البوابة نيوز:
2025-08-12@23:24:17 GMT

الشجر والحجر والإنسان.. علاقات معقدة

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

الإنسان ابن بيئته فهو يعيش في بيئة هو جزء منها يتفاعل معها ويؤثر فيها ويتأثر بها فهي  كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي، وكل ما تحتويه هذه الأوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونظم وعمليات طبيعية وأنشطة بشرية.

وعليه أن يعيى بيئته التي يعيش فيها كي يحافظ عليها من أجل مستقبله والجنس البشري جميعا  فالعبث بالبيئة قد يهدد وجود الإنسان ذاته فالوعی البیئی هو إدراك الفرد لمتطلبات البیئة وتنمیة السلوکیات الصحیحة لدیه تجاه البیئة، ویکون ذلك من خلال تعریفه بمکوّنات البیئة والعلاقة التی تربط هذه المکوّنات معًا.

ومن هنا برزت أهمية التعرف على علاقة الإنسان بكل ما يحيط به من شجر وحجر وكل عناصر البيئة التي يتفاعل فيها ويهدف وجوده لعمارة الأرض التي تقله قال تعالى {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون} [البقرة: 30]

وقد أظهرت الآية الغاية من خلق آدم هو استخلافه في الأرض ولمَّا خلق الله -تعالى- آدم -عليه السَّلام- أخبر الملائكة بأنَّه سيجعله خليفةً في الأرض، وأنَّ وُجوده في الجنَّة سيكون مؤقتًا، وأنَّه سينزل إلى الأرض لإصلاحها وإعمارها 

وقد حدد المولى سبحانه وتعالى الغاية من خلق الإنسان وهى العبادة بمفهومها الأشمل حيث قال جل وعلا (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وهنا تتجلى الغاية العظمى لخلق آدم وهي عبادة الله سبحانه وتعالي وليس المقصود بالعبادة الصلاة والصيام فقط بل أداء التكليفات وكل ما يحقق الغاية الأولى وهي الخلافة في الأرض وإعمارها والخضوع الكامل لرب العزة سبحانه وتعالى

وقد خلق آدم من طين  {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ *فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ *إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص: 71 ـ 74].

 روى أحمد في المسند عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ». 

فالأرض هي الأم الرؤوم التي خلقنا منها وإليها سنعود.. ولما كانت الغاية إعمار الأرض واستخلاف الإنسان فيها تلك التي خلق منها حيث قال تعالى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} (طه:55) تجلت قدرة الخالق في خلق آدم وتذليل جميع المخلوقات له ويظهر عظيم إبداعه الكون الرحب والأرض التي منها خلق الإنسان وما تحمله من شجر وحجر سخر للإنسان والكل مآله للتراب مرة أخرى فيتشكل الإنسان في رحم الأم وهو من الطين ويتغذى من الأرض ثم يشب عليها حتى يهرم ويشيخ ليعود للتراب وليكون جزءًا من بناء المخلوقات القادمة وهكذا تتوالى النوبات ليرحل جيل ويحل محله جيل ليتغذى الكل من أرض تحلل فيها أجداده..

الإنسان والحجر 

وقد ارتبط الإنسان بالأرض منذ أن خلق وبإحساسه أنه من التراب يشعر بالخوف إذا ارتفع بعيدًا عنها أو ركب البحر سبحان الذي ذللها له وأمره أن يسير في مناكبها قال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُور} (الملك: 15)

فقد ارتبط الإنسان بالحجر والأرض فعلاقة الإنسان بالحجر علاقة أزلية؛ فالحجر هو البيت الذي يأويه، وهو السور الذي يحويه، وهو اللحد الذي يبكيه، وقد يكون الحجر بالنسبة للإنسان؛ قلبًا يضنيه،‏ أو مشاعرًا تشقيه، أو عقلًا يلغيه، أو فكرًا يرديه.

الإنسان هو جزء من الحجر بل قد يكون جله حجرًا، فقد خلقه الله تعالى من تراب، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وقد غالى بعض البشر في تقديس الأرض وعبادة الأحجار ولا يدري أنها مخلوقة مثله بل تسبح ربها وتتبرأ من عبادته لها وهي رسول صامت يؤكد قدرة الخالق سبحانه وتعالى 

حيث قال الشاعر مستنطقًا الأحجار 

كَمْ حَسَدْنَا حِرَاءَ حِينَ تَرى ** الرُّوحَ أمينًا يغْذُوكَ بالأنْوارِ

فَحِراءُ وثَوْرُ صَارَا سَوَاءً ** بهما اشْفع لدولةِ الأحجارِ

عَبدُونا ونَحْن أَعْبَدُ لله ** مِنَ القائمين بالأسْحَارِ

تَخِذُوا صَمْتنَا علينا دليلًا ** فغدَوْنا لهم وَقُودَ النارِ

قد تجنَّوا جَهْلًا كما قد تجنَّوْه ** علَى ابْن مريم والحَوارِى

 للمُغَالِى جزاؤه والمغَالَى ** فيه تُنجيهِ رحمةُ الغَفارِ

وهذه العلاقة أزلية لا تنفك أبدًا بل يحن الإنسان للأرض وتحنو عليه فيشعر فيها بالدفء والراحة وكلما تقدمت به السن انحنى ظهره في إشارة واضحة إلي قربه من تلك الأم التي تنتظره لتضمه في رحمها لتخرجه تارة أخرى للحساب والحياة الأبدية.

الإنسان والشجر ومظاهر التكريم 

 جاء التكريم حيث كرمه رب العزة بعقل ميز به عن سائر المخلوقات فالعقل هو الأداة الكبرى للمعرفة، ويتفرّع عنه التفكير، والإرادة، والاختيار، وكسب العلوم؛ لذلك كان الإنسانُ مسؤولًا عمّا يصدر عنه، قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] وليس هذا فحسب بل جعله محور الرسالات السماوية حيث قال تعالى {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]

ولقد كرمه بأن سخر له ما في الكون من شجر وحجر وحيوان {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]. وصرّح القرآن الكريم بأنّ الله تعالى خلق الأنعام، وملَّكها للإنسان، ثم ذلّلها له للركوب، والأكل، والمنافع، والمشارب، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا ركُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ *وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} [يس: 71 ـ 73] ووجّه القرآن الكريم الإنسان إلى البحث في الكون، والتعرف على خواصّه وأسراره، والانتفاع به في الحياة.

 فقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14]. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

فقد سخر الله كل شيء لخدمة الإنسان من جبال ومياه وأشجار وحيوان وكل مافي الأرض له وذلك ليتناسب مع كونه خليفة الله في أرضه وقد ضمن له حياة مطمئنة توافرت مواردها فجعل الرزق في السماء (وفي السماء رزقكم وما توعدون).

ووجهه لمصادر الرزق بل جعله يعتمد في غذائه على الأرض التي إذا نزل عليها الماء اهتزت وربت قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] 

{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوج (11) } [ق]

فينزل الماء على الأرض الميته فتهتز وتنبت الزرع الذي يبهج وتزداد بهجته بما يثمر وما الثمر إلا عناصر من الطين إذ أمر ربنا تلك الشجرة أن تستل من الطين عناصره المناسبة للإنسان وبما أن الإنسان مخلوق من الطين استوجب أن يتغذى على الطين وكيف وقد تغيرت حالة الطين لذا لا يناسبه إلا طين متغيرة حالته متمثلًا في بناتات وثمار غذيت على الطين فاستلت عناصره لصيبح طعامًا سائغًا للإنسان ولينمو ذلك الطين المتغير على طين متحول لأشكال وألوان ولتنقضي الحياة ويصير الكل مرة أخرى في الأرض لتنبت حياة جديدة على الأرض من خلال نسل جديد من البشر والشجر.

قال ضرار بن عمرو بن مالك

إذَا الرّجَالُ وَلَدتْ أوْلاَدُهَا    وَجَعَلَتْ أسْقَامُهَا تَعْتادُهَا               

واضْطَرَبَتْ مِنْ كِبَرِ أعْضَادُهَا فَهِيَ زُرُعٌ قَدْ دَنَا حَصَادهَا

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: قال تعالى فی الأرض من الطین حیث قال خلق آدم الأرض ا

إقرأ أيضاً:

الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: بر الوالدين يثمر سعادةً في الدنيا، وأجرًا عظيمًا في الآخرة

عقد الجامع الأزهر أمس الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: حقوق الوالدين "رؤية فقهية"، بحضور أ.د رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر، وأ.د ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، وأدار الحوار الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر.

أكد فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، على عظم منزلة الوالدين في الإسلام، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى قرن عبادته بالإحسان إليهما في مواضع عدة من القرآن الكريم، وكأن الإحسان إليهما يعد مكملاً لعبادة الله سبحانه وتعالى، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" هذا الاقتران يبين أن طاعة الوالدين وبرهما ليست مجرد فضيلة أخلاقية، بل هي جزء لا يتجزأ من الإيمان وسبب رئيسي لنيل رضا الله تعالى ومحبته، فمن أحسن في عبادته لله، انعكس ذلك على سلوكه وأخلاقه، فكان من أولى ثمراته البر والإحسان لوالديه عرفانًا بفضلهما وتكريمًا لهما، نتيجة صنيعهم ورعايتهم أبنائهم في الصغر، وما نراه من سوء تصرف بعض الأبناء مع الآباء لا يمت للدين بصلة، وهو تجرأ على تعليمات الشرع الحنيف، وهو أمر منهي نهي شديد قال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ"، ومن حسن البر للوالدين أن يبر الرجل أهل ود أبيه، وهو دليل على أن صنيع المعروف والمعاملة الحسن لأهل ود الآباء هو من البر للوالدين.

وكيل الأزهر في مؤتمر الافتاء: العالم أيقن أن الكيان الصهيوني أبعد ما يكون عن السلامأمين البحوث الإسلامية: الأزهر درع الأمة ضد الغلو والتطرف منذ أكثر من ألف عامالأزهر: المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك المهارات الرقميةفتح باب الالتحاق بالمدن الجامعية لطلاب وطالبات الأزهر.. اعرف التفاصيل

وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر أن مكانة الوالدين عظيمة في الإسلام، وأن الإحسان إليهما لم يترك لاجتهاد البشر أو تفضيلهم، بل جاء به أمر صريح ومباشر من الله سبحانه وتعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" هذه الآية الكريمة لا تؤكد فقط على وجوب الإحسان إليهما، بل تضع ضوابط دقيقة لهذا الإحسان، خاصة في مرحلة الكبر التي يكونان فيها أحوج ما يكونان إلى الرعاية واللين، فتنهى عن أبسط صور الضجر وهو قول "أفّ"، وعندما سئل نبينا صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال عبدالله بن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: (الصلاة لوقتها)، قال: قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قال: قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)، وتقديم بر الوالدين على الجهاد دليل على المكانة العظيمة لهذا العمل، وعندما جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ فاستأذَنَهُ في الجهادِ فقالَ: أحيٌّ والداكَ ؟ قال: نعَم قال: ففيهِما فجاهِدْ، وهذا دليل نبوي على المكانة العظيمة للإحسان للوالدين وبرهما.

من جانبه أكد فضيلة الدكتور ربيع الغفير أن الفضل الحقيقي على الإنسان، بعد فضل الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، هو فضل الوالدين، ولعظم هذا الفضل ومنزلته، قرن الله تعالى عبادته بشكر الوالدين والإحسان إليهما، قال تعالى: ""َنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" هذه الآية الكريمة توضح أن شكر الوالدين يأتي مباشرة بعد شكر الله، مما يؤكد على مكانتهما الرفيعة في الإسلام ووجوب البر بهما كجزء لا يتجزأ من عبادة الله سبحانه وتعالى، مشيرًا إلى أن تطاول بعض الأبناء على آبائهم يعد كارثة كبرى، كما أن استثقال بعض الأبناء لحاجات آبائهم يعد قصر نظر، لأنهم بذلك يغفلون عن حقيقة أن العقوق لا يجزى صاحبه إلا بالهم والشقاء في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، وفي المقابل، فإن بر الوالدين لا يثمر إلا سعادة وطمأنينة في الدنيا، وأجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا في الآخرة.

وحث الدكتور ربيع الغفير الشباب على ضرورة العناية بالوالدين، خاصة في مرحلة الكبر، وهذا ليس مجرد سلوك أخلاقي، بل هو أمر إلهي عظيم أوجبه الله سبحانه وتعالى على عباده، لأن الوالدان في هذا العمر يصبحان في أمس الحاجة للرعاية واللين، بعدما ضعفت قوتهما، قال تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"، هذه الآية ليست مجرد وصية، بل هي منهج إلاهي للتعامل مع الوالدين في كبرهما، حيث تنهى عن أبسط صور الإساءة مثل كلمة "أفّ"، وتأمر باللين والقول الحسن، وتوجب على الأبناء التواضع لهما والرحمة بهما، والدعاء لهما جزاءً لما قدماه من تربية وعطاء في مرحلة الصغر.


كما قال فضيلة الشيخ إبراهيم حلس، إن بر الوالدين يعد من أعظم الأعمال وأحد أهم أسباب دخول الجنة، وعلى المسلمين اغتنام هذا العمل العظيم، لأن الإحسان إلى الوالدين ليس مجرد واجب ديني، بل هو طريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة، كما أن عقوق الوالدين يحجب الأعمال الصالحة ويمنع قبولها، لأفتًا إلى أن الدعاء إلى الوالدين بعد وفاتهما من سبل البر إليهما، لأن الدعاء لهما يرفع درجاتهما ويزيد حسناتهما.

يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

طباعة شارك الجامع الأزهر حقوق الوالدين الملتقى الفقهي

مقالات مشابهة

  • مديرية السبعين بالأمانة تحتفي بذكرى المولد النبوي
  • ما الحكمة ابتلاء الله لعباده؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يجيب
  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: بر الوالدين يثمر سعادةً في الدنيا، وأجرًا عظيمًا في الآخرة
  • العمل الصالح طريق السعادة.. ندوة توعوية لخريجي الأزهر بكفر العرب بكفر الزيات
  • دعاء الحر.. ردده الآن ليخفف الله عنك الموجة الحارة
  • المجاعة.. إبادة صامتة
  • علي جمعة: المؤمن الحق يمر باللغو كريماً ويبدأ بإصلاح نفسه قبل غيره
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا في أب وأم لقتلهما ابنتهما بمكة المكرمة
  • هل يجب على الزوجة طاعة زوجها حتى إذا لم يكن مسئولا؟.. انتبهن
  • حكم تشغيل القرآن الكريم وعدم الاستماع إليه.. الإفتاء تجيب