التحديات والفرص.. مؤشرات الحكم والحريات بأفريقيا
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
مع تزايد الاهتمام العالمي بمؤشرات الحوكمة، أصبحت أفريقيا جنوب الصحراء محورًا للتحليل والتقييم من قبل المنظمات الدولية.
فبينما تحقق بعض الدول تقدمًا ملموسًا في مجالات الديمقراطية، والشفافية، وسيادة القانون، لا تزال دول أخرى تعاني من الفساد، والقمع السياسي، والاضطرابات الأمنية، مما يؤدي إلى تراجع تصنيفاتها في التقارير الدولية.
ووفقًا لتقرير "أفريقيا في المؤشرات والتقارير الدولية 2024″، فإن الأداء العام للحكم في القارة يواجه تفاوتًا كبيرًا بين الدول، إذ يبرز البعض كنماذج للتحسن، بينما تعاني دول أخرى من تدهور مستمر في الحريات الأساسية.
مؤشرات الحكميُعدّ مؤشر إبراهيم للحكم الرشيد لعام 2022 من أبرز الأدوات التي تقيس أداء الدول الأفريقية في الحوكمة. ويتضمن المؤشر أبعادا متعددة، منها الأمن وسيادة القانون، والمشاركة الديمقراطية، والشفافية المؤسسية.
أبرز نتائج المؤشر لعام 2024: تحسن بعض الدول مثل سيشيل، والرأس الأخضر، وبتسوانا، حيث أظهرت هذه الدول تقدمًا في مكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة الحكومية.
تراجع مستمر في دول النزاع مثل السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفريقيا الوسطى، حيث أثرت الصراعات المسلحة والأزمات السياسية سلبًا على استقرار المؤسسات. ضعف سيادة القانون في العديد من الدول، إذ تعاني بعض الحكومات من عدم استقلال القضاء، وانتشار الفساد الإداري، وتراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة. إعلان
وتُظهر البيانات أن الدول التي استثمرت في بناء مؤسسات قوية تتمتع بقدرة أكبر على تحقيق التنمية الاقتصادية وحماية الحقوق المدنية، بينما تعاني الدول ذات الحكومات غير المستقرة من تراجع في مستويات المعيشة وتزايد معدلات الهجرة واللجوء.
قيود على الصحافة والمجتمع المدنييُظهر مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 أن أفريقيا لا تزال من أكثر المناطق تحديًا لحرية الإعلام، إذ تتعرض الصحافة في بعض الدول لرقابة حكومية صارمة، ومضايقات أمنية، واعتقالات تعسفية.
وهناك دول مثل ناميبيا، وغانا، وجنوب أفريقيا تأتي في مقدمة الدول الأفريقية التي تتمتع بحرية صحافة نسبية.
في المقابل، تعاني إريتريا والسودان من قيود شديدة، حيث يواجه الصحفيون الاعتقالات والقمع وإغلاق المؤسسات الإعلامية المستقلة.
فحملات التضييق على وسائل الإعلام الرقمية تتزايد، مع فرض قيود على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في بعض الدول.
أما في ما يخص المجتمع المدني، فإن بعض الدول الأفريقية تتبنّى سياسات تقييدية تجاه الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، إذ تفرض قوانين صارمة على التمويل الخارجي وتمنع بعض الأنشطة السياسية والحقوقية، مما يحدّ من قدرة المجتمع المدني على القيام بدوره في تعزيز الحريات العامة والمساءلة الحكومية.
القوة الناعمة وأفريقيافي ظل التغيرات العالمية، تسعى بعض الدول الأفريقية إلى تعزيز نفوذها عبر الدبلوماسية الثقافية والاقتصادية، وهو ما يعكسه المؤشر العالمي للقوة الناعمة لعام 2024.
فدول مثل جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا من بين الدول التي تستثمر في التعليم والثقافة والاقتصاد الرقمي لتعزيز مكانتها عالميا.
وأصبحت الرياضة والفنون والتكنولوجيا أدوات فعالة لرفع التأثير الإقليمي والدولي لبعض الدول الأفريقية.
ولكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين إمكانات أفريقيا وتأثيرها العالمي، إذ تعاني العديد من الدول من ضعف البنية التحتية ونقص الاستثمارات في التكنولوجيا والبحث العلمي.
إعلان إفلات الفاسدين من العقابتشير البيانات إلى أن العديد من الدول الأفريقية تعاني من ضعف في أنظمة العدالة، حيث يتفشى الإفلات من العقاب في قضايا الفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم المالية.
كذلك فإن غياب المساءلة يؤدي إلى فقدان الثقة بالحكومات، مما يعيق جهود الإصلاح.
وفي بعض الدول، يستخدم القضاء أداة سياسية ضد المعارضين، مما يقوّض نزاهة النظام القضائي. فممارسات الفساد في الأجهزة الأمنية والقضائية تؤدي إلى تعثر مسار الإصلاحات الديمقراطية.
وتُعد سيادة القانون من أهم الركائز التي تضمن استقرار المجتمعات، إلا أن ضعفها في بعض الدول الأفريقية يعزز حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
رغم التحديات المستمرة، لا تزال أفريقيا تمتلك فرصًا كبيرة للتحول الديمقراطي وتحسين الحكم الرشيد، ويمكن تحقيق ذلك عبر:
تعزيز استقلالية القضاء للقضاء على الفساد وضمان العدالة للجميع. تمكين المجتمع المدني ودعم الحريات الإعلامية لخلق بيئة سياسية شفافة.
الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لتحسين الاقتصاد وتعزيز القوة الناعمة. تحقيق شراكات دولية فعالة لدعم إصلاحات الحوكمة ومكافحة الفساد.
ويبقى التحدي الأكبر هو مدى التزام الحكومات بالإصلاحات الفعلية، وليس فقط الإصلاحات الشكلية.
فالمؤشرات وحدها لا تكفي، بل يجب أن تقترن بإرادة سياسية قوية وإجراءات عملية لتحقيق تقدم ملموس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بعض الدول الأفریقیة فی بعض الدول لا تزال
إقرأ أيضاً:
ما دوافع حرب أوكرانيا على الفساد؟
كييف- نزولا عند رغبة مئات المحتجين في الشارع، ورضوخا -على ما يبدو- للضغوط والمطالب الأوروبية خصوصا، تتجه أوكرانيا نحو تحرير مؤسسات مكافحة الفساد من وصاية السلطة، ومنحها استقلالية كانت قد ألغيت قبل أيام قليلة فقط.
فالقرارات التي كانت قد أعلنت عن وضع "المكتب الوطني لمكافحة الفساد" و"النيابة العامة الخاصة بمكافحة الفساد" تحت رقابة "النيابة العامة العليا" قوبلت بمظاهرات غضب لم تشهدها كييف منذ سنوات ما قبل الحرب، تبعها قرار أوروبي يقضي بتجميد منح كييف مساعدات بقيمة 1.5 مليار يورو.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سجن مسؤولين سابقين في كرة القدم الصينية بتهمة الفسادlist 2 of 2الحكم على نائب ألماني بالسجن في قضية فساد لصالح أذربيجانend of listبل إن المتحدث باسم المفوضية الأوروبية غيوم ميرسييه، هدد بالقول إن "الاتحاد الأوروبي لا يقبل التنازلات، وبصفتها دولة مرشحة (للعضوية)، يجب على أوكرانيا الالتزام الكامل بالمعايير، على السلطات الأوكرانية اتخاذ خطوات حاسمة لاستعادة ثقة المواطنين والشركاء الدوليين".
يشكك مراقبون بأن عدول كييف عن قراراتها لن ينهي الأزمة سريعا على المستويين المحلي والدولي، وسط دعوات جديدة للحد من سلطة رئيس الدولة و"النفوذ الأجنبي المفرط"، كما أن ثمة بوادر انقسام إزاء القضية بين المسؤولين المعنيين.
فاحتجاجا على التراجع الأوكراني، تقدمت رئيسة "وكالة التحقيق وإدارة الأصول" أولينا دوما باستقالتها، وهي المؤسسة التي دعمت إلغاء استقلال مؤسسات مكافحة الفساد.
وبعد قبول الاستقالة، لمحت رئيسة الوزراء يوليا سفيريدينكو، إلى أن إدارة الوكالة ستضم لجنة تمثل الحكومة وشركاء دوليين يدعمون أوكرانيا في مجال مكافحة الفساد.
وهذا لم يعجب رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، التي اعتبرت أن "مشاركة مواطنين أجانب في إدارة الهيئات الحكومية الأوكرانية قد يدمر سيادة أوكرانيا، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات تتعارض مع مصالح أوكرانيا وحقوق الناس".
إعلانحتى أن تيموشينكو اقترحت إنشاء جمعية وطنية تضم "أبطال أوكرانيا" الذين شاركوا في العمليات القتالية، وعنها تنبثق "قيادة مستحقة" لهيئات مكافحة الفساد.
اعتبرت الصحفية والناشطة في منظمة "بين" الحقوقية زويا كازانجي، في حديثها للجزيرة نت، أن "نشاط مؤسسات مكافحة الفساد أقلق السلطة، فقد كشف فسادا في مراكز حساسة داخلها، أبرزها مركز نائب رئيس الوزراء السابق".
وتابعت أن "هذا دفع الرئيس والبرلمان لإجراءات تعسفية عاجلة، ظنا منهم أن الشعب لن يتفاعل؛ وإذ به ينتفض دفاعا عن القيم والمبادئ التي سببت ظهور هذه المؤسسات بعد ثورة الكرامة في عام 2014، والتي يقاتلون ويموتون من أجلها الآن" على حد قولها.
وكان تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في أوائل شهر مايو/أيار الماضي قد اعتبر أن "أوكرانيا تحقق خطوات كبيرة في معركتها ضد الفساد رغم الحرب العدوانية الروسية المستمرة، مدركة أن إطار النزاهة القوي أمر ضروري للثقة في الاقتصاد وثقة الشعب والتعافي بعد الحرب".
ومن وجهة نظر كازانجي، فإن "الشعب -في حقيقة الأمر- لا يثق كثيرا بكفاءة هذه المؤسسات، لكنها الأبرز في هذا المجال"، معتبرة أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي "أخطأ التقدير والقرار، وإجراءاته انقلبت عليه، ولهذا تراجع قبل أن يتفاقم الأمر أكثر"، واعتبرت أنه "كان عليه معاقبة المسؤولين المتهمين بالعمالة والخيانة، دون إلغاء دور تلك المؤسسات نفسها".
وترى الصحفية أن رئيسة الوزراء السابقة تيموشينكو وغيرها في المعارضة "قد استغلت الأمر لتعود إلى الواجهة من جديد، مثيرة مخاوف موجودة وغير موجودة، لتحقيق أهداف سياسية خاصة" حسب قولها.
وترى كازانجي في هذا الصدد أن "محاربة الفساد تحتاج إرادة سياسية حقيقية، ودعما شعبيا، ورقابة دولية"، وتعتقد أن المجتمع الأوكراني لا يعارضها بتاتا "لأنه سئم فشل المشاريع المحلية المتعاقبة في هذا الصدد".
التقارب والدعمتعتبر محاربة الفساد -سابقا وحاليا- واحدة من أبرز شروط التقارب الأوكراني مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي "الناتو" على أمل الحصول على العضوية في المستقبل، فبعد سقوط نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا عام 2014، أنشأت أوكرانيا عدة مؤسسات لهذا الغرض، هي:
المكتب الوطني لمكافحة الفساد: المسؤول عن التحقيق في قضايا الفساد الكبرى. النيابة الخاصة بمكافحة الفساد: والتي تعمل بالتوازي مع المكتب الوطني، وكلاهما عُطل مؤخرا بقرار الرئيس زيلينسكي. المحكمة العليا لمكافحة الفساد: تأسست عام 2019 للنظر في قضايا الفساد الكبرى. الوكالة الوطنية لمنع الفساد: المسؤولة عن مراقبة ذمم كبار الموظفين الحكوميين وإدارة نظام كشف الذمم المالية.يقول رئيس مركز "المبادرات الديمقراطية" إيهور كوهوت للجزيرة نت إن "كييف لن تحقق أي تقدم نحو التكامل مع أوروبا إذا قُمعت مؤسسات مكافحة الفساد فيها، وهي التي يخضع نشاطها لرقابة الأوروبيين، ويعد استقلالها شرطا لاستمرار هذا التوجه والدعم، لا سيما في ظل الحرب الروسية الراهنة".
ويبقى تفشي الفساد واحدا من أبرز معضلات المجتمع الأوكرانية المستمرة منذ الاستقلال عام 1991؛ حيث تحتل أوكرانيا المركز 105 من أصل 180 دولة حول العالم في مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية؛ بعد أن كانت في المركز 120 عام 2019.
إعلانومن وجهة نظر الخبير كوهوت فإن "هذا التحسن النسبي لا يلغي حقيقة تفشي الفساد في أوكرانيا، والصورة النمطية القاتمة حوله محليا ودوليا".
وأوضح أنه في عام 2012 صنفت شركة "إرنست ويونغ" أوكرانيا كواحدة من بين أكثر 3 دول فسادا حول العالم، إلى جنب كل من كولومبيا والبرازيل؛ ثم وضعتها في المرتبة 9 عام 2017، ووصفت حينها صحيفة "الغارديان" أوكرانيا بالدولة الأكثر فسادا في أوروبا؛ وذهب بعض الدبلوماسيين الأميركيين إلى اعتبار أن "لصوصا أداروا بعض أنظمة الحكم المتعاقبة في البلاد".
ويضيف "اليوم نحو 85% من الأوكرانيين يعتبرون الفساد مشكلة خطيرة جدا، ونسبة 60-65% لا تثق برغبة وقدرة السلطة الحالية حقا على محاربة الفساد؛ لكن نسبة تفوق الـ50% تشعر أن الوضع تحسن مقارنة بما كان عليه قبل 2014، وخاصة بعد بداية الحرب في 2022، بسبب الضغوط الأوروبية والغربية لتنفيذ إصلاحات والشروط التي على أساسها تمنح المساعدات".
ويختم بالقول "أعتقد أن محاربة الفساد تتم بالفعل بناء على الضغوط والشروط الخارجية للأسف، أكثر من كونها حاجة محلية، إنها تمس اليوم قطاعات الدفاع والأمن بشكل واضح؛ بينما يستشري الفساد في مجالات الحياة والقطاعات الخدمية الأخرى" على حد قوله.