الخرطوم- بعد عامين من القتال المدمّر في السودان يضطرب المشهد بشقيه العسكري والسياسي أمام تقلبات شبه يومية تعلو خلالها أصوات المدافع والرصاص ليكون العنوان الأبرز دائما؛ "إنها الحرب.. ننتصر أو نموت" فلا مجال للحديث عن تفاوض ولا هدنة إنسانية.

وبحلول النصف الثاني من العام 2024، تبدّلت موازين القوى بنحو لافت عندما سيطر الجيش السوداني وحلفاؤه على غالبية المواقع التي كانت تحتلها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، فتراجعت سطوتها وفقدت الكثير من قوتها الصلبة في الخرطوم وولايات سنار والجزيرة التي استعادها الجيش تباعا.

ويرشح خبراء عسكريون بموجب هذه التطورات أن يكون المشهد في السودان خلال عام الحرب الثالث حافلا بتصعيد ميداني واسع النطاق، ولا سيما مع إعلان قادة الجيش التحضير للهجوم على ولايات دارفور وكردفان.

ويؤكد رئيس حركة تحرير السودان مصطفى تمبور، الذي تقاتل قواته إلى جانب الجيش للجزيرة نت، تبدل موازين القوى لصالح القوات المسلحة التي قال إنها انتهجت سياسة حربية دقيقة جدا؛ أولها الدفاع ثم الهجوم الكاسح الشامل الذي جعل "المليشيا" (يقصد الدعم السريع) تتراجع وتهزم في قلب الخرطوم وسنجة والجزيرة وشمال كردفان والفاشر.

إعلان

ويضيف "الآن الموقف العملياتي على الأرض يشهد تقدما ملحوظا للجيش الوطني وهزائم متتالية للمليشيا وقريبا ستعود كامل الأراضي السودانية إلى حضن الوطن".

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يلوح بيده لدى وصوله العاصمة الخرطوم (رويترز) الحلقة تضيق

ويمضي عضو لجنة إسناد قوات درع السودان المسندة للجيش يوسف عمارة أبو سن، في التأكيد على أن المشهد العسكري يتّجه نحو مزيد من كسب الأرض لصالح الجيش السوداني، بينما تضيق الحلقة على الدعم السريع.

ويؤكد للجزيرة نت، أنه بعد حسم العمليات العسكرية في العاصمة ستتجه كافة القوات صوب الفاشر وتتخذ منها نقطة لتحرير بقية إقليم دارفور، لافتا إلى أن التصدع الداخلي الذي تشهده الدعم السريع على مستوى القادة والحواضن المزودة لها بالمقاتلين يمثل عاملا إضافيا لصالح الجيش.

ويضيف أبو سن قائلا "سيشهد العام الثالث عمليات أمنية وذلك بعد تحرير عواصم إقليم دارفور، بعدها ستتجه الدولة لحسم جيوب التفلتات والبؤر الإجرامية، كما أن خيار المصالحة الاجتماعية سيكون واردا بقوة لقطع الطريق أمام المليشيا ومنعها من استخدام التعبئة القبلية والقتال الصفري".

ولا يستبعد المتحدث نفسه تنفيذ هجوم بري على الولاية الشمالية، وتزايدا في هجمات المسيرات التي تطلقها الدعم السريع لضرب البنية التحتية في شمال السودان، لكن الهجوم البري كما يقول "لن يكون ناجحا ولا مجديا".

ويرى أبو سن أن حواضن الدعم السريع والمجتمعات الداعمة لها في دارفور ودول الجوار لن تكون بعد الآن مستعدة لمدّها بمزيد من المقاتلين وزجّهم في محرقة لا أمل في حسمها لصالح هذه القوات، وفق تعبيره.

 

لا تفاوض

ومن وجهة نظر المستشار السياسي لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي حاتم السر، فإن المشهد العسكري بات أكثر وضوحا على ضوء انتصارات الجيش الأخيرة، الذي قال إنه حسم المعركة لصالحه فعليا، ولا يرجح، في حديثه للجزيرة نت، حدوث أي تصعيد أو توسع في الحرب وهذا يشير إلى أنها اقتربت من نهاياتها.

إعلان

ويضيف "هناك إصرار شعبي يدعو لإنهاء هذه الحرب بشيء واحد، وهو النصر الكامل وسحق المليشيا والقضاء عليها".

ويلفت السر إلى أن الوقائع والمؤشرات على الأرض تشير كذلك إلى أن الجيش لن يدخل في عملية تفاوضية مع الدعم السريع إلا بعد الوصول إلى هدفه الإستراتيجي، المتمثل في تصفية القوة الصلبة للدعم السريع بالكامل، ومن ثم حصر التفاوض في نقطة واحدة وهي بحث تقرير مصير بقايا القوة، خاصة أن انتصارات الجيش منحته الأفضلية في فرض شروطه خلال أي عملية تفاوضية حول ما يجب أن يكون عليه مستقبل الدعم السريع.

ويرى حاتم السر أن أهم المتغيرات والتحولات التي أحدثتها الحرب في المشهد السياسي أنها جعلت من الجيش رقما لا يمكن تجاوزه في العملية السياسية وبصفة خاصة خلال الفترة الانتقالية. وبالتالي، أصبحت المطالبة بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي وعودة الجيش بالكامل للثكنات أمرا غير وارد قبل إجراء الانتخابات بالبلاد واختيار حكومة منتخبة من الشعب.

ويعتقد المستشار أن المشهد السياسي سيغادر في مقبل الأيام محطة الجمود بالدخول في حوار سوداني-سوداني حقيقي، ونجاح الخطوة رهين كما يقول بأخذ القوى المدنية والسياسية زمام المبادرة لاستعادة دورها المفقود عبر الدخول في الحوار الشامل الذي لا يقصي جهة أو طرفا.

ويبرز التحدي، باعتقاد السر، في كيفية فتح مسار يقبل بأن تكون القوى السياسية التي أيدت المليشيا في حربها جزءا من المعادلة الجديدة ضمانا لنجاح واستقرار الانتقال استعدادا للدخول في الاستحقاق الانتخابي.

سيناريوهات

ويعتقد الخبير في الشؤون العسكرية جمال الشهيد، أنه رغم ضخامة التحديات، فإن الجيش السوداني سجل تقدما ملحوظا في العديد من الجبهات، باستعادة مدنٍ حيوية في ولايات الخرطوم والجزيرة، كما تمكن من تحجيم "المليشيا" في النيل الأبيض، ونهر النيل وشرق البلاد.

إعلان

ويشير في حديثه للجزيرة نت، إلى أنه بدا واضحا أن كفّة التفوق تميل ببطء وثبات لصالح الجيش إلا أن قوات الدعم السريع لا تزال تحتفظ بموطئ قدم واسع في دارفور، ما يجعل الحرب أبعد من أن تكون شارفت على نهايتها.

ويضيف الشهيد "رغم التفوّق العسكري الكبير، إلا أن مؤشرات الحسم لا تزال بعيدة، فالمليشيا تتلقى دعما خارجيا، وتراهن على إطالة أمد الحرب، لتبقى السيناريوهات مفتوحة بين تصعيد كارثي، أو تدخل دولي متأخر، أو حسم وطني يُنهي التمرد".

واقع جديد

ويقول الصحفي والمحلل السياسي علاء الدين بشير للجزيرة نت، إنه بعد عامين من الحرب المدمرة فإن ميزان القوى العسكري والسياسي بدا يميل لصالح الجيش السوداني خاصة بعد استعادته للعاصمة الخرطوم والقصر الرئاسي برمزيته السياسية والتاريخية. كما حصد سندا شعبيا نتيجة الشعور الغالب بأن الصراع، صراع وجود ومصير.

ويستدرك بالقول إن هذا السند الشعبي لن يكون "شيكا على بياض" فمع عودة الحياة للاستقرار النسبي سيبدأ الناس بطرح السؤال الأساسي لماذا صنع الجيش مليشيا موازية له وعجز عن السيطرة عليها؟، ولماذا فشل الجيش في حمايتهم رغم اقتطاعه لسنوات طويلة النصيب الأكبر من ميزانية البلاد على حساب بنود صرف أخرى أساسية؟

وستقود محاولات الإجابة عن هذه الأسئلة، وفقا للمحلل، لتفاعلات سياسية واجتماعية كبيرة ستمتد إلى داخل المؤسسة العسكرية وربما قادت إلى الإطاحة بقيادتها الحالية وإعادة تشكيلها على أسس جديدة.

بالمقابل، يتحدث علاء الدين عن تراجع قوات الدعم السريع، ومع ذلك لا تزال تقاتل بشراسة في أجزاء واسعة من البلاد وبالأخص في شمال دارفور كما مكنتها المسيرات الحديثة من امتلاك ذراع طويلة شكلت تهديدا قويا وجديا للمرافق الإستراتيجية والمقار العسكرية في أكثر الأجزاء أمانا من البلاد، الأمر الذي قد يعيد رسم وتشكيل توازنات القوى ويفرز واقعا جديدا في الحرب.

إعلان

ويرى المحلل أن حالة الإنهاك العام ستنعكس على القوى السياسية وتزيدها ضعفا على ضعفها السابق. ويردف: "إذا كانت ظروف الشدة والحرب لم توحدها وتحفزها على العمل المشترك لإيقاف القتال فالمتوقع أن تزداد خلافاتها وصراعاتها خلال الفترة القادمة مع بروز تشكيلات شبابية جديدة وفاعلة هي امتداد لتشكيلات ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجیش السودانی الدعم السریع لصالح الجیش للجزیرة نت إلى أن

إقرأ أيضاً:

معركة الولاية الثانية والوساطة تحت الضغط : هل تُنقذ القوى المعتدلة الإطار من الانهيار؟

10 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة: يتخذ الانقسام الشيعي داخل الإطار التنسيقي أبعاداً درامية تهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات العراقية قبل حتى أن يُسدل الستار على الاقتراع البرلماني المقرر في نوفمبر 2025.

هذا الانقسام، الذي يتجاوز الخلافات الشخصية ليصل إلى صلب الرؤى الاستراتيجية، يعكس هشاشة التوازن الذي بني عليه الإطار منذ تأسيسه في 2021، حيث كان يُفترض أن يكون درعاً موحداً للقوى الشيعية أمام التحديات الداخلية والإقليمية.

اليوم، مع تصاعد الجدل حول مستقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يبدو الإطار كسفينة تتقاذبها أمواج الطموح والرفض، مما يثير تساؤلات حول قدرته على الصمود أمام عاصفة الانتخابات القادمة.

تصاعد الخلاف: بين الدعم الشعبي والإقصاء المسبق

يتصاعد الخلاف داخل الإطار التنسيقي حول منح السوداني ولاية ثانية، حيث ينقسم الأعضاء بين مؤيدين يرون في استمراره ضماناً للاستقرار، ومعارضين يخشون من ترسيخ نفوذ يهدد توازن القوى.

هذا التصدع ليس مجرد صراع شخصيات، بل يعكس تباينات عميقة في تصور المرحلة المقبلة، حيث يُنظر إلى السوداني كرمز للإصلاح الاقتصادي والتوافق الإقليمي، مقابل مخاوف من تحول حكومته إلى أداة لفصائل معينة.

في هذا السياق، يبرز إصرار بعض الأجنحة على إقصاء السوداني بشكل مسبق، قبل حتى معرفة نتائج الانتخابات، كمحاولة لإعادة ترتيب الأوراق داخل البيت الشيعي، مما يُشبه إلى حد كبير إعلان حرب باردة على الولاءات الحالية.

ومع اقتراب الاستحقاقات، تتردد أصداء هذه المواقف في أروقة البرلمان، حيث أفاد النائب أحمد الشرماني بتصاعد المواقف الرافضة لولاية ثانية، معتبراً أنها ستُعيق الاجندة الانتخابية وتُعمق الفجوات.

السوداني مقابل المالكي في مواجهة مفتوحة

في مواجهة هذا التصدع، يُعاد رسم خريطة التحالفات داخل الإطار، حيث يقود ائتلاف الإعمار والتنمية، بزعامة السوداني نفسه كأمين عام “تيار الفراتين”، حملة تأكيد على “حسم الولاية الثانية” له.

هذا الائتلاف، يُقدم السوداني كالخيار الأمثل لمواصلة مسيرة الإصلاحات، خاصة في مواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن تقلبات أسعار النفط وملف الحشد.

أما في الجهة المقابلة، فيقف ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي كحصن منيع، يستبعد “بشكل قاطع” أي إمكانية لعودة السوداني، مراهناً على أن رئيس الوزراء المقبل سيكون من صفوف دولة القانون، مستلهماً “مؤهلاتها” في الإدارة والولاء للقيم الدستورية.

هذا الاستقطاب يُشبه إلى حد الانهيار الداخلي للإطار، حيث أدى الخلاف حول ملفات حساسة مثل نزع سلاح المقاومة والضغوط الأمريكية إلى تفاقم التباينات، مما يجعل الانتخابات المقبلة ساحة حاسمة لتحديد الفائز في هذه المعركة الخفية.

تأثير الانقسامات على تشكيل الحكومة المقبلة

ستُلقي هذه الانقسامات بظلالها الثقيلة على مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، حيث يُخشى أن تُعيق القدرة على بناء ائتلاف واسع، مما يُعيد العراق إلى أيام الشلل السياسي الذي شهده بعد انتخابات 2021.

اتساع الفجوة داخل القوى المكونة للإطار يعكس حجم التباينات حول شكل المرحلة المقبلة، سواء في السياسة الخارجية، أو في التعامل مع التحالفات السنية والكردية.

يبرز دور الوساطة من قوى شيعية معتدلة ومحايدة، مثل ائتلاف تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم في محاولة احتواء الأزمة بين جناحي السوداني والمالكي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • (السيادة السوداني): نستنكر الصمت الدولي على جرائم (الدعم السريع)
  • عشرات الوقفات النسائية في صنعاء وحجة بمناسبة الذكرى الثانية للطوفان
  • السيادة السوداني يستنكر الصمت الدولي على جرائم الدعم السريع
  • «المؤتمر السوداني» يدين استهداف الجيش لمدنيين في الكومة
  • «تقدم كبير في البنية التحتية بالخرطوم».. مجلس السيادة السوداني يزف بشرى للسودانيين
  • مجلس السيادة السوداني يزف بشرى للسودانيين
  • عضو مجلس السيادة السوداني الانتقالي: مطار الخرطوم يعود للخدمة قريبا
  • عضو مجلس السيادة السوداني الانتقالي: مطار الخرطوم سيعود للخدمة قريبا
  • «هيومن رايتس»: تقاير تؤكد استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية
  • معركة الولاية الثانية والوساطة تحت الضغط : هل تُنقذ القوى المعتدلة الإطار من الانهيار؟