ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟، سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية خلال بيانها المعنى الصحيح لقرب النبي عليه الصلاة والسلام من الله تعالى في رحلة المعراج.

المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج

وقالت إن دُنُوُّ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم من ربه سبحانه وتعالى في رحلة المِعراج واختراقه الحجب وبلوغه أعلى المنازل والدرجات، إنَّما هو دنُوُّ تشريف وكرامة، وليس انتقالًا أو قطع مسافة؛ قال الإمام القُشيري في "لطائف الإشارات" (3/ 481، ط.

الهيئة العامة): [«فَتَدَلَّى»: تفيد الزيادة في القرب، وأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي دنا من ربّه دنوّ كرامة، وأنّ التدلِّيَ هنا معناها السجود] اهـ.

الرد على من زعم إثبات الجهة لله تعالى مستدلا برحلة المعراج
قد صنَّف العلماء قديمًا وحديثًا في نفي الجهة عن الله سبحانه تعالى، وخصصوا الأبواب والفصول في الرد على من يدَّعي ذلك من الجهمية المُجسمة والمشبهة ومن على شاكلتهم ممن يتعلَّقون بالظواهر التي دلت الأدلة القطعية على أنها غير مرادة على جهة الحقيقة؛ فخصص الإمام البخاري بابًا في "صحيحه" للرد على الجهمية المجسِّمة المتعلقين بظاهر الآيات والأحاديث، فقال: (باب قول الله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: 4]، وقوله جل ذكره: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وقال أبو جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: بلغ أبا ذر رضي الله عنه مبعثُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لأخيه: "اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء"، وقال مجاهد: "العمل الصالح يرفع الكلم الطيب" يقال: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: 3]: «الملائكة تعرج إلى الله»).

قال العلّامة ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (10 /453، ط. مكتبة الرشد): [غرضُه في هذا الباب: رد شبهة الجهمية المجسمة في تعلقها بظاهر قوله تعالى: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 3-4]، وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وما تضمنته أحاديث الباب من هذا المعنى، وقد تقدم الكلام في الرد عليهم؛ وهو: أنَّ الدلائل الواضحة قد قامت على أن الباري تعالى ليس بجسمٍ، ولا محتاجًا إلى مكان يحلُّه ويستقر فيه؛ لأنه تعالى قد كان ولا مكان، وهو على ما كان ثم خلق المكان، فمحال كونه غنيًّا عن المكان قبل خلقه إياه، ثم يحتاج إليه بعد خلقه له، هذا مستحيل، فلا حجة لهم في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾؛ لأنه إنما أضاف المعارج إليه إضافة فعل، وقد كان لا فعل له موجود، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ هو بمعنى: العلو والرفعة. وكذلك لا شبهة لهم في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾؛ لأنَّ صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضي كونه في جهة العلو؛ لأنَّ الباري تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرفُ هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة، فوجب أن يكون تأويلَ قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ رفعتُه واعتلاؤه على خليقته وتنزيهُه عن الكون في جهة؛ لأنَّ في ذلك ما يوجب كونه جسمًا تعالى الله عن ذلك، وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضًا واتساع؛ لأن الكلم عَرَضٌ، والعرض لا يصح أن يَفْعَل؛ لأن من شرط الفاعل كونَه حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرفُ الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به] اهـ.

وقال العلَّامة ابن المُنيِّر في "المتواري على تراجم أبواب البخاري" (ص: 424، ط. مكتبة المعلا): [وفهم من قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أنَّ العلو الفوقي مضاف إلى الحق على ظاهره، فبيَّن البخاري أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء، والحيز الذي يصدق عليه أنه عرش، كلُّ ذلك مخلوقٌ مربوبٌ محدَث، وقد كان الله ولا مكان ضرورة، وحدثت هذه الأمكنة، وحدوثُها وقِدَمُه جلَّ جلاله يحيل وصفه بالتحيز فيها؛ لأنَّه لو تحيز لاستحال وجوده قبل الحيز، مثل كل متحيز، تعالى الله عن ذلك] اهـ.

وألف الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن جَهْبَل الشافعي رسالة في "نفي الجهة"، قال فيها -فيما نقله عنه الإمام تاج الدين السبكي الشافعي في "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 46-47، ط. هجر)-: [والعروج والصعود شيءٌ واحدٌ، ولا دلالة في الآية على أنَّ العروجَ إلى سماءٍ ولا عرشٍ ولا شيءٍ من الأشياء التي ادَّعاها -يعني: ابن تيمية- بوجه من الوجوه؛ لأنَّ حقيقة العروج المستعملة في لغة العرب في الانتقال في حقِّ الأجسام؛ إذ لا تعرف العرب إلَّا ذلك] اهـ.

وهذا ما تضافر عليه المفسرون عند تعرضهم لبيان النصوص التي يوهم ظاهرها إثبات الجهة؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن"(1/ 430، ط. مؤسسة الرسالة)، في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 29]: [علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقالٍ وزَوال] اهـ.

وقال الإمام فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 639): [المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الله في مكان، إما في العرش أو فوقه بهذه الآية: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ من وجهين: الأول: أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج، وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق. والثاني: قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾، فبين أنَّ عروج الملائكة وصعودهم إليه، وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق. والجواب: لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة: ثبت أنه لا بُدَّ من التأويل. فأما وصف الله بأنه ذو المعارج: فقد ذكرنا الوجوه فيه. وأما حرف (إلى) في قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾: فليس المراد منه المكان؛ بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله: ﴿وَإِلَيِهِ يُرْجَعُ الَأمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود: 123] المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: 99] ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سدرة المنتهى من الله تعالى فی رحلة ذ ی ال م ع ار ج ال م لا ئ ک ة فی قوله الله عن على أن فی جهة

إقرأ أيضاً:

الإفتاء توضح حكم جمع الصلوات أو قصرها قبل الخروج من المنزل ووقت العمل

تحدثت دار الإفتاء المصرية الحكم الشرعي في مسألة جمع أو قصر الصلوات قبل الخروج من المنزل، وذلك ردًا على سؤال ورد من أحد الأشخاص الذي ذكر أنه يخرج من منزله وقت الظهر ولا يتمكن من الصلاة حتى يعود في وقت المغرب.

وأجابت الدار بأن من كان في حال يضطر فيها للتغيب عن أماكن الصلاة، كأن يخرج من المنزل ويستمر في التنقل أو الانشغال حتى يفوته وقت الصلاة، فيجوز له الجمع دون قصر.

 ويشمل هذا الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، سواء جمع تقديم أو تأخير، بحسب ما يتناسب مع ظروفه.

وفيما يتعلق بعدم وجود مكان مناسب للصلاة في العمل، تلقت دار الإفتاء سؤالًا مشابهًا من إحدى السيدات عبر البث المباشر، تسأل فيه عن جواز أداء الصلوات بعد العودة للمنزل، لأنها لا تجد مكانًا مستورًا للصلاة أثناء العمل بسبب وجود رجال.

حكم إمامة الصبي المُميِّز للصلاة.. الأزهر تجيبما هي الصلاة التي تحرم جسد المسلم على النار؟.. 8 ركعات اعرف توقيتهاكيف تعرف نتيجة صلاة الاستخارة؟.. الإفتاء تجيبما حكم تأخير صلاة العصر من أجل العمل؟.. أمين الفتوى يجيب

ورد الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، موضحًا أن الاعتقاد بعدم جواز صلاة المرأة أمام الرجال هو "خرافة منتشرة"، مؤكدًا أنه لا مانع شرعي من أن تصلي المرأة في مكان عام حتى لو كان فيه رجال، وأضاف أن الرجال عادة ما يحترمون من يجدونها تصلي، وينصرفون أو يفسحون لها المكان.

وأكد أن الصلاة لا يجب أن تخرج عن وقتها بسبب هذا الظرف، لأن إخراج الصلاة عن وقتها دون عذر شرعي معتبر يُعد إثمًا كبيرًا.

كما شدد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، على أن تأخير الصلوات الخمس إلى نهاية اليوم خطأ كبير، مشيرًا إلى أن الصلاة يجب أن تؤدى في وقتها طالما توافرت القدرة والفرصة لذلك، لافتًا إلى أن من يترك الصلاة يُحرم من البركة في الصحة والرزق والوقت والحياة الأسرية.

طباعة شارك دار الإفتاء الحكم الشرعي جمع أو قصر الصلوات جمع الصلوات قصر الصلاة الصلاة في العمل تأخير الصلاة

مقالات مشابهة

  • ما هدي النبي في إقامة الشعائر والتخفيف عن الناس؟ دار الإفتاء تكشف عنه
  • معتقدات باطلة .. دار الإفتاء توضح حكم التشاؤم من شهر صفر
  • الإفتاء توضح حكم جمع الصلوات أو قصرها قبل الخروج من المنزل ووقت العمل
  • حكم صلاة الغفلة وكيفيتها .. الإفتاء توضح
  • وزارة الحج توضح أماكن إتاحة الكراسي المتحركة في المسجد النبوي الشريف
  • العمل والسعي لطلب الرزق.. الإفتاء توضح مفهوم العبادة في الإسلام
  • هل تجوز الإنابة في صلاة الاستخارة؟ وما كيفيتها؟ .. الإفتاء توضح
  • هل يجوز قضاء صلاة العشاء الفائتة في الصباح .. دار الإفتاء توضح
  • دعاء الصالحين .. مُجرّبة ومستجابة تنير لك الطريق إلى الله
  • هل يجوز قول عليه السلام بعد ذكر سيدنا الحسين؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي