رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا بسبب العقوبات الغربية والتضخم المرتفع وأسعار الفائدة القياسية، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد منح موسكو فرصة جديدة لتعزيز اقتصادها، وفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز.

وتقول رويترز إنه في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا منذ 3 سنوات، تواجه روسيا وضعا اقتصاديا معقدا، حيث أدى الإنفاق العسكري غير القابل للتجديد إلى تضخم غير مستدام، كما ارتفعت أسعار الفائدة إلى 21%، مما أدى إلى تباطؤ الاستثمارات وتقليل القدرة الشرائية للمواطنين.

وبحسب أوليغ فيوغين، النائب السابق لرئيس البنك المركزي الروسي، فإن موسكو أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الحد من الإنفاق العسكري، أو الاستمرار فيه مع تحمل سنوات من تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع التضخم، وتدهور مستويات المعيشة، مما يزيد من المخاطر السياسية على الحكومة.

وأوضح فيوغين أن "السبب الاقتصادي الرئيسي الذي قد يدفع روسيا للتفاوض على إنهاء الحرب دبلوماسيا هو تجنب المزيد من إهدار الموارد المحدودة على نفقات غير منتجة"، مؤكدا أن ذلك هو "الخيار الوحيد لتجنب الركود التضخمي".

مكاسب محتملة من إنهاء الحرب

وفي حين أنه من غير المرجح أن تخفض روسيا نفقات الدفاع بسرعة، حيث تشكل حوالي ثلث إجمالي الميزانية، فإن مجرد احتمال التوصل إلى اتفاق دبلوماسي قد يخفف الضغوط الاقتصادية، ويؤدي إلى تخفيف العقوبات، بل ربما يشجع على عودة الشركات الغربية.

نفقات الدفاع الروسية تشكل حوالي ثلث إجمالي الميزانية (الفرنسية)

ألكسندر كولياندر، الباحث في مركز السياسة الأوروبية، يرى أن "الكرملين لن يوقف الإنفاق على التسلح فجأة خوفا من حدوث ركود اقتصادي، كما أن الجيش بحاجة إلى إعادة بناء قدراته".

إعلان

لكنه أشار إلى أن أي تخفيض تدريجي في عدد الجنود يمكن أن يقلل من الضغوط على سوق العمل، الذي يعاني بالفعل من نقص العمالة بسبب التجنيد الواسع والهجرة، مما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى مستوى قياسي عند 2.3%.

ويضيف كولياندر أن احتمال إحراز تقدم في المفاوضات قد يجعل واشنطن أقل تشددا في فرض عقوبات ثانوية على الشركات المتعاملة مع روسيا، خاصة تلك القادمة من الصين، مما يسهل الاستيراد ويخفض التكاليف.

ردود فعل الأسواق واستجابة البنوك

وشهدت الأسواق الروسية تحسنا ملحوظا فور تداول أنباء عن جهود ترامب لإنهاء الحرب، حيث ارتفع سعر الروبل إلى أعلى مستوى له منذ 6 أشهر مقابل الدولار، مدعوما بآمال تخفيف العقوبات.

ورغم النمو القوي للاقتصاد الروسي بعد الانكماش الطفيف الذي شهده عام 2022، فإن البنك المركزي الروسي يتوقع تباطؤ النمو من 4.1% في 2024 إلى حوالي 2% في 2025. وكانت إلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي، قد صرحت في 14 فبراير/شباط الماضي بأن "نمو الطلب كان دائما أسرع من القدرة الإنتاجية، وهو ما يفسر التباطؤ الطبيعي في النمو".

لكن توازن البنك المركزي بين دعم الاقتصاد والسيطرة على التضخم يظل تحديا، حيث تضخم العجز المالي الروسي ليصل إلى 1.7 تريليون روبل (19.21 مليار دولار) خلال يناير/كانون الثاني وحده، بزيادة 14 ضعفا مقارنة بالعام السابق، وقامت الحكومة بتقديم الإنفاق المتوقع لعام 2025 مقدما.

بين المكاسب والمخاطر

وأدى الإنفاق العسكري الضخم إلى ارتفاع الأجور في القطاعات المرتبطة بالدفاع، بينما يعاني المواطنون في القطاعات المدنية من ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية.

واستفادت بعض الشركات من التحولات الكبيرة في أنماط التجارة حيث شهدت زيادة مطردة في الإيرادات مستفيدة من ارتفاع الطلب الاستهلاكي وانخفاض المنافسة بعد انسحاب العديد من الشركات الأجنبية.

المخاطر الاقتصادية الأساسية التي تواجه روسيا تشمل انخفاض أسعار النفط وزيادة الديون المتعثرة للشركات (الأوروبية)

ومع ذلك، فإن أسعار الفائدة المرتفعة تعيق الشركات الأخرى، حيث قالت إلينا بوندارشوك، مؤسسة شركة أوريانتير لتطوير المستودعات، إنه "عند أسعار الفائدة الحالية، من الصعب إطلاق مشاريع جديدة، حيث تقلصت قاعدة المستثمرين المتاحين، وأولئك الذين ما زالوا في السوق يعتمدون على شروط البنوك".

إعلان

وتشمل المخاطر الاقتصادية الأساسية التي تواجه روسيا، وفقا لتقارير داخلية اطلعت عليها رويترز، انخفاض أسعار النفط والقيود على الميزانية وزيادة الديون المتعثرة للشركات. ورغم أن ترامب يستخدم إنهاء الحرب وسيلة لتحفيز الاقتصاد الروسي، فإنه لوّح بفرض عقوبات إضافية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سريع.

موقف واشنطن

ويقول كريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة ماكرو أدفايزوري، إن "الولايات المتحدة لديها نفوذ اقتصادي كبير، وهذا ما يجعل الروس مستعدين للجلوس على طاولة المفاوضات".

وبينما تحاول موسكو تحقيق أكبر مكاسب اقتصادية ممكنة من أي اتفاق دبلوماسي محتمل، تراقب واشنطن عن كثب، حيث يبقى السؤال الرئيسي: هل سيسمح ترامب لموسكو بالاستفادة اقتصاديا من اتفاق السلام، أم أنه سيتراجع ويشدد العقوبات مرة أخرى؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قمة الويب أسعار الفائدة البنک المرکزی

إقرأ أيضاً:

قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.

1 وقف الرحلات الجوية المباشرة بين السودان والإمارات ليس لا انسانى فقط بل هو قرار سياسي، اقتصادي، بل عسكري بامتياز، يتعلق بمجريات الحرب ووقائعها وأساليب خوضها عبر أوجه متعددة. كيف؟ ،
تعلم الإمارات أن الأطنان التي تتدفق على أسواق الذهب بدبي من السودان إنما تسلك في أغلبها طريقاً واحداً ظل سالكاً لعشرات السنوات دون أن يتأثر بأي تغييرات سياسية، وذلك الطريق كان عبر الجو… إذ يُصدَّر الذهب بيسر وترجع عوائده بالسرعة اللازمة ليلعب دوره في الاقتصاد. وهاتان الميزتان جعلتا السودان يقرر استمرار تصدير الذهب للإمارات رغم عدوانها. ولكنها ، مع إخفاقها في كسب الحرب في الميدان العسكري، احتاجت لنقل الحرب إلى المجال الاقتصادي، متجاوزةً قواعد الاشتباك الاقتصادي، وهي بالطبع غيرها من قواعد الاشتباك العسكرية.وهذه هى البداية قد تطور الإمارات حربها لتصبح حربا تجارية واقتصادية شاملة تصل إلى النقل البحرى أو مجالات البنوك والتمويل المصرفى او اى تعاملات اخرى.
الغريب أن دولة الإمارات إلى عهد قريب كانت لا تخلط بين التجارة والسياسة على مستوى اقتصادها الداخلي، ورغم الضغوط والاتهامات بأن دبي مركز لغسيل الأموال وأن الذهب الذي يرد إليها من المليشيات في إفريقيا هو ذهب معجون بالدم، فإنها ظلت ترفض تسييس التجارة، ولكن في حالة السودان استخدمت السلاح الاقتصادي والتجاري لأول مرة منذ بداية الحرب!!.
2
وقف الرحلات الجوية يربك تجارة الذهب سريعاً لكنه لا يوقفها،كما من شأنه أن يضعف منافسة الذهب السوداني في سوق دبي، لأن أرباح التجار عادة لا تتجاوز 1% أو 2% من سعر البورصة العالمية.انقطاع مسار الشنط اليدوية (Hand-Carry) الذي كان ينقل جزءاً كبيراً من الذهب مع المسافرين على رحلات تجارية إلى دبي، يوقف هذا المسار فوراً، ويرفع كلفة النقل ويطيل زمن التسليم. ومن ناحية أخرى، سيضغط على السيولة والأسعار المحلية لقلة المشترين الفوريين (الكاش)، وتباطؤ الشحن يوسّع فرق السعر بين بورتسودان وسعر دبي، فيُباع “الذهب السوداني” بسعر أقل مقارنة بالسعر العالمي بسبب صعوبة التصدير، فيهبط سعر الشراء من المنقّبين ويسبب خسائر كبيرة لهم.
3
كل ذلك يعني أن تجارة الذهب الآن تتعرض لمخاطر ودخلت ساحة الحرب وأصبحت إحدى أدواتها . تهدف الإمارات بهذه الخطوة إلى الإضرار بالاقتصاد السوداني، وبالتالي قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها في الدفاع عن البلاد. تعلم أبوظبي أن السودان يعتمد الآن على الذهب في ميزانيته بشكل كبير ، بعض الخبراء الاقتصاديين رجحوا أن الاعتماد الفعلي على الذهب بعد الحرب قد يتجاوز 65–75% من الإيرادات القابلة للتسييل السريع في السوق الدولية.
إجمالي الذهب رسمي وغير رسمي في تقديرات الفايننشيال تايمز تشير إلى أنه قد يبلغ 80 طنًا بقيمة تفوق 6 مليارات دولار، مع تهريب أكثر من نصف الكمية.في عام 2024، أفاد بنك السودان ان الصادرات الرسمية من مناطق سيطرة الجيش أن نحو 97% من الذهب المُصدَّر رسمياً اتجه إلى الإمارات، بإيراد حوالي 1.8 مليار دولار.
4
توقف صادرات الذهب فجأة إلى السوق الرئيسي التي كانت الدولة السودانية تتعامل معه يسبب إرباكاً ونقصاً كبيراً في واردات النقد الأجنبي للدولة،وبالتالي سيؤثر على سعر الصرف المتدهور أصلاً، وكذلك على قدرة الدولة بالايفاء بالتزاماتها الخارجية،وخاصة المشتريات العسكرية التي تتطلب عملات صعبة و تدفقات مستمرة حتى تتمكن القوات المسلحة التي تحارب على الأرض استكمال تجهيزاتها والتعويض المستمر لخسائرها واحتياجاتها. ولذا، فإن هذا القرار يستهدف ضرب المقدرات العسكرية للجيش السوداني، وخاصة أنه جاء بعد عملية نيالا التي أجهزت على 40 مرتزقاً كولومبياً كانوا على متن طائرة إماراتية، مما حدا بالمراقبين إلى الإشارة إلى أن الضربة كانت قوية ومؤثرة لدرجة جعلت الإمارات تتخلى عن سياستها المعهودة بعدم الربط بين التجارة والسياسة والحروب.
الإمارات تستورد بين 47٪ و95٪ من الذهب الأفريقي — وهذا يشمل الذهب الرسمي والمهرب من السودان، جنوب السودان، الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى.، والسودان يورد 97% من ذهبه للإمارات ولكن قيمته ليست كبيرة
( 6 مليارات اذا حسبنا الذهب المهرب)، تجارة أبوظبي تبلغ ما بين 50 إلى 130 مليار دولار كقيمة موثوقية لحجم تجارة الذهب في الإمارات. عليه فان أبوظبي قد لا تتأثر كثيراً، ولذا تستخدم تجارة الذهب أداة اقتصادية / عسكرية لإضعاف الجيش السوداني من خلال إضعاف عوائده وبالتالي مقدرته على إدارة اقتصاد حرب موفور الموارد.
5
إذن، ما العمل وما هي الخيارات البديلة…؟ هناك مسارات وأسواق أخرى تصدير الذهب السوداني إليها وعبرها، ولكنها معقدة وبها إشكالات لابد من إيجاد أفكار وسبل حلها. المشكلة الرئيسية التي تواجه كل المسارات انها تزيد التكلفة بنحو 3/5%، وزمن التسليم 5–10 أيام، للشحنات المتجهة للإمارات عبر مطارات وسيطة أو البحر.
مثلاً، يمكن تصدير الذهب عن طريق مصر، وهي الآن تستقبل الذهب المهرَّب بكل أريحية، ولكن هناك مخاطر وتعقيدات مالية وبيروقراطية اشتهرت بها الدولة المصرية، والأهم أن ذلك يرفع تكلفة التصدير ويمكن أن يعرض التجار لخسائر ومخاطر شتى. كذلك يمكن التصدير عبر إريتريا، ولكن ذلك أيضاً يرفع التكلفة، و الزيادة في التكاليف تجعل سعر الذهب السوداني أعلى من أسعار البورصة العالمية.
6
يمكن لكبار التجار أن يصدروا ذهبهم بطرود عبر طائرات خاصة بتكلفة عالية وتتطلب ترتيباً قانونياً أدق وامتثالاً أعلى في الإمارات، وخاصة أن الذهب القادم عبر أطراف ثالثة غالباً ما يواجه تدقيق “اعرف عميلك/مصدر الذهب” في مصافي وتجار الإمارات، ما قد يعطل التصفية والدفع.
7
هناك أيضاً خيار تصدير الذهب إلى استطنبول، لكن تركيا بها تعقيدات إدارية ومالية، ولفترة رفضت استقبال الذهب السوداني بسبب سياسات البنك المركزي التركي. وهناك أيضاً فرصة لتصدير الذهب إلى قطر، ولكن السوق القطري من ناحية لا توجد به مصافٍ كبيرة للذهب، وإلى الآن هناك مصفاة واحدة فقط بطاقة إنتاجية محدودة، ولا تبدو السياسات الاقتصادية القطرية منفتحة على الدخول إلى سوق تجارة الذهب بشكل كبير، لأن تلك التجارة بها مخاطر وارتبطت بصراعات سياسية في إفريقيا وغيرها، ولا تود الدوحة أن تخلط سياستها الخارجية الداعية للسلام والتفاوض بدم الحروب وذهبها.
8
يمكن التصدير عبر الشحن البحري من بورتسودان إلى الخليج/آسيا، لكن هذا المسار أبطأ ويستلزم توثيقاً وشركات لوجستية موثوقة، ولا يخلو من مخاطر، وقد تصدر الإمارات أيضاً قراراً بوقف البواخر القادمة من السودان.
هناك مسار آخر وسوقه أكثر انفتاحاً، وقد بدأ بالفعل قبل أن تبدأ حرب الذهب هذه، وهو مسار مسقط.
عُمان دولة نامية ومنفتحة على تجارة الذهب وبها سوق متطور. وفق بيانات حتى نوفمبر 2024، بلغ إجمالي واردات الذهب في عُمان حوالي 372 مليون ريال عُماني (نحو 966 مليون دولار أمريكي). وهو مبلغ هامشي لا يعتد به في تجارة الذهب ولكنها البدايات.السودان في المرتبة الثالثة ضمن المصدرين للذهب إلى عُمان، بقيمة تقارب 6.4 مليون ريال عماني.
هذه التجربة المحدودة في تصدير الذهب إلى عُمان،كانت ناجحة رغم الصعوبات التي اكتنفتها في بدايتها، وخاصة من جهة سرعة التحويلات البنكية والإجراءات. ولكن عموماً سوق عُمان كبير وآمن ومنفتح على تجارة الذهب، وكانت هناك محاولة سودانية قبل عام لفتح مصرف في محافظة ظفار لم تنجح، ينبغي إحياء الفكرة والاسراع في تطبيقها. مسقط يمكن، وبسرعة، أن تكون سوقاً بديلاً لدبي.
9
في الأثناء، لابد من بحث جاد عن بدائل سريعة بحل الاشكالات التي تواجه تجارة الذهب في أربعة دول صديقة وهى مصر، تركيا قطر، عُمان وإلا ترتب على التلكؤ آثار اقتصادية وسياسية وعسكرية تعمق الأزمة وتقود إلى تداعيات خطيرة. ولنتذكر دائماً أن 75% من مواردنا الحالية من الذهب.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كشف عن خطط جديدة.. هل يستطيع جبريل إنعاش الاقتصاد السوداني؟
  • هل يفوز ترامب على جبهة السياسة الاقتصادية؟
  • ترامب يكشف عن خطة تبادل للأراضي لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
  • الشركات الأمريكية الصغيرة تواجه خسائر سنوية 202 مليار دولار بسبب رسوم ترامب
  • رئيس أوكرانيا: روسيا تطيل أمد الحرب وتستحق أن تواجه ضغطا دوليا أكبر
  • بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري و«بيرنس كوميونتي» لدعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة
  • زعماء أوروبيون يدعون لممارسة مزيد من "الضغط" على روسيا
  • قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.
  • نهاية الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. هل تكون بـ"تبادل الأراضي"؟
  • بقنبلة جوية .. الجيش الروسي يدمر نقطة انتشار لقوات أوكرانيا