خطة «ستيفاني» للحل السياسي في ليبيا: هل يصمد «طريق السكة»؟
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
“الخروج من الأزمة السياسية الليبية سيكون شاقا ومكلفا وطويلاُ لسببين رئيسيين.. الأول أن المسببين للصراع هم جزء من الحل.. والثاني تشابك الأسباب الأصلية للصراع مع التداعيات التي أفرزها أمد الأزمة.. ومن ثم صعوبة الفصل بينها”
تصارع المبعوثة الأممية لليبيا السيدة (ستيفاني خوري) ثلاث تحديات رئيسية إن قُدر لها النجاح في مهمتها (العصية).
وفي محاولاتها للإختلاف عن ميراث ومنهجيات (السلف) من المبعوثين الأممين السابقين التسعة وقبيل إطلالة الذكرى الثالثة لتمييع الإنتخابات الوطنية الليبية المجدولة في 24 ديسمبر 2021، قدمت المبعوثة الأممية إحاطة حول خطتها للخروج من الإنسداد السياسي والتي تضمنت الإجراءات المرتقبة لوضع خارطة طريق تنهي المرحلة الإنتقالية وتفضي في النهاية لتنظيم إنتخابات رئاسية.. ومباشرةً تم إلتقاط الإشارة على الصعيد المحلي من الطرفين السياسيين الرئيسيين مجلس النواب ومجلس الدولة وجاءت الإستجابة الفورية بالتلاقي في المغرب.. لكن المتابع للسلوك السياسي والمناورات (المكررة) لهذين المجلسين يستطيع أن يترجم لقاء المغرب إلى إستشاعرهما المشترك بأن يؤدي حراك البعثة الأممية لحلحلة الإنسداد السياسي إلى سحب تدريجي لأوراق لعبة المماطلة وتمديد المرحلة التي صارت جزء من ثقافة المجلسين .. ولذا اختارت المملكة المغربية عقد الإجتماع بنفس تاريخ الإتفاق السياسي الليبي على أرضها في الصخيرات (17/12/2015) قبل تسع سنوات وذلك في رسالة واضحة للطبقة السياسية بأنكم أضعتم قرابة عقد من الزمن تشاهدون وتشاركون في عمليات نهب وضياع ثروات بلدكم وانتهاء سيادتها واضمحلال تفاعلها وتأثيرها في محيطها الإقليمي والعالمي.. فيما بدا التململ على ثلاثي المجلس الرئاسي واختلاق المبررات والملاحظات.. وارتفع منسوب القلق والتصريحات المتشنجة لدى حكومة الوحدة الوطنية.
تختلف الأطراف السياسية الليبية المسيطرة على العملية السياسية على كل شيء.. ولكنها تتفق على شيء واحد وهو الإستمرار في مواقعها لأطول فترة ممكنة حيث متعة السلطة ونكهة النفوذ والمزايا.. يشجعها على ذلك حالة الإستسلام الشعبي للواقع.. متزامنة مع توافق ضمني للقوي الإقليمية والدولية التي تشكل المشهد السياسي الليبي على نفس المعادلة.. هذا التوصيف للواقع السياسي هو نتاج طبيعي لموروث (مؤسف) من التاريخ السياسي للدولة الليبية وقد بلغت نيف وسبعين عاماً.. فلا مكان أو معنى لمفهوم وآلية التداول السلمي للسلطة.. فالتغيير السياسي في ليبيا له وجهين لا ثالث لهما.. إما صفقة أو صدمة.. فمن يصل للسلطة يمنح الشرعية لنفسه إلى أن تُنتزع منه.. ومع إطلالة مرحلة فبراير صار هناك متلازمة من ثلاث (حاءات) يتقلب بينها المشهد السياسي.. (حرب وحوار وحكومة).. حرب تقود إلى حكومة.. والحكومة تمهد لحرب.. وحوار يمنح الشرعية للمرحلة.. وستثبت الأيام للسيدة (ستيفاني) ومن يخلفها أنه لا مناص من الإسترشاد بهذه الخلاصة من التجربة السياسية الليبية في الإنتقال والتحول.
تحت وطأة الظروف الإقتصادية الخانقة والإستشراء الفاضح للفساد والإنقسام المؤسساتي والجغرافي للدولة الليبية وتآكل السيادة الوطنية أصبحت الأولوية لدى النخب السياسية والثقافية والإجتماعية والقوى الوطنية وعموم الشعب للخروج من حالة الإنسداد السياسي هي غل يد المؤسسات السياسية (الجاثمة) وتشكيل حكومة موحدة (قادرة) على تنظيم الإستحقاقات الإنتخابية لتجديد الشرعية السياسية.. ومن ثم يصبح الدخول إلى مبني رئاسة الوزراء المقر الحكومي العتيق ب (طريق السكة) في طرابلس هدف مشروع لكل الطامحين والطامعين في تولي السلطة في ليبيا.. ومهما تم تطويقه بالتحصينات والأسوار الحديدية والأقواس الأمنية فإن أمواج التغيير قادمة إليه لا محالة.. لأن ذاك المبنى من الزجاج إعتاد أن يرمي الناس بحجارة من التضليل والأوهام بالعيش الكريم.. ولذا لكي يكتب النجاح لمهمة السيدة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة وخطتها المتكاملة للمرحلة السياسية المقبلة فالآلية لوصول رئيس حكومة إلى مبنى طريق السكة لن تكون إلا نتيجة (صفقة) سياسية إقليمية بأدوات محلية.. أو الإنزلاق للتغيير بالصدمة والعنف وفق المدرسة السياسية الليبية للتغيير.
ولتجاوز الصدام والإحتراب كوسيلة لتغيير المشهد السياسي المسدود.. فإن نموذج الرأسين (غسان سلامة – ستيفاني ويليامز) لإدارة البعثة الأممية للدعم قريباً سيكون فاعلاً إذا ما تبنت المبعوثة الحالية مقاربة من ثلاث مراحل متتالية تبدأ من تجربة سابقتها (ستيفاني ويليامز) بـ(الترويض) للطبقة السياسية المسيطرة.. يليها (تفكيك) الكيانات السياسية الثلاثة و(ملحقاتها) المستمدة للشرعية (حصراً) من إتفاق الصخيرات وجنيف وإضعاف روابطها المصلحية.. ثم ترتيب (انقلاب) ناعم عليها بملكية ليبية ورعاية أممية.. وترتيبات جديدة نحو الانتخابات.
المبعوثة الأممية أمامها فرصة للتسوية عبر تلافي أخطاء سابقيها من المبعوثين.. بتصميم العملية السياسية المرتقبة على ستة مرتكزات:
اعتماد آلية ومنهجية رصينة لهيكلة اللجنة الاستشارية تضمن تنوع واسع للأطراف الممثلة في الحوار من القوى المؤثرة (الخشنة) والمتأثرة (الناعمة) بالصراع السياسي.. ليشمل القوى السياسية والأمنية وأطياف واسعة من المجتمع المدني. اختيار أعضاء اللجنة الاستشارية وفق معايير الجدارة والخبرة والكفاءة والنزاهة والابتعاد عن العشوائية والمعايير الهلامية.. ومراعاة الأبعاد الديموغرافية والجغرافية والعمرية والفئوية الرئيسية. عدم الاستفراد بفكرة نزع السلطة التنفيذية (الحكومة) بمعزل عن سحب الشرعية من المؤسسات السياسية الثلاثة الأخرى أو العمل على تجميدها لتفادي استمرار حلقة تغيير الحكومات وإعادة إنتاجها والابتعاد عن إجراء الانتخابات. أن تشتمل أجندة خارطة الطريق للحل السياسي قضايا الحكم المحلي وتوزيع عوائد الموارد السيادية وملف الأمن الوطني. حسم معضلة الأساس الدستوري لتنظيم الانتخابات الوطنية قبل انفضاض ملتقى الحوار السياسي لتفادي قيام السلطة التنفيذية القادمة بإجهاض العملية الإنتخابية نتيجة الفراغ الدستوري والعودة للمربع الأول. وضع ضوابط وإجراءات عملية حاسمة تلجم تغول السلطة التنفيذية وتجاوز مدة ولايتها وتنفيذ سيناريو (ما ذا لو فشلت خارطة الطريق) والتعاطي مع الإخفاق وهو الأمر الذي وقعت في فخه العملية السياسية برمتها.الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: السیاسیة اللیبیة المشهد السیاسی
إقرأ أيضاً:
كيف ولماذا حَلَّ أعظمُ أيام اليمن الوطنية ضيفا يتيما على مائدة اللئام؟
يوم الخميس الماضي، الثاني والعشرين من أيار/ مايو، حلت الذكرى الخامسة والثلاثون للعيد الوطني للجمهورية اليمنية، وهو اليوم الذي أُعلن فيه العام 1990 من مدينة عدن في جنوب البلاد، إعادة توحيد اليمن من دولتين: الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، لتكون واحدة من أعظم الإنجازات التي حققها اليمنيون على الرغم من التحديات الهائلة التي كانت تقف أمام هذه الخطوة الاستثنائية، وها هي المناسبة تعود مثل يتيم على مائدة اللئام.
فقد حلت ذكرى هذه المناسبة الوطنية العظيمة، في بيئة وطنية متصدعة بفعل الاستثمارات الإقليمية السخية وسيئة النية التي تم ضخها لاستزراع أكثر الأطراف المحلية سوءا وأكثر المشاريع السياسية تهديدا للمركز القانوني للجمهورية اليمنية، إلى درجة أن وزير الخدمة المدنية في الحكومة الشرعية المحسوب على المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، أعلن صراحة عدم احتساب يوم الثاني والعشرين من أيار/ مايو يوم إجازة رسمية، في مخالفة صريحة للدستور والقانون، مستغلا النفوذ الأمني والعسكري للمجلس الانتقالي في العاصمة السياسية المؤقتة عدن.
ينحشر المشروع الوطني ضمن خيار واحد لا ثالث له، وهو القتال حتى استعادة نفوذ الدولة، وإنهاء المشاريع الانقلابية والانفصالية، وهو خيار يواجه التعقيدات ذاتها المرتبطة بشح الإمكانيات، وبالأنانية الإقليمية وحالة الازدراء التي يتعرض لها اليمنيون وسلطتهم الشرعية، وهو الحصاد المر للتفريط الذي تورط فيه رؤساء وقادة وأحزاب
لا يعكس موقف هذا الوزير هشاشة السلطة الشرعية فحسب، بل أيضا يرسخ القناعة حول كارثية الدور الإقليمي الذي فرض "اتفاق الرياض" ثم تنصل عن مسؤولية تنفيذه كاملا بشقيه السياسي والعسكري-الأمني، ولا يزال يستثمر في هذه الهشاشة، ويحرص فقط على البعد الشكلي الذي تمثله الشرعية دون أي التزامات اقتصادية أو مالية أو عسكرية على الأرض تجاه هذه السلطة، خصوصا في ظل الإصرار على تعطيل الموارد السيادية التي تقع تحت نفوذها الاسمي، وكان يفترض أن تمول الحكومة بالعائدات النقدية لهذه الموارد، النفقات التشغيلية والمرتبات وتؤمن اعتمادات الاستيراد السلعي.
وفي حين يمضي بعضُ أطراف الشرعية في الهدم العبثي لقدرات وسلطات ونفوذ هذه السلطة، والاستمرار في فرض جريمة الانفصال، التي يجري التطبيع معها بشكل صريح وواضح على المستوى الإقليمي، كما يجري التطبيع مع "السلطات" في صنعاء، ينحشر المشروع الوطني ضمن خيار واحد لا ثالث له، وهو القتال حتى استعادة نفوذ الدولة، وإنهاء المشاريع الانقلابية والانفصالية، وهو خيار يواجه التعقيدات ذاتها المرتبطة بشح الإمكانيات، وبالأنانية الإقليمية وحالة الازدراء التي يتعرض لها اليمنيون وسلطتهم الشرعية، وهو الحصاد المر للتفريط الذي تورط فيه رؤساء وقادة وأحزاب، ولا يزال يستقطب أعددا من الانتهازيين والساعين وراء المكاسب الأنانية والشخصية.
في مدينة تعز، وتزمنا مع حلول الذكرى الـ35 للعيد الوطني، انتعش الأمل باللقاء الموسع الذي جمع لأول مرة أكثر من 500 من قادة المقاومة الشعبية من مختلف محافظات البلاد، فيما يمثل الخطوة الأكثر عملية في مسعى التيار الوطني الواسع نحو اجتراح مقاربة تزاوج بين مرجعيات الحل المتفق عليها وطنيا ودوليا، بما فيها مخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن الدولي، وبين الإرادة الشعبية المستقلة والمستندة إلى استعدادات ميدانية لخوض معركة الخلاص.
تتلاشى السلطة الشرعية بشكل مخيف، وينحدر بعض أطرافها (الانتقالي) إلى ممارسات صبيانية تؤذي المشاعر الوطنية. والمحصلة أننا أمام محصلة بائسة للدور الإقليمي وللتدخل الأمريكي وللمقاربات الغربية التي لعبت دورا أساسيا في التشويش على القضية الجوهرية للصراع في اليمن
أن يأتي هذا التحرك من مدينة تعز فللأمر ما له من دلالات مهمة، أولها أن تعز تتغلب شيئا فشيئا على مخطط الحصار الشامل الذي صُمم في لحظة استهداف محلية وإقليمية ودولية بشعة؛ لهذه المحافظة وأبنائها، تزامنت مع عنفوان الثورة المضادة التي رأت في تعز خطرا ديمقراطيا شعبيا ينبغي احتواؤه وشيطنته والتحكم المطلق به.
جرى ذلك من خلال زرع العناصر المتطرفة وتمويلها ومأسستها ومن ثم وصمها بالإرهاب (كتائب أبو العباس)، ومن خلال تصميم معركة لم تستهدف طرد الحوثيين من المديريات الساحلية للمحافظة، بقدر ما خططت للتحكم بهذه المديريات وبموقعها الاستراتيجي على جنوب البحر الأحمر وباب المندب، حتى أن الإمارات أنشأت مطارا في جزيرة ميون التابعة للمحافظة والواقعة على باب المندب، دون أي معلومات بشأن مصير هذا المطار وعلاقته بسلطة المحافظة وبالسيادة الوطنية للدولة اليمنية.
إن أكثر ما يعاني منه هذا البلد هو التحكم الخارجي السهل وقليل الكلفة، مما يجعل من خيار المقاومة الشعبية أمرا ضروريا لتجاوز قيود السلطة والتهميش المتعمد للقوات المسلحة اليمنية (الجيش الوطني) وارتهان التشكيلات المسلحة المحسوبة على الشرعية، ورغبة في اختصار هذه المرحلة شديدة الخطورة من تاريخ شعبنا، التي تمضي فيها جماعة الحوثي في استراتيجية التمكين عبر الانخراط في حرب إسناد غزة، عبر الصواريخ، بعد أن توقفت عن استهداف "السفن المعادية" في البحر الأحمر، تحت وطأة الضربات المميتة للطيران الأمريكي.
وفي المقابل تتلاشى السلطة الشرعية بشكل مخيف، وينحدر بعض أطرافها (الانتقالي) إلى ممارسات صبيانية تؤذي المشاعر الوطنية. والمحصلة أننا أمام محصلة بائسة للدور الإقليمي وللتدخل الأمريكي وللمقاربات الغربية التي لعبت دورا أساسيا في التشويش على القضية الجوهرية للصراع في اليمن، وهي أنها مرتبطة بحاجة الشعب اليمني لإنهاء الانقلاب وكل المشاريع التي جر إليها خلال السنوات الماضية من زمن الحرب.
x.com/yaseentamimi68