إبراهيم شقلاوي يكتب: بروميدييشن والغموض السياسي؟
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
مع اقتراب الحرب السودانية من نهاياتها وتعقّيدات المشهد السياسي، برزت دعوة منظمة “بروميدييشن” الأوروبية للإسلاميين السودانيين، بمختلف أطيافهم، للمشاركة في حوار سياسي بالدوحة من 11 إلى 13 أبريل الجاري. ورغم أن الدعوة يكتنفها الغموض، فإنها سرعان ما تحولت إلى ساحة لاختبار مواقف الإسلاميين الذين ما زالوا يعيشون حالة من الانقسام الداخلي منذ سقوط نظام البشير عام 2019.
اللافت أن الدعوة تزامنت مع تصاعد الدور الميداني للجيش السوداني في التصدي للهجمات التي تشنها مليشيا الدعم السريع، وسط اتهامات مباشرة لدول مثل الإمارات بتوفير الدعم اللوجستي والسياسي لهذا العدوان، وهو ما جعل توقيت المبادرة موضع تساؤل. في هذا السياق بدأ أن تنظيم حوار سياسي في الخارج بينما البلاد تخوض معركة وجودية، يمكن تفسيره كتشتيت للجهود الوطنية، إن لم يكن محاولة لإعادة رسم المشهد على أسس خارجية.
في عمق هذه الديناميكية، جاء الرفض القاطع من قيادة حزب المؤتمر الوطني – التي يمثلها أحمد هارون – للمشاركة في مشاورات الدوحة. الرفض لم يكن انفعاليًا، بل استند إلى جملة من الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، أبرزها أن الحوار وإن كان مطلوبًا، يجب أن يُبنى على أسس وطنية خالصة، وأن يُعقد داخل السودان، بعد إنهاء الحرب واستعادة السيادة الوطنية كاملة. الحزب يرى أن أي حوار قبل نهاية المعركة الحالية سيكون بمثابة اعتراف ضمني بشرعية أمر واقع تصنعه المليشيا وسندها الخارجي.
في المقابل، قبل تيار آخر من الإسلاميين – بقيادة إبراهيم محمود – الدعوة، وسمي ممثلين للمشاركة ما يعكس انقسامًا تكتيكيًا لا فكريًا بالضرورة، إذ أن الطرفين يتبنيان ذات المرجعية الإسلامية، لكنهما يختلفان في تقدير أولويات المرحلة. هذا الانقسام يعيد للأذهان التجربة السورية، حيث تم احتواء الإسلاميين تدريجيًا ضمن ترتيبات دولية، بعد أن جرى عزلهم في بداية الثورة، فهل تسعى القوى الدولية لتكرار هذا النموذج في السودان؟
لغة بيان المؤتمر الوطني نفسه جاءت متماسكة واحترافية، متوازنة بين الشكر لقطر كدولة استضافة، ورفض المشاركة لأسباب موضوعية تتعلق بالزمان والمكان والمضمون. وقد ركّز البيان على أن الدعوة، بصيغتها التي اختزلت الأطراف في “الإسلاميين”، تُساهم في تعميق الاستقطاب، وتطرح الدين كعامل فرز سياسي في بلد متنوع الأديان والثقافات، بينما الأصل – كما يقول الحزب – أن يكون الحوار وطنيًا شاملاً يقوم على المواطنة لا الأيديولوجيا.
الأهم من ذلك، أن الحزب قد طرح في وقت سابق رؤيته لمستقبل السودان عبر “أجندة المستقبل”، التي تدعو لحوار سوداني-سوداني بعد انتهاء الحرب، بما يعكس موقفًا مبدئيًا وليس ظرفيًا من مسألة الحوار. من هنا يمكن فهم موقفه الرافض للدعوة على أنه استمرار في منهجية رافضة لأي تدخل خارجي في صياغة ترتيبات ما بعد الحرب.
في المجمل فإن دعوة “بروميدييشن” تمثل محاولة لاختبار قابلية التيار الإسلامي للانخراط في هندسة سياسية جديدة في السودان، وهي خطوة، وإن قُرأت في ظاهرها كتحرك نحو السلام، إلا أنها في باطنها تعكس سعيًا لإعادة تموضع القوى الدولية في السودان تحت غطاء الحوار.
من جهة أخرى، فإن منظمة “بروميدييشن” التي تنشط في القارة الإفريقية منذ سنوات، تبدو في نظر بعض المحللين السودانيين أنها تعمل على إتاحة موطئ قدم للقوى الأوروبية – وعلى رأسها فرنسا – في ملفات ما بعد الحرب، عبر بوابة الحوار السياسي. وهذا ما يجعل بعض الأصوات تعتبر المنظمة كتابًا مفتوحًا الأهداف، لا يجهل السودانيون خلفياته.
تُعد منظمة بروميدييشن (Promediation) الفرنسية من الجهات النشطة في مجال الوساطة والحوار المدني في مناطق النزاع، وسبق أن أبدت اهتمامًا ملحوظًا بالشأن السوداني، خاصة بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023. وقد تبنّت المنظمة في مناسبات عدة دعوات لورش عمل ومنتديات سياسية هدفت إلى جمع الأطراف السودانية المتنازعة على طاولة الحوار.
ففي أبريل 2024، رعت المنظمة بالتعاون مع الخارجية السويسرية ورشة في جنيف ناقشت سبل تحقيق وقف إطلاق النار والإنتقال للحكم المدني . كما نظّمت في يناير من نفس العام ورشة بالقاهرة جمعت حركات دارفور برعاية فرنسية-مصرية، لبحث فرص التهدئة في الإقليم. هذا النشاط المتواصل يعكس سعي المنظمة للعب دور الوسيط المحايد أو ربما المنحاز لمجموعة تنسيقية القوى المدنية “تقدم” ، بالنظر لتعقيدات المشهد السوداني السياسي.
دعوة بروميدييشن للإسلاميين السودانيين إلى حوار الدوحة، في هذا التوقيت الحرج، بحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة لا تبدو بريئة ولا معزولة عن السياق الدولي لإعادة تشكيل الخرائط السياسية في دول ما بعد الحرب. وحين تكون الجهة الداعية “ذراعًا ناعمة” للنفوذ الغربي، فإن استدعاء الإسلاميين إلى الطاولة لا يُقرأ باعتباره انفتاحًا عفويًا، بل خطوة محسوبة لاختبار الاستجابات وتشكيل البدائل. فهل هي مجرد صالونات استماع؟ أم بداية إدماج مشروط على الطريقة السورية؟ السؤال الأهم لا يزال معلقًا: لماذا الآن ؟ ولمصلحة من يُعاد ترتيب الأوراق؟
دمتم بخير وعافية.
الأحد 6 أبريل 2025 م Shglawi55@gmail.com
الوان
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الطاهر ساتي يكتب: رؤية كمبالا ..!!
:: عندما يُعلن نشطاء قوى الحُرية، تقدم سابقاً، صمود حالياً، عندما يعلنون عن ابتكارهم لما يسمونه بطريق ثالث يضع حداً للحرب و يضع رؤية لسودان ما بعد الحرب، فعلينا أن نتذكّر حكاية الأب الذي هاتف ابنه المغترب بالخليج طالباً تفويضه باختيار عروسته : (يا ولد خليني أختار ليك عروستك، ح تعجبك وتشكرني عليها باقي عمرك، وأنت عارف ذوقي في الاختياركيف)، فصاح الإبن متوسلاً: (لا لا، عليك الله يا أبوي اطلع من الموضوع دا، ذوقك شايفو في أمي)..!!
:: فالحرب التي تصطلي بها البلاد وشعبها، باعتراف زعيم مليشيا الإمارات حميدتي، من ثمار الإتفاق الإطاري الذي إبتكره نشطاء الحٌرية والتغيير برعاية فولكر، فأي طريق ثالث يبتكرون؟، وأي رؤية يطرحون؟..هل هي ذات الرؤية الأنانية المسماة بالإغراق، والتي أقصت القوى الوطنية من المشاركة في الإطاري؟، أم هي ذات الرؤية التي رفضت التلوث بها قوى الثورة المؤثرة، والتي منها الشيوعي والبعث و لجان المقاومة وغيرها ؟، أم هي ذات الرؤية التي أوعزت للدعم السريع بالبقاء موازياً للجيش لما لا تقل عن (10 سنوات).؟، وهل هي رؤية وطنية أم رؤية سفارات تم جمعها من ( سفارة، سفارة)..؟؟
:: فالتجربة السياسية غير الناضجة التي أفسد بها نشطاء قوى الحرية والتغيير مناخ الفترة الإنتقالية هي التي أفقدتها ثقة الناس، بحيث تكون مؤهلة لحل الأزمات وطرح الرؤى والأفكار والحلول التوافقية..وكان المؤمل أن ينجضوا بعد الحرب، ويتعلمون من دروسها المؤلمة، ولكن من شب على أجندة الأجنبي شاب عليها، إذ هربوا من الحرب بعربات الجنجويد، ليرتموا في أحضان كفيله ويأتمروا بأمره ..كان لحمدوك فرصة ذهبية ليكون حكيم المرحلة، ولكن الدراهم تعمي الأبصار و البصائر..!!
:: بالأمس أصدروا بياناً إستنكروا فيه موقف الإتحاد الإفريقي، وترحيبه برئيس الوزراء كامل إدريس، وإعتبروا بأن الترحيب يدعم طرفاً دون الآخر، وكان على الاتحاد الأفريقي أن يقف على مسافة واحدة بين الدولة السودانية و مليشيا الإمارات الإرهابية، أي كما يقفون هم بحجة ( نحن محايدين)، مع علمهم بأن الحياد في معركة طرفها الشعب و الوطن ما هو موالاة للعدو .. فالإمارات التي هم في حُضنها هي من أطالت أمد الحرب، وهي من ستخرجها من حدود البلد بحيث تكون حرب إقليمية، فليقدموا رؤيتهم – وطريقهم الثالث – لمن يحتضنهم إن كانوا شُجعاناً..!!
:: المهم، إنهم إجتمعوا في كمبالا، ليتحدثوا عن الطريق الثالث و رؤية ما بعد الحرب، ثم مناقشة قضية السودانيين بالداخل والخارج، وهم الذين يهربون – ويختبئون – من السودانيين بالداخل و الخارج ..ولعلكم تذكرون، قبل تحرير الخرطوم، كانوا يرفضون مقابلة رئيس المجلس السيادي في بورتسودان، ويسخرّون و يشترطون مقابلته في الخرطوم، بحيث كان تحريرها يبدو مستحيلاً عندهم ..وعليه، كما حرروا مسقط رأس حمدوك ( الدبيبات)، فالفرسان حرروا الخرطوم أيضاً، وأن شعب و حكومة السودان بشوق لرؤية ما بعد الحرب، فهلا ذهبوا بها إلى هناك وقدموها للسودانيين وحكومتهم، أم يخافون على أنفسهم من مسيّرات كفيلهم ..؟؟
الطاهر ساتي
إنضم لقناة النيلين على واتساب