أمين هيئات الإفتاء: المؤسسات الدينية الكبرى تلعب دورا محوريا في تعزيز قيم التضامن
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
أكد الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن التراحم والتضامن الاجتماعي في الإسلام ليسا مجرد فضيلتين عابرتين، وإنما هما ركيزتان أساسيتان في المنظومة الأخلاقية والاجتماعية التي جاء بها الإسلام لبناء مجتمعات متماسكة قادرة على مواجهة تحديات العصر، مشددًا على ضرورة استدعاء هذه القيم في زمن يعاني فيه العالم من مشكلات الفقر والعنف والتفكك المجتمعي والصراعات المتعددة.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في فعاليات اليوم الثاني من المؤتمر الدولي "المواطنة والهُويَّة وقيم العيش المشترك"، الذي تستضيفه العاصمة الإماراتية أبو ظبي بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين وقادة المؤسسات الدينية من مختلف دول العالم.
وأوضح الدكتور نجم أن الإسلام قدَّم تصورًا متكاملًا للتراحم والتضامن لا يقتصر على الجانب العاطفي أو المادي فحسب، بل يرتبط بالأخلاق والإيمان والعمل الاجتماعي المؤسسي، مضيفًا أن مفهوم التراحم ينبثق من الجذر اللغوي "رحم" الذي يدل على الرقة والعطف والشفقة، ويتجاوز في معناه الإسلامي حدود الشعور إلى فعل إنساني فعَّال يخفف معاناة الآخرين ويعزز الألفة والمودة.
وأشار إلى أن الحديث النبوي الشريف: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى»، يُجسِّد هذه المعاني العميقة، ويؤكد أن التضامن والتكافل مسؤولية جماعية ملزمة، وليس مجرد إحسان فردي أو طوعي.
وبيَّن الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن السيرة النبوية الشريفة تمثل نموذجًا تطبيقيًّا حيًّا لهذه القيم، لافتًا النظر إلى تجربة "المؤاخاة" بين المهاجرين والأنصار، وموقف الصحابي سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وغيرها من المواقف النبوية التي أرست معاني الرحمة والإنصاف والمؤازرة.
وأكد الدكتور نجم أن هذه القيم ليست حكرًا على التاريخ، بل ينبغي تجديد الحديث عنها وتفعيلها في مجتمعاتنا المعاصرة، مشيرًا إلى أن مؤسسة الوقف في الحضارة الإسلامية، مثل الأزهر الشريف، تُعدُّ نموذجًا رائدًا للتضامن الاجتماعي المستدام، يسهم في تمكين المحتاجين، وتعزيز التعليم، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأوضح أن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى إعادة إحياء هذه القيم الإسلامية الأصيلة، في مواجهة الأزمات المعاصرة والتحديات الأخلاقية والاجتماعية، داعيًا إلى تعزيز الخطاب الديني والفقهي الذي يربط بين الإيمان والعمل الإنساني، ويجعل من التراحم والتضامن أدوات فاعلة في بناء السلم المجتمعي والوحدة الإنسانية.
كما أكد د. نجم أهمية تعزيز قيم التراحم والتضامن الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية في مواجهة التحديات المعاصرة. وأكد أن المجتمعات الإسلامية قد أثبتت قدرتها على تحويل هذه القيم إلى واقع ملموس، مما ساهم في تحسين ظروف الفئات المحتاجة والمهمشة.
وأشار إلى أن المؤسسات الدينية الكبرى مثل الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية تلعب دورًا محوريًّا في نشر وتعزيز هذه القيم، مشيرًا إلى أن الأزهر يعمل من خلال الفتاوى، والتوجيهات الشرعية، والتعليم، والمبادرات الخيرية لتحقيق التكافل الاجتماعي. كما أضاف أن دار الإفتاء المصرية تساهم بشكل كبير في تعزيز الوعي المجتمعي من خلال الفتاوى المتخصصة، حملات التوعية، ومواجهة الفكر المتطرف، مما يعزز من التراحم والتضامن في المجتمع.
ولفت د. نجم إلى أن الابتكار في استراتيجيات التعليم والإعلام يعد جزءًا أساسيًّا في تعزيز هذه القيم في العصر الحديث، مؤكدًا أهمية استخدام وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر ثقافة التضامن بين الأجيال الجديدة. كما أكد أهمية الدور الكبير للتعليم التفاعلي والمسابقات التعليمية التي تشجع الشباب على المشاركة الفاعلة في مبادرات اجتماعية تهدف إلى معالجة قضايا المجتمع مثل الفقر والإقصاء الاجتماعي.
وفي معرض حديثه عن التحديات التي تواجه تطبيق هذه القيم في العصر الحديث، ذكر د. نجم أن من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ضعف الوعي الاجتماعي، وضعف الكفاءات الإدارية في المؤسسات الخيرية، بالإضافة إلى التحديات التي تطرأ من استغلال العمل التضامني لأغراض سياسية أو فكرية.
وشدد على ضرورة تطوير استراتيجيات واضحة لمواجهة هذه التحديات، من خلال تعزيز الوعي المجتمعي، تقوية المؤسسات الاجتماعية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة بشكل فعال لضمان استدامة التراحم والتضامن في المجتمعات الإسلامية.
كما أكد د. إبراهيم نجم أن تعزيز قيم التراحم والتضامن المجتمعي يتطلب تقديم رؤية إسلامية واضحة ومتكاملة تتجاوز التحديات الحالية. وقال: "من الضروري أن نعيد التفكير في مناهج التعليم الديني والاجتماعي. يجب على المؤسسات التعليمية أن تعتمد منهجًا تربويًّا متطورًا يزرع قيم التراحم والتضامن في وجدان الطلاب منذ المراحل الأولى."
وأضاف: "الأنظمة التشريعية في الدول الإسلامية بحاجة إلى مراجعة لتسهيل عمل المؤسسات الاجتماعية وتوفير إطار قانوني يُحفِّز المشاركة الفعّالة في الأعمال التضامنية، مثل جمع وتوزيع الزكاة والصدقات، وتنظيم عمل الأوقاف."
وأشار إلى أهمية تأسيس مراكز ومؤسسات متخصصة في تعزيز هذه القيم، قائلًا: "المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى مراكز اجتماعية تساهم في تطوير استراتيجيات مبتكرة، وتقدم التدريب اللازم للمؤسسات والكوادر التي تعمل في هذا المجال."
وأوضح أيضًا أن تعزيز الشراكات الاجتماعية بين مختلف القطاعات يعد أمرًا ضروريًّا لتحقيق التكامل، وقال: "بناء شراكات استراتيجية بين القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني يعزز من فاعلية المبادرات ويضمن استدامتها."
وفيما يخص استخدام التكنولوجيا، أضاف د. نجم: "من المهم الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة لبناء منصات رقمية تساهم في تعزيز قيم التضامن الاجتماعي، وتحسين الشفافية والكفاءة في إدارة الموارد."
كما شدد على ضرورة تمكين الشباب في قيادة العمل التضامني، قائلًا: "الشباب هم عماد المستقبل، ومن خلال توفير برامج تدريبية وتحفيزهم إلى الابتكار في المشاريع التضامنية، يمكننا ضمان مستقبل أكثر تماسكًا وتضامنًا."
في ختام تصريحاته، أشار الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم إلى أن هذه الرؤية المستقبلية تهدُف إلى بناء مجتمع إسلامي قوي ومتضامن، قادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، مشددًا على ضرورة إحياء جوهر القيم الإسلامية من الرحمة والتكافل والتضامن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور إبراهيم نجم المزيد المجتمعات الإسلامیة تعزیز قیم على ضرورة هذه القیم فی تعزیز من خلال إلى أن نجم أن
إقرأ أيضاً:
ماذا نفعل حتى لا نصاب بالسحر؟.. أمين الفتوى يجيب
هل السحر حقيقة؟ وماذا نعمل حتى لا نصاب به؟ سؤال أجاب عنه الدكتور مجدى عاشور مستشار مفتى الجمهورية السابق وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
وأجاب مجدى عاشور عبر صفحته الرسمية عن السؤال قائلا : إن السحر ذكر في قول الله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانَ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسِ السحر) [البقرة : 102] ، وفي قوله سبحانه : ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) [ الفلق : 4] والنفاثات هنا : الساحرات . وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "اجتنبوا السبع الموبقات (أي المهلكات) وذكر منها "السحر" [متفق عليه] .
وتابع: لذلك فهو من المنكرات العظيمة، ومن كبائر الذنوب ، ومن يفعله يرتكب إثما عظيما، ولا يُقبل منه عمل.
وأضاف: لكننا ننبه أن كثيرا من الدجاجلة يوهمون الناس بالسحر ، ليأخذوا منهم الأموال أو لينالوا الظهور والشهرة بين الناس. وما يذكرونه دجل وكذب ، وكلام عن الغيب بالباطل .
وأشار إلى أنه على المسلم الحقيقي ألا يلتفت لهذا ولا ينساق وراء هؤلاء المشعوذين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل وعليه أن يحصن نفسه بقوة الإرادة وبأن النافع والضار هو الله سبحانه ، وأن يتقي السحر وغيره بقراءة سورتي الفلق والناس كثيرا ، ولن يضره شيء إن شاء الله .
قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن السحر موجود لكنه من كيد الشيطان، ولكن كيد الشيطان ضعيف، فلا يوجد سحر يستمر لمدة طويلة من الزمن.
وأضاف أمين الفتوى، في تصريح له، أن السحر ينحل بقراءة الفاتحة على الشخص المسحور وآية الكرسي وخواتيم البقرة والمعوذتين، ولابد من اللجوء إلى الله، وعلى المسلم المصاب بهذا الأمر أن يطرد من نفسه وتفكيره هذه الوساوس.
وتابع: ينبغي علينا ألا نعالج النار بالنار ، ولا نذهب للمشعوذين ولا الدجالين، ونستبدل ذلك بالذهاب إلى الطبيب النفسي ، لأن العلاج النفسي له دور في الشفاء من هذه الأزمة.
دعاء الشعراوي لفك السحركشف الإمام الراحل محمد متولى الشعراوي، في حلقة مسجلة نادرة له عن دعاء فك السحر، مؤكدًا أن السحر لا يصيب الإنسان إلا إذا أراد الله تعالى ذلك.
وأوضح الشيخ الشعراوي في تفسيره قول الله تعالى: «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (سورة البقرة: 102)»، أنه ما دام البشر سيتعلمون ذلك، إذن كيف يحمي الحق سبحانه وتعالى خلقه من هذه المسألة؟، يكفي أن تعلم أن الله يقول «وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ»، فلو أنك تتبعت هؤلاء لاستذلوك، واستنزفوك، وتركك الله لهم، لأنك اعتقدت فيهم.
فك السحروأضاف كاشفًا دعاء فك السحر: أما إن قلت: «اللهم إنك أقدرت بعض عبادك على السحر والشر، ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر، فأعوذ بما احتفظت به مما أقدرت عليه بحق قولك الكريم: «وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».
وتابع: بعد أن تقول دعاء فك السحر لايمكنهم الله منك، لكن إن استجبت لهم وذهبت لهم، يقولون: سنحل لك، وبالفعل يحل لك مرة، لكن إن ابتعدت عنه "يعقد لك" حتى تذهب إليه مرة ثانية».