على مدار نصف قرن من الزمن، اعتاد الملايين فى جميع أنحاء الوطن العربى سماع صوتها الملهم فى السلم والحرب، 50 عاماً مرت على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، بعدما قدمت ما يقرب من 76 عاماً من الإبداع فى عالم الموسيقى والغناء بصوت رخيم لا يتكرر وببصمة لا مثيل لها.

فعلى خشبة المسرح ووسط تصفيق حار يتواصل لدقائق طويلة تبدأ بصوتها المخملى فى أرجاء القاعة فى حالة من المتعة والسلطنة تتخللها تأوهات الجمهور «عظمة على عظمة يا ست»، وتستمر بأغانيها لمدة ساعات طويلة لا تشعر خلالها بالملل، هكذا تسللت أم كلثوم فى كل بيت ومقهى وحارة فى أرجاء مصر والوطن العربى واستوطنت العقول والقلوب.

بدأت أم كلثوم حياتها فى بيئة دينية مُحافظة، إذ نشأت فى أحضان مدرسة الإنشاد الصوفى، وظلت فيها لمدة عقدين وتعلمت تلاوة القرآن من الكُتاب والتجويد من والدها الشيخ إبراهيم حتى إنها حفظته عن ظهر قلب، والذى كان من أهم عناصر تميزها فى الغناء لاحقاً، وفى سن مبكرة، وبالتحديد فى عام 1912 بدأ الأب اكتشاف موهبة ابنته ومن هنا بدأ يصطحبها معه لتؤدى التواشيح والأناشيد فى المناسبات الدينية، وفى عام 1923، انتقلت إلى القاهرة، وتزامن ذلك مع وفاة مطرب ثورة 1919 ومجدد الغناء سيد درويش، لتصبح القاهرة محطة محورية ونقلة نوعية فى حياة أم كلثوم، لتبدأ معها مرحلة جديدة فى حياتها، بعدما تمكنت من صنع جماهيرية كبيرة لها داخل أروقة الريف المصرى، إذ كانت تنتقل خلالها مع والدها وأثبتت موهبتها الكبيرة، لتخوض مرحلة جديدة مع الملحن أبوالعلا محمد، الذى يُعد أول من التفت لموهبتها، وكان ذلك فى آخر 5 سنوات فى حياته، فجعلها تغنى ما يقرب من 9 قصائد من ألحانه، منها قصيدة «الصب تفضحه عيونه»، التى أهداها له الشاعر أحمد رامى، وبالفعل غناها وأعطاها بعد ذلك لأم كلثوم، وكان ذلك أول تعاون بين أحمد رامى وأم كلثوم.

وقال الناقد الفنى أيمن الحكيم إن أم كلثوم ليست مجرد مطربة ولكنها عصر كامل من الغناء، ولم تكن لتصنع نجوميتها ومعجزتها بمفردها لولا وجود أسماء كبيرة على مستوى التأليف والتلحين، فقد حظيت بوجود أهم وأعظم شعراء الأغنية والملحنين الذين صنعوا مجدها، قائلاً: «أم كلثوم صوت عظيم ولكنها صنيعة زمن جميل سياسياً وفنياً واجتماعياً، فهى بنت زمنها».

«الشناوى»: 6 أفلام شكلت إرثها السينمائى

وتابع «الحكيم»، لـ«الوطن»، أن أم كلثوم تغنت بأهم كلمات من الشعراء مثل أحمد شوقى، أحمد رامى، مأمون الشناوى، كامل الشناوى، مرسى جميل عزيز وغيرهم من الأسماء الكبيرة التى كتبت لها، وكان من ذكائها أن تجاوزت الحدود المصرية وغنت لشعراء عرب، مثل الشاعر اللبنانى جورج جرداق، حتى إنها تعاونت مع شعراء تاريخيين مثل عمر الخيام فى الرباعيات، مشدداً على أنها كانت متنوعة ومحظوظة للغاية.

وأوضح «الحكيم» أن أم كلثوم كانت أهم وأعظم من تغنت بالقصيدة، لأنها تمتلك ناصية اللغة العربية الفصحى وتفهم فى الشعر، وكان يساندها الشاعر أحمد رامى وهو من أهم شعراء مصر. وأضاف أن كوكب الشرق تميزت بفهمها للقصيدة قبل غنائها كى تتذوقها وتغنيها بحب، مثل أغنية الأطلال فهى كفيلة بصنع مجد مطربة، إلى جانب غنائها القصائد الصوفية وهى الأصعب والتى كتبها أحمد شوقى، مثل ولد الهدى ونهج البردة، وغيرهما، حيث إنها كانت محظوظة بجمهور مُثقف ومتذوق للشعر واللغة ومتفاعل معها بالكلمات رغم صعوبة تلك القصائد، قائلاً: «أم كلثوم إذا غنت القصائد التى قدمتها لجيل المهرجانات الحالى لن يفهمها». وأضاف أن أم كلثوم لم تنته ولكن الزمن هزمها فقط، لأنه لا يوجد شخص يعيش أمد الدهر ومخلد، قائلاً: «أم كلثوم كانت نجمة لآخر يوم فى عمرها»، لافتاً إلى أن آخر حفلة قدمتها كانت لأغنية «ليلة حب»، وحظيت بحضور جماهيرى ضخم، على الرغم من أنها كانت فى السبعينات من عمرها ولكنها كانت لا تزال بقوة صوتها ومتمكنة وراسخة.

وأوضح أن أم كلثوم كانت متجددة بذكاء شديد، واستعانت فى الفترات الأخيرة لها بشعراء وملحنين شباب مثل بليغ حمدى، حيث قدمت معه 11 أغنية، لأنها كانت تريد الوصول لجمهور الشباب مثل عبدالحليم حافظ، موضحاً أن آخر أغنية سجلتها أم كلثوم كانت «حكم علينا الهوى»، وكانت من ألحان بليغ حمدى وكلمات عبدالوهاب محمد، ولكنها لم تتمكن من غنائها بحفل على المسرح.

وقال الناقد الفنى طارق الشناوى إن كوكب الشرق أم كلثوم كانت ولا تزال أيقونة الجيل الذهبى لمصر، وتعيش فى الوجدان من خلال أعمالها التى يستمع إليها الجماهير حتى الآن، على الرغم من أن بعض الأغانى تتلاشى مع عوامل الزمن والتغيرات الثقافية والمجتمعية إلا أن أم كلثوم لا تزال حاضرة بقوة مع كافة الأجيال المتعاقبة عليها.

أضاف «الشناوى» لـ«الوطن»، أن أم كلثوم عاشت عاشقة للوطن، ولم تكن مجرد فنانة مصرية، إذ تميزت خلال مشوارها الفنى بالعديد من المواقف العربية الإنسانية فى الكويت والسعودية والإمارات والمغرب وغيرها من الدول العربية، فقد كانت «ظاهرة عربية»، لافتاً إلى أن من أهم أسباب نجاح أم كلثوم وقدرتها على الانتشار الواسع بالعالم العربى ذكاءها الشديد، حيث كانت تُمتع بالغناء باللهجة العامية واللغة العربية الفصحى، لأنها كانت تدرك الدور السلبى لآلة الزمن فى بعض الأحيان وتمكنت أن تتخطى ذلك، فقد استطاعت اختراق هذه الإشكالية بقراءتها للمستقبل والزمن.

وأشار إلى أن أم كلثوم قررت خوض تجربة جديدة عليها من خلال عالم السينما وتركت لنا إرثاً سينمائياً من خلال 6 أفلام، وعلى الرغم من قلة عددها فإنها كانت وسيلة أخرى للتواصل مع الجمهور وحالة إبداعية ومجالات جديدة لم تمنحها لها خشبة المسرح أو الإذاعة، والتى قدمت من خلالها عدة أغان قصيرة داخل مواقف سينمائية بحالة درامية وتوثيق بالصوت والصورة لتلك الأغانى، والتى وصلت إلى 36 أغنية.

وكشف الشاعر الغنائى فوزى إبراهيم أسباب تفرد أغانى أم كلثوم حتى الآن قائلاً: «تفرد أغانى أم كلثوم يأتى لعدة أسباب، الأول هو صوت أم كلثوم المتفرد فى مقياس مساحة وقوة وعذوبة وسلطنة الصوت، صوت لا يمكن أن يؤدى نشازاً أبداً، بجانب ثقافتها الكبيرة، لأنها كانت طوال الوقت تثقف نفسها، وكانت تجيد قراءة الشعر والانتقاء منه، السبب الثانى هو إخلاص صناع أغانى أم كلثوم من مؤلفين وملحنين، لأن الشعراء الذين كانوا يكتبون لأم كلثوم يجيدون فهم جمهور أم كلثوم، كان يدركون سيكولوجية الجمهور المصرى، كنت تجد دائماً لمسة خاصة للشعراء فى الأغنية، وهذا ما كان يحقق المعادلة الصعبة».

أما السبب الثالث فى رأى فوزى إبراهيم: «البعد العربى لأم كلثوم، لأنها استطاعت أن تجمع العالم العربى كله حول صوتها، وكانت أسطورة أم كلثوم تزيد يوماً بعد يوم، عندما تجتمع هذه الأسباب مع القيمة الوطنية للسيدة أم كلثوم، فمن الطبيعى أن تصبح مصر هى الرائدة فى الفن العربى».

وأكد الموسيقار هانى شنودة أن أم كلثوم كانت مثالاً يحتذى به فى الالتزام الفنى الصارم، حيث كانت تختار الأعمال بعناية فائقة، ولم تكن تقبل بأى لحن أو كلمة لا ترتقى لمستوى ذائقتها الفنية الرفيعة، وهذا الحرص هو ما جعل أعمالها تعيش لعقود طويلة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أم كلثوم كوكب الشرق أم کلثوم کانت أحمد رامى من خلال

إقرأ أيضاً:

نسخة استثنائية بفضل رؤية الرئيس السيسي.. أحمد السبكي يستعرض إنجازات الملتقى السنوي السادس للرعاية الصحية

أعرب الدكتور أحمد السبكي رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية عن بالغ سعادته وفخره بما تحقق خلال الملتقى الدولي السنوي السادس للهيئة العامة للرعاية الصحية، وذلك خلال منشور عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الإجتماعي الأشهر “فيس بوك”.

من الدراما للواقع.. وزيرة التضامن تزف بشرى سارة لكل أسرة تمتلك ٧ توائم (تفاصيل) وفاة هبة الزياد بسبب نوع ريجيم شهير تتصدر الترند.. الأسرة تكشف التفاصيل إنجي كيوان تكشف عن شخصيتها في مسلسل "وننسى اللي كان" أمام ياسمين عبد العزيز اختبار صعب.. أول تعليق من محمد إمام على حريق ستوديو مصر| مصير مسلسل الكينج الصور الأولى من قراءة فاتحة ابن عمرو أديب ولميس الحديدي.. من هي العروس؟ أرقام قياسية بأكثر من 11 محافظة.. "الصحة" تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل الصحة: التأمين الصحي الشامل خفض نسبة الإنفاق من جيب المواطن على علاجه لـ38% هل ماتت الإعلامية هبة الزياد وهي حامل؟.. شقيقتها تحسم الجدل وتكشف مفاجأة بسبب "كارثة طبيعية".. وزيرة التضامن تكشف خطة الحكومة لحل أزمة محمد وشروق (تفاصيل) دويتو الليلة حلوة لجنات والحسن عادل ترند رقم واحد يوتيوب بعد 24 ساعة أحمد السبكي عن الملتقى السنوي السادس للرعاية الصحية: نسخة مميزة استثنائية بفضل رؤية الرئيس السيسي قائد الإصلاح الصحي في مصر

نشر الدكتور أحمد السبكي مجموعة صور ولقطات من الملتقى الدولي السنوي السادس للهيئة العامة للرعاية الصحية، وأرفقها بتعليق قائلًا: “انتهى الملتقى الدولي السنوي السادس للهيئة العامة للرعاية الصحية… وكانت لحظة نتوقف فيها لننظر إلى كل ما تحقق. هذه النسخة كانت مميزة واستثنائية، بفضل رؤية #فخامة_الرئيس عبدالفتاح السيسي، القائد التاريخي للإصلاح الصحي في مصر، وتحت رعاية وتشريف الأستاذ الدكتور مصطفى مدبولي، #دولة_رئيس_مجلس_الوزراء، والتي تؤكد اهتمام الدولة ودعمها المستمر لقطاع الرعاية الصحية وحرصها على صحة كل مواطن مصري”.

وأضاف: “جمعنا في الملتقى مستشاري فخامة رئيس الجمهورية، الوزراء، المحافظين، خبراء محليين ودوليين، قادة الفكر والإعلام، قيادات وفرق عمل الهيئة، وشركاء النجاح من مختلف القطاعات الحكومي والخاص والأهلي، في يومين مليئين بالمناقشات والخبرات. ناقشنا المستقبل، واستعرضنا الإنجازات، ووقعنا  أكثر من 20 مذكرة تفاهم، وأجرينا 10 جلسات نقاشية و11 محاضرة علمية، وأطلقنا درع الرعاية الصحية المستدامة، مع تكريم قادة ورموز القطاع الصحي والمنشآت الصحية والعاملين الأكثر تميزًا تقديرًا لمجهوداتهم”.

وأردف رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية قائلًا: “مع انتهاء #المرحلة_الأولى من منظومة التأمين الصحي الشامل، يمكنني القول إن الجهد كان هائلًا: بناء خبرات وطنية، تطوير الخدمات، وإحداث فرق حقيقي في حياة المرضى. أصبح المواطن يحصل على خدمات أسرع وأكثر قربًا، وتجربة علاجية أفضل، ورعاية متكاملة، مع تطبيق أحدث النظم الرقمية التي تجعل الرعاية الصحية أكثر سهولة وفاعلية. ما نقوم به ليس مجرد خدمة… إنه رسالة حقيقية لكل مصري”.

وواصل: “ولكن هذه ليست النهاية… #المرحلة_الثانية على الأبواب، تبدأ بمحافظة #المنيا، لنواصل التوسع، ونطبق كل ما تعلمناه من المرحلة الأولى، وننقل هذه الخبرات لكل محافظات مصر، مع الاستمرار في تطوير الخدمات وتحسين حياة المواطنين”.

 

واستكمل “السبكي” قائلًا: “كل خطوة نخطوها، وكل إنجاز نحققه، هو ثمرة توجيهات القيادة السياسية، ودعم دولة رئيس مجلس الوزراء، وجهود فريق الهيئة، وتعاون شركائنا”.

ووجه الشكر للرئيس السيسي ورئيس الوزراء قائلًا: “شكرًا لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والأستاذ الدكتور مصطفى مدبولي، دولة رئيس مجلس الوزراء، ولكل من ساهم في نجاح الملتقى، وكل القيادات والعاملين في الهيئة العامة للرعاية الصحية، وشركائنا في النجاح”.

واختتم الدكتور أحمد السبكي رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية منشوره قائلًأ: “ما نقوم به ليس مجرد عمل… بل مسؤولية ورسالة نعيشها كل يوم لضمان أن يحصل كل مصري على أفضل رعاية صحية ممكنة”.

مقالات مشابهة

  • «ليلة استثنائية».. مشاهير الغناء يحتفلون بعيد ميلاد «الكابو» حميد الشاعري| صور
  • أجيال موسيقية وفنية مختلفة يحتفلون بعيد ميلاد حميد الشاعري في ليلة استثنائية
  • بعد جدل فيلم "الست".. ناقد فني: أم كلثوم شخصية لا تحتمل إعادة التقديم مرارًا
  • يسرا عن فيلم الست: اقتنعت بالشبه بين منى زكي وأم كلثوم بنسبة 100%
  • أحمد مراد عن فيلم الست: حب الجمهور لأم كلثوم سر الجدل
  • الشرع: سنعيد بناء سوريا.. وحلب كانت منفذ المعارضة إلى البلاد
  • مفاجأة استثنائية.. تريو أحمد سعد وتامر عاشور وآدم يشعل "الكويت أرينا"
  • قصة حب لم يكتمل… مشاعر صامتة بين أحمد رامي وأم كلثوم صنعت أجمل الأغاني
  • نسخة استثنائية بفضل رؤية الرئيس السيسي.. أحمد السبكي يستعرض إنجازات الملتقى السنوي السادس للرعاية الصحية
  • بعد موجة الانتقادات.. عمرو أديب يدافع عن فيلم أم كلثوم ومنى زكي