يظل الإنسان يحلم حتى تتوقف نبضات القلب وتخمد الروح الوثابة داخل الجسد الفانى، الحلم دليل على الحياة، ومؤشر ينبئ بالبقاء، ومادمنا نحلم فلن نموت أحياء. لكن الأحلام أصبحت مؤجلة، فقد سادت كوابيس نهارية تسيطر علينا بعد أن تحولت الأحلام إلى سراب وانقلبت على رؤوسنا وكدرت عيشتنا وأيامنا ونحن نرى المستقبل فى أبنائنا يتلوث بالعديد من فيروسات العصر التكنولوجى الفضائى، مصاحبًا إياه غياب شبه تام لدور مؤسسات وهيئات ثقافية وتعليمية كان عليها مواجهة الداء والوباء من المنبع والبداية، وليس محاولات بائسة متفرقة غير مترابطة بعضها البعض لإنقاذ أحلام المستقبل متمثلة فى النشء والشباب والجيل القادم.
فمثلا، مهرجان العلمين ومحاولة إعادة التراث الفنى والثقافى المصرى وتقديمه بصورة مبهرة متجددة للشباب والجمهور جهد مشكور، ولكن يظل فى إطار الثقافة السياحية الفنية التى تستهدف فئة معينة، وحتى ما قامت به الإعلامية المتميزة المبدعة منى الشاذلى فى تجربة هى الأولى من نوعها فى الإعلام وفى مصر، تجربة مشاركة الجمهور حفلا غنائيا مع فرقة موسيقية مغربية مطعمة ببعض العازفين المصريين، وبقيادة الفنان المغربى أمين بودشار، هى محاولة متفردة لإحياء فن الغناء الأصيل الجميل فى وجود شباب من الجامعات المصرية والذين كونوا فرقًا للكورال قد تم الاحتفاء بها واستضافتها فى برنامجها المتميز، لتبعث للشباب برسائل تطمين وتشجيع وتأييد لما يقومون به فى ظل حالة العشوائية الفنية والموسيقية التى تجتاحنا بأغانٍ تسمى شعبية أو مهرجانات تخدش الآذان وتصيب الوجدان فى مقتل وتضرب كل معانى الكلمة واللحن والأداء بقنابل عنقودية مدمرة شوهت الأجنة فى الأرحام.
كما غيرت فكر وسلوك الصغار والكبار، وأفسدت الذوق العام بكل جدارة.. ومن هنا فإن محاولات منى الشاذلى للنهوض بالفن الراقى وعودة الذوق والمتعة والجمال من خلال إصرارها على متابعة كل ما يقدمه الشباب الواعى المبدع المختلف، لهى محاولات تندرج تحت عنوان «الأحلام المؤجلة»؛ لأنها أحلام كان من الأجدر بالمؤسسات الثقافية القيام بها، فهذا هو دورها الذى أنشئت من أجله، فالثقافة الجماهيرية وقصور الثقافة هى المنفذ الإبداعى للشباب فى ربوع المحروسة شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا.
قصور الثقافة دورها تنمية المواهب ورعايتها ومتابعة ما يجرى على الساحة الثقافية والفنية وعقد الندوات والاحتفالات والمسابقات وعلى الإعلام تغطية الفعاليات والتواجد فى الأحداث وتقديم كل ما تقوم به تلك القصور الثقافية التى ما هى إلا ثقافة للجمهور العادى فى أنحاء مصر.. دور المؤسسة الثقافية سواء المسرح أو الكتاب هو دور محورى يجب أن يعود بالتعاون والتكاتف مع الإعلام بشكل عام وليس بصور فردية ومحاولات من بعض الإعلاميين الذين يؤمنون بالدور الإيجابى الفعال الحيوى للإعلام والثقافة والفن فى تنمية الوعى وبناء الإنسان.
الأحلام المؤجلة هى أن نصحو ونهب لإعادة الفن الأصيل إلى سجل تاريخنا المعاصر، فليس من المعقول أن نعيش على ماضٍ ولى، الغريب أنه فى الحفل الذى غنى به الجمهور وقام بدور المطرب كانت المفاجأة أن الشباب العادى لا يعرف ولا يتذكر كلمات الأغنيات الشهيرة، خاصة الكلمات الشعرية، وإنما يتمايل مع الإيقاع والموسيقى، فذائقة الكلمة قد اندثرت وتلاشت فى جيل لا يسمع إلا الغث والردئ، ولا يطرب إلا على دقات الرق والطبلة وليس مضمون ومعنى الكلمة.. كيف لنا أن نبعث الحياة فى الأحلام والآمال لهذا الجيل القادم؟ ما هى الخطط الثقافية الفعّالة على مستوى الجمهورية؟ أسئلة كثيرة، ولكن علينا أن نقدم التحية لكل من يحاول إضاءة شمعة فى درب الأمل.. معكم منى الشاذلى، برنامج فنى اجتماعى تنويرى.. بعيدا عن إشكاليات ماضية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الثقافي المصري الجامعات المصرية
إقرأ أيضاً:
لإنقاذ قراهن من تغير المناخ.. نساء من السكان الأصليين في الهند يرسمن "خرائط الأحلام"
قامت نساء القبائل بمسح الموارد ورسم خرائط لها لإظهار ما يتضاءل منها وما يحتاج إلى إعادة هيكلتها. اعلان
في ولاية أوديشا شرق الهند، وفي قرية نائية يسكنها أفراد من قبيلة الباراجا، تحتفل المجتمعات المحلية بموسم الحصاد. وعلى ضفاف مجرى مائي صغير، يصطاد القرويون الثعابين والأسماك لتحضير وجبة تقليدية، إيذانًا ببداية موسم جديد.
لكن خلف مظاهر الفرح، تتلاشى الموارد الطبيعية، والأسماك باتت أقل، والمطر لم يعد يأتي في موعده، وحبوب الذرة التي تُزرع على أراضٍ واسعة تنتظر موسمًا مطريًا يزداد غموضًا عامًا بعد عام.
تقول سونيتا مودولي، وهي مزارعة من السكان الأصليين: "تتأخر الأمطار الآن، وهذا يضرب زراعتنا مباشرة، ويقلّل الإنتاج. الوضع أصبح مقلقًا".
الهوية تحت تهديد المناخعاش السكان الأصليون في هذه القرى لآلاف السنين، معتمدين على نظم حياتية بسيطة: زراعة الذرة والأرز، جمع الفاكهة والأوراق من الغابات، وصناعة الأطعمة والمشروبات المحلية. ومع ذلك، أصبح هذا النمط من العيش مهددًا بسبب تغير المناخ الذي يضرب قلب أنظمتهم البيئية والاجتماعية.
في محاولة لمواجهة هذا التحدي، بادرت نساء من عشر قرى، بقيادة مودولي، إلى مشروع فريد من نوعه: رسم "خرائط الأحلام"، وهو تصور بصري يعكس ما ينبغي أن تكون عليه قراهن من حيث الموارد، المساحات الخضراء، والغطاء النباتي.
وبدعم من منظمة غير حكومية محلية، أجرت النساء مسحًا بيئيًا شاملاً لموارد قراهن، وقارنّ النتائج مع بيانات حكومية تعود لستينيات القرن الماضي، ليتبين أن المناطق المشتركة تقلصت بنسبة تصل إلى 25%.
الخرائط الملونة التي أنجزنها، والتي يُطغى عليها اللون الأخضر، ليست مجرد رسومات بل أداة ضغط تهدف إلى إقناع السلطات بمنحهن تمويلًا قدره مليوني دولار، للمساعدة في ترميم الغابات، واستعادة الأراضي المشتركة، وتطوير البنية البيئية المحلية.
قيادة نسائية للمرة الأولىللمرة الأولى، تتصدر النساء هذا النوع من الجهد المجتمعي المنظم، مما منحهن ثقة أكبر للتحدث باسم مجتمعاتهن أمام المسؤولين.
تقول مودولي: "نريد أن نحافظ على الموارد من أجل أطفالنا. هذه الأرض والغابة مصدر حياتنا، وإذا حصلنا على حقوقنا، ستكون أولويتنا هي إحياء الغابة وازدهارها من جديد".
يسعى السكان إلى اعتراف قانوني بحقوقهم في الأراضي المشتركة، بما يمنع أي جهة، بما فيها الحكومة، من تنفيذ تغييرات دون موافقتهم.
ويرى بيديوت موهانتي، مدير منظمة تنموية محلية، أن السكان الأصليين لم يساهموا في أزمة المناخ لكنهم يدفعون الثمن الأكبر، مضيفًا: "الغابة ليست فقط رئة بيئية، بل هي مطبخ خفي ومصدر حياة لمجتمعات بأكملها".
تعد الهند من أكثر دول العالم تأثرًا بتغير المناخ. وبحسب مؤشر مخاطر المناخ لعام 2025، تعرضت البلاد لأكثر من 400 حدث مناخي شديد بين عامي 1993 و2022، ما أسفر عن وفاة 80 ألف شخص وخسائر تقدر بـ180 مليار دولار.
وفي ولاية أوديشا وحدها، أظهرت دراسة حديثة انخفاض إنتاج الغذاء بنسبة 40% خلال العقود الخمسة الماضية. معظم مزارعي الهند يعتمدون على الزراعة البعلية، ومع تزايد عدم انتظام الأمطار الموسمية، باتت سبل العيش على المحك.
بحسب خبراء، فإن مشروع "خرائط الأحلام" في أوديشا قد يشكل نموذجًا يُحتذى به في مناطق أخرى داخل الهند وخارجها. وتقول نيها سايغال، خبيرة السياسات المناخية والجندرية: "80% من التنوع البيولوجي العالمي يقع ضمن أراضي الشعوب الأصلية. هؤلاء النساء لا يتحدثن فقط عن الحلول، بل يقمن بقيادتها بالفعل".
وتضيف: "عملهن يمكن أن يكون حاسمًا في صياغة خطة التكيّف الوطنية للهند مع المناخ، خاصة وأنهن يملكن معرفة متجذّرة بالطبيعة".
في قرية باداكيتشاب، تُلخص بورنيما سيسا، إحدى المشاركات في المشروع، العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة، قائلة: "الغابة هي حياتنا. نحن وُلدنا فيها، وسنموت فيها. إنها ليست فقط الأرض التي نعيش عليها، بل مصدر وجودنا كله".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة