آخر تحديث: 14 أبريل 2025 - 9:30 صبقلم:سمير عادل مسألة الإبقاء على مؤسسة “الحشد الشعبي” أو عدم الإبقاء عليها، أو حتى تقليص نفوذها، تُشكّل معضلة كبيرة تواجه سلطة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة في العراق. وهي تتجاوز ذلك لتُعبّر عن التزام النظام الإسلامي الحاكم في إيران بحماية هذه المؤسسة والمحافظة عليها باعتبارها ذراعًا استراتيجية لنفوذه في العراق.

يكشف التلاسن العلني بين قادة الميليشيات المسيطرة على المشهد السياسي في السلطة الحاكمة، مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، ونوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة، وفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، بشأن تجيير الحشد الشعبي للتدخل أو عدم التدخل في الانتخابات التشريعية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025، عن عمق الصراع السياسي بين أجنحة التحالف الإسلامي المسمّى بـ”الإطار التنسيقي” الذي شكّل حكومة السوداني. وتأتي محاولات تمرير قانون تقاعد “الحشد الشعبي”، الذي قُرئ قراءة أولى في البرلمان متضمناً إضافات جديدة، وما تبع ذلك من صراعات حول تعديل بنوده وتخوف بعض أطراف الإطار التنسيقي من تبعاته تحت ضغط أمريكي، كجزء من هذا الصراع، وتعكس حالة التنافر وعدم الانسجام بين القوى المهيمنة على السلطة.إن التوجه نحو سن قانون تقاعد “الحشد الشعبي” في هذه المرحلة يعكس مخاوف وهواجس النظام السياسي الحاكم في العراق، الذي يستند بأحد أقدامه إلى النظام الإسلامي الحاكم في إيران. ولا علاقة لهذا التوجه بالتصريحات التي تروّج بأنه يمثل “تحدياً للإرادة الأمريكية” الداعية إلى حل الحشد الشعبي أو تقليص نفوذه. بل إن المساعي المحمومة لإقرار هذا القانون، الذي تنص إحدى مواده على “حماية النظام السياسي الحاكم” – في إشارة إلى النظام القائم في العراق – تكشف عن رفع استعدادات سلطة الأحزاب الإسلامية الشيعية لدرء الاخطار المحدقة بها ومواجهة تداعيات التحولات السياسية في المنطقة، وعلى رأسها تراجع نفوذ المشروع القومي الإيراني الذي يقوده نظام ولاية الفقيه، والذي بدأ بالتراجع الى الداخل الايراني. ويكتسب هذا التراجع زخماً إضافياً في ظل الحشد العسكري الهائل الذي تقوده الإدارة الأمريكية، في مسعى لإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وإسقاط مشروعه القومي، سواء بالمفاوضات او عبر الحرب، تحت عناوين مثل “التهديد النووي الإيراني”.تواجه سلطة الأحزاب الإسلامية الشيعية وميليشياتها في العراق معضلتين أساسيتين. الأولى: الضغط الأمريكي المتواصل، الذي يتمحور حول إنهاء وجود أي قوة تهدد أمن إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة، وضرب أي تشكيلات تتيح تمدد النفوذ الإيراني، وهو ما يُعد – على المستوى الاستراتيجي – جزءاً من مواجهة أوسع تقودها الولايات المتحدة لكبح النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تسعى بعض الأطراف داخل هذه السلطة إلى مهادنة الولايات المتحدة، بل وتوجيه بوصلتها السياسية نحو واشنطن حفاظاً على مصالحها ونفوذها. الثانية: هاجس الخوف من المستقبل، الذي يُخيّم على جميع مكونات هذه السلطة. فشبح الاحتجاجات الجماهيرية، ولا سيما إرث انتفاضة تشرين، لا يزال يثير رعبها. كما أن تجربة انهيار منظومتها الأمنية ووصول تنظيم داعش إلى مشارف المنطقة الخضراء عام 2014 تركت أثراً لا يُمحى في ذاكرتها. وبصورة أعمق، تتجسد هذه المعضلة في فشل هذه السلطة في تأسيس الدولة وذات هوية سياسية واضحة، وفي إخفاقها في تجاوز حالة التشرذم والصراع بين الأجنحة البرجوازية المتنازعة على الحكم، سواء من داخل العائلة الإسلامية نفسها أو ضمن الإطار الأوسع للعملية السياسية. لذلك إن ما يُراد من مشروع قانون تقاعد “الحشد الشعبي” هو التعويض عن فشلها الرسمي بـتأسيس الدولة، عندما انهار الجيش العراقي أمام ثلة من عصابات داعش في حزيران من عام ٢٠١٤، وتحويل هذه التشكيلات أي “الحشد الشعبي” إلى مؤسسة رسمية عقائدية، وجهاز قمعي مستقل، بهدف حماية سلطة الأحزاب الميليشياوية الحاكمة في العراق، سواء استمر النظام الإسلامي في إيران أو سقط.وفي ظل هاتين المعضلتين، تتعمّق مشاعر عدم الثقة والخوف بين أجنحة هذه السلطة، حيث يقف جناحٌ مرعوب من المستقبل في مواجهة جناح آخر، أضعف نسبياً، لكنه يتمتع بارتباط عقائدي مباشر بنظام ولاية الفقيه في إيران. أما الميليشيات التي لا تندرج ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، فهي تمثل قصة مختلفة، ولا تشكل معضلة حقيقية أمام سلطة الأحزاب الإسلامية، إذ غالباً ما تنتهي “أزمتها” بمنحها مواقع ومناصب حكومية، كما هو الحال مع مطالب بعض قادة هذه الميليشيات، في مسعى للبقاء ضمن المشهد السياسي وضمان الامتيازات. وهذا السيناريو ليس جديداً، فقد جرى التعامل مع التيار الصدري على هذا النحو؛ فعندما مُنح امتيازات داخل السلطة، أعلن عن حل ميليشيا “جيش المهدي” وتراجع عن شعارات “مقاومة الاحتلال”.ما يجب التأكيد عليه هنا يتمثل في مسألتين أساسيتين: أولاً: تحوّل شعار “المقاومة والممانعة” إلى شعار لحماية النظام السياسي، سواء في العراق أو في إيران، ويجدر بالذكر ان رئيس هيئة اركان الحشد الشعبي بعيد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران، صرح بأنه ينتظر أوامر من المرشد الأعلى علي الخامنئي للتحرك. الا ان اليوم تحوّل “الحشد الشعبي” من كونه “حامي الأعراض” – لطالما صدّعوا رؤوسنا بهذا الشعار – إلى أداة لحماية النظام السياسي المتمثل بسلطة الميليشيات. اما المسالة الثانية ان التغيير الذي يدق له الطبول في العراق، والذي اسال لعاب مجموعات وجماعات، وراحت تلهث من أجل الوقوف في طابور أمام السفارات التركية والأمريكية والبريطانية للقاء أصغر موظف فيها للحصول على بركاتها، ليس أكثر من تغيير في تجاه بوصلة النظام السياسي نحو السياسة الامريكية. وكل من يعتقد أن الإدارة الأمريكية ستطيح بالنظام السياسي في العراق مثلما حدث في سوريا، فلقد قرر ان يصفه التاريخ بمحض إرادته بالأحمق السياسي. والضغط الأمريكي لحل الحشد الشعبي او احتوائه يصب في هذا الاتجاه.وأخيراً، كفى تضليلاً باسم “التغيير الأمريكي” في العراق. فالتغيير الحقيقي يأتي من الأرض، من صوت الناس واحتجاجاتهم المتواصلة. المطالب تتصاعد، كما رأينا في تظاهرات المعلمين في السماوة والناصرية والنجف، التي قوبلت بقمع شرس، وتظاهرات الفلاحين في النجف، وقبلها العاملين في المهن الصحية. إذا كان هناك من تغيير فعلي، فهو ذاك الذي يصنعه الناس في الشوارع، بتنظيم نضالهم من أجل حياة كريمة وعدالة اجتماعية.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: النظام السیاسی سلطة الأحزاب الحشد الشعبی هذه السلطة فی العراق فی إیران الذی ی

إقرأ أيضاً:

الدول القوية تملك كل الخيارات.. ما هي خيارات العراق؟

آخر تحديث: 25 يونيو 2025 - 9:14 ص بقلم: سعد الكناني الدول القوية هي التي تملك الخيارات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية والعلمية والجيو استراتيجية ولها القدرة على صنع التحالفات الدولية وتستخدم كل الأدوات الناعمة والخشنة لتثبيت نفوذها لضمان مصالحها، اما الدول الضعيفة ليس أمامها سوى خيار واحد هو الإذعان. في هذا المقال نسلط الضوء على إيران من باب ” أعرف عدوك” كدولة قوية إقليمياً خياراتها من منظور فكري. فهي ليست فقط لاعباً سياسياً أو طائفياً، بل مشروع فكري- تاريخي له سرديته الخاصة مقابل السردية العربية. ترى نفسها منذ (1979) ثورة خميني، كدولة ليست وطنية، بل أممية شيعية. تستمد هذا الخيار من فكر الولي الفقيه، الذي يربط بين الدين والسياسة بشكل عضوي. ودولة إيران ليست فقط لحكم شعبها، بل لتمهيد الطريق لـ “ظهور الإمام المهدي الغائب ” محور المشروع الإيراني التوسعي، وتُبرر تدخلها في اليمن، العراق، لبنان، سوريا، بأنه جزء من “مهمة ربانية”!. إن الأفاعي وإن لانت ملامسها …عند التقلب في أنيابها العطبُ (عنترة بن شداد). إيران جمعت بين الدولة والميليشيات وهذا يجعلها تتجاوز منطق الدولة القومية الكلاسيكية إلى منطق “الدولة الرسالية”. وتُقدّم نفسها كقوة مناهِضة للهيمنة الغربية، خاصة الأمريكية والإسرائيلية. وهذا الموقف ليس سياسياً فقط، بل يقوم على فكر الثورة الدائمة على طريقة (لينين وغيفارا) لكنه بمرجعية دينية شيعية. وفق شعارها المزعوم ” كلا كلا أمريكا كلا كلا إسرائيل”. حتى حربها مع إسرائيل الذي انتهى بوقف إطلاق النار يوم (24/6/2025) بطلب منها جاء لحماية نظامها رغم الخسائر الذي تعرضت له، وستوافق على كل شروط ترامب من أجل المضي في مشروعها الطائفي وإدارة الفوضى في المنطقة إنطلاقاً من العراق القلب النابض لهذا المشروع الخبيث. إذن إيران تملك خيار الفوضى تدير أزمات لا تحلّها، وهي تتعامل مع جيرانها العرب بعضلاتها وليس بعقلها كجزء من استراتيجيتها للنفوذ كما في حالة العراق من خلال تشكيل ميليشيات وأحزاب وبرلمان وحكومات تابعة لها ولائيا وتنظيميا. و”إدارة الفوضى” التي تملكها إيران، تماماً كما تفعل القوى الغربية. وهو منبثق من فكر استراتيجي براغماتي مرتبط بـ “حماية المشروع العقائدي”. وهي لا تكتفي بالسلاح والميليشيات، بل تبني مؤسسات تعليمية، إعلامية، دينية في الدول التي تتواجد فيها. كما في العراق ولبنان وسوريا واليمن، تنشئ مدارس وحوزات وقنوات ومحطات فكرية. وتُصدّر “الهوية الشيعية الإيرانية” كبديل عن الهويات الوطنية العربية. اي بناء “أمة إيرانية عقائدية” داخل دول متعددة الجنسيات، على حساب الهويات الأصلية. إيران تقدم نفسها “المركز الشرعي الوحيد” للتشيّع في العالم. وهذا إلغاء ضمني للتشيع العربي، واستبداله بنموذج سياسي- ثوري مصدره قم. وتُوظف التاريخ الذي صنعته (كربلاء، الحسين، المهدي) في خطاب سياسي تعبوي دائم. وهذا ما يجعل مشروعها تصادمياً، طويل الأمد، وعقائدي بامتياز. الدولة القوية، ليست التي تملك جيشاً وسلاحاً، بل التي تحتكر استخدام القوة الشرعية داخل حدودها. وتمتلك قراراً سيادياً مستقلاً. وتفرض سيادة القانون على الجميع. وتبني مؤسسات قادرة على أداء وظائفها دون ارتهان للولاءات الفرعية (الطائفية، الحزبية، العشائرية). وتمتلك رؤية استراتيجية للمستقبل. السؤال: هل العراق حاليا يمتلك ذلك”؟، وهو يفقد السيطرة على جزء من أراضيه ويعاني من تفكك اجتماعي ومؤسساتي وقراراته مرتهنة بإيران وغيرها، ودوائر الدولة واقعة ضمن المحاصصة الطائفية والحزبية والفساد لا من خلال الكفاءة وإيرادات الدولة 90% من بيع النفط. علما ان العراق يملك موارد طبيعية هائلة وشعب حي مثقف، وطاقات بشرية عالية رغم الظروف. وجيش نظامي يتحسن تدريجياً. وحضور دولي مهم كعضو في منظمة أوبك، وله ثقل في ملفات المنطقة. لكن رغم ذلك يعتبر العراق حاليا من الدول الهشة رغم امتلاكه مقومات القوة، والخلل الرئيسي يكمن في النظام السياسي الطائفي التحاصصي، لذلك يعتبر العراق حاليا “دولة مع وقف التنفيذ” دولة بموارد عظيمة، لكن بإرادة سياسية مشلولة، ومؤسسات مخترقة. ولذلك العراق لا يمتلك خيارات الدولة القوية، وإذا يريد ان يصبح كذلك عليه تفكيك جذور الهشاشة.

مقالات مشابهة

  • العراق يودّع الاقتصاد الشعبي.. والدنانير تسقط في ثقوب الغلاء
  • دعوات الى حشد مدني يركز على غرف الرصد.. ويحارب الاختراق
  • نائب: ثورة 30 يونيو لحظة إنقاذ وطن وبداية تأسيس الجمهورية الجديدة
  • الدول القوية تملك كل الخيارات.. ما هي خيارات العراق؟
  • بين الحشد والتعبئة والانقياد: مدخل إلى سيكولوجيا الجماهير في اليمن
  • تحوّل مفاجئ ومشؤوم.. المتشددون الشرسون يستولون على السلطة في إيران
  • 6 آلاف لاجئ سوداني يواجهون معضلة الجوازات بكمبالا
  • العراق يعرب عن قلقة البالغ تجاه الهجوم الذي تعرضت له دولة قطر
  • مستشار كوفي أنان: القضية الفلسطينية مؤشر واضح على انهيار النظام الدولي
  • في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة