التي يسعى إليها العدوُ الإسرائيلي بدعم وشراكة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو هدف الصهيونية العالمية ضمن مخططاتها في المنطقة العربية، يهدف هذا المشروع إلى توسيع نفوذ الكيان الصهيوني وتعزيز وجوده في المنطقة بما يفضي إلى تسيّده المطلق، واستباحته الكاملة لسيادة ومقدرات دول المنطقة، ومصادرتها كليا، قرارات وحقوق شعوبها وهويتهم، وهو في الوقت ذاته يجسّد جوهر أطماع السياسة الغربية المتبعة في العالم العربي.

لم يكن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” فكرة مستجدة؛ بقدر ما هو تحديث لأهداف قديمة وضعها وصاغها المحتل، وهي موجودة في متن وهوامش استراتيجيته الانتهازية الإمبريالية، وبالتالي فإن “الشرق الأوسط الجديد” مفهوم حديث لمخطط قديم ، يعيد اليوم المستعمرُ الغربي قولبته وصياغته ليحقق أهداف المحتل وفق متغيرات المرحلة في المنطقة التي شهدت أحداثاً كبرى من بينها ثورات “الربيع العربي” التي تزامنت مع الترويج لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” قبل عقد من الزمن، وأعلن للمرة حينها على لسان كوندليزا رايز، وزيرة خارجية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، كحصاد  لمسرحية “أحداث” 11 سبتمبر، ضمن ترتيبات عالمية واسعة.

واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على خلق “فوضى خلاّقة” في الدول العربية، مستغلة الفروق الجغرافية والسياسية الناشئة أصلا عن اتفاقية “سايكس بيكو”، بالإضافة إلى تعزيز وتكريس الصراعات الداخلية التي أدت إلى تفكك الدول العربية وتمزيق مجتمعاتها.

استنزاف قدرات الأمة

وفعلياً أدت السياسات الأمريكية إلى إضعاف القدرات البشرية والاقتصادية للدول العربية إثر سلسلة أحداث وفتن عصفت بالمنطقة، واستنزفت الثروات على حروب وصراعات داخلية، بينما تراجعت القضية الفلسطينية إلى مؤخرة الأولويات، في لحظة تراجع عربي وإسلامي غير مسبوق وفق تصنيف الكثير من الكٌتاب والنخب العربية، وهو ما مهّد لطرح مشاريع تطبيعية يقدمها كل وافد أمريكي جديد على البيت الأبيض ضمن مشاريعه الانتخابية في مضمار سباق الفوز برضا اللوبي اليهودي في أمريكا.

ورغم خطورة وانكشاف هذه المخططات مثل “صفقة القرن واتفاقية إبراهام” أمام الرأي العام والنخب في عالمنا العربي على ما تمثله من انقلاب واضح على القضية المحورية للأمة، شعوباً وأنظمة إلا أنها توضع على سكة التنفيذ، وتجد رواجاً وقابلية، وكان طرح مثل هذه الأفكار قبل سنوات يُعدُ خيانة تستوجب المحاكمة، وتلحق العار بدعاتها، لكنها اليوم وفي مؤشر على نجاح سياسة الترويض الأمريكية الإسرائيلية تُطرح بجرأة وتُقدم كحقيقة لا جدال فيها، وكقضية أساسية لتحقيق ما يصفه الأمريكي وأدواته الخيانية بـ”فرص خلق أمن واستقرار لشعوب المنطقة”!!.

 بالعودة إلى الوراء قليلاً إلى مطلع القرن العشرين مع بداية الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وما أعقبها من تفريط عربي بالأرض، نجد أن الصهيونية إنما تُعيد تدوير العناوين وتحديث الشعارات لتحريك عجلة مشروعها القديم ليس إلا.

 ومع ذلك، بدأت تظهر بوادر صحوة تجاه القضية الفلسطينية، رغم التحديات التي فرضتها الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية.

“الشرق الأوسط” من التخطيط إلى التنفيذ

يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي حجر الزاوية في مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تسعى الولايات المتحدة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يتناسب مع مصالحها ومصالح “إسرائيل”. على الرغم من محاولات بعض الأنظمة العربية للتعاون مع العدو الإسرائيلي، إلا أن الشعوب تظل متشبثة بقضيتها المركزية: فلسطين.

تشير التصريحات الأخيرة من المجرمين القادة الإسرائيليين، مثل “بتسلئيل سموتريتش”، إلى نوايا إسرائيلية واضحة للتوسع والضم، متجاوزةً الاتفاقيات السابقة مثل أوسلو.

ومع اقتراب ترامب من البيت الأبيض، يُتوقع أن تتصاعد هذه التوجهات، خاصة مع دعم ترامب العلني لإسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في فترة ترمب الرئاسية الأولى، ولاحقاً الاعتراف بالجولان السوري كجزء من “إسرائيل” وهو ما أعاد التأكيد عليه اليوم مجرم الحرب نتنياهو وحكومته التي صادقت على “خطة نتنياهو” لتعزيز النمو الديمغرافي بهضبة الجولان ومدينة “كتسرين”.

وجاء في تصريحات المجرم نتنياهو: “سنواصل التمسك بالجولان من أجل ازدهاره والاستيطان فيه”، مضيفاً أن “تعزيز الاستيطان في الجولان يعني تعزيز “دولة إسرائيل” وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الفترة” حد وصفه.

وهكذا تدريجياً تتوسع مظاهر “الشرق الأوسط” الجديد لتشمل ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، بالإضافة إلى التمدد نحو سوريا، تتجاوز هذه السياسات حدود الاتفاقيات الدولية، فضلاً عن تجاهلها التام لسيادة الدول العربية، حتى أنه يبدو أن ما يمنع العدو الإسرائيلي من التوسع في هذه المرحلة هو فقط اعتبارات صهيونية داخلية لا أكثر.

ومع تسارع مشاريع الاستيطان وتوسعها خارج حدود الأراضي الفلسطينية يبدو مشروع “الشرق الأوسط الجديد” خطر لا يهدد وجود الدولة الفلسطينية وحسب بل يضع دول الطوق الفلسطيني أمام تهديد وجودي يعيد رسم الخارطة وفق الأجندات الصهيونية، ويُلغي تماماً هوية شعوبها ويصادر حقوقها، ولا يفهم اليوم سبب التغافل عن هكذا خطر بهذا الحجم لن يبقي ولا يذر.

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الشرق الأوسط الجدید

إقرأ أيضاً:

إعادة تشكيل الشرق الأوسط من وراء دخان الحرب الإسرائيلية- الإيرانية

لم تعد المواجهة القائمة بين إيران و"إسرائيل" مجرّد حلقة جديدة في مسلسل التصعيد العسكري الذي ألفته المنطقة؛ ما يجري اليوم أعمق من ذلك بكثير، نحن أمام تحوّل تاريخي في شكل النظام الإقليمي، ومعركة يراد لها أن تكون بوابة لشرق أوسط جديد يُعاد فيه ترتيب القوى، وتُرسم فيه خرائط النفوذ على نحو غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى.

إنها ليست حربا تقليدية، بل مشروع استراتيجي شامل، تدور رحاه من طهران إلى غزة، مرورا ببيروت وبغداد وصنعاء. وفي قلب هذا المشروع، تسعى واشنطن وتل أبيب، بتنسيق مع عواصم أوروبية وعربية، إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة، تحت عنوان جذّاب لكنه مُضلّل: "الاستقرار".

بين العزل الإيراني والتمكين الإسرائيلي
ليست حربا تقليدية، بل مشروع استراتيجي شامل، تدور رحاه من طهران إلى غزة، مرورا ببيروت وبغداد وصنعاء. وفي قلب هذا المشروع، تسعى واشنطن وتل أبيب، بتنسيق مع عواصم أوروبية وعربية، إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة
ليست مصادفة أن يظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة عام 2023، حاملا خريطة جديدة للشرق الأوسط؛ خريطة تُهمّش إيران بالكامل، وتضع "إسرائيل" في موقع القيادة الإقليمية، محاطة بدول عربية مُطبّعة.

هذه الخريطة لم تكن مجرّد أداة دعائية، بل جاءت لتؤكد أنَّ هناك من يحاول إعادة تعريف حدود النفوذ والسيادة في المنطقة، وأن اتفاقية سايكس بيكو لم تعد المرجعية الوحيدة في رسم الجغرافيا السياسية.

أكثر من ذلك، فإن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، التي قال فيها إنه يرى "إسرائيل صغيرة الحجم" ويطمح إلى "توسيعها"، لم تكن زلّة لسان، بل كانت إشارة مبكّرة إلى أن ثمة مشروعا يُصاغ في الكواليس، تقوده واشنطن وتنفذه تل أبيب، لإعادة تشكيل المنطقة على أسس مختلفة جذريا.

نهاية "الطائفية الوظيفية"

على مدى عقود من الزمن، استُخدمت الطائفية كأداة تفتيت ناعمة داخل المجتمعات العربية، واستفادت إيران بوضوح من هذا المناخ، مُدخلة خطابها المذهبي إلى عمق العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن يبدو أن هذه الورشة الطائفية قد وصلت إلى نهايتها، وأن الإذن الدولي باستمرار هذا النموذج قد سُحب.

المرحلة القادمة، كما يظهر، تسير نحو مقاربات جديدة تقوم على تحالفات المصالح المباشرة لا على الانتماءات المذهبية. وقد تكون إعادة تأهيل إسرائيل إقليميا جزءا من هذا التصور، لا باعتبارها "عدوا"، بل "شريكا أمنيا" في مواجهة إيران التي تُقدّم الآن كتهديد وجودي مشترك.

صراع على النظام لا على النفوذ فقط

يُخطئ من يعتقد أن المسألة تتعلق بمجرد تقليص نفوذ إيران، الحقيقة أعمق: نحن أمام صراع على هوية النظام الإقليمي نفسه. هل تكون دول المنطقة فاعلة في تقرير مصيرها، أم مجرّد ساحات يتقاطع فيها النفوذ الأمريكي والإسرائيلي؟

وهل تستطيع القوى العربية استعادة بعض من وزنها السياسي، أم أنها ستُدمَج ضمن معادلات تُكتب خارج حدودها، وتُفرض عليها كأمر واقع؟

الغرب لا يريد تفكيك الدول العربية هذه المرة، بل إعادة تعريف وظائفها: من مراكز قرار إلى محطات عبور للنفوذ والاقتصاد والسيطرة. ضمن هذا الإطار، يتم التعامل مع إيران كعقبة تجب إزاحتها، لا فقط بسبب طموحها النووي، بل لأنها آخر قوة إقليمية تعلن رفضها الصريح للمنظومة الجديدة.

من سيكتب مستقبل المنطقة؟
ما يُحاك خلف دخان الحرب اليوم، قد يُحدّد شكل النظام السياسي والأمني لعقود مقبلة، وإن لم نشارك في صياغته، فسيفرض علينا كما فُرضت حدود سايكس بيكو قبل قرن
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم، ليس فقط: ماذا تريد واشنطن أو طهران؟ بل: ماذا نريد نحن كعرب؟ هل نملك الإرادة السياسية لصياغة موقع لنا في خريطة الشرق الأوسط الجديد؟ أم سنبقى مجرّد أدوات أو ساحات تصفية حسابات بين قوى أكبر؟

للأسف، يبدو أن كثيرا من الدول العربية قد تخلّت عن طموح الفعل، واكتفت بدور التكيّف مع إيقاع الخارج، سواء كان أمريكيا، إسرائيليا، أو حتى إيرانيا.

لكن المنطقة لا تحتمل هذا الترف بعد الآن، فما يُحاك خلف دخان الحرب اليوم، قد يُحدّد شكل النظام السياسي والأمني لعقود مقبلة، وإن لم نشارك في صياغته، فسيفرض علينا كما فُرضت حدود سايكس بيكو قبل قرن.

لسنا أمام مجرد حرب، بل أمام لحظة تأسيسية لنظام إقليمي جديد، لحظة ستُحدَّد فيها هوية الفاعلين، وحدود الأدوار، وأشكال النفوذ. وإيران ليست وحدها المعنيّة بالإقصاء أو التهميش، بل العالم العربي بأسره.

فإمّا أن نملك الشجاعة السياسية لنكون طرفا في صناعة هذا المستقبل، أو نبقى في الهامش، بينما يكتب الآخرون خرائطنا باسم "السلام والاستقرار".

مقالات مشابهة

  • الشرق الأوسط بين حربين.. تحوّلات ربع قرن وصدامات تتجدد
  • مصر والصين تؤكدان ضرورة تحييد خطر اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط
  • رتيبة النتشة: إسرائيل لا تعلن حقيقة الأهداف التي يتم إصابتها
  • إعادة تشكيل الشرق الأوسط من وراء دخان الحرب الإسرائيلية- الإيرانية
  • حرب الشرق الأوسط الجديد
  • نتنياهو.. الحرب مع إيران والعين على الشرق الأوسط كله
  • هل تنشر الولايات المتحدة  قاذفات القنابل بي-2 سبيريت في الشرق الأوسط؟
  • ملك الأردن: هجمات إسرائيل على إيران تهدد العالم
  • مجموعة السبع تدعو الى خفض التصعيد الإقليمي في المنطقة
  • الغارديان: كيف تعيد إسرائيل تشكيل الشرق الأوسط وتواجه عزلة متزايدة؟