هل ينجح الإسلاميون في تجزئة السودان للمرة الثانية؟

صلاح شعيب

أقام التوقيع على ميثاق نيروبي دنيا السودانيين، ولم يقعدها بعد. فالتحالف الجديد المدعوم بمساندة الدعم السريع، وجهات سياسية، وأفراد، ومنظمات مدنية، ودول، سيطر على جدل الميديا الحديثة طوال الأيام الماضية. ولكن ما هو مستقبل هذا التحالف، والحكومة التي يزمع تكوينها في مقبل الأيام لتكون موازية لسلطة بورتسودان؟

بكل تأكيد هذا السؤال ستجيب عليه مقدمات السياسة المركزية التي لا رادَّ لنتائجها الماضية حتى الآن.

ولكن الحقيقة أن وثيقة نيروبي تشكل منعطفاً خطيراً يتعلق بمستقبل وحدة السودان. فإما أنجزت الحكومة الموازية المرتقبة ما لم يستطعه الأوائل، وفقاً لما يزعم الموقعون على ميثاقها، أو شكلت مدخلاً لتجزئة البلاد إلى دويلات. وفي الحالتين لن يكون لدينا إلا القبول بحتمية نتائج المقدمات تلك.

ليس لدى الحصيفين أدنى شك في أن ما يغدو عليه مستقبل السودان الحالي هو مسؤولية قادته، ونخبه السياسية، كافة. ولكن الجزء الأكبر من هذه المسؤولية نَجم عن دخول الإسلاميين في المشهد السياسي السوداني منذ خمسينات القرن الماضي.

لا ينفي أحد أنه قبل سيطرة الإسلام السياسي على الدولة أن الحكومات التي سبقت انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 كانت تجتهد بضعف حيلتها الذاتية والموضوعية أمام تعقيدات السودان الموروثة. ولكنها كذلك كانت متشاكسة دائماً دون إظهار المصلحة العليا لتحقيق التنمية، والتقدم، والسلام، والعدالة.

بل إن هذه الحكومات تتحمل قسطاً وافراً من الفشل نسبةً لغياب الرؤية الجمعية في معالجة المشاكل النوعية التي طرأت بعد الاستقلال. وهي تتعلق جميعها بالتنمية الجغرافية، والإنسانية، والمهنية. وكان الناظم الأساس لكل اخفاقات النخب هو عدم الاعتراف بالتعدد الإثني، والفكري، والثقافي، والمذهبي للسودانيين. ومن هذه الزاوية وجد الخارج الإقليمي، والدولي، مساحة كبيرة لتعميق المشكل السوداني بمدخل المساعدة في تحقيق الاستقرار لحكومات الخرطوم.

إن هذه الحرب الجهادية الثانية التي يقودها الإسلاميون- كما قال شيخهم عبد الحي- هي السبب الجوهري لبروز تحالف نيروبي، وما يفرزه من حكومة موازية. وكلنا نعلم أن الإسلاميين ركزوا بجهادهم الأول ضد إخوتنا الجنوبيين في الاستثمار في الخبث، والاستبداد، والأنانية، لتكون الدولة بالنسبة لهم غنيمة حرب ليس إلا. فبعد أن دانت لهم السيطرة على الدولة عمقوا قضايا السلم والحرب حتى توصلوا إلى وهم أن انفصال الجنوب المسيحي الأفريقي يمثل نجاة للشمال العربي المسلم. وقد أعلن البشير في سنار بعد انفصال الجنوب أن البلد استراحت لتطبق كامل الشريعة الإسلامية، وتفرض لغة واحدة للبلاد. وفي الأثناء فرح خاله فذبح ثوراً إيذاناً بأن الله عافى السودان من سرطان الجنوب كما زعم.

لم يكتف الإسلاميون بفترتهم الكالحة فعمدوا إلى عرقلة ثورة ديسمبر، وساهموا في تدبير الانقلاب. ولاحقاً رأوا في الحرب وسيلة لاسترداد ثقلهم المستبطن في الدولة، وتفعيله من جديد بمعاونة الانتهازيين، والمغيبين دينياً، وسياسياً.

لقد وقفت جموع الإسلام السياسي سداً منيعاً أمام كل محاولات القوى المدنية والإقليمية والدولية لخلق سودان متسامح، وعادل، بعد ثورة ديسمبر. ولكن نظراً لوجود المؤتمر الوطني المؤثر في الجيش، وسائر المؤسسات الأمنية والخدمية، عرقلوا مساعي إيقاف الحرب بالتفاوض الذي يفضي إلى إنهاء معاناة السودانيين في الداخل والخارج، وإنقاذ وحدة البلاد من التفتت.

ظهور الدعم السريع في مشهد العسكرتارية السودانية هو بمثابة عرض محلي لمرض قومي عضال. فهو منتج عبر العقليات القيادية الإسلاموية التي اتفقت معظمها على استخدام المليشيات في مقابل محاشاة مطالبة الأطراف بحقوقها. والإسلاميون فاقوا سابقيهم في هذا النهج المفتت لنسيج المجتمع. وسوف يكابرون اليوم- لابد- بأن الحكومة الموازية لسلطة بورتسودان لا علاقة لها بتهورهم السياسي الذي قاد البلاد للحرب. ولكن- على كل حال- إصرار الإسلاميين على الوصول بحربهم إلى خواتيمها من أجل العودة للسلطة ربما ينتج في المستقبل أكثر من حكومتين، والأيام دول.

الحقيقة أن السودانيين جميعا يحصدون اليوم حصيلة سياسة الإسلامويين التي فجروا بها مشاكلنا الموروثة قبل أكثر من ثلاثة عقود. إنهم يتحملون المسؤولية الكاملة لما يجري الآن في البلاد التي مزقتها الحرب. فهم الذين أوجدوا الدعم السريع، وفشلوا في أن ينازلوه إلا عبر التخفي وراء مقاتلي الجيش، والمستنفرين من أبناء الفقراء، والمساكين.

لا يوجد خطر على وحدة السودان الآن أكثر من الإسلاميين الداعمين للحرب، والرافضين لكل محاولة لإيقافها بالتفاوض. وعندئذ على عقلاء السودان ألا يتوقفوا من مساعي توحيد الجبهة المدنية للضغط على طرفي القتال لإنهاء الحرب كخطوة أولى لاستئناف الانتقال الديمقراطي، وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر.

الوسومالاستقلال الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان الشريعة الإسلامية جنوب السودان صلاح شعيب عمر البشير

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الاستقلال الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان الشريعة الإسلامية جنوب السودان صلاح شعيب عمر البشير الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ديدي يطلب إعلان بطلان محاكمته للمرة الثانية: شهادة زائفة وتلاعب من الادعاء

تقدم فريق الدفاع عن مغني الراب ومنتج الموسيقى الشهير شون “ديدي” كومبس بطلب ثانٍ لإعلان بطلان المحاكمة الجارية ضده في قضايا تتعلق بالاتجار الجنسي، في رسالة رسمية وُجهت للقاضي “أرون سوبرامانيان” يوم الجمعة.

جاء في الرسالة أن الادعاء قدّم شهادة “كاذبة ومضلّلة ماديًا” أمام المحكمة، تتعلق بحادثة يُزعم أن كومبس هدد فيها إحدى الضحايا، بريانا بونغولان، من خلال “تعليقها من شرفة” في شقة المغنية كاسي فنتورا في سبتمبر 2016.


 

واستند الدفاع إلى رسائل نصية قالوا إنها تُظهر أن كاسي لم تكن شاهدة على الحادثة كما ادعت، بل علمت بها لاحقًا، مما يجعل شهادتها باطلة حسب قولهم. وأضافوا أن “الادعاء استخدم هذه الرواية لرسم صورة مروعة عن موكّلنا أمام هيئة المحلفين”.

كما أشار الدفاع إلى صور إصابات قُدمت كدليل على الحادثة، لكنها التُقطت في لوس أنجلوس في 26 سبتمبر، بينما كان كومبس، بحسبهم، في مدينة نيويورك في تلك الفترة.


وأكد الفريق القانوني أن الادعاء “سعى عمدًا للتشويش على استجواب الدفاع” حين حاول المحامون فضح ما اعتبروه “تزويرًا في الشهادة”، معتبرين أن هذا يمثل انتهاكًا لأسس المحاكمة العادلة.

هذه ليست المرة الأولى التي يطلب فيها الدفاع إعلان بطلان المحاكمة. ففي مايو الماضي، تقدموا بطلب مماثل بسبب أسئلة وُجهت لشاهد من إدارة الإطفاء تتعلق بتفجير سيارة المغني كيد كودي، واعتبرها الدفاع محاولة للإيحاء بأن كومبس يستخدم نفوذه المالي للهروب من المساءلة، وهو ما رفضه القاضي وقتها.

القاضي لم يبت بعد في طلب البطلان الثاني.


تاريخ ديدي

شون جون كومبس، المعروف باسم “ديدي” (Diddy) وأيضًا بـ “باف دادي”، هو مغني راب ومنتج موسيقي ورجل أعمال أمريكي وُلد في 4 نوفمبر 1969 في نيويورك.

بدأ ديدي مسيرته في صناعة الموسيقى في أوائل التسعينيات كمكتشف مواهب، ثم أسس شركة الإنتاج الخاصة به “باد بوي ريكوردز”، التي ساعدت في إطلاق مسيرة نجوم مثل نوتوريوس بي.آي.جي. وحقق نجاحًا كبيرًا بألبومه الأول “No Way Out” عام 1997.

طباعة شارك ديدي شون “ديدي” كومبس كودي

مقالات مشابهة

  • ديدي يطلب إعلان بطلان محاكمته للمرة الثانية
  • للمرة الثانية خلال ساعات.. حريق هائل في شونة كتان بالغربية
  • مدرب المنتخب العراقي: مهمتي الذهاب لكأس العالم وتحقيق الحلم للمرة الثانية
  • البرتغال تجرد إسبانيا من لقبها وتتوج للمرة الثانية بدوري الأمم الأوروبية
  • فيديو.. ترامب يتعثر للمرة الأولى في ولايته الثانية
  • ديدي يطلب إعلان بطلان محاكمته للمرة الثانية: شهادة زائفة وتلاعب من الادعاء
  • البرتغال تتوج بدوري الأمم الأوروبية للمرة الثانية
  • بركلات الترجيح.. البرتغال بطلا لدوري الأمم الأوروبية للمرة الثانية
  • للمرة الثانية.. حلم اليابان بالهبوط على سطح القمر يتحطّم
  • بعد تأييد حكم الإعدام عليه للمرة الثانية.. فرصة أخيرة أمام طبيب روض الفرج للنجاة