تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق «أرض النفاق».. ينتقد الأخلاق المزدوجة فى المجتمع منذ 74 عامًا75 عامًا على «نائب عزرائيل».. يطرح الموت برؤية فكاهية فلسفية

 

دائماً ما وجدت في أعمال يوسف السباعي عالماً خاصاً يأسر القارئ بين طياته، حيث يمزج ببراعة بين الخيال العميق والفكر الفلسفي، بأسلوب يجمع بين الفكاهة والتأمل.

. قراءتي لرواياته وقصصه، تجعلني أغوص في أبعاد جديدة للحياة والإنسان، وأعيش مع شخصياته التي تبدو حقيقية رغم غرابة أحداثها.

ومن بين أبرز الأعمال التى تركت أثرًا عميقًا فى نفسي، رواية "نائب عزرائيل" التى حملتنى إلى عالم الموت وما وراءه برؤية فريدة ومبتكرة، و"أرض النفاق" التى كشفت لى عن أزماتنا الأخلاقية والاجتماعية بأسلوب نقدى ساخر لا يخلو من العمق.

أما المجموعة القصصية "من العالم المجهول"، فقد أضافت بعدًا رمزيًا وفلسفيًا لرؤية السباعى للعالم، حيث استثمر الغموض والرعب لطرح تساؤلات إنسانية عميقة.

وخلال السطور التالية، سنتعرف على تفاصيل هذه الأعمال الثلاثة وما يجعل كلا منها رحلة أدبية مميزة تستحق القراءة والتأمل.

نائب عزرائيل.. التأمل فى مغزى الموت

رواية "نائب عزرائيل"، صدرت فى ١٩٤٧، وهى إحدى تلك الأعمال التى تتميز بتقديم رؤية فلسفية عن الموت والحياة من خلال قالب فكاهى وساخر.

تدور أحداث الرواية حول شخصية يوسف، الذى يُقبض على روحه عن طريق الخطأ من قبل ملاك الموت، عزرائيل.

يدخل يوسف إلى عالم ما وراء الموت، حيث يجد نفسه فى مواجهة مع عزرائيل الذى يصرح له بأن مهمته قد فشلت فى قبض روحه فى الوقت المحدد.

من هنا، يعرض عزرائيل على يوسف أن يصبح نائبه فى مهمته، لكن يوسف يرفض الفكرة، متخذاً قرارًا بالمغامرة فى عالم الأرواح والسعى لاكتشاف أسرار هذا العالم المجهول

الرواية لا تقتصر على مجرد تسلسل للأحداث بل تتعمق فى الأسئلة الفلسفية المتعلقة بالوجود والموت.

يظهر عزرائيل فى الرواية ليس كملاك مخيف بل كشخصية محبطة ومحبطة أيضًا، ما يعكس فكرة السباعى حول انعدام القداسة فى بعض المفاهيم التقليدية، مثل الموت.

تقديم هذه الشخصية بشكل ساخر، يجعل من القارئ يتساءل عن مغزى الموت ودوره فى حياة الإنسان

إحدى السمات الفريدة للرواية هى مزجها بين الفكاهة العميقة والرمزية القوية، فمن خلال هذا المزج، يستطيع السباعى أن يعكس مأساة الإنسان الوجودية بطريقة مسلية، ولكنها تعكس أيضًا حقيقة أن الإنسان يظل مشدودًا إلى حياته رغم اقتراب الموت.

القارئ فى النهاية، يجد نفسه يتأمل فى مفاهيم الموت والحياة من زاوية أخرى، حيث يتجلى الموت ليس كنهاية ولكن كبداية لأسئلة لا تنتهي.

أرض النفاق.. نقد اجتماعى واستهزاء بالأخلاق

فى رواية "أرض النفاق"، التى صدرت فى ١٩٤٩، يقدم يوسف السباعى صورة نقدية لواقع اجتماعى يتسم بالتناقضات الأخلاقية والنفاق الاجتماعي.

القصة تروى عن بطل الرواية الذى يكتشف دكانًا غريبًا لبيع "أقراص الأخلاق"، وهى أقراص غريبة تمنح الشخص المتناول لها القدرة على تغيير شخصيته ومواقفه وسلوكه.

يعكف البطل على تجربة هذه الأقراص، ليشهد تغييرات جذرية فى طباعه وسلوكه، وبالتالى يعرض لنا السباعى مزيجًا من الكوميديا والفلسفة الاجتماعية التى تسلط الضوء على الأزمات الأخلاقية فى المجتمع المصري.

رواية "أرض النفاق" تتعامل مع قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، حيث تظهر كيف أن المجتمع مليء بالنفاق، وأن الكثير من القيم التى نعتقد أنها تمثل أساسيات المجتمع هى مجرد أفكار مفروضة علينا دون أى وعى أو قناعة حقيقية.

من خلال تناول البطل لتلك الأقراص، يكشف السباعى كيف يمكن للإنسان أن يغير من طباعه وفقًا لمتطلبات البيئة من حوله، وكيف أن المجتمع نفسه هو الذى يصنع هوياتنا، بعيدًا عن مبادئنا الحقيقية.

السباعى فى هذه الرواية لا يتخذ من النفاق موضوعًا للسخرية فحسب، بل هو يسلط الضوء على تأثيراته المدمرة على النسيج الاجتماعي، حيث تتحول العلاقات الإنسانية إلى مجرد مصالح شخصية يتبادلها الناس دون أى اعتبار حقيقى للقيم الإنسانية.

الرواية تحث القارئ على التأمل فى مدى تمسكه بالقيم الأخلاقية، وتدعوه للتساؤل: هل نحن فعلاً نعيش وفقًا لهذه القيم، أم أنها مجرد قناع نرتديه لتلبية رغبات المجتمع؟

فى النهاية، يوضح السباعى أن أزمة الأخلاق ليست مجرد أزمة فردية، بل هى أزمة متأصلة فى المجتمع نفسه، حيث يتحول الجميع إلى منافقين يعيشون فى "أرض النفاق".

من العالم المجهول.. الرعب فى فهم النفس البشرية

إلى جانب رواياته الطويلة، لا يمكننا إغفال مجموعة القصص القصيرة التى قدمها يوسف السباعى فى مجموعته "من العالم المجهول" التى تصدرت فى الخمسينيات، حيث يتناول السباعى فى هذه المجموعة موضوعات غريبة ومثيرة مثل الجن، الأشباح، والعفاريت، لكنه لا يفعل ذلك من باب الإثارة أو الرعب، بل يسعى لاستخدام هذه العناصر لاستكشاف أغوار النفس البشرية.

تأتى القصص فى هذه المجموعة، لتكون بمثابة مغامرات عقلية أكثر منها مواقف واقعية، فهى لا تقدم الرعب كهدف رئيسي، بل تسعى إلى دفع القارئ للتفكير فى الوجود الإنسانى والعلاقة بين ما هو مادى وما هو روحي.

استخدام الرمزية فى هذه القصص يعكس قدرة السباعى على استخدام الأدب كوسيلة لفهم المجهول، حيث إن الغموض والخوف اللذين يتسللان إلى نفوس شخصياته يعكسان قلق الإنسان من المجهول والموت والغياب.

من خلال هذه المجموعة، يعرض السباعى رؤية عميقة لفكرة الخوف والتردد، مما يعكس من جديد اهتمامه بأسئلة الوجود وما يتعدى المحسوس والمادي.

يوسف السباعى لم يكن مجرد كاتب قصص وروايات، بل كان صاحب رؤية نقدية وفلسفية تسعى إلى فتح أبواب التفكير النقدى حول القضايا الإنسانية الكبرى.. سواء كان ذلك من خلال الفكاهة العميقة فى "نائب عزرائيل"، أو النقد الاجتماعى الجاد فى "أرض النفاق"، أو من خلال استكشاف الرمزية فى "من العالم المجهول"، فإن السباعى كان دائمًا فى قلب الأزمات الفلسفية والاجتماعية، ساعيًا لفهم أعمق للواقع البشري.

ما يميز أعمال “يوسف السباعي” هو قدرتها على الجمع بين الجوانب الأدبية الممتعة والفكر العميق الذى يدفع القارئ للتساؤل عن حياته، قيمه، وأخلاقه.

رغم مرور الزمن، تظل رواياته محط اهتمام وإلهام للكثير من القراء الذين يتطلعون لفهم أعمق للإنسان ومجتمعه.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: يوسف السباعي أرض النفاق العالم المجهول النفس البشرية أعمال يوسف السباعي أرض النفاق من خلال فى هذه

إقرأ أيضاً:

ﻏﺰة.. ﺗﻮاﺟﻪ الموت ﺑﺮداً

تجمد الطفلة «رهف أبوجزر».. وغرق خيام النازحين وتحذيرات من تفشى الأوبئة
الأونروا: تسونامى إنسانى يجتاح القطاع يفوق قدرة منظمات الإغاثة الدولية 

 

فتح البرد فصلاً جديدًا من فصول الموت فى قطاع غزة المُحاصر، حيث تتكامل قسوة الطقس مع فصول الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطينى. ملايين الأرواح تُركت تحت رحمة البرد والجوع والخيام الممزقة، فى ظل عجز كامل للمنظمات الإنسانية عن توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة.
فالأطفال لا يعرفون معنى اللعب، بل يعرفون فقط كيف يهربون من الغرق، وكيف يقفون على قطعة تراب صغيرة لئلا يبتل جسدهم أكثر. وتختل أجسادهم وتزهق أرواحهم بفعل الجوع والبرد فالموت هنا يتلون مع كل مرحلة من مراحل الإبادة الجماعية.
ارتقت الصغيرة «رهف أبوجزر» شهيدة متجمدة. بعد أن فقدت روحها ذات الـ8 شهور فى ليلة قاسية هى الثانية التى يعيشها قطاع غزة. وسط اغراق مياه الأمطار لمخيمات النزوح تزامنًا مع تأثر فلسطين بمنخفض جوى عميق يستمر حتى ساعات مساء اليوم الجمعة، فى ظل أجواء باردة ودرجات حرارة متدنية.
واكد شهود عيان أنّ خيمة عائلة الرضيعة تضررت بفعل المنخفض الجوى وقوية الرياح وغزارة الأمطار، ما أدى إلى انخفاض حاد فى درجة حرارتها وسط غياب وسائل التدفئة والرعاية الصحية.
وهذه ليست حالة الوفاة الأولى إذ ارتقى العشرات من الأطفال خلال فصل الشتاء الماضى نتيجة البرد القارس، وانعدام الرعاية الصحية اللازمة، وسط استمرار الحصار الإسرائيلى.
سبق رهف الطفل زاهر ابو شامية الذى استشهد دهسا قرب الخط الأصفر شرق مدينة غزة  بعدما أطلق الاحتلال النار عليه وتركه ينزف فقامت إحدى الدبابات. بداية والمرور عليه ومنع إنقاذه فيما استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين برصاص الاحتلال فى عدة مناطق.
كما رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلى السماح لطفل (5 سنوات) بالسفر من رام الله لتلقى علاجٍ منقذ للحياة من مرض السرطان فى مستشفى «تل هاشومير»، بحجة أن عنوانه مسجل فى غزة.
واوضحت منظمة «غيشا - مسلك» فى التماسها أن عائلة الطفل انتقلت إلى رام الله عام 2022 لتلقى العلاج الطبى، الذى أصبح غير فعال حاليا، بينما يحتاج الطفل بشكل عاجل إلى عملية زرع نخاع عظمى لا تتوفر فى الضفة المحتلة أو القطاع.
وقالت الارصاد الجوية الفلسطينية إن منخفض بايرن الجوى على فلسطين يشتد ويطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة، لذا يكون الجو باردًا وماطرا وعاصفا، وتسقط الأمطار على كافة المناطق وتكون غزيرة ومصحوبة بعواصف رعدية وتساقط البرد أحيانا.
وأظهرت مقاطع فيديو دخول مياه الأمطار إلى الخيام، بينما يُحاول النازحون إنقاذ ما تبقى من فراش وأغطية وحماية أطفالهم من الغرق والأجواء الباردة.
واشتكى النازحون فى عدة مناطق بالقطاع المنكوب من دخول المياه إلى أماكن نوم الأطفال والنساء والشيوخ فى الخيام، مؤكدين أن كل إجراءات الحماية فشلت أمام المنخفض الجوى والأمطار الغزيرة.
وحذر مدير عام صحة بغزة منير البرش من وفاة أطفال وكبار سن ومرضى جراء انخفاض درجات الحرارة داخل خيام النازحين التى غمرتها الأمطار.
وأوضح أن الرطوبة والمياه داخل الخيام تهيئ بيئة لانتشار أمراض الجهاز التنفسى بصفوف النازحين فيما يعجز المرضى عن الحصول على أى رعاية صحية.
وسجل الدفاع المدنى الفلسطينى غرق مخيمات بأكملها فى منطقة المواصى بخان يونس.
ومنطقة «البصة والبركة» فى دير البلح ومنطقة «السوق المركزى» فى النصيرات وفى منطقتى «اليرموك والميناء» فى مدينة غزة.
وتلقى منذ بدء المنخفض أكثر من 2500 إشارة استغاثة من نازحين تضررت خيامهم ومراكز إيوائهم فى جميع محافظات قطاع غزة.
واكد أن الفلسطينين بأطفالهم ونسائهم يغرقون الآن وتجرف الأمطار خيامهم رغم المناشدات والنداءات الإنسانية العديدة التى أطلقت لإنقاذهم قبل أن نرى هذه المشاهد المأساوية فى المخيمات.
وأعلن الدفاع المدنى الفلسطينى إجلاء نازحين من عشرات الخيام بعد غرقها الكامل، إثر الأمطار الغزيرة جنوبى القطاع، وحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية فى حال استمرار المنخفض الجوى الجديد مع عدم وجود مساكن مؤقتة تؤوى النازحين. مع استمرار انتهاك الاحتلال الإسرائيلى لاتفاق وقف إطلاق النار. 
وأشار مدير المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة إسماعيل الثوابتة، إلى تفاقم الكارثة الإنسانية التى يعيشها النازحون فى مخيمات القطاع، مع تضرر أكثر من 22 ألف خيمة بشكل كامل جراء المنخفض، بما يشمل الشوادر ومواد العزل والبطانيات.
وأكد أن نحو مليون والنصف نازح يعيشون أوضاعًا قاسية داخل مخيمات الإيواء، بينما تقيم مئات آلاف العائلات داخل خيام مهترئة تضررت بفعل حرب الإبادة وبفعل العواصف الأخيرة.
وأوضح أن قطاع غزة بحاجة فورية إلى 300 ألف خيمة جديدة لتأمين الحد الأدنى من الإيواء، فى حين لم يدخل إلى القطاع سوى 20 ألف خيمة فقط منذ بدء الأزمة.
وشددت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، على أن هطول الأمطار فى القطاع يحمل مصاعب جديدة ويفاقم الأوضاع المعيشية المتردية أصلا ويجعلها أكثر خطورة.
وأشارت «أونروا» فى تصريحات صحفية إلى أن البرد والاكتظاظ وانعدام النظافة فى القطاع تزيد خطر الإصابة بالأمراض والعدوى.
وأكد المستشار الإعلامى لوكالة «أونروا» عدنان أبو حسنة: أن الوضع الإنسانى فى قطاع غزة بلغ مرحلة غير مسبوقة، واصفًا ما يجرى بأنه «تسونامى إنسانى» يفوق قدرات الوكالة والمنظمات الإغاثية، فى ظل منع الاحتلال إدخال المستلزمات العاجلة رغم النقص الحاد فى الإمدادات منذ وقف إطلاق النار.
وسلطت صحيفة الجارديان البريطانية، الضوء على انتقادات وكالات الإغاثة الدولية لاستمرار فرض الاحتلال الإسرائيلى قيودا مشددة على شحنات المساعدات إلى قطاع غزة رغم مضى شهرين على إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.
وأبرزت صحيفة الجارديان البريطانية أن وكالات الإغاثة الدولية لا تزال تنتقد القيود الإسرائيلية المشددة على دخول المساعدات رغم مرور شهرين على إعلان وقف إطلاق النار. وذكرت الصحيفة أنه تم إدخال أكثر من 9000 طفل إلى المستشفيات فى أكتوبر الماضى فقط بسبب سوء التغذية الحاد.
وقالت تيس إنجرام، المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف): «فى مستشفيات غزة، التقيت بالعديد من الأطفال حديثى الولادة الذين كان وزنهم أقل من كيلوجرام واحد، وكانت صدورهم الصغيرة تنتفخ بسبب الجهد المبذول للبقاء على قيد الحياة».

 

مقالات مشابهة

  • أزمات متلاحقة تضرب الزمالك.. من سحب الأراضي إلى رحيل الأجانب وتجميد مشروع مطروح
  • مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف
  • فرنسا متخوفة من التهديد الإسرائيلي للبنان.. واجتماعات ثلاثية في باريس الاسبوع المقبل
  • ﻏﺰة.. ﺗﻮاﺟﻪ الموت ﺑﺮداً
  • رسالة إلى العالم الآخر
  • وساطة عُمانية ثلاثية الأبعاد لإنقاذ لبنان.. السفير الأميركي: المفاوضات لا تعني توقف إسرائيل
  • بابا الفاتيكان يتأمل في سر الموت: عبور الإنسان نحو النور الأبدي
  • رزان مغربي تواجه الموت بعينيها.. كيف نجت من حادثة سقف الفندق الصادمة؟
  • واشنطن تسعى لعقد قمة ثلاثية بين ترامب ونتنياهو والسيسي
  • وزارة العمل تُطلق ورشة تشاورية ثلاثية لتعزيز إعداد الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية