ماذا قال الرسول عن البلاء؟ علي جمعة يكشف عن طريقة التعامل معه
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إنه عندما ينزل بالمؤمن البلاءُ يحتاج إلى أن يرجع إلى الله ليعرف حكمة البلاء، ويعرف كيف يتعامل معه عند نزوله، وما البرنامج الذي يسير عليه حتى تخفَّ عنه المصيبة، وتنزلَ السكينةُ على قلبه، ويتمتّعَ بنور الصبر.
. الأزهر للفتوى يجيب
وقال علي جمعة، في منشور له، إنه لا يمكن أن يكون ذلك إلا بقراءة الوحي (الكتاب والسنة). قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، وقال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وأوضح علي جمعة، أن نُزول البلاء امتحانٌ ينبغي أن نعلم أن مع هذه المحنِ منحًا ربانيةً من الجزاء الوفير والغفران التام، وأن الموتَ سنّةٌ من سنن الله في كونه، ولكنه مع ذلك ليس فناءً، بل هو انتقالٌ من دار الدنيا إلى دار الآخرة، ومن دار العمل إلى دار الجزاء، ومن دار الفناء إلى دار البقاء. وكان أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه لا يعيش له ولد، فسُئل عن ذلك فقال: «الحمد لله الذي يأخذهم مني في دار الفناء ليَدَّخِرَهُم لي في دار البقاء».
واستشهد بقول سيدنا رسول الله: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ»، وقال ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، وقال ﷺ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وقال ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الْجَنَّةُ».
وأشار إلى أن الروح باقيةٌ لا تفنى؛ ولذلك عند رحيل الأحبة نستمر في عمارة الدنيا، ونزيد من العمل الصالح، ونهب ثواب أعمالنا إلى من رحل صغيرًا كان أو كبيرًا.
عن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي ﷺ: «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟»، قال: «نَعَمْ».
ولما مات أبو وكيع بن الجراح، خرج يوم وفاته في درسه اليومي وزاد أربعين حديثًا عمَّا كان يحدّث به كل يوم، وبعدما دَفَنَ أبو يوسف -صاحبُ أبي حنيفة- ابنَهُ، حضر مجلس أبي حنيفة بعد الدفن ليتعلم حتى يتجاوز الأحزان.
فالمصيبةُ تُعلِّمُنا حقيقة الدنيا، وأنها فانية، وأنها متاع قليل، قال تعالى: {مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}، ولنا في سيدنا رسول الله ﷺ أسوةٌ حسنةٌ؛ فقد مات أبناؤه وأحباؤه في حياته، وفي كل الأعمار، حتى قال عندما مات إبراهيمُ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ».
ومات حمزةُ وجعفرٌ وزيدُ بن حارثةَ رضي الله عنهم، وكانوا أحبَّ الناس إليه، فعلَّمَنا كما علَّمنا القرآن: {إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وكلمة «راجعون» تبيّن أن الموطن الأصليَّ للروح هو عند الله، فمن هناك أتت تفضُّلًا ومنّة، وإليه عادت حكمةً وفضلًا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء الأزهر الشريف البلاء المزيد ال م ؤ م ن علی جمعة
إقرأ أيضاً:
ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان
استأنف ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" بالجامع الأزهر الشريف، فعالياته الأسبوعية أمس، الثلاثاء، تحت عنوان: “الإسلام وحقوق الإنسان”.
وحاضر في ملتقى هذا الأسبوع، كل من؛ الدكتور مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، والدكتور محمود الصاوي، الوكيل السابق لكلية الدعوة بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الإعلامي سمير شهاب.
في بداية الملتقى، أكد فضيلة الدكتور محمود الصاوي، أن الإنسان هو خلق الله سبحانه وتعالى، لهذا جاءت الشريعة الإسلامية بضوابط لصيانة حقوقه الكاملة، التي تضمن سير الحياة في سياق منضبط، كما راعى الإسلام الاتزان بين الحقوق والواجبات بين الأفراد، فإذا ما راعى الإنسان منظومة الحقوق كما بينتها الشريعة الإسلامية، وصل المجتمع إلى أرقى المستويات، هذا النموذج الراقي هو الذي جعل المجتمع الإسلامي الأول مجتمعا حضاريا لم تشهد البشرية نموذجا مثله.
وقال إن الحضارة التي وصل إليها المجتمع الإسلامي الأول، كانت بفضل قيم التعايش والتكافل التي ميزت أفراده، حيث تحول بفضل مبادئ الشريعة إلى مجتمع متحضر وراق، رغم التنوع الثقافي والديني والعرقي الذي كان يتسم به.
وأضاف فضيلة الدكتور محمود الصاوي أن منظومة القيم التي أرستها الشريعة الإسلامية تتميز بشموليتها، فهي تضمن حقوق الإنسان دون نقصان، حيث تقوم فلسفة هذه المنظومة المتكاملة على مبدأ أساسي وراسخ هو الحيلولة دون أي تعد من فرد على حقوق غيره، سواء كان هذا التعدي ماديا يمس ممتلكاته أو جسده، أو معنويا يمس كرامته وسمعته، من هذا المنطلق، لم تكن القاعدة الفقهية العظيمة "لا ضرر ولا ضرار" مجرد مبدأ نظري، بل هي حجر الزاوية الذي بنيت عليه تشريعات الإسلام، لتكون بمثابة صمام أمان يحمي المجتمع من الفوضى والظلم، ويضمن لكل فرد العيش في بيئة يسودها العدل، هذه القاعدة تعكس جوهر الشريعة في حفظ الحقوق ودفع المفاسد، وتؤكد على أن المصلحة الفردية يجب ألا تتعارض مع المصلحة العامة، وأن الضرر يُزال حيثما وجد، سواء كان ذلك الضرر يقع على النفس أو على الآخرين.
من جانبه، أوضح الدكتور مجدي عبد الغفار، أن القرآن الكريم قد عبر عن حقوق الإنسان بأسلوب راق في العديد من آياته، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" هذه الآية تؤسس لمبدأ الكرامة الإنسانية كحق أصيل لكل فرد، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده، كما تتضح هذه الفلسفة في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، حيث تؤكد هذه الآية على مبدأ المساواة بين البشر، وأن الهدف من هذا التنوع هو التعارف والتعاون لا التنافر والصراع، مما يرسخ أساسا متينا لاحترام حقوق الآخرين.
وبين فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار أن النفس البشرية بنيان الله -سبحانه وتعالى- ومن هدمها ملعون، وهو ما بينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله"، يُظهر هذا الحديث خطورة المشاركة في إزهاق الأرواح ولو بشيء يسير وهو جزء من كلمة، فما بالنا بمن يسفكون الدماء ويقتلون الأطفال والناس بغير حق؟ مستخدمين أبشع طرق القتل والتعذيب والتنكيل، إضافة إلى التمثيل بالقتل، فهولاء لا يعرفون للبشرية حقا ولا للإنسانية طريقا.
وذكر فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار، أن النصوص الشرعية، في ترسيخها للأحكام والقواعد الشرعية، استندت إلى ثلاثة مبادئ أساسية: أولا، الوعي قبل السعي، أي الفهم الصحيح للنصوص قبل تطبيقها، فسوء الفهم يؤدي إلى تطبيقها في غير موضعها، ثانيا، الإنسان قبل البنيان، بمعنى أن قيمة الإنسان مقدمة على أي شيء آخر، وهو ما يتجلى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"، وقوله أيضا: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهذا ما يفسر موقف الإسلام من العنصرية، كما يتضح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مرت جنازة يهودي: "أليست نفسا؟، مما يؤكد على احترام النفس البشرية بغض النظر عن دينها أو عرقها، ثالثا، الساجد قبل المساجد، أي أن قيمة العابد مقدمة على قيمة مكان العبادة، وهذا يعني أن غاية العبادة هي تزكية النفس وصلاحها، وليس مجرد إقامة الشعائر دون مراعاة لحقوق الإنسان.
وفي ختام الملتقى، شدد الإعلامي سمير شهاب، على ضرورة إدراك حقيقة جوهرية، وهي أن الدين الإسلامي قد سبق جميع الدساتير والقوانين الدولية الحديثة في إقراره الشامل لحقوق الإنسان، ولم يكن الإسلام مجرد سباق زمني، بل كان رائدا في تأسيس منظومة متكاملة ومتوازنة لحقوق الفرد والمجتمع، بل حمى الإسلام الحقوق الشخصية بكل دقة وتفصيل، مقدما بذلك نموذجا فريدا في صيانة كرامة الإنسان وحريته، بينما جاءت الدساتير والقوانين الدولية لاحقا لتعكس جزءا من هذه المبادئ التي أُرسيت جذورها في الشريعة الإسلامية منذ قرون عديدة.
جدير بالذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" يُعقد الثلاثاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، حيث كان بمسمى "شبهات وردود" وتم تغييره لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، بعد نجاحه طوال شهر رمضان والذي كان يعقد يوميًا عقب صلاة التراويح، ويتناول هذا الملتقى في كل حلقة قضية تهم المجتمع والوطن، والعالَمَين العربي والإسلامي.