لبنان في مأزق يزداد ضيقاً من حيث جاءت فرصة الخروج منه على ساعة التحولات المتسارعة في المنطقة، وهو واقع أصلاً في مأزق متعدد الجنسيات والأهواء، بلد صغير يضم 18 طائفة تتحكم به جغرافياً وتعمل فيه عسكرياً أخطر دولتين، واحدة لم تعترف به قبل أن تحكمه، وثانية لا يعترف بها، وهما سوريا وإسرائيل، وتدخل في نسيجه وتحوله إلى ساحة حروب وصراعات أكبر ثورتين، الثورة الفلسطينية والثورة الإسلامية في إيران.
وليس من السهل على لبنان حتى بعد المتغيرات التي قادت إليها التحولات في الرئاسة والحكومة، تحقيق التزامه داخلياً وما يطلبه الغرب والعرب، "حق الدولة في احتكار السلاح" بحسب الخطاب الرئاسي والبيان الوزاري، وممارسة قرار الحرب والسلم الذي أمسك به "حزب الله" بالقوة من خارج الشرعية، وضد موقف الشركاء في الوطن.
وأقل ما على السلطة أن تعالجه سريعاً مشكلة على الحدود الجنوبية ومشكلة على الحدود الشرقية والشمالية، الأولى هي مختصر ما تركه الصراع العربي - الإسرائيلي ثم الصراع الإيراني - الإسرائيلي من تعقيدات، أضيف إليها احتلال إسرائيلي لخمس نقاط في الجنوب بعد "حرب الإسناد" التي بدأها "حزب الله" لدعم "حماس" في غزة.
والثانية بعد سقوط نظام بشار الأسد وقيام إدارة جديدة في سوريا، وهي بقايا خليط من التداخل اللبناني - السوري في القرى الحدودية والعشائر والتهريب والحدود اللامرسّمة والـ "كبتاغون"، ودور "حزب الله" وسلاحه في حرب سوريا، إضافة إلى النظام.
لكن الأساس هو في الداخل وانعكاسه على الحدود ومضاعفات ما على الحدود بالنسبة إلى الداخل، ذلك أن الضغوط قوية من الخارج بمقدار ما هي ملحّة في الداخل، فأمريكا وحلفاؤها الأوروبيون وأشقاء لبنان العرب يرفضون أنصاف الحلول وألعاب "تدوير الزوايا"، وهم قالوا لنا بكل اللغات "لا إعادة إعمار، لا مساعدات واستثمارات مع بقاء السلاح في يد حزب الله وأخطار العودة للحرب"، والحزب يؤكد يومياً أنه استعاد عافيته بعد الضربات، وهو في الميدان بحسب الأمين العام نعيم قاسم، ولا قوة تستطيع دفعه إلى التخلي عن السلاح الذي هو من أسباب وجوده للقيام بدور الخط الأمامي في الدفاع عن إيران ومشروعها الإقليمي ضد إسرائيل وأمريكا والغرب، والسلطة اللبنانية الجديدة ليست قادرة على نزع السلاح غير الشرعي، لا بالسياسة ولا بالقوة، وأي تصعيد إسرائيلي سيزيد تعميق المأزق.
صحيح أن الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام يعتبران أن ما جاء في خطاب القسم والبيان الوزاري طوى ورقة السلاح ومعها ثلاثية "شعب وجيش ومقاومة"، لكن الواقع على الأرض شيء والنصوص على الورق شيء آخر، فالدعوة إلى برنامج زمني لنزع سلاح "حزب الله" لم توضع على جدول الأعمال خلال اجتماعات مجلس الوزراء، وليس لدى الرئيس سلام سوى الموقف الواقعي القائل إن احتكار الدولة للسلاح لن يجري بين عشية وضحاها، والسؤال الحائر هو متى وكيف؟
ولا مهرب من التوقف أمام البنية الاجتماعية "للمقاومة"، بصرف النظر عن البنية العسكرية والحاجة أو عدم الحاجة إلى سلاحها، وليس أمراً قليل الدلالات أن تكون الفصائل المنضوية في"المحور" بقيادة إيران مؤلفة من مكون مذهبي شيعي، ومسلحة بأيديولوجية دينية ومؤمنة بولاية الفقيه، وتعمل في السياسة كما في الحرب بقوة "التكليف الشرعي"، فالبعد الإستراتيجي والجيوسياسي والديموغرافي واضح، ومحاربة إسرائيل لا تحجب الطابع المذهبي في نظر الطوائف الأخرى.
يحذر والي نصر، وهو خبير إستراتيجي أمريكي من أصل إيراني، من الانبعاث الطائفي في الشرق الأوسط، ويقول "من دون عملية سياسية لنزع الفتيل فإن التوتر الطائفي في المنطقة مرشح للتحول إلى موجات جديدة من الشغف وسفك الدماء، وتدخل إسرائيل وإيران إضافة إلى قوى سنيّة وشيعية يضيف الوقود إلى النار"، وهذا الكلام كان قبل سقوط نظام الأسد ورهانه على عصب الطائفة العلوية وقيام إدارة سلفيّة جديدة في سوريا، وفلتان المذابح الطائفية في الساحل السوري.
وفي رأي مديرة مركز الشرق الأوسط في "كارينغي"، مها يحيى، فإن "الدول العربية تريد نهاية للفوضى الإقليمية وليس فقط نهاية الصراع العربي - الإسرائيلي"، وقدر لبنان أنه في وقت واحد ضحية الفوضى الإقليمية والصراع العربي – الإسرائيلي، ولا أحد يعرف متى تتوقف الفوضى الإقليمية وكيف ما دام المعلن في التحولات هو السعي الأمريكي والإسرائيلي إلى زعزعة الاستقرار في إيران وضرب وكلائها في المنطقة، والشغل الإيراني على زعزعة الاستقرار لحلفاء أميركا وبلدان الاتفاقات الإبراهمية واتفاقات السلام مع إسرائيل، لكن الكل يعرف أن ما يخطط له الرئيس دونالد ترامب وتعمل عليه حكومة بنيامين نتنياهو هو قطع أي أمل في قيام دولة فلسطينية وقتل حتى فكرة الدولة، وتحضير المناخ لضم غزة والضفة إلى إسرائيل.
والرهان كبير في لبنان على الخروج من المأزق، لكن السلطة اللبنانية الجديدة التي تتعدد مهماتها الملحة محكومة بالعمل بحسب وصية الزعيم الصيني الإصلاحي دينغ شياو بينغ لرفقائه في مرحلة ما بعد ماو، "عبور النهر مع تلمس الصخور".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله لبنان على الحدود حزب الله
إقرأ أيضاً:
طلب أميركي لاستعادة قنبلة قصفت بها إسرائيل لبنان يشعل غضب المنصات
أثار طلب أميركي عاجل إلى الحكومة اللبنانية لاستعادة قنبلة ذكية من طراز "جي بي يو 39″، كانت إسرائيل قد أطلقتها خلال عملية اغتيال القائد العسكري في حزب الله اللبناني، هيثم علي الطبطبائي، لكنها لم تنفجر وبقيت سليمة في موقع الهجوم، موجة غضب وسخرية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.
ونقلت صحيفة معاريف العبرية، عن مصادر مطلعة لم تسمها، أن الحديث يدور عن قنبلة انزلاقية ذكية من طراز "جي بي يو- 39 بي" تصنّعها شركة بوينغ الأميركية، استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي بالغارة التي استهدفت هيثم علي طبطبائي، الذي يقدَّم باعتباره رئيس أركان حزب الله، داخل معقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
"خطر اختراق تقني يثير قلقاً أمريكياً وإسرائيلياً".. العثور على قنبلة انزلاقية لم تنفجر خلال الهجوم الذي استهدف الرجل الثاني في حزب الله في بيروت، وواشنطن تطالب لبنان باستعادتها فوراً#الجزيرة_رقمي pic.twitter.com/XAWOP5pN9C
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 30, 2025
وأضافت الصحيفة أن القنبلة، وعلى الرغم من إطلاقها في إطار عملية الاغتيال، لم تنفجر لسبب لم يتضح بعد، وبقيت سليمة نسبيا في موقع الهجوم، مما أثار قلقا في واشنطن من أن تتمكن أطراف أخرى، وعلى رأسها روسيا والصين، من الوصول إليها ودراسة تكنولوجيتها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد عامين من الانقطاع طلاب غزة يعودون لمقاعدهم بالجامعة الإسلاميةlist 2 of 2فلسطيني يحول مدرعة إسرائيلية لمحطة شحن هواتف محمولة بغزةend of listوأشارت إلى أن القنبلة تحتوي على رأس حربي فعّال بشكل استثنائي نسبة إلى وزنها، إضافة إلى منظومات توجيه وتكنولوجيا لا تتوافر حاليا لدى موسكو أو بكين، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر لم تسمّها، مما يجعل استعادتها أولوية بالنسبة للولايات المتحدة.
على منصات التواصل الاجتماعي، تواصلت تعليقات وسخرية واسعة، بين من يرى أن القضية تكشف "وجه واشنطن الحقيقي"، وبين من يعتبرها "صفعة تكنولوجية" قد تعيد ترتيب أوراق القوة في المنطقة.
إعلانواعتبر ناشطون أن الطلب الأميركي "منتهى الوقاحة"، مؤكدين أن واشنطن تطالب لبنان صراحة: "أعيدوا لنا القنبلة المتطورة التي أرسلناها لإسرائيل كي تقصفكم بها، لأنها لم تنفجر وبقيت صالحة للدراسة والاستخدام لاحقا".
إهانة ما لها حدود.. ووقاحة ليس لها نظير..
صحيفة معاريف الإسرائيلية: (واشنطن وجهت طلبا عاجلا للحكومة اللبنانية بإعادة صاروخ لم ينفجر في الهجوم الأخير على بيرت خشية وقوعه بيد روسيا أو الصين وهو الصاروخ GBU-39B الذي تصنعه شركة بوينج الأمريكية). pic.twitter.com/2jxkzDeMOV
— صلاح السقلدي Salah Alsakldi (@bka951753) November 28, 2025
وسخر آخرون بالقول: "هل تريد الولايات المتحدة استعادة الصاروخ لتعيده لإسرائيل وتقصف به بيروت مرة أخرى، وهذه المرة ينجح في الانفجار ويقتل المئات؟ إنها وقاحة مذهلة".
وكتب أحد المدونين: "يا جماعة، أمريكا تقول للبنان: القنبلة التي قصفناكم بها بالضاحية وما انفجرت، فيها تقنية متطورة جدا ولازم ترجع حتى لا تصل لإيران أو روسيا أو الصين".
.
فكرت حدا عم يمزح بالخبر !
ما هذه الوقاحة…لم نسمع ما يشبه ذلك ابدا؟
⭕️ #واشنطن تطالب #لبنان بإعادة قنبلة GBU-39 أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي في عملية اغتيال قيادي بـ #حزب_الله بعد أن فشلت في الانفجار (جوراليزم بوست)
▪️ ذكرت جوراليزم بوست أن الولايات المتحدة طلبت من لبنان… pic.twitter.com/UlNMIHIP1u
— ابو وليد (@derzi_el3880) November 30, 2025
وتساءل ناشطون: ما الذي سيفعله لبنان الآن؟ ومن سيتمكن من الوصول إلى هذه القنبلة أولا؟ وهل ستتحول إلى ورقة استخباراتية ثمينة في الصراع الإقليمي؟
وفي المقابل، رأى بعض المعلقين أن بقاء القنبلة في موقع الاستهداف يعد "أكبر غنيمة" قد يحصل عليها حزب الله، متوقعين أن تُنقل إلى إيران وربما روسيا أو الصين، باعتبارها فرصة نادرة للحصول على تكنولوجيا أميركية عالية السرية، تمثل صفعة استخباراتية لإسرائيل وحلفائها.
العالم وصل مرحلة من الوقاحة والوضاعة بشكل غير طبيعي !!
امريكا تطالب الحكومة اللبنانية بإعادة صاروخ GBU-39B غير المنفجر من "هجوم" الضاحية الجنوبية الأخير.
والله مدري وش أقول.. باقي يدفعون لبنان ثمن الصواريخ !! pic.twitter.com/nIIz9AdeGX
— فهد البطي (@fbati91) November 30, 2025
وأشار عدد منهم إلى أن قيمة هذه القنبلة تتجاوز كونها مجرد ذخيرة حربية غير منفجرة، فهي تحمل أسرارا تقنية وعسكرية عالية الحساسية، أبرزها أنظمة التوجيه عبر الأقمار الصناعية، وآليات التخفي وتقليل البصمة الرادارية، إضافة إلى مواد متقدمة تُستخدم في تصنيع رأسها الحربي الخفيف عالي التدمير.
ويعتقد نشطاء أن احتمال وقوعها بيد حزب الله أو أي طرف إقليمي قد يمنحه قدرة على تطوير صواريخه أو تحسين أنظمة التوجيه لديه، مما يجعلها عنصر قوة محتملا في أي مواجهة مستقبلية.
واعتبر نشطاء أن بقاء القنبلة دون انفجار يعد فشلا استخباراتيا وعسكريا، وقد يؤدي إلى كشف تقنيات حساسة، مما استدعى حالة استنفار داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ومحاولات غير معلنة لاستعادتها عبر قنوات دبلوماسية أو استخباراتية.
(خبر مضحك مبكي لكم يا عرب) وجهت امريكا طلبا عاجلا إلى الحكومة اللبنانية لإعادة قنبلة "جي بي يو 39″، كانت إسرائيل قد أطلقتها على بيروت ولكنها لم تنفجر، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية..إذا على لبنان تسليم القمبلة لامريكا لكي تفعلها ثم تعيدها لإسرائيل لكي تضرب بها بيروت مرة أخرى.
— sky5d (@sky5d1) December 1, 2025
واختتموا بطرح عدة تساؤلات حول التداعيات السياسية والعسكرية، وما إذا كانت هذه القنبلة ستتحول إلى ورقة ضغط جديدة في التوتر القائم بين واشنطن وطهران، أو إذا استُغلت كورقة تفاوضية في ملفات أكبر تتعلق بالمنطقة.
إعلانوكان حزب الله قد أعلن قبل أيام مقتل طبطبائي في الغارة ذاتها، إلى جانب 4 من عناصره في لبنان.