زيارة أمير قطر لعُمان.. تعزيز التعاون الثنائي وتأكيد على الأمن الإقليمي
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
مسقط- اختتم أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، زيارة إلى سلطنة عُمان، استمرت يومين، أجرى خلالها مباحثات مكثفة مع نظيره العماني السلطان هيثم بن طارق، تناولت سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ووفقًا لبيان مشترك صادر عن الجانبين، أشاد القائدان بالنمو المتواصل للعلاقات العُمانية-القطرية، مؤكدين أهمية استكشاف مزيد من الفرص الاستثمارية وتطويرها، وتشجيع القطاعين العام والخاص على توسيع آفاق الشراكة الاقتصادية بما يلبي تطلعات البلدين.
وشهدت الزيارة توقيع عدد من مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية في مجالات متعددة، شملت قطاعات حيوية من شأنها دعم الشراكة بين البلدين، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية.
وثمّن الجانبان دور "اللجنة العُمانية – القطرية المشتركة" في تعزيز التعاون الثنائي، وأكدا أهمية استمرار جهودها لتطوير مجالات جديدة للشراكة بما يحقق تطلّعاتهما المشتركة، بما في ذلك تشجيع المبادرات الاقتصادية والاستثمارية.
تكامل وتنسيقوفي الشأن الخليجي، أكد الزعيمان أهمية تعزيز التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي، ومواصلة الجهود الرامية إلى تحقيق مزيد من الترابط والتعاون بين الدول الأعضاء، بما يخدم مصالح شعوب المنطقة.
إعلانوناقش الجانبان القضايا الإقليمية والدولية، حيث شددا على ضرورة تسوية النزاعات بالطرق السلمية، وتعزيز الحوار والتعاون الدولي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وفي الشأن الفلسطيني، أعرب القائدان عن أملهما في التزام "طرفي النزاع" في غزة بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه لتبادل المحتجزين والأسرى، باعتباره خطوة نحو تحقيق سلام عادل وشامل. كما أكدا ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والمساهمة في إعادة إعمار غزة.
وأشاد الجانب العُماني بالدور القطري في الوساطة، والذي أسهم في التوصل إلى هذا الاتفاق بالتعاون مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأميركية. وأكد الجانبان أهمية استمرار المساعي الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
التطورات في سوريامن جهة أخرى، تناولت المباحثات الأوضاع في سوريا، حيث شدد الطرفان على ضرورة احترام سيادة الجمهورية العربية السورية، ودعم كافة الجهود والمساعي العاملة على الوصول إلى عملية انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق في الاستقرار، والتنمية والحياة الكريمة، مشددين أيضا في الوقت نفسه على أن أمن سوريا واستقرارها ركيزة أساسية من ركائز استقرار المنطقة.
ورحّب الجانبان بالخطوات التي تمّ اتخاذها لتأمين سلامة المدنيين وحقن الدماء، وتحقيق المصالحة الوطنية والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها.
شهدت الزيارة توقيع مذكرتي تفاهم للتعاون في مجالات التدريب الدبلوماسي والتنمية الاجتماعية، إلى جانب 3 برامج تنفيذية في قطاعات الثقافة والتربية والتعليم، والرياضة، والشباب.
وجاءت مذكرة التفاهم الأولى لتوطيد التعاون بين وزارتي الخارجية في البلدين، حيث وقعها من الجانب العُماني الأكاديمية الدبلوماسية، ومن الجانب القطري المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية، بهدف تعزيز تبادل الخبرات في مجالات الدراسات الدبلوماسية والتدريب. أما مذكرة التفاهم الثانية، فقد شملت التعاون في مجال التنمية الاجتماعية، وجرى توقيعها بين وزارة التنمية الاجتماعية العُمانية ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة بدولة قطر، في خطوة تهدف إلى تبادل الخبرات وتعزيز المشاريع والمبادرات الاجتماعية المشتركة. إعلانكما وقّع الجانبان برنامجا تنفيذيا للتعاون في المجالي الثقافي والتربوي بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم والتعليم العالي بدولة قطر. بالإضافة إلى برنامجين تنفيذيين للتعاون في المجالين الشبابي والرياضي بين وزارة الثقافة والرياضة العمانية والشباب ووزارة الرياضة والشباب بدولة قطر.
وفي حديث للجزيرة نت، سلّط الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي الضوء على عمق العلاقات بين البلدين. وقال إن "العمانيين في السبعينيات يتذكرون أنهم درسوا من المنهاج القطري، وهذه الذكريات تعكس التعاون التعليمي الراسخ بين البلدين".
وأوضح أن العلاقات العمانية القطرية لا تقتصر على الاقتصاد، بل تشمل الروابط الاجتماعية والعائلية، والتقارب الثقافي الذي يعكس تشابه العادات والتقاليد بين الشعبين.
وأشار الطوقي إلى أن العلاقات الاقتصادية بين سلطنة عمان وقطر متينة، إذ تشمل:
الاستثمارات السياحية المشتركة مثل مشروع "كروة" للسيارات، ومشروع رأس الحد السياحي. الاستثمارات القطرية المباشرة في عُمان، حيث تعمل أكثر من 15 شركة قطرية في السلطنة، مثل الفردان للتطوير العقاري، وبنك قطر الوطني، وأوريدو. التبادل التجاري؛ حيث ازداد التبادل التجاري البيني بين قطر وعُمان سنة بعد سنة، ونمت الاستثمارات المباشرة بين البلدين، وارتفع التداول في الأسهم والسندات في بورصتي مسقط والدوحة.وتجمع البلدين روابط تاريخية وثيقة تعود لعقود، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، شهدت الدوحة زيارة تاريخية للسلطان هيثم بن طارق، تم خلالها توقيع 6 اتفاقيات تعاون في مجالات عسكرية واقتصادية وسياحية.
وتسهم اللجنة العُمانية القطرية المشتركة، التي تأسست في عام 1995، في تعزيز التعاون المشترك والتواصل الدائم بين البلدين عبر بحث أوجه التعاون المختلفة وإيجاد الفرص الممكنة وإقامة المشروعات الاستثمارية التي تخدم المصالح المشتركة. وقد عقدت اللجنة 23 اجتماعا حتى عام 2024، مما يعكس عمق العلاقات والتعاون المستمر بين البلدين.
إعلان نمو وتعاونتشهد العلاقات التجارية بين البلدين نموا مطردا، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين عُمان وقطر أكثر من 960 مليون ريال عماني حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث سجلت الصادرات العمانية إلى قطر 205.8 ملايين ريال عماني. في حين بلغت الواردات من قطر 754.9 مليون ريال عماني، وفقا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
وتشمل الصادرات العمانية إلى قطر خامات الحديد، والكابلات الكهربائية، والحصى. بينما تستورد عُمان من قطر منتجات مثل الديزل، والمحركات النفاثة، والمعدات التقنية.
وبلغ عدد الشركات المسجلة التي تضم مساهمات قطرية نحو 214 شركة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبلغت القيمة الإجمالية لمساهماتها أكثر من 72.8 مليون ريال عماني أي ما يعادل 65.8% من إجمالي رأس المال المستثمر في هذه الشركات.
وشملت أبرز القطاعات التي استثمرت فيها هذه الشركات تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، بالإضافة إلى أنشطة الإقامة والخدمات الغذائية، والتشييد، والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية.
كما شملت الاستثمارات في الصناعة التحويلية، والخدمات الإدارية، والنقل والتخزين، واستغلال المحاجر، فضلا عن المعلومات والاتصالات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تعزیز التعاون بین البلدین ریال عمانی الع مانیة فی مجالات
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: مصر.. القلب المحرّك لوقف إطلاق النار وضامن الأمن الإقليمي
الدور المحوري لمصر
لم تكن مصر مجرد طرف على هامش الحدث، بل شكّلت المحور المحوري وصاحبة الفضل الأكبر في بلورة تفاهمات وقف إطلاق النار الحالي بين إيران وإسرائيل. ففي مشهد بالغ التعقيد، وبين تشابك موازين القوى على امتداد محاور بغداد، دمشق، بيروت، وغزة، كانت القاهرة حجر الزاوية وصمام الأمان الذي حال دون انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة، وحرب عالمية ثالثة، مؤكدةً على دورها الريادي كحارس لاستقرار محيطها، وضامن لأمنها الوطني، وصاحب صوت مؤثر على ساحة تتزايد فيها التقاطعات والتحديات.
على الصعيد الإقليمي، قادت القاهرة جهودًا دبلوماسية على أعلى المستويات، حيث أجرى الرئيس السيسي اتصالات مباشرة ومستمرة بالأطراف الفاعلة من إسرائيل إلى إيران، مرورًا بحلفائها وحلفاء الأطراف المتنازعة، مؤكدًا على ضرورة تغليب الحل السياسي وضبط النفس قبل اتساع لهيب المواجهة.
على الصعيد الدولي، نسّقت مصر مواقفها مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وكذلك الأطراف الأوروبية، سعيًا لتهيئة المناخ المناسب لوقف الأعمال العدائية قبل تمددها على محيط أوسع، مهددةً ممرات الملاحة الدولية، وفي القلب منها باب المندب وقناة السويس.
على الأرض، عملت أجهزة الدولة المصرية على تفعيل قنوات التواصل الاستخباراتي والدبلوماسي، ومارست دور الوسيط المحايد، مما مهد الطريق لفتح خطوط الحوار وتذليل العقبات، وحوّلها إلى القلب المحرّك لجهود تثبيت وقف إطلاق النار.
ليس مبالغةً القول إن مصر، بثقلها السياسي وحضورها الجيوستراتيجي، كانت المحفّز الرئيسي لنجاح هذه المرحلة، وحائط الصد الدبلوماسي الذي حال دون تمدد المواجهة على عدة محاور، مؤسِّسةً بذلك مرحلة جديدة على أرض شرق أوسط مفتوح على تحديات وضبابية المرحلة المقبلة.
وقف إطلاق النار الحالي نقطة فاصلة على خريطة الأمن القومي المصري
ليس وقف إطلاق النار الحالي بين إيران وإسرائيل حدثًا معزولًا عن محيطه، بل يحمل انعكاسات مباشرة على الأمن القومي المصري، وعلى موازين القوى التي سعت القاهرة للحفاظ عليها على مدار العقود الماضية. ففي شرق أوسط متحرك، تتداخل حدود الجغرافيا مع مصالح الأطراف، وتتقاطع ملفات الأمن، مما يجعل مصر على تماس مباشر مع مخرجات المرحلة القادمة.
تأثير المرحلة الحالية على الأمن القومي المصري
على الحدود الشرقية، تترقب مصر النتائج على الساحة الفلسطينية، حيث يتمدد تأثير وقف إطلاق النار على جبهة غزة، وتنشط أذرع المحور الإيراني عبر حماس والجهاد الإسلامي، مهددةً بفرض تحديات على ضبط الأمن على المحور الحدودي، وعلى استقرار منطقة شمال شرق سيناء.
أما على المحور الجنوبي، وعلى امتداد البحر الأحمر، تراقب مصر محاولات الحوثيين وحلفائهم توسيع رقعة نفوذهم، والتأثير على ممر باب المندب، الذي يشكل شريانًا إستراتيجياً لقناة السويس، أحد أعمدة الاقتصاد المصري.
القاهرة تدرك تمامًا أن المرحلة المقبلة تختبر محيطها الجيوستراتيجي من حدودها الشمالية الشرقية، مرورًا بليبيا والسودان، وصولًا إلى البحر الأحمر، لذلك تبني سياستها على مبدأ مزدوج:
– الأول: تعزيز جاهزيتها الدفاعية وضبط حدودها، للحيلولة دون تهريب السلاح وتسلل العناصر المسلحة.
– الثاني: توظيف قنواتها الدبلوماسية وحضورها السياسي، والسعي لترسيخ وقف إطلاق النار قبل خروجه عن السيطرة، مما يحمي مصالحها الاقتصادية والأمنية ويوفر مساحة للحوار قبل اتساع لهيب المواجهة.
ليس سرًا أن المرحلة الحالية تحمل على السطح ملامح عسكرية، حيث تبرر إسرائيل عملياتها بالسعي لردع القدرات النووية الإيرانية وضرب مراكزها المحورية قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة، مستخدمةً طائرات مسيّرة وضرب أهداف محصّنة تحت الأرض، مما يشير إلى توظيف غير مسبوق للذكاء الاصطناعي والتقنية الدقيقة.
لكن هذه المرحلة، على أهميتها، ليست سوى جزء من مسار طويل، يحاول كل طرف من خلاله رسم موازين قوى جديدة وضبط سلوك المحور الإيراني على امتداد بغداد، دمشق، بيروت، وغزة. على الطرف المقابل، تعتمد إيران على مزيج من وقف إطلاق النار المحسوب وضبط النفس، متمسّكةً بردود ميدانية عبر وكلائها، دون التورط المباشر في مواجهة واسعة، إذ تدرك حجم التكاليف الاقتصادية والسياسية التي قد تنجم عن صراع مفتوح.
خلف الحدث الحالي، تبرز أهداف طويلة المدى: – بالنسبة لإسرائيل: يتمحور الهدف حول تحجيم القدرات النووية والتقنية لإيران، وضرب محورها المحيط، بل والدفع نحو إمكانية زعزعة النظام من الداخل على المدى الطويل.
– بالنسبة لإيران: يتمحور الهدف حول الحفاظ على دورها كحاضنة لقوى المحور، وضبط موقعها كقوة محورية على خريطة الشرق الأوسط، وتعزيز نفوذها السياسي قبل التقني، على أمل تثبيت مكانتها وضبط إيقاع المرحلة القادمة على امتداد محيطها الحيوي.
القوة الدولية تراقب المشهد بترقب وحذر. ففي الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة دعمًا مباشرًا لإسرائيل، تبدي تحفظًا على التصعيد المباشر، خشية اتساع دائرة المواجهة على عدة جبهات، مما يشعل المنطقة برمتها ويهدد مصالحها الاقتصادية، وكذلك مسارات الملاحة الدولية. القوى الأوروبية، من جانبها، تدعو إلى تثبيت وقف إطلاق النار وضبط المرحلة القادمة، بينما تترقب روسيا وحلفاؤها مداخل تسمح بتوسيع دورها على رقعة النفوذ شرقًا وغربًا.
ليس ما نراه على السطح سوى مظهر لصراع عميق على تعريف الدور، وضبط موازين القوى، وإعادة رسم ملامح النظام الإقليمي الجديد. إسرائيل تبحث عن ضمان تفوقها وضبط المحور الإيراني، بينما تعتمد طهران على توازن حساس من وقف إطلاق النار المحسوب والدبلوماسية، للحفاظ على دورها المحوري وضبط مواقفها على امتداد محيطها الحيوي.
بنود اتفاق وقف إطلاق النار
تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار عبر مسار تفاوضي محكم، قادته مصر بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة، وبدعم مباشر من قطر، حيث أُعلن عنه رسميًا مساء 23 يونيو 2025. تضمن الاتفاق جدولًا زمنيًا على عدة مراحل، يبدأ بوقف إيران لجميع عملياتها العسكرية أولًا، على أن تلتزم إسرائيل بوقف عملياتها بعد 12 ساعة، ثم يُعلن عن تثبيت وقف الأعمال العدائية على الجانبين بعد مرور 24 ساعة على سريان المرحلة الأولى. ورغم هشاشة المرحلة وحساسيتها، شكّل الاتفاق نقطة فاصلة وضابطًا مؤقتًا لتهدئة التصعيد، ممهِّدًا الطريق نحو تفاهمات أوسع، وضامنًا عدم انزلاق المواجهات إلى حرب شاملة تهدد استقرار الشرق الأوسط برمته.
خلاصة المشهد الحالي بين هذه الحسابات، تبرز مصر كحائط صد وضامن لاستقرار محيطها، تبحث عن حماية مصالحها الوطنية قبل كل شيء، وتعزيز دورها المحوري على ساحة تتزايد تعقيدًا وضبابية. إنه مشهد مفتوح على كل الاحتمالات، لن يُحسم بالسلاح وحده، بل بتفاهمات طويلة وحوار على عدة محاور، تحدد ملامح المرحلة القادمة وتكتب قواعد المرحلة على أرض شرق أوسط جديد.