تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق - كتاب يبحث عن العدالة الاجتماعية وإنصاف العمال منذ قرن ونصف
 

يُعد كتاب «رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي» (Das Kapital) أحد أهم الأعمال الفكرية في تاريخ الفلسفة والاقتصاد، ألفه الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس. 

يتناول الكتاب تحليل النظام الرأسمالي بعمق، موضحًا آليات الاستغلال، تراكم رأس المال، والآثار الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية.

تم نشر المجلد الأول عام 1867، بينما نُشِرَ المجلدان الثاني والثالث بعد وفاة ماركس بواسطة صديقه فريدريك إنجلز. اعتمد ماركس في تحليله على نظريات الاقتصاد الكلاسيكي لآدم سميث وديفيد ريكاردو، لكنه تجاوزهما بتقديم منهج تحليلي جديد قائم على المادية الجدلية والتاريخية.

تناقضات 

يهدف كارل ماركس في «رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي»، إلى كشف التناقضات الجوهرية في الرأسمالية، وهو نظام يقوم على استغلال الطبقة العاملة لصالح رأس المال. يرفض ماركس التصورات السطحية للاقتصاديين الكلاسيكيين، مثل آدم سميث وديفيد ريكاردو، الذين تعاملوا مع السوق باعتباره نظامًا طبيعيًا وعادلًا، دون النظر إلى علاقات الإنتاج والصراع الطبقي الذي يولّد فائض القيمة لصالح الرأسماليين.

ويكشف الكتاب عن أن الرأسمالية ليست مجرد نظام اقتصادي، بل هي علاقة اجتماعية مبنية على الاستغلال المنهجي. العمال يُجبرون على بيع قوة عملهم لأنهم لا يمتلكون وسائل الإنتاج، مما يجعلهم عرضة لسرقة جزء من جهدهم من قبل الرأسماليين، وهو ما يسميه ماركس "فائض القيمة". من خلال هذه الآلية، يتحول العمل الحي إلى وسيلة لزيادة تراكم رأس المال، مما يعمّق عدم المساواة.

ويركّز ماركس على قانون التراكم الرأسمالي، حيث يُعاد استثمار الأرباح في توسيع الإنتاج، مما يؤدي إلى تمركز رأس المال في أيدي قلة، وتزايد البؤس بين العمال. هذا التراكم لا يؤدي إلى الاستقرار، بل يُنتج أزمات دورية متكررة ناتجة عن فائض الإنتاج، حيث تعجز السوق عن استيعاب البضائع، مما يؤدي إلى تسريح العمال وإفلاس الشركات الصغيرة، وهو ما يعكس التناقض الداخلي في الرأسمالية.

وعلى عكس الاقتصاديين البرجوازيين الذين يرون الاقتصاد باعتباره مجموعة قوانين ثابتة، يطبّق ماركس المنهج المادي الجدلي لفهم تطور المجتمع. وفقًا لهذا المنهج، فإن التغيرات الاقتصادية تُشكّل البناء الفوقي للمجتمع، بما في ذلك السياسة، القانون، والثقافة. ولذلك، فإن الرأسمالية ليست نظامًا أبديًا، بل مرحلة تاريخية ستُستبدل بنظام أكثر عدالة، حيث يمتلك المنتجون وسائل الإنتاج، مما ينهي الاستغلال الطبقي.

الأفكار الرئيسية 

يتناول الكتاب عدة محاور أساسية، منها: نظرية فائض القيمة.

يرى ماركس أن جوهر الرأسمالية يكمن في الاستغلال، حيث يُجبر العمال على بيع قوة عملهم مقابل أجر لا يعكس القيمة الحقيقية لعملهم. الرأسمالي لا يدفع للعمال إلا ما يكفي لإعالتهم واستمرارهم في العمل، بينما القيمة التي ينتجونها تفوق ما يحصلون عليه من أجور.

ويتمثل فائض القيمة في الفرق بين قيمة السلع التي ينتجها العمال وما يُدفع لهم كأجور. هذا الفائض لا يعود إلى العمال، بل يتم الاستيلاء عليه من قبل الرأسماليين. كلما زاد استغلال العمال، زاد فائض القيمة، مما يؤدي إلى تراكم الثروة في يد الطبقة البرجوازية وتفاقم الفقر بين العمال.

ولا يكتفي الرأسماليون بجني الأرباح، بل يسعون إلى تعظيمها عبر زيادة فائض القيمة، إما بإطالة يوم العمل، أو بتكثيف الإنتاج من خلال التكنولوجيا التي تزيد من إنتاجية العمال دون زيادة أجورهم. هذه الممارسات تكرّس الاستغلال وتزيد من التفاوت الطبقي.

ويرى ماركس أن فائض القيمة هو المحرك الأساسي للرأسمالية، لكنه أيضًا تناقضها الأكبر، إذ يؤدي تراكم الثروة في يد قلة إلى إفقار الطبقة العاملة وتقويض قدرة السوق على الاستهلاك. هذا التناقض سيؤدي في النهاية إلى انهيار الرأسمالية وبروز نظام اجتماعي أكثر عدالة.

تراكم رأس المال

يشرح ماركس أن الرأسمالية ليست نظامًا ثابتًا، بل ديناميكيا يقوم على التوسع المستمر. يسعى الرأسمالي إلى إعادة استثمار الأرباح في الإنتاج، ليس فقط من أجل الربح، ولكن أيضًا للبقاء في المنافسة. هذه العملية تؤدي إلى تراكم رأس المال في أيدي عدد متزايد من القلة.

ومع تزايد التنافس، يُجبر الرأسماليون الصغار إما على التوسع أو الإفلاس، مما يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي قلة من الاحتكاريين. يخلق هذا التراكم احتكارات تسيطر على السوق وتحدّ من المنافسة، وهو تناقض داخلي في النظام الرأسمالي.

ومع تصاعد التراكم، يسعى الرأسماليون إلى تخفيض التكاليف، مما يؤدي إلى زيادة استغلال العمال عبر تخفيض الأجور، وإطالة ساعات العمل، وتسريح العمال غير الضروريين. هكذا، يؤدي تراكم رأس المال إلى تعميق التفاوت الطبقي وإفقار الطبقة العاملة.

ويرى ماركس أن هذه العملية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، إذ سيصل النظام إلى نقطة يصبح فيها الاستغلال غير محتمل، مما يؤدي إلى انتفاض العمال وسقوط النظام الرأسمالي، ليحل محله نظام اشتراكي يُدار لصالح المنتجين لا الرأسماليين.

الاغتراب 

في ظل الرأسمالية، لا يمتلك العامل السيطرة على المنتج الذي يصنعه، إذ يصبح العمل مجرد وسيلة للبقاء وليس تحقيق الذات. العامل ينتج سلعًا لا يملكها، بل يستولي عليها الرأسمالي ويبيعها لتحقيق الربح، مما يؤدي إلى شعور العامل بالاغتراب عن عمله.

ولا يُنظر إلى العمل في الرأسمالية كوسيلة للإبداع وتحقيق الذات، بل كعبء مفروض على العامل، يؤدي إلى إنهاكه واستنزاف طاقته دون أي إشباع حقيقي. هذا الوضع يحوّل الإنسان إلى مجرد أداة للإنتاج بدلًا من أن يكون فاعلًا في عملية الإنتاج نفسها.

ولا يقتصر الاغتراب على العمل فقط، بل يمتد إلى علاقات العمال بعضهم ببعض. في بيئة تنافسية حيث يسعى الجميع للبقاء، يصبح التضامن بين العمال هشًا، مما يمنعهم من توحيد صفوفهم ضد الرأسماليين، ويؤدي إلى مزيد من الفردانية والانقسام.

ويرى ماركس أن إنهاء الاغتراب لا يكون إلا بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، بحيث يصبح العمل وسيلة لتحرير الإنسان بدلًا من استعباده. في النظام الاشتراكي، يكون العمال هم الملاك الفعليون للإنتاج، مما يعيد إليهم السيطرة على عملهم وحياتهم.

أزمات الرأسمالية

على عكس ما يدّعيه الاقتصاديون البرجوازيون، يرى ماركس أن الأزمات ليست حوادث عرضية في الرأسمالية، بل هي جزء جوهري من بنيتها. تنشأ الأزمات بسبب التناقضات الداخلية للنظام، خاصة بين الإنتاج والاستهلاك.

وفي سعيهم لتحقيق أرباح أكبر، يقوم الرأسماليون بإنتاج كميات ضخمة من السلع، لكن بسبب انخفاض الأجور وتفاوت الدخل، لا يستطيع العمال شراء هذه السلع. يؤدي ذلك إلى تكدّس البضائع غير المباعة، مما يدفع المصانع إلى الإغلاق وتسريح العمال، فتتفاقم الأزمة.

ومع تكرار الأزمات، يصبح الأغنياء أكثر ثراءً بينما تزداد الطبقة العاملة فقرًا وبؤسًا. يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع الطبقي، حيث يبدأ العمال في إدراك أن النظام الرأسمالي لا يخدم مصالحهم، مما يمهد الطريق للتحول الثوري.

ويرى ماركس أن هذه الأزمات ستتكرر بشكل متزايد حتى تصل الرأسمالية إلى نقطة الانهيار الذاتي، حيث يصبح الاستغلال غير محتمل وتصبح الثورة العمالية حتمية. مع سقوط الرأسمالية، سيتم استبدالها بنظام اشتراكي أكثر عدالة، حيث يتم الإنتاج بناءً على الحاجات الفعلية للناس وليس لتحقيق الأرباح.

تأثير الكتاب عالميًا

تجاوز تأثير كتاب ماركس نقد الاقتصاد السياسي المستوى الأكاديمي إلى عدة مجالات أخرى من أهمها:

الثورات والحركات الاشتراكية

ألهم كتاب «رأس المال» الحركات الاشتراكية والثورية لأنه قدم تفسيرًا علميًا للتناقضات الداخلية في النظام الرأسمالي، ما كشف الطبيعة الاستغلالية التي تُميز العلاقة بين الطبقات الاجتماعية. رأى ماركس أن التاريخ يتقدم من خلال الصراع الطبقي، حيث تسعى الطبقة العاملة لتحطيم قيود الاستغلال المفروضة عليها من قبل البرجوازية. هذه الأفكار شكلت الأساس الفكري للثورة الروسية عام ١٩١٧، حيث طبق البلاشفة المفهوم الماركسي في بناء دولة اشتراكية تسعى لإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.

امتدت تأثيرات كتاب «رأس المال» إلى الحركات الاشتراكية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، التي سعت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال القضاء على الفوارق الطبقية. في الصين، قاد ماو تسي تونغ ثورة مستوحاة من الماركسية، معدلًا نظريات ماركس لتتناسب مع الظروف الزراعية الصينية. وفي أمريكا اللاتينية، تجسدت أفكار ماركس في الكفاح ضد الإمبريالية واستغلال الشركات متعددة الجنسيات.

بالنسبة لماركس، هذه الثورات والحركات ليست سوى تعبير عن حتمية تاريخية. إذ كان يعتقد أن النظام الرأسمالي سينهار بفعل تناقضاته الداخلية، ليحل محله نظام اشتراكي يعبر عن مصالح الطبقة العاملة. هذه الحتمية لم تكن تنبؤًا فحسب، بل دعوة للعمل من أجل بناء عالم جديد خالٍ من القهر والاستغلال.

النقابات العمالية

كان «رأس المال» مصدر إلهام لتطوير الوعي الطبقي بين العمال، حيث أوضح ماركس كيف يستغل النظام الرأسمالي العمل البشري لتحقيق الربح. هذا الوعي دفع العمال إلى الاتحاد في نقابات عمالية لمقاومة الاستغلال، والمطالبة بحقوقهم. بالنسبة لماركس، النقابات تمثل المرحلة الأولى في تنظيم الطبقة العاملة، وهي أداة لتحدي سلطة رأس المال والسعي لتحسين ظروف العمل.

النقابات العمالية، التي ناضلت من أجل الأجور العادلة وساعات العمل المحدودة، جسدت رغبة العمال في تقليل هيمنة الرأسمالية على حياتهم اليومية. هذه الحركات، رغم كونها إصلاحية، مهدت الطريق لتطوير وعي ثوري أعمق يدرك الحاجة لتغيير النظام بأكمله. رأى ماركس أن هذه الإصلاحات قد تخفف من معاناة العمال، لكنها لا تقضي على السبب الجذري للاستغلال.

من وجهة نظر ماركسية، النقابات ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لتنظيم الطبقة العاملة تمهيدًا للثورة الاشتراكية. فالعمال يجب أن يتجاوزوا المطالب الإصلاحية ويعملوا من أجل الإطاحة بالنظام الرأسمالي، وتحقيق السيطرة الجماعية على وسائل الإنتاج.

التأثير الأكاديمي

يبقى «رأس المال» مرجعًا أساسيًا في الدراسات الأكاديمية لأنه قدم تحليلًا علميًا للنظام الرأسمالي، يركز على كيفية توليد القيمة والاستغلال في عملية الإنتاج. كتاب ماركس لم يكن مجرد نقد أخلاقي، بل دراسة منهجية كشفت التناقضات البنيوية التي تجعل النظام الرأسمالي غير مستدام على المدى البعيد. لذلك، يُدرس في الجامعات ضمن مجالات الاقتصاد الماركسي، والعلوم السياسية، والفلسفة، بوصفه عملًا كلاسيكيًا لفهم الاقتصاد والمجتمع.

من وجهة نظر ماركسية، التعليم الأكاديمي الذي يتناول "رأس المال" يجب أن يساهم في بناء وعي نقدي يفضح أيديولوجيا البرجوازية، التي تسعى لتبرير النظام القائم. دراسة كتاب "رأس المال" لا تهدف فقط لفهم الرأسمالية، بل لتغييرها. لذلك، تشكل الماركسية جزءًا أساسيًا من الفكر الثوري الذي يربط النظرية بالممارسة.

رغم هيمنة النظريات الاقتصادية الليبرالية، لا تزال الماركسية تُعتبر أداة حية لفهم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها العالم. بالنسبة لماركس، البحث الأكاديمي ليس محايدًا؛ إنه جزء من الصراع الطبقي، ويجب أن يساهم في تعزيز نضال العمال ضد النظام الاستغلالي.

التحدي للرأسمالية

رغم مرور أكثر من قرن ونصف على صدور «رأس المال»، تبقى أفكار ماركس حية في نقد النظام الرأسمالي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية. رأى ماركس أن الرأسمالية تقوم على التراكم غير العادل للثروة، حيث يتم استغلال العمال لإثراء أصحاب رأس المال. هذه الأفكار أصبحت أكثر وضوحًا خلال أزمات مثل أزمة ٢٠٠٨، التي كشفت هشاشة النظام المالي وعدم المساواة المتزايدة في توزيع الثروة.

من منظور ماركسي، هذه الأزمات ليست انحرافات عن النظام الرأسمالي، بل نتيجة حتمية لتناقضاته الداخلية. التركيز على الربح، التنافسية المفرطة، وعدم قدرة السوق على تنظيم نفسه بشكل عادل كلها تؤدي إلى دورات من الازدهار والانهيار. لذلك، النقد الماركسي لا يقتصر على الإصلاح، بل يدعو إلى تجاوز النظام برمته.

في عالم اليوم، حيث تتفاقم الفجوات الطبقية ويزداد الاستغلال، تمثل أفكار ماركس دعوة للعمال للتحرك من أجل بناء نظام جديد. بالنسبة له، الحل الوحيد هو إنهاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، واستبدالها بنظام اشتراكي يُدار بشكل جماعي لصالح المجتمع بأسره، وليس لتحقيق أرباح قلة من البرجوازيين

الخاتمة

ترك «رأس المال» بصمة هائلة في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد، علم الاجتماع، العلوم السياسية، والفلسفة. الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم استمرت في تدريس أفكار ماركس باعتبارها أداة لفهم تطور الأنظمة الاقتصادية وتحليل تأثيرها على المجتمعات.

على سبيل المثال، أثر «رأس المال» على النظريات النقدية الحديثة التي تسعى لفهم العلاقة بين رأس المال والعمل في ظل العولمة. كما شكل الكتاب أساسًا للعديد من المدارس الفكرية مثل مدرسة فرانكفورت، التي استخدمت أفكار ماركس لتحليل الثقافة والإعلام كأدوات للهيمنة الرأسمالية.

في علم الاجتماع، ساعدت أفكار ماركس حول الصراع الطبقي والاغتراب في تطوير نظريات تهتم بدراسة عدم المساواة الاجتماعية والصراعات الاجتماعية. في الاقتصاد، ساهم الكتاب في فهم كيفية توزيع الموارد والثروة، وقدم أدوات لتحليل الأزمات الاقتصادية.

كتاب «رأس المال» لكارل ماركس ليس مجرد تحليل اقتصادي، بل رؤية شاملة للنظام الرأسمالي وتناقضاته الداخلية وتأثيره على المجتمعات. ألهم الكتاب حركات اجتماعية وثورات حول العالم، وساهم في بناء نقاشات أكاديمية مستمرة حول العدالة الاجتماعية والاستغلال. يظل الكتاب أحد أعمدة الفكر الحديث، ومرجعًا لفهم الأزمات الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية التي يشهدها العالم حتى اليوم.
 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: احتكار الاقتصاد العدالة الاجتماعية رأس المال كارل ماركس النظام الرأسمالي الأزمات الاقتصادیة النظام الرأسمالی الطبقة العاملة فی الرأسمالیة مما یؤدی إلى بین العمال من خلال من أجل نظام ا

إقرأ أيضاً:

محطة تاريخية فارقة.. سلطنة عُمان تحتفل بـ100 عام على اكتشاف النفط والغاز

 

◄ العوفي: الاستقرار السياسي في عُمان يُرسخ ثقة المستثمرين والشركات العالمية

◄ 50 مليون ريال حجم المشروعات الاجتماعية لشركات النفط في 5 سنوات

◄ تدشين طابع بريدي تذكاري توثيقًا لقيمة القطاع ودوره في دعم التنمية والاقتصاد

 

مسقط- العُمانية

احتفت وزارة الطاقة والمعادن مساء اليوم بمناسبة مرور مائة عام على اكتشاف النفط والغاز في سلطنة عُمان تحت رعاية صاحبِ السُّمو السّيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدّفاع بدار الأوبرا السُّلطانية مسقط.


 

وجاء الاحتفاء لاستعراض المحطات التاريخية لقطاع الطاقة منذ التوقيع على أول وثيقة امتياز للاستكشاف عام 1925، وما تلاها من تحولات كبرى أسهمت في بناء الاقتصاد الوطني وترسيخ بنية أساسية متكاملة للصناعة النفطية والغازية، وصولًا إلى التوجهات المستقبلية لسلطنة عُمان في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.

وقال معالي المهندس سالم بن ناصر العوفي وزير الطاقة والمعادن في كلمته إن مرور قرن كامل على بدء أول خطوة عملية لمسيرة الاستكشاف عن النفط تمثل محطة تاريخية فارقة تجسد جهود أجيال متعاقبة واجهت التحديات في ظروف صعبة وإمكانات محدودة، لتؤسس قطاعًا يشكّل اليوم إحدى أهم ركائز الاقتصاد الوطني ومحركات التنمية المستدامة.


 

وأضاف معاليه أن البدايات الأولى تعود إلى التوقيع على أول وثيقة امتياز في 18 مايو 1925 مع شركة دارسي، ثم مرحلة التأسيس التي شهدت حفر بئر "دوكة-1" عام 1955، قبل أن يشهد القطاع تحوّلًا مهمًّا في "فهود" ويصل إلى أول شحنة نفط عُماني جرى تصديرها من ميناء الفحل عام 1967 بمتوسط إنتاج بلغ آنذاك 5,000 برميل يوميًّا، كما أن القطاع اليوم ينتج ما يقارب مليون برميل يوميًّا، ويعكس ذلك تراكم الخبرات وتطور المنظومة التشغيلية والإدارية والتقنية في سلطنة عُمان. وذكر معاليه أن الاستقرار السياسي الذي تنعم به سلطنة عُمان أسهم في ترسيخ ثقة المستثمرين والشركات العالمية، مؤكدًا على أن الشراكات الإقليمية والدولية كانت ركيزة أساسية في تطوير القطاع، مستشهدًا بمشروع مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية الذي افتُتح العام الماضي باستثمار تجاوز 3.5 مليار ريال عُماني.

واستعرض معاليه تطور إدارة مناطق الامتياز التي بلغ عددها 58 منطقة، منها 34 منطقة مشغّلة، فيما تعمل 16 شركة على تطوير الحقول والإنتاج في بيئة تشغيلية تعتمد على أعلى معايير الحوكمة، مشيرًا إلى أن الاحتياطيات الحالية من النفط تبلغ نحو 4.8 مليار برميل، فيما يصل إنتاج الغاز الطبيعي إلى قرابة 150 مليون متر مكعب يوميًّا، مدعومًا ببنية أساسية تضم آلاف الكيلومترات من خطوط الأنابيب.

وفي جانب المحتوى المحلي، أكد معالي المهندس وزير الطاقة والمعادن على أن الإنفاق خلال العقد الماضي بلغ 11 مليار ريال عُماني، حيث إن العام الماضي وحده شهد توجيه 700 مليون ريال عُماني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما دشنت الوزارة في 2024 برنامج "مجد" للمحتوى المحلي الذي أصدر أول شهادة اعتماد في قطاع الطاقة والمعادن لشركة أبراج.

وأشار معاليه إلى أن العنصر البشري يظل الثروة الأهم، حيث يعمل في الشركات المشغلة ما يقارب 20 ألف موظف بنسبة تعمين بلغت 93 بالمائة، فيما سجل القطاع 285.5 مليون ساعة عمل بلا إصابات في 2024، وهو ما يعكس رسوخ ثقافة السلامة.

وأوضح معاليه أنه منذ البدايات الأولى، كانت المسؤولية المجتمعية من أولويات الشركات العاملة، حيث أنفقت خلال السنوات الخمس الماضية قرابة 50 مليون ريال عُماني لمشروعات المسؤولية الاجتماعية على المستوى الوطني وفي مناطق الامتياز.

وأكد معالي وزير الطاقة والمعادن في كلمته بالتأكيد على أن الاحتفال بمئوية النفط والغاز هو احتفال بمسيرة وطنية صنعتها الإرادة والعلم والعمل، وهو إعلان لالتزام سلطنة عُمان بمواصلة تطوير القطاع، وتعزيز دوره في الاقتصاد، وتمكين الكفاءات الوطنية، والمضي بثقة نحو مرحلة جديدة من تحول الطاقة.


 

وشهدت الفعالية تدشين طابع بريدي تذكاري بمناسبة مرور 100 عام على مسيرة النفط والغاز في سلطنة عُمان؛ توثيقًا لهذه المحطة الوطنية وإبرازًا لقيمة القطاع ودوره الممتد في دعم مسارات التنمية والاقتصاد الوطني.

ويأتي إصدار الطابع بوصفه رمزًا توثيقيًّا يحمل دلالة تاريخية تعكس رحلة التحول والإنجاز عبر قرن كامل، ويمثل إضافة أرشيفية تُخلّد هذه المناسبة وتُعرّف الأجيال بمحطات قطاع الطاقة العُماني.

وأسهم قطاع النفط والغاز بدورٍ محوري في ترسيخ قواعد الاقتصاد الوطني ودفع مسارات الازدهار الحضاري والاجتماعي في سلطنة عُمان، بوصفه رافدًا رئيسًا للإيرادات العامة ومحركًا للتنمية، ومُمكّنًا لتوسع الاستثمارات وتطوير البنية الأساسية والخدمات ولم يقتصر أثر القطاع على الإنتاج والتصدير، بل امتد ليكون داعمًا ومحركًا لقطاعات واسعة ترتبط مباشرة بنمو الاقتصاد، مثل النقل والصناعة والاتصالات والتجارة والاستثمار واللوجستيات، إلى جانب ما يتيحه من عوائد مالية وإسهامات متنوعة تشمل الضرائب والرسوم وغيرها من الممكنات التي تعزز قدرة الدولة على تنفيذ برامجها التنموية.

وفي إطار التنمية المستدامة، رسّخ القطاع حضوره في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي عبر مبادرات المسؤولية الاجتماعية، ودعم المشروعات المجتمعية، وتحسين جودة الحياة، فضلًا عن دوره كممكّنٍ رئيسٍ للتعليم والابتكار والمعرفة من خلال دعم الجامعات والكليات والبحوث العلمية والتدريس والتدريب، بما يعزز اقتصاد المعرفة ويرفع تنافسية الموارد البشرية، كما شكّل تطوير وتأهيل الكوادر الوطنية محورًا ثابتًا في مسيرة القطاع، عبر برامج التدريب والتوظيف والتعمين وبناء الخبرات التخصصية، انطلاقًا من رؤية تركز على مواصلة دعم الكفاءات المحلية بالمعرفة والخبرات وبناء إنسان قادر على إدارة الثروات وفق أحدث الرؤى والأساليب، بما يضمن الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية واستدامة أثرها للأجيال القادمة.

ويبرز دور قطاع النفط والغاز في سلطنة عُمان في دعم الاستدامة بوصفه شريكًا فاعلًا في خفض الأثر البيئي وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، من خلال تبنّي حلول الطاقة النظيفة والمشروعات ذات البعد البيئي التي تسهم في تحقيق توازن بين متطلبات الإنتاج وحماية البيئة، ومن أمثلة ذلك تنفيذ شركة تنمية نفط عُمان مشروع «مرآة» بوصفه أحد أكبر مشروعات البخار الشمسي عالميًّا، إلى جانب مشروع الأراضي الرطبة الذي شكّل واحة خضراء وسط الصحراء، ومحطة ريما لمعالجة المياه باعتبارها ابتكارًا صديقًا للبيئة، فضلًا عن مشروع «أمين» للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاواط، ومشروعي «رياح 1» و«رياح 2» بطاقة إنتاجية تبلغ 200 ميجاواط، ومشروع الطاقة الشمسية بشمال مناطق الامتياز بقدرة 100 ميجاواط، إضافة إلى مبادرة زراعة مليون شجرة في سلطنة عُمان حتى عام 2030.

كما تسهم الشركات العاملة في القطاع في مبادرات داعمة للطاقة المستدامة، من بينها مشروع الطاقة الشمسية للمدارس ومشروع «قبس» للطاقة الشمسية التابعان لعُمان شل، إلى جانب تدشين أول محطة للهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان ضمن جهود عُمان شل، بما يعكس توجه القطاع نحو حلول منخفضة الانبعاثات وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية على حد سواء.


 

وضمن فعاليات الاحتفاء، تضمن البرنامج إقامة معرض للاحتفاء بمرور 100 عام على اكتشاف النفط والغاز في سلطنة عُمان، حيث يفتح أبوابه للزوار خلال الفترة من يومي الثلاثاء والأربعاء، ويُقدّم للزوار محتوى توثيقيًّا وبصريًّا يروي تسلسل تطور القطاع عبر قرن كامل، كما يُقدم المعرض أركانًا توثيقيّة متنوّعة، تشمل ركنًا للمجسمات والعينات الخاصة بقطاع النفط والغاز، إلى جانب ركن لعرض صور السلاطين بعدد أربع صور، وركن للوثائق التاريخية يضم 10 وثائق تُوثّق مراحل مفصلية في مسيرة القطاع، كما يتضمن المعرض مساحة لعرض الصور تضم 100 صورة إنفوجرافيك، إلى جانب إنفوجرافيك خاص بالمكرمين الذين عملوا في قطاع النفط والغاز من أصحاب المعالي والسّعادة والمستشارين والرؤساء التنفيذيين للشركات، فضلًا عن عرض تاريخي لمسيرة النفط والغاز عبر مسارين زمنيين يمتدان من 1925 إلى 1970م، ومن 1970 إلى 2025م، بما يستعرض أهم الحقب والمشروعات في تسلسل تاريخي يغطي قرنًا كاملًا من التطور.

مقالات مشابهة

  • قوة خليجية عظمى في قلب النظام العالمي الجديد
  • الابتزاز الإلكتروني وتأثيره على المرأة والمجتمع.. ندوة بدار العلوم بالفيوم
  • نقابة المخابز والضمان الاجتماعي تتعاونان لتصحيح أوضاع العمال وضمان حقوقهم
  • وليد المصري: اليوم العالمي لمكافحة الفساد محطة وطنية لتعزيز النزاهة وترسيخ سيادة القانون
  • محطة تاريخية فارقة.. سلطنة عُمان تحتفل بـ100 عام على اكتشاف النفط والغاز
  • تكريم رئيس اتحاد العمال في ختام ندوة الحماية الاجتماعية للمتقاعدين
  • أول تعليق من مستشار وزير العمل حول حادث انهيار سقالة خشبية في بنها
  • إصابة 8 عمال ببنها في حادث انهيار سقالة خشبية.. تفاصيل
  • ننشر أسماء العمال المصابين بحادث سقوط صبة خرسانية بعقار تحت الإنشاء ببنها
  • سقطت عليهم صبة خرسانية.. وزير العمل يوجّه بمتابعة وتعويض العمال المصابين بالقليوبية