(معاوية) نائم.. لعن الله من يوقظ الفتنة
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
يعرف الكثير من الأصدقاء والكثير من القراء أيضاً، أني رجل علماني ينتمي إلى مشروع وطني تقدمي، يتقاطع تماماً مع الطائفية وينبذها، بل ويقف بقوة ضد أشكالها ومتبنياتها وفايروساتها الخبيثة.. أعرض هذه المعلومة -اضطراراً-، ودفعاً لأي التباس أو سوء ظن، قبل أن أكتب مقالي هذا عن (معاوية) بخاصة وأن أحد الزملاء في الجريدة سألني سؤالاً صادماً لم يُهيء له، أو يقدم لسؤاله مقدمة تجعله طبيعياً ومقبولاً، إذ فاجأني بشكل مباشر، قائلاً: هل تكره معاوية ؟!
قلت له: كلا ؟!
قال: وهل تحبه؟
قلت له: كلا أيضاً!!
فقال: عجيب !!
قلت له: وماهو العجيب؟!
قال: أن لا تكره شخصاً مثل معاوية؟
قلت: لماذا أكرهه، وهو الذي عاش ومات قبل أربعة عشر قرناً، فلا أنا عشت في زمنه، ولا هو عاش في عصري، ولم تكن بيني وبينه أية مشكلة شخصية، أو خلاف خاص، فأكرهه بسببه.
قال: إذن أنت تحبه؟
قلت له متسائلاً: وهل في معاوية شيء يستحق أن تحبه لأجله.. وأنت تعرف جيداً أن الرجل ( فتنة)، وتعرف أنه مدجج من رأسه حتى أخمص قدميه بأسباب الخراب والشقاق والفرقة بين المسلمين.. كيف لي ان أحب رجلاً زرع قنبلة في حياتنا هي أقوى وأشد فتكاً من القنبلة الأمريكية “جي بي يو-28″ الخارقة؟.. قنبلة الطائفية التي كانت ولم تزل تهدد أمننا، وتقض مضاجعنا منذ اربعة عشر قرناً حتى اليوم .
وحين شعرت أن زميلي يسعى لتوسيع وتسخين النقاش، بل ويحاول جرّي إلى المنطقة التي أكرهها وأكره الدخول اليها، أوقفته، وقلت له:
أظن أنك فهمت الآن موقفي ورأيي بمعاوية !!
فقال نعم فهمت، ولكن
( ليش تريد تكتب مقالة عن معاوية، إذا إنت لا تحبه ولا تكرهه )؟!
قلت: إنك استعجلت في طرح السؤال، فأنا لا أكتب عن معاوية كشخص، ولا كخليفة، ولا أتحدث عن أبيه أبي سفيان أو عن أمه هند بنت عتبة، ولا عن خروجه عن طاعة خليفة المسلمين علي أبي طالب، وحربه معه في معركة صفين، ولا عن سب علي الذي أحبه الرسول وزوّجه ابنته، حيث كان يُلعن أبو الحسن على المنابر ستين عاماً، على ذمة المؤرخين من بينهم ( الزمخشري).. وباختصار أقول إن مقالي اليوم ليس عن معاوية !
فقال متسائلاً : لعد عن منو راح تكتب ؟!
قلت : عن مسلسل معاوية !
وأكملت كلامي قائلاً: الحقيقة أن الكتابة حول مسلسل معاوية ليست امراً سهلاً كما تظن، فالرجل كما قلت (فتنة)، وأن كل ما يتعلق به قابل للتأويل والإختلاف والانفجار حتى لو كان عملاً درامياً تمثيلياً، فالموضوع حساس جداً، وشائك، ومعقد تاريخياً.. وقابل للتفسير الآخر حتى لو انتقدت الممثل الذي أدى دور معاوية، بل حتى لو تعرضت لكومبارس بسيط في هذا المسلسل. لذلك أقول إن مقالي هذا يتناول مسلسل (معاوية) فقط، ويبحث أسباب إنتاجه، وجدوى بثه في هذه الأيام ( الملغومة) باسباب الانفجار الطائفي، ولماذا تصرف السعودية – مثلاً – مائة مليون دولار على عمل لا قيمة فنية له كما يقول النقاد الفنيون، وأصحاب الإختصاص من المحسوبين على الخط السعودي وليس على الخطوط الأخرى.. ولا قيمة تاريخية تأتي من هكذا عمل باهت، ناهيك من أن السخرية التي ينالها بعد كل حلقة من حلقاته، سواء بسبب الأخطاء الساذجة في اختيار الممثلين، او في نوعية الديكور والمكياج والاكسسوار والملابس التي لا تتلائم مع الزمن الذي عاشه معاوية، فضلاً عن ضعف النص، بخاصة وأن مستوى مؤلفه الأدبي والفني لا يرتقي إلى مستوى الدرجة الخامسة بين مؤلفي الدراما التاريخية، فالرجل مجرد صحفي، ليس له تجربة تذكر في تأليف الأعمال الدرامية، وأظن أن السبب في اختياره دون غيره يعود لاعتذار كبار كتّاب الدراما التاريخية العربية المعروفين، عن كتابة نص قد يسهم في تفجير الشارع الإسلامي العربي، لاسيما في هذه الظروف العصيبة التي تحيط بالأمة من كل حدب وصوب، بدءاً من ظروف غزة ولبنان واليمن والعراق واحداث سوريا المشتعلة في الساحل وغير ذلك.
إن مسلسل معاوية إن لم يكن مضراً بالمرة، فهو ليس مفيداً حتماً، ولا يستحق صرف مليون واحد وليس مائة مليون دولار، خصوصاً وأن هناك ملايين المسلمين الصائمين في البلاد العربية أو في بلدان آسيا وأفريقيا لايجدون طعاماً يفطرون به في رمضان..
وليس سراً أكشفه، أن مسلسل معاوية لم يفشل فنياً ولا اجتماعياً أو تاريخياً فحسب، إنما فشل جماهيرياً أيضاً، إذ يقال انه الأقل مشاهدة في رمضان مقارنة بأبسط وأضعف المسلسلات المعروضة في القنوات العربية خلال شهر رمضان الحالي، وهناك عزوف شعبي غير طبيعي عن متابعته.. ونتيجة لكل هذه الاسباب أدار الكثير من النقاد الفنيين، وأصحاب التخصص، ظهورهم لهذا المسلسل، فهم يتحاشون التقرب من قنبلة منزوعة الفتيل على حد قول الكاتب أسامة فوزي، بل إن أسامة نفسه يقول: ( إن الكيان الصهيوني لن ينجح مهما بذل في انتاج مسلسل يفرق العرب، ويضعف وحدة المسلمين مثل مسلسل (معاوية).. !!
لذا أعيد السؤال ذاته واقول : لماذ أقدمت السعودية على انتاج هذا المسلسل وبثه الان، وهي التي أجّلت إنتاجه وبثه لسنوات عديدة؟!
لقد كنت أراهن شخصياً على ( شبابية) ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقيادته التي قد تغير مسيرة السعودية المتشددة، وتنقلها من قوانين وأفكار وانتهاكات القرون الوسطى المقرونة بكل وسائل ومبررات التخلف والتعصب الاعمى، وبقسوة القيم والقوانين الوهابية، إلى حيث يجب ان تكون عليه دولة غنية تعيش في عصر الحداثة والانفتاح والسلم الاجتماعي والحياة الحرة الديمقراطية.. لكن للأسف
فقد أسقط هذا المسلسل رهاني، وخاب ظني وأملي بهذا (الرجل)، وأطاح بآمال أمثالي المتطلعين إلى رؤية ( سعودية) جديدة، عصرية، متآخية، منفتحة على جميع الطوائف والمذاهب والاديان والشعوب..
إن ( معاوية) مضى إلى قبره بكل اعماله السيئة والحسنة، فلماذا نوقظه ونستدعيه من قبره بعد اربعة عشر قرناً .. ألم يقل لنا الرسول الكريم :
(الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها ) ؟!
ومعاوية برأيي فتنة !!
فالح حسون الدراجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات مسلسل معاویة هذا المسلسل قلت له
إقرأ أيضاً:
كربلاء والوعي الذي يُرعب الطغاة
• ما لنا ولكربلاء؟ ولماذا نُعيد ونكرر الحديث عن واقعة مرّ عليها أكثر من أربعة عشر قرناً؟ أليست مجرد قصة قديمة؟ ألا يجدر بنا أن ننشغل بحاضرنا؟!! …،
سؤالً كثيراً ما نسمعه يردد على ألسنة الكثيرين، وقد يلقى استحساناً عند البعض، دون أن يدركوا كنهه ولا المغزى منه.
هذا السؤال – في جوهره– ليس بريئاً كما يبدو… بل إنه دعوة خفية لطمس التاريخ، وتغييب الوعي، والتخلي عن أعظم درس في رفض الظلم ومقاومة الطغيان.
إنه امتداد لصوت الطغاة في كل عصر، حين يريدوننا أن ننسى كل ما يوقظ الشعوب ويفضح المستبدين.
• واقعة كربلاء ليست مجرد حدث عابر، بل صرخة أبدية أطلقها الحسين بن علي عليه السلام في وجه الطغيان والانحراف، حين تحوّل الحكم الإسلامي إلى ملك وراثي فاسد، وحين تحول الدين إلى أداة بيد السلطان …
لقد خرج الحسين، لا لطلب دنيا ولا جاه، بل كما قال في بيان ثورته: [ وإني لم أخرج أشِرًا ولا بَطِرًا، ولا مُفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم )، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي.]
فهل يُعقل أن ندفن هذا الوعي وندّعي أن لا علاقة لنا به؟
وهل نُربي أبناءنا على رفض الظلم ونحن نصمت عن أعظم درس في رفضه؟
وهل يمكن لأي أمّة تسعى إلى نهضة حقيقية أن تطلب من أبنائها نسيان هذا الموقف الخالد؟!
إن الدعوة إلى نسيان كربلاء ليست حيادية كما يدّعي أصحابها، بل هي امتداد لنهج الطغاة الذين أرادوا طمسها منذ لحظة وقوعها. وهم اليوم – بربطات عنق حديثة ومصطلحات (عقلانية) – يكررون ذات الخطاب: {لا تفتحوا ملفات الفتنة} ، {لا تخوضوا في التاريخ}”، {لا تثيروا النعرات}، بينما هم يغرقون الحاضر والمستقبل في بحر من الفتن والانحراف.
بل ما يثير الأسى أن الذين يروجون لهذه الدعوات هم أنفسهم الذين صمتوا أمام طغاة العصر، وخضعوا لهم، وسلّموا لهم ثروات الأمة، وقرارها السيادي، ومستقبل وإرادة شعوبها على طبق من ذهب.
• يريدوننا أن ننسى الحسين لأن ذكر الحسين يفضح خنوعهم. يطلبون منا الصمت عن (كربلاء) لأن (كربلاء) تُدين صمتهم على (غزة)، وتكشف نفاقهم في مواجهة الاحتلال، وتُحرج ولاءهم للظالم.
• يريدون ديناً منزوعاً من روحه الثورية، ديناً بلا كربلاء، بلا صرخة، بلا تضحية…. ديناً يُستخدم لتخدير الشعوب وتسخيرها للطغاة، لا لتحريرها.
• لكن صوت الحسين عليه السلام، في وعينا، مازال يهتف: [ ألا وإنّ الدعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة].
• والأخطر من كل ذلك، أن من يطالبنا بطيّ صفحة كربلاء، يقطع الحبل الذي يربط الأمة بوعيها، ويمنعها من فهم ما هي فيه الآن.
إذ لو فهمنا كربلاء بحق لفهمنا لماذا وصلنا إلى هذا الواقع المظلم …، ولو وَعينا مغزى ثورة الحسين، لأدركنا أن ما نعيشه اليوم هو تكرار لذلك الانحراف، بأسماء جديدة وواجهات مصقولة.
• الحسين خرج يواجه التوريث والظلم والفساد وتزييف الدين والتسلط على رقاب الأمة باسم الطاعة … أليس هذا ما نراه اليوم؟
• فهم كربلاء لا يعني البكاء عليها، بل استلهامها كدروس لبناء وعي جديد وموقف أخلاقي صلب.
فكربلاء تعلّمنا أن الصمت جريمة، وأن المهادنة مع الباطل خيانة.. وأن الإصلاح لا يأتي دون تضحية ….. ومن يطلب منا نسيان الحسين يطلب منا – دون أن يقولها – أن ننسى أنفسنا، ونُسلم أرواحنا وأوطاننا وأطفالنا للطغيان، صامتين خانعين.
• كربلاء لا تموت، لأنها ليست ذكرى، بل مشروع دائم للنهضة والتحرر، يُبعث كلما حاولوا دفنه، ويكبر كلما حاولوا إسكات صوته.
• والحسين ليس قضية طائفة ولا مذهب، بل رمز إنساني إسلامي عالمي للحق والعدالة والكرامة والثورة في وجه الاستبداد …. وإحياء ذكراه ليس عودة إلى الماضي، بل تمسكٌ بالمبدأ الذي به يمكننا تقييم الحاضر من أجل بناء المستقبل.
فحين يُطلب منك أن تنسى كربلاء .. فاعلم أن هناك من يخاف أن تتذكر.
وحين يُقال لك إن الحسين قضية قديمة لا تخصك، فاعلم أن طغاة اليوم يرتجفون من وعيك إن فهمت لماذا خرج وضد من ولأجل ماذا !!!
كربلاء ليست قصة نُحييها كل عام، بل معيار نزن به واقعنا، ومرآة نكشف فيها زيف الحاكم، وضياع الدين وصمت الأمة.
وليس صدفة أن أكثر من يطالبونك بنسيان الحسين، هم الذين خضعوا لليزيد الجديد، وركعوا للمستبد، وسلّموا القرار والثروات والكرامة، ثم قالوا لك: دع التاريخ واهتم بحاضرك!
فمن لم يفهم ماضيه لن يفهم حاضره أصلاً… ومن لا يرى نفسه في صفوف الثائرين إلى جانب الحسين، فهو حتماً جزء من الحشود التي صفّقت ليزيد.