات متنوعة: البساطة والعمق، الرمزية والتكثيف، الهوس الرومانسي بالمكان، وشعرية الصورة السردية، أما المحور الأبرز في قصصه أو الثيمة الكبرى فهو حضور الذاكرة بكامل ألقها وانفجاراتها والتباساتها.

في كتابه الأول (الدوار الأول بعد المئة) الصادر عام 1997 تبرز ملامح المشروع القصصي الأساسية، في تجربة مفلح، يستعير الكاتب من دوارات عمان معنى التيه وعبثية العودة إلى المكان بعد إيهام بسفر أو تحليق، المشهد العماني حاضر بقوة في هذه المجموعة الجميلة، المندفعة نحو أسئلة تتجاوز المحلي إلى آفاق وجودية وإنسانية بالغة الرحابة، المكان في هذه القصص لا يشكل فضاء سطحيا أو خلفية تقليدية كما يتوقع، عند كثير من القصاصين، هو بطل من أبطال قصصه، بل هو البطل الأساس، وهو النبع الأصيل الذي تنفجر منه الأحداث، وهنا نستطيع أن نشهد أو أن نرى أن (بطولة المكان) هي الثيمة المركزية في أدب مفلح العدوان، ولكنها ليست أي بطولة عادية أو مبتذلة أو مطروقة، فهذه البطولة المكانية تتردد كثيرا في كثير من قصص وروايات الآخرين، وهي تبدو مثل المدخل السهل الذي يلجأ إليه الكاتب المستعجل، الذي يريد أن يبهر، لكن البطولة هنا في تجارب مفلح عبر مجموعاته تذهب إلى أبعاد جديدة، وآفاق عالية، فهي ذائبة بالأسطورة ومجدولة بالاستعارات الدينية، ومتكئة على تاريخ المكان الحقيقي، هذا يتوضح تماما في تجربته الأخيرة التي بين أيدينا (النباح الأخير،) حيث يواصل مفلح حراثة الأمكنة وتقليبها بحثا عن جوهر المعنى المبتعد أو غير الواضح.

تبدو عمان تاريخا وأسطورة مكانا رحبا لاستخدامها أفقا للكتابة السردية، ولا أعرف قاصا أو أديبا أردنيا غير مفلح تعمق في هذا الاتجاه من الكتابة، ووصل به إلى هذه الذرى المشتعلة، ويبدو أن اشتغاله في مشروع (ذاكرة المكان - حكاية قرية، والذي بدأه عام 2004 (عبر ملحق في جريدة الرأي ثم توسّع لاحقا) ليُوثّق تاريخ القرى الأردنية وذاكرة سكّانها شفاهيا وكتابيا. حيث جاب أكثر من 200 قرية يجمع حكايات الناس عن النشأة، الأسماء، العادات، العمارة والوقائع اليومية، ثم نشر هذه المادة في مقالات مطوّلة وأصدر منها كتبا ومعارض صور ومحاضرات لاحقا) قد شكل لديه دافعا قويا لتحويل شغفه التاريخي الوطني بالمكان الأردني إلى أدب، وهذا ما حصل، فقد وظف مفلح المعلومات التي جمعها عن القرى الأردنية توظيفا جماليا مدهشا، وكان ذلك.

في قصة النباح الأخير، وهي التي تتصدر قصص المجموعة حيث يستدعي مفلح أسطورة أصحاب الكهف، وهذا الكهف كما يوضح في الحاشية: (يقع في قرية الرجيب، شرق العاصمة عمان، وكانت تسمى قديما الرقيم، وأصحاب الكهف في الرواية الإسلامية هم الفتية المؤمنون الذين فروا من قومهم بدينهم، وتخفوا في الكهف فأنامهم الله ثلاثمائة وتسع سنين، ولما استيقظوا ما لبثوا أن ماتوا. أما في الرواية المسيحية فهم النيام السبعة، أو القديسون أهل مغارة فلس).

أجمل في هذه القصة، هو استعادة الكاتب لقصة أصحاب الكهف، الشهيرة بهدف إسقاطها على استعارة قصة حاكم فيلادلفيا الروماني وفيلادلفيا هي عمان الآن، وقد تولى هذا الحاكم واسمه دقيانوس الحكم بين عامي 249 م حتى 251م. وقد كان ظالما يأمر بقتل واضطهاد كل من لا يأتمر بأمره ويعبد آلهته.

وتتوالى قصص المجموعة أدبا محولا بجمال فائق من تاريخ جاف: برج الناقة، لفائف القلعة، أيقونات مبتورة الرأس، مسيح عفرا، بانتظار المخلص، نبوءات راهب الزرقاء، شهادة وفاة، العثماني، عربات لعساكر مصر، عرس ابن الخوري، المجوس يخرقون البازلت، سبيل الحوريات والموؤدة الغريقة.

في حواشي القصص يفصل مفلح قصص الأشياء والأحداث والمكان، فنقرأ عن الإسينيون وهي طائفة عاشت في الفترة المكابية، وعن أصل مدينة الزرقاء حيث كان يطلق عليها أسماء كثيرة كيبوق وقد ورد ذكرها في وثائق تل العمارنة، وعن جبرا (جبرائيل) ملك من الملائكة الذي ورد ذكرهم بالقرآن. وعن الحارث بن أبي شمرا ملك الغساسنة في بلاد الشام وعن كهوف قمران التي اكتشفت فيها مخطوطات البحر الميت وغيرها من الحواشي.

مقالات مشابهة

  • حلقة عمل ببخاء تستعرض أهمية الوثائق الخاصة في حفظ التاريخ
  • الأمة.. إشكالية هوية ما بعد التاريخ (3)
  • المساوى: الوحدة تجسّد إرادة شعب رفض التشظي عبر التاريخ
  • حصل من 75 سنة.. أقوي زلزال يسجله التاريخ فى هذه الدولة
  • جيل المستقبل يصنع الأمجاد.. كيف تبني مصر منتخبات تليق بالعالم؟
  • كتب الله ان في ذات التاريخ يوم 20 مايو 2025م يهرب بقال
  • لماذا تخشى إسرائيل أطفال غزة؟.. قراءة من صفحات التاريخ
  • صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
  • النباح الأخير: الأسطورة أفقا.. التاريخ بطلا
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال