قضية فهم الحياة على حقيقتها من القضايا الشائكة والمهمة، فقد تكون الحياة بالنسبة «لك ولي ولغيرنا» ما هي إلا مغامرة جريئة، أو لا شيء مهم بالنسبة لنا جميعًا. نعيش يومنا كيفما جاء وكيفما يذهب، يوم عادي وروتين متكرر. لكن التأمل والتدبر فـي نهج الحياة يُشعرنا بأن وراءها سرًا غامضًا وجللًا يصعب فهمه بسهولة.
لقد توصل المفكرون والباحثون إلى حقيقة أخرى، وهي أن الجنس البشري ينقسم إلى نوعين لا ثالث لهما. فالأول يمثل نسبة 95%، وهم الفئة التي تعرف بأنها ليست عظيمة ولن تكون كذلك، لذا يقبلون موقعهم فـي الحياة بترحاب ورضا، ويستمرون فـي عملهم اليومي دون ضجيج أو أسئلة كثيرة. وأكثرهم لا يختلقون المشكلات ولا يقيمون المعضلات، بل ينشدون السكينة. أما النوع الثاني، ويمثله 5% من الناس، فهم من لديهم إحساس محدد بأنهم ينبغي أن يكونوا عظماء، وقد لا يعرفون كيف يحققون ذلك، إلا أنهم ينظرون حولهم ولا يقتنعون ببساطة أن يكونوا مثل الآخرين. لذا تجدهم يسلكون شتى الطرق ويقفزون على أعناق الناس حتى يصلوا إلى ما يريدون الوصول إليه.
يقول وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي فـي مقولة كثر تداولها من عدة مصادر، وردت كثيرًا على ألسنة الناس فـي مواقع مختلفة، لكن قرداحي أقنعني بأنه هو قائلها لأنه يفسرها أكثر من غيره، حيث يقول: «حتى تفهم الحياة أكثر، عليك زيارة ثلاثة أماكن: المستشفى، السجن، والمقبرة». ويفسر قرداحي ذلك قائلًا: فـي المستشفى ستفهم أن لا شيء فـي الدنيا أهم من الصحة، وفـي السجن ستشعر بمعنى الحرية الحقيقية، الحرية التي لا تُقدّر بثمن، وفـي المقبرة ستدرك أن هذه الحياة بكل متاعها وصراعاتها لا تساوي شيئًا، فعِش حياتك على أكمل وجه، لأنك لا تعرف أبدًا ما يخبئه لك القدر، والأرض التي تمشي عليها اليوم ستكون سقفا لك غدًا.
إذن، نمط الحياة وحقيقتها يختلف من موقع إلى آخر ومن نظرة إلى أخرى، لكن جميع البشر باختلاف طوائفهم وألوانهم وعشائرهم ينطلقون إلى مآربهم من خلال كونهم «أحياء يُرزقون»، ويسعون على هذه الأرض، ويعيشون دورة حياتهم وفق ما قُدّر لهم العيش فـيها، سواء رضوا بما قُدّر لهم أم لم يرضوا.
أما التضاد فـي نظرة الناس إلى مفهوم الحياة، فـيأتي من خلال مدى تفاعلهم معها أو مع بعضهم البعض، سواء فـي لحظات الحزن أو الفرح أو مع أي من مبهجات الحياة، فهذا أمر آخر. فهناك حقائق صادمة قد تستخلصها أنت بنفسك، وذلك من خلال سيرك اليومي فـي طرقات الحياة أو من نظرة الآخرين إليك. فعلى سبيل المثال، تكتشف كيف تتقاذفك الأقدار من حال إلى آخر، وكأنك فـي يمّ واسع، تبحر مع زمرة الناس، لكنك تعاني وتشعر بمعاناتك بنفسك.
أما نظرة الآخرين إليك، فتراها من خلال عيون الناس: فمنهم من يراك أطيب خلق الله على الأرض، ومنهم من يراك أكثرهم شرًا وعدائية من أي كائن تدفعه غريزة البقاء وإزاحة الآخرين من طريقه. وأيضًا ستلتقي بمن يراك غليظ القلب، صعب المراس، وأقسى الناس فـي تعامل، وقد يراك أكثرهم لينًا ودودًا. إذن، أنت بين مفترق طريقين: إما أن تكون أجمل الناس، أو أسوأهم على الإطلاق.
وفـي رحلة الحياة، ستلتقي بمن يستنفذ كل الكلمات التي تعبر بها عن الجمال فـي وصفك خَلقًا وخُلقًا، وبمن لا يكف عن نقدك... وستلتقي بمن يمدحك ويمدح أفعالك ويسرد للآخرين كيف أنت تبدو على حقيقتك، وستعلم بمن لا يكف عن ذمّك فـي غيابك. فـي حياتك، ستلتقي بكل شخصية وعكسها، فلا تُبَالِ لكل ما يُقال عنك، فقط عليك أن تمضي فـي طريقك، ولكن لا تُغْمِض عينيك عن أخطائك تجاه الآخرين، اجعل صفحتك نقية بيضاء، سواء فـي أقوالك أو أفعالك. أما الأخطاء، فهي أمر لا دخل لك فـيه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون». أخرجه الترمذي وغيره.
الخلاصة التي أشار إليها العقلاء تحضنا على النظر بعمق من خلال بؤرة الثقة بالنفس، وعدم الحيرة فـي الأمر، والعلم بأن العيب فـيمن يعيب، وأن كل امرئ يرى الناس بعين طبعه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
إيران تقبض على جاسوس من أوروبا صور أماكن حساسة في البلاد
أعلنت السلطات الإيرانية، اليوم الجمعة، القبض على جاسوس يحمل الجنسية الأوروبية، كان يصور مناطق حساسة شمال غرب البلاد.
وأوضحت السلطات الإيرانية أنه جرى اعتقال الجاسوس الأوروبي في محافظة كهكيلويه وبوير أحمد شمال غربي البلاد، ووصل إلى إيران كسائح في مهمة لجمع معلومات من مراكز حساسة ومهمة بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على البلاد.
وأضافت السلطات الإيرانية، أنها عثرت على عدد من الصور لنقاط وأماكن حساسة في المناطق الصحراوية من إيران، وصودرت من ملف بحوزته.
وكان المواطن الأوروبي يقيم في إحدى مدن إيران، وكانت بحوزته شريحة هاتف تابعة لشخص إيراني، بالإضافة إلى عدد من الهواتف المحمولة؛ لتنفيذ أنشطته.
يأتي ذلك في ظل استمرار الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي اندلعت الجمعة الماضية.
وصرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيمنح أسبوعين للدبلوماسية، قبل اتخاذ قرار بشأن شنّ ضربة على إيران.
وبينما يجتمع مسؤولون أوروبيون وإيرانيون في جنيف، اليوم، صرّح وزير خارجية المملكة المتحدة، بوجود "فرصة سانحة" لإنهاء أزمة الشرق الأوسط.
ورغم تشكيك المسؤولين الأمريكيين في جدوى المحادثات، أبقى مسؤول في البيت الأبيض الباب مفتوحًا أمام إحراز تقدّم.
أطلقت إيران وابلًا جديدًا من الصواريخ باتجاه إسرائيل، اليوم، حيث سقط واحد على الأقل على مدينة حيفا الشمالية.
ويأتي هذا الهجوم الأخير، في الوقت الذي تبادلت فيه إيران وإسرائيل الضربات الجوية خلال الليل، دون أي مؤشرات على تهدئة الصراع المستمر منذ أسبوع.
ولم يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استهداف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قائلًا: "لا ينبغي لأحد في إيران أن يتمتع بالحصانة"، وذلك بعد أن صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه لا يمكن السماح لآية الله علي خامنئي "بالبقاء".