لجريدة عمان:
2025-06-24@21:04:06 GMT

اقتصاد أوروبا يتباطأ

تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT

في حين تستعد أوروبا لحرب تجارية محتملة بعد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب منصبه في يناير، يواجه أكبر اقتصادين فيها صعوبات شديدة. ففي حين تتجه ألمانيا إلى عامها الثاني على التوالي من توقف النمو تماما، من المتوقع أن تنمو فرنسا بأقل من 1% في عام 2025.

هل كان الركود الاقتصادي في أوروبا نتيجة لعدم كفاية التحفيز الكينزي، أو أن دول الرفاهة المتضخمة والمتصلبة هي المسؤولة؟ في كل من الحالتين، من الواضح أن أولئك الذين يعتقدون أن التدابير البسيطة مثل زيادة عجز الميزانية أو خفض أسعار الفائدة من الممكن أن تحل مشكلات أوروبا منفصلون عن الواقع.

على سبيل المثال، دفعت سياسات التحفيز القوية في فرنسا بالفعل عجز ميزانيتها إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 112%، ارتفاعا من 95% في عام 2015. وفي عام 2023، واجه الرئيس إيمانويل ماكرون احتجاجات واسعة الانتشار على قراره برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما - وهي الخطوة التي، على الرغم من أهميتها، لا تخدش سطح التحديات المالية التي تواجهها البلاد إلا بالكاد. وكما حذرت مؤخرا رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، فإن المسار المالي في فرنسا غير قابل للاستمرار في غياب إصلاحات بعيدة المدى. يُـعجَـب كثيرون من التقدميين الأمريكيين والبريطانيين بنموذج الحكومة الكبيرة في فرنسا ويتمنون لو تتبنى بلدانهم سياسات مماثلة. لكن أسواق الديون أفاقت مؤخرا على المخاطر التي يفرضها دين فرنسا المتضخم. واللافت للنظر أن الحكومة الفرنسية تدفع الآن علاوة مخاطر أعلى من تلك التي تدفعها إسبانيا.

في ظل توقعات باستمرار ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية على ديون الحكومات في الاقتصادات المتقدمة - ما لم يحدث ركود - لا تستطيع فرنسا ببساطة الخروج من مشكلات الديون والمعاشات التقاعدية من خلال النمو. بل يكاد يكون من المؤكد أن عبء الديون الثقيل سوف يثقل كاهل آفاقها الاقتصادية في الأمد البعيد. في عامي 2010 و2012، نَـشَـرتُ أنا وكارمن م. راينهارتورقتينبحثيتين زعمنا فيهما أن الديون المفرطة تضر بالنمو الاقتصادي. تشكل الاقتصادات البطيئة المثقلة بالديون في أوروبا واليابان أمثلة رئيسية على هذه الديناميكية، كما أظهرت بحوث أكاديمية لاحقة. تعوق أعباء الديون الثقيلة نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال الحد من قدرة الحكومات على الاستجابة للتباطؤ والركود. ومع نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 63% فقط، تحظى ألمانيا بحيز وفير لإحياء بنيتها الأساسية المتداعية وتحسين نظامها التعليمي الضعيف الأداء. وإذا جرى تنفيذ مثل هذه الاستثمارات بفعالية، فإنها قد تولد ما يكفي من النمو الطويل الأجل للتعويض عن تكاليفها. لكن الحيز المالي لا قيمة له إلا عندما يُـستَـخدَم بحكمة: في الواقع، أثبتت «مكابح الدين» في ألمانيا - التي تحدد سقف العجز السنوي بما لا يتجاوز 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي - أنها تفتقر إلى المرونة إلى حد كبير، ويتعين على الحكومة المقبلة أن تجد وسيلة للالتفاف حولها.

علاوة على ذلك، لن تؤدي زيادة الإنفاق العام إلى تحقيق نمو مستدام دون إصلاحات كبيرة. على وجه التحديد، يتعين على ألمانيا أن تعيد العمل بعناصر رئيسية من إصلاحات هارتز التي قدمها المستشار السابق جيرهارد شرودر في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كانت هذه التدابير، التي جعلت سوق العمل الألمانية أكثر مرونة بشكل ملحوظ مقارنة بفرنسا، مفيدة في تحويل ألمانيا من «رجل أوروبا المريض» إلى اقتصاد ديناميكي. لكن تحولا نحو اليسار في السياسة الاقتصادية أدى فعليا إلى عكس اتجاه كثير من هذا التقدم، مما قوض بشدة الكفاءة المزعومة التي تتباهى بها ألمانيا. وقد عانت بوضوح قدرتها على إنتاج البنية الأساسية التي تشتد الحاجة إليها؛ من الأمثلة الصارخة على ذلك مطار براندنبورج في برلين، الذي افـتُـتـِح أخيرا في عام 2020 - بعد عشر سنوات من الموعد المحدد وبتكلفة ثلاثة أمثال التكلفة المتوقعة.

في نهاية المطاف، ستتغلب ألمانيا على وعكتها الحالية، لكن السؤال الأساسي هو كم من الوقت قد يستغرق هذا. في وقت سابق من هذا الشهر، أقال المستشار أولاف شولتز وزير المالية كريستيان ليندنر، فأدى ذلك إلى انهيار حكومته الائتلافية الهشة. ومع تحديد موعد الانتخابات في الثالث والعشرين من فبراير، يتعين على شولتز الذي لا يتمتع بقدر كبير من الكاريزمية أن يتنحى الآن جانبا ويسمح لديمقراطي اجتماعي آخر بالقيادة أو المخاطرة بانهيار حزبه. حتى الآن، قاوم شولتز الأصوات التي تدعوه إلى التخلي عن مساعيه لإعادة انتخابه، وهذا يعرض فرص حزبه في البقاء في السلطة للخطر. ويعكس تردده في التنحي تردد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي انتظر طويلا لتسليم الشعلة لمرشح أصغر سنا، وهي الخطوة الخاطئة التي ساهمت بلا شك في هزيمتها الانتخابية الحاسمة.

في خضم هذه الاضطرابات السياسية، تتصارع ألمانيا مع تحديات متزايدة تهدد مكانتها باعتبارها القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا. ومع استمرار الحرب الدائرة في أوكرانيا في إضعاف ثقة المستثمرين، لم تتعاف القاعدة الصناعية في ألمانيا بعد من خسارة واردات الطاقة الروسية الرخيصة. من ناحية أخرى، ناضَـلَ قطاع السيارات للتحول من السيارات التي تعمل بالغاز إلى المركبات الكهربائية، متخلفا عن المنافسين العالميين، وانخفضت الصادرات إلى الصين - التي يتعثر اقتصادها أيضا- بشكل حاد. هذه المشكلات قابلة للإدارة في الأرجح إذا تولت حكومة أكثر محافظة وموجهة نحو السوق السلطة العام المقبل. لكن إعادة ألمانيا إلى المسار الصحيح لن تكون بالمهمة السهلة على الإطلاق، خاصة وأن الدعم العام للإصلاحات البنيوية يظل متدنيا. في غياب تغييرات جذرية، سيكافح الاقتصاد الألماني لاستعادة ما يلزمه من الديناميكية والمرونة لتحمل التأثير المترتب على حروب الرسوم الجمركية الوشيكة التي يعتزم ترمب شنها. في حين تواجه معظم الاقتصادات الأوروبية الأخرى تحديات مماثلة، فقد يكون أداء إيطاليا أفضل قليلا تحت قيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني - التي قد تكون الزعيمة الأكثر فعالية في القارة. وقد تملأ إسبانيا واقتصادات عديدة أصغر حجما، وخاصة بولندا، بعض الفراغ الذي تركته ألمانيا وفرنسا. لكنها لا تستطيع التعويض بالكامل عن ضَعف القوتين الاقتصاديتين الثقيلتين في الاتحاد الأوروبي. كانت التوقعات الاقتصادية لتصبح أكثر قتامة لولا جاذبية أوروبا الدائمة كمقصد سياحي، وخاصة بين المسافرين الأمريكيين، الذين تدعم دولاراتهم القوية الصناعة. وحتى برغم هذا تظل التوقعات لعام 2025 باهتة. ورغم أن الاقتصادات الأوروبية قد تتعافى، فإن التحفيز الكينزي لن يكون كافيا لدعم النمو القوي.

كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد، وهو مؤلف مشارك (مع كارمن م. راينهارت) لكتاب «هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقة المالية» ومؤلف الكتاب المرتقب «دولارنا، مشكلتك»..

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی فی حین فی عام

إقرأ أيضاً:

جلسة أساسيات ريادة الأعمال الثقافية تسلط الضوء على بناء اقتصاد إبداعي متجذر في الهوية العُمانية

"العُمانية": أقامت وزارة الثقافة والرياضة والشباب اليوم جلسة حوارية بعنوان "أساسيات ريادة الأعمال الثقافية"، ضمن برنامج حوار المعرفة بهدف إبراز أساسيات ريادة الأعمال الثقافية كمسارٍ محوري بالتنمية المستدامة، وقوة دافعة لبناء اقتصادٍ إبداعي متجذر في البيئة العمانية.

تأتي هذه الفعالية التي نظمها المنتدى الأدبي بمقره بمسقط، تأكيدًا على أهمية تحويل الرصيد الثقافي العُماني الثري والمتنوع إلى مشروعات ريادية ذات أثر اقتصادي واجتماعي، تسهم في تمكين الشباب العُماني وتوفير فرص مهنية جديدة، مع الحفاظ على الأصالة الثقافية المتجذرة في النسيج الاجتماعي. وقد ركّزت على عدد من المحاور الجوهرية، أبرزها: الفرص الاستراتيجية المتاحة في قطاع ريادة الأعمال الثقافية، وتحويل العناصر الثقافية إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق، ودور التكنولوجيا والمنصات الرقمية في الترويج للمنتج الثقافي، واستراتيجيات التمويل الإبداعي للمشروعات الثقافية، والتحديات البنيوية التي تواجه هذا القطاع، خاصة فيما يتعلق بالتسويق، والتمويل، وبناء المهارات الإدارية لدى الشباب العاملين في المجال الثقافي.

تحدث في الجلسة التي أدارها الكاتب محمد بن سيف الرحبي، الدكتور سعيد بن محمد السيابي، الأكاديمي والباحث في قضايا الثقافة والإعلام، حيث قدم قراءات وتحليلات فكرية حول الدور المتنامي لريادة الأعمال الثقافية في بناء اقتصاد قائم على الإبداع والهوية، واستعرض تجارب محلية ودولية ناجحة في هذا المجال الحيوي.

كما ناقشت الجلسة كيفية تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، لبناء بيئة تمكينية تعزز من استدامة هذا القطاع وتمكّنه من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني.

وتم التطرق إلى الحلول لإيجاد الفرص وتمكين الشباب للانضمام إلى دورات تدريبية وحلقات عمل متخصصة في ريادة الأعمال. والعمل على توفير المؤسسات المحلية وتشجيع المستثمرين بالقطاع وإعداد البرامج والدورات التدريبية التي تركز على المهارات الأساسية والبرامج والمبادرات الحكومية التي تدعم ريادة الأعمال، والبرامج التمويلية التي تساعد في توفير الموارد اللازمة لتطوير المشروعات، وتقديم حوافز للقطاع الخاص وتشجيع الابتكار لدعم المشروعات الثقافية المبتكرة التي تتبنى تقنيات جديدة أو نماذج عمل مبتكرة، مما يسهم في جذب مزيد من الاستثمارات وإنشاء منصات للتواصل بين جميع الأطراف المعنية لتسهيل تبادل المعلومات والتنسيق بين المشروعات وتسليط الضوء على الفوائد الثقافية والاقتصادية في نشر الوعي حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يزيد من دعم القطاعين العام والخاص.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا صيفا.. 3 وجهات خفية بعيدا عن المسارات التقليدية
  • منتخب شباب اليد يتأخر أمام ألمانيا في الشوط الأول
  • رسميا.. ليون الفرنسي يهبط إلى دوري الدرجة الثانية بسبب الديون
  • 95 مليار يورو خسائر سرقات المتاجر في ألمانيا خلال عام
  • جلسة أساسيات ريادة الأعمال الثقافية تسلط الضوء على بناء اقتصاد إبداعي متجذر في الهوية العُمانية
  • ترامب يهاجم إسبانيا بعد رفضها طلب الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي
  • روته: زيادة إنفاق الناتو إلى 5% من الناتج المحلي قفزة نوعية لتعزيز الردع ضد روسيا
  • كيف يضغط التصعيد ضد إيران على اقتصاد سوريا؟
  • في جلستين علنيتين.. "الشورى" يناقش بيان "التجارة والصناعة" حول المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي
  • دعاء الرسول لقضاء الديون.. ردده الآن يفرجها الله عليك