في عالمنا متسارع التغير، يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذريًا في كيفية اتخاذ قرارات الاستثمار، وإدارة المحافظ، وتحسين العوائد. ورغم أن الإمكانيات الكاملة لهذه التقنية لن تتحقق على المدى القريب، إلا أن الذكاء الاصطناعي يُظهر بالفعل قدرات واعدة في تعزيز اتخاذ قرارات أذكى ورفع كفاءة خلق القيمة. المستثمرون اليوم يستفيدون من الذكاء الاصطناعي للبحث عن «ألفا»، أي العوائد الاستثمارية الإضافية، وبناء قدرات مؤسسية تُمهّد لمرحلة أداء متطور في المستقبل.

لطالما اعتمد اتخاذ القرار الاستثماري على البيانات والحُكم البشري. وتقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي طرقًا جديدة كليًا للعمل، من خلال تبسيط الإجراءات وكشف فرص كان من الممكن أن تغيب عن التحليل التقليدي.

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة وتوليف البيانات على نطاق واسع يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في مجال اكتشاف الصفقات، من خلال التعرف على الاتجاهات الخفية في السوق والفرص الواعدة. ويمكن للتحليلات المتقدمة أن ترصد الصناعات الناشئة أو الأصول التي لم تُقيَّم بعد بشكل مناسب، قبل أن ينتبه إليها المنافسون، مما يمنح المستثمرين ميزة تنافسية مهمة. وعند استخدام الذكاء الاصطناعي في مرحلة التحقق من الجدارة، يمكن أن يوفر رؤى أعمق عبر تحليل قواعد البيانات والمخاطر السوقية والجيوسياسية، بالإضافة إلى قياس المزاج العام في السوق، مما يتيح رؤية شاملة للاستثمارات المحتملة.

وبعد إتمام صفقة الاستحواذ، يمكن لإدارة المحافظ في الوقت الفعلي، والمدعومة بالذكاء الاصطناعي، أن تُسهم في تحقيق قيمة أكبر. وتُتيح هذه المرونة للمستثمرين تعديل استراتيجياتهم بشكل ديناميكي، والمحافظة على القيمة في الشركات ضمن محافظهم الاستثمارية. إن استخدام الذكاء الاصطناعي عبر دورة الاستثمار بأكملها لا يعزز الكفاءة فقط، بل يضمن أيضًا فعالية القرارات، من خلال الاعتماد على رؤى قوية واستشرافية للمستقبل.

من المكاسب التشغيلية

إلى إيجاد القيمة الاستراتيجية

من أجل صياغة استراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي وإدارة محفظتها الاستثمارية، تواصل «مبادلة» دراسة التوجهات الكبرى والاضطرابات والمتغيرات الناشئة التي تشكل ملامح الاقتصاد العالمي. وقد تناولت ورقة بحثية حديثة، أُعدّت بالتعاون مع صندوق (إم. جي. إكس) المتخصص في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وشركة «باين آند كومباني»، تحت عنوان «الذكاء الاستثماري: صندوق الاستثمار المستقبلي»، كيف تتعامل كبرى شركات الاستثمار حول العالم مع الذكاء الاصطناعي. وقد كشفت الورقة أن الاستخدام الحالي للذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولية، إذ يُستخدم أساسًا لتعزيز كفاءة الأداء البشري، إلا أن الإمكانيات المتاحة لاستخدام هذه التقنية تبقى هائلة.

فمن بين 30 شركة استثمار مباشر استطلعت آراؤها، يبلغ إجمالي أصولها تحت الإدارة 3.2 تريليون دولار، لا يتوقع سوى 2% من الشركاء العموميين تحقيق قيمة كبيرة قائمة على الذكاء الاصطناعي خلال هذا العام، بينما توقّع 93% منهم تحقيق فوائد تتراوح بين متوسطة وكبيرة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة. الشركات الرائدة في هذا المجال بدأت بالفعل في التقدم على منافسيها من خلال تكوين فرق متخصصة من علماء البيانات. وقد بدأت بعض هذه الفرق منذ أكثر من عقد من الزمن، مما أتاح لها إنشاء بيئة رقمية متكاملة وتفعيل مجموعة من العناصر الأساسية لبناء ميزة تنافسية في إدارة الاستثمار. وعندما طُرِح السؤال حول: أين تكمن أعظم فرص خلق القيمة عبر الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي؟ أشار المستثمرون إلى تحسين أداء الشركات الموجودة ضمن محافظهم الاستثمارية. ووفقًا للدراسة، فإن 18% من الصناديق بدأت فعليًا في تحقيق قيمة تشغيلية من خلال تطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي داخل هذه الشركات. وتتخذ العديد من الصناديق نهجًا فاعلًا من خلال تقديم أدوات ومنصات تتيح لتلك الشركات متابعة تحركات المنافسين والتعرف على فرص الاستحواذ السريعة، وثمة أيضًا صناديق تعمل على إقناع شركات محفظتها بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستخدامات محددة، وتوفّر لها الفرق المختصة والأدوات اللازمة والتدريب المطلوب لتنفيذ ذلك.

بناء شركات استثمارية

مدعومة بالذكاء الاصطناعي

السؤال الأهم الذي يشغل كبار مسؤولي الاستثمار حول العالم هو: كيف يمكن الاستعداد للاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي؟ والإجابة تبدأ بوضع استراتيجية بيانات مناسبة وبنية أساسية قوية، إلى جانب أنظمة حوكمة صارمة وآليات للتحقق من مصادر البيانات وضمان الالتزام بالمعايير. إن الشركات الاستثمارية تمتلك كميات ضخمة من البيانات، والقدرة على إدارتها بفعالية يمنحها ميزة تنافسية كبيرة.

من المتوقع أن تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات هيكلية في طبيعة عمل المؤسسات. حيث ستصبح الفرق أصغر حجمًا وأكثر تركيزًا على المناصب القيادية، كما ستتطور المهارات المطلوبة من الموظفين، إذ سيعمل خبراء في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جنبًا إلى جنب مع محترفي الاستثمار. ويُتوقّع أن يشهد دور خبراء الاستثمار أنفسهم تطورًا كبيرًا، وقد بدأت العديد من الصناديق بالفعل في تدريب فرقها لاكتساب الكفاءة في مجال الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، فإن الإمكانيات التحويلية للذكاء الاصطناعي يجب أن تقترن بتبنٍّ مسؤول وأخلاقي للتقنية، فالحوكمة المتينة والأطر الأخلاقية هي عناصر أساسية لتعظيم فرص الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وتقليل المخاطر المترتبة على الآثار الجانبية غير المتوقعة.

الذكاء الاصطناعي

باعتباره محركًا استراتيجيًا

ومع إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي التوليدي لمشهد الاستثمار، سيتّسع الفارق بين الرواد والمتأخرين. أولئك الذين يحتضنون الإمكانيات الكاملة لهذه التقنية، إلى جانب التزامهم بالحوكمة المسؤولة، سيحققون فرصًا غير مسبوقة في إيجاد القيمة. وفي «مبادلة»، لا نرى الذكاء الاصطناعي باعتباره تطورًا تقنيًّا فحسب، بل فرصة لتعزيز التكامل بين الغاية والربحية، وتسريع بناء مستقبل أفضل وأكثر مرونة للأجيال القادمة.

إن الطريق إلى الأمام يتطلب قيادة جريئة، وتعاونًا فعّالًا، وتركيزًا لا يتزعزع على التأثير بعيد المدى. وسيساعد ذلك القطاع المالي في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحويله إلى ميزة تنافسية حقيقية وفارقة. ومع اعتبار الذكاء الاصطناعي محركًا استراتيجيًا، تصبح آفاق الابتكار والمرونة بلا حدود.

هذه المقالة جزء من الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الذکاء الاصطناعی میزة تنافسیة من خلال

إقرأ أيضاً:

وزير الاستثمار يعقد لقاءات مكثفة مع عدد من الشركات الصينية لاستعراض فرص ومقومات الاستثمار بالسوق المصري

عقد المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية عدد من اللقاءات مع الشركات الصينية المهتمة بالاستثمار في السوق المصري حيث استعرضت اللقاءات مقومات الاستثمار بالسوق المصري والفرص الاستثمارية المتاحة بمختلف القطاعات.

أستاذ التمويل والإستثمار: رئيس الوزراء ترأس إجتماع لجنة الأزمات لمتابعة تداعيات الأحداث الإيرانية الإسرائيليةمطور عقاري: حكمة القيادة السياسية جعلت مصر أكثر استقرارا وجذبا للاستثماراتالرقابة المالية: قانون التأمين الموحد يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبيةتعاون بين مصلحة الجمارك وجامعة الإسكندرية لتعزيز الاستثمار في التنمية البشرية

وقد استهل الوزير اللقاءات بعقد اجتماع موسع مع مسؤولي شركة Energy China العاملة في مجال تحلية المياه والطاقة المتجددة، حيث استعرض اللقاء التوجهات الحالية للدولة في مجالات الطاقة المتجددة والاستثمارات الخضراء، وكذا حرصها على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع وبما يسهم في جعل مصر مركزاً إقليمياً للطاقة النظيفة المستدامة وخلق المزيد من فرص العمل الجديدة.

الاستفادة من الخبرات الصينية

وأكد الوزير حرص الحكومة على الاستفادة من الخبرات الصينية الكبيرة في مجالات تطوير مشروعات الطاقة المستدامة، لافتاً إلى استمرار الدولة في تقديم الحوافز والتسهيلات للمستثمرين في قطاع الطاقة النظيفة وبما يسهم في زيادة جاذبية مصر في هذا القطاع الهام.

كما التقى الخطيب مسؤولي شركتي Wanda boto و Tercelo tires لتصنيع الإطارات حيث تم استعراض فرص الاستثمار في مصر في هذا المجال، حيث تسعى الدولة لتوطين صناعة الإطارات من خلال توفير بيئة استثمارية جاذبة وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا القطاع الهام.

والتقى الوزير أيضا مسؤولي شركة Speco العاملة في قطاع تحلية المياه حيث استعرض اللقاء توجهات ومستهدفات الدولة المصرية لتطوير هذا القطاع الحيوي وفرص الاستثمار بالسوق المصري في هذا المجال، حيث تستهدف مصر زيادة إنتاج المياه المحلاة 

وذلك من خلال إنشاء محطات تحلية جديدة وتطوير المحطات القائمة وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في هذا الصدد، وتسعى الدولة لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية للمشاركة في تطوير وتشغيل محطات التحلية، وكذا توطين صناعة مكونات تحلية المياه في مصر وتبادل الخبرات مع الدول الرائدة في هذا الصدد.

وعقد «الخطيب» لقاءً مع مجموعة من شركات المنسوجات، ومن بينها شركة Sumac الرائدة في مجال صناعة المنسوجات، حيث استعرض اللقاء المقومات الكبيرة التي تتمتع بها مصر في هذا القطاع من بينها توافر الأيدي العاملة المؤهلة والجودة العالية للقطن المصري والموقع الجغرافي المتميز، إلى جانب السوق الاستهلاكي الكبير، وإمكانيات النفاذ إلى عدد كبير من الأسواق الإقليمية والعالمية بفضل شبكة اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة مع عدد كبير من الدول والتكتلات الاقتصادية الرئيسية حول العالم.

كما تم استعراض فرص الاستثمار المتميزة في هذا القطاع الحيوي وحرص الدولة على جذب المزيد من الاستثمارات وبما يسهم في تلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير للأسواق الخارجية.

والتقى «الخطيب» أيضاً مجموعة ترسيلو للمشروعات الزراعية وشركة علاء الدين للاستثمار الزراعي في مجال الصوب ، حيث أكد حرص وزارة الاستثمار على توفير كافة أوجه الدعم والتسهيلات للمستثمرين، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة ومشجعة للاستثمار في مصر، وكذا أهمية قطاع الاستثمار الزراعي في توفير احتياجات السوق المحلي وزيادة الصادرات المصرية للأسواق الخارجية.

طباعة شارك حسن الخطيب وزير الاستثمار وزير الاستثمار شركة Energy China الاستفادة من الخبرات الصينية

مقالات مشابهة

  • باحثان سعوديان يقدمان مشروع وطني للاستجابة على الطائرات بواسطة الذكاء الاصطناعي للحالات المرضية الطارئة
  • المستشار عادل ماجد: الذكاء الاصطناعي بإمكانه خدمة العدالة بشرط
  • حقوق النشر.. معركة مستعرة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي والمبدعين
  • أبو العينين يروج لمناخ الاستثمار في مصر خلال قمة الشركات متعددة الجنسيات بالصين
  • متى يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي سرقة أدبية؟
  • عندما يبتزنا ويُهددنا الذكاء الاصطناعي
  • العمري: حتى الذكاء الاصطناعي لا يستطيع حل مشاكل النصر
  • مساعد العمري: مشاكل النصر لا يحلها إلا الذكاء الاصطناعي.. فيديو
  • دورة تدريبية بمسندم تناقش فرص الذكاء الاصطناعي
  • وزير الاستثمار يعقد لقاءات مكثفة مع عدد من الشركات الصينية لاستعراض فرص ومقومات الاستثمار بالسوق المصري