من بين غبار العدوان الدموي الأمريكي الصهيوني المستكبر الأوحش والأشرس والأكثر جنونا وضراوة، الذي تتعرض له شعوب أمتنا في فلسطين واليمن وغيرهما، ومن بين الأدخنة الكثيفة التضليلية والدعائية والتدليسية التي يثيرها المعتدون في أجواء معركتنا معهم دفاعا وصمودا وصدا لهجمتهم الإستئصالية الخبيثة، تبقى تلك الحقيقة البارزة والواضحة والعصية على الطمس والتغطية والالتفاف عليها من قبل هؤلاء الأعداء المجرمين السفاحين، وهي أنهم يواصلون عدوانا يفوق بكثير مستويات الإجرام والتوحش وحتى الإبادة المتعارف عليها، وهذا كنه وعين ما يحدث في غزة بغرض التهجير والاستئصال التام للوجود الآدمي لأهلها فيها تحقيقا لحُلم ثنائي الشر “ترامب/ نتن ياهو” ومخططهما الشيطاني بهذا الشأن، وهذا ما لن يتحقق يقينا مهما فعلوا.
ففلسطين وجوهرُها القلبي القدس، هي عصب حساس جدا لدى كل عربي ومسلم حر.. حساسٌ دينيا وعقائديا وإيمانياً بأبعاد سياسية ومعنوية ومبدأيه لا تخفى.
وقد بقيت قضيتها على مدى عقود طويلة مضت وحتى اليوم، مَعْلما مضيئا دالاً على أن طريق الحرية والعزة والكرامة ومواجهةِ المحتلين والمعتدين هما الطريق اللائق والأسلم، رغم ما يستدعيه من تضحيات وأثمان باهظة.. وهذا ما شكل روحا حية نابضة محركة للشعوب في وجه ظُلامها وجلاديها وأعدائها الألداء، كالشعب الجزائري والشعب الإيراني والشعب الأفغاني والشعب الفنزولي وشعب جنوب أفريقيا والشعب الكوبي والشعب الفيتنامي وغيرهم من الشعوب التي شكلت تجاربُها التحررية الظافرة منارات مضيئة في طريق وغيرها من الشعوب التي مسها الضر الإستكباري العدواني المرير.. ولشعبنا اليمني فضل التتويج لهذا المسار المشرف بتجربته الجهادية التحررية الرائدة والفريدة في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني النفاقي الحاقد الأرعن على مدى عشر سنوات، وما زال على هذا الدرب حتى النصر الناجز بإذن الله تعالى.
في الشأن الجهادي النضالي الفلسطيني التليد، والعتيد نرى اليوم تحديثا تاريخيا ناصعا لقائمة الشواهد التحررية الإنسانية الشامخة عبر ملحمة “طوفان الأقصى” ونرى عظمة ومهابة المشهد، حيث تتراكم شواهد الشرف والمجد في إصرار الشعب الفلسطيني، ومعه محور الجهاد والمقاومة المصدَّرُ بالجبهة اليمنية الإسنادية الفاعلة، على التصدي لجرائم المحتل الصهيوني وعدوانيته الفاشية الوحشية البائنة والمسنودة بدعم غربي مطلق.. وتتوالى الأحداث المغذية ليقين النصر الحتمي وصدق وعده المحضون بالمقتضى الإرادي الإلهي الذي لا حائل دون نفاذة، ومنطقِ نواميس هذا الوجود الثابتة.
ها نحن نرى اليوم، كما يرى العالم بكله، أن استمرار حياةِ ووتيرةِ الفعل الفلسطيني المجاهد والمقاوم العالية واجتراحاتِه المذهلة وعملياتِه الفدائية الباهرة رغم صعوبات وتعقيدات الظروف الميدانية التي يتحرك فيها.. أغرق الصهاينة المحتلين في أمواج الرعب والهلع وضرَبَ منظومة أمنهم في الصميم، ووضعهم أمام حقيقة أن لا مستقبل لهم في أرض فلسطين وأن نهاية كيانهم اللقيط وشيكة، وأن خيانات الأعراب و”تطبيعهم” لا يجديهم في شيء.
وما انطوى وينطوي في هذا الحصاد التحرري الجهادي المتوالي والمتراكم، من مظاهر العنفوان والزخمِ الاستثنائي المتعاظم والمتصالب لمواقف أحرار وشرفاء الأمة، وبقية أحرار العالم.. يرفد حتمية بزوغ فجر النصر الآتي لدى الشعب الفلسطيني وكل شعوب أمتنا المظلومة.. وهذه الحتمية التي لا مراء فيها ولا ريب يعتريها، تتغذى من حقائق منطق التاريخ وسنن الله في هذا الوجود، ولا يستطيع العدو “الإسرائيلي” ومن معه من الداعمين والمتواطئين، مهما كان مستوى قوتهم وإمكاناتهم، الحيلولةَ دون نفاذها.. فأقصى ما تطاله غريزة إجرامهم المكابرة المعاندة، هو ارتكاب المزيد من الجرائم التي تُغرقهم أكثر في وحل مصيرهم الأسود المحتوم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
اقتحام صحيفة عدن الغد.. جرس إنذار لكرامة شعب بأكمله
بقلم: د. أحمد بن اسحاق
أثار الفيديو الذي نشره الإعلامي القدير فتحي بلزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، والذي وثّق عملية اقتحام مسلحين لمبنى الصحيفة وإغلاقها واعتقاله، جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية. وتدفقت التساؤلات حول هوية الجهة التي تقف خلف تلك المجموعة المسلحة، خاصة في ظل الآراء التي عُرف بها بلزرق ومواقفه الوطنية المدافعة عن حقوق الناس.
المشهد كان صادماً: إعلامي وطني بارز يُعامل بطريقة لا تليق سوى بمجرم فارّ من العدالة. وإذا كان هذا هو أسلوب التعامل مع شخصية عامة وصوت إعلامي مؤثر، فكيف سيكون الحال مع المواطن البسيط الذي لا يملك سوى صوته؟
بعد ساعات من الاعتقال، أُطلق سراح الصحفي بلزرق، وظهرت روايتان متناقضتان لتبرير الواقعة: الأولى تقول إن السبب يعود إلى نشره منشوراً يكشف جبايات غير قانونية تقوم بها جهات عسكرية، فيما تشير الثانية إلى خلاف مالي يتعلق بمديونية على الصحيفة. غير أنّ جوهر القضية لا يكمن في دوافع الاعتقال، بل في الطريقة التي جرى بها، وما تعكسه من تراجع خطير في احترام الدستور والقوانين.
فالدستور اليمني النافذ، ومنظومة القوانين المنبثقة عنه، من أرقى المنظومات التشريعية في العالم العربي في ضمان كرامة الإنسان وحريته. فقد نظّم العلاقة بين الفرد والسلطة بما يكفل حرية الرأي والتعبير، وحدد بدقة صلاحيات الأجهزة الأمنية والقضائية، وأرسى قواعد العدالة في القضايا المدنية والجنائية والتجارية والإدارية. ومن هذا المنطلق، يفرض علينا الحدث أن نسأل: ما هو التعريف القانوني للاعتقال؟ من هي الجهة المخوّلة قانوناً بتنفيذه؟ وما الشروط والإجراءات التي يجب أن تسبق أي عملية توقيف؟
الإجابة عن هذه الأسئلة كفيلة بكشف حجم الخلل في اقتحام مؤسسة إعلامية وإغلاقها وجرّ رئيس تحريرها إلى أحد المراكز الأمنية وتقييد حريته، وتحديد ما إذا كانت تلك الإجراءات متسقة مع طبيعة الشكوى ــ أياً كان نوعها ــ أم أنها انتهاك صارخ للمعايير القانونية والدستورية.
إن ما جرى داخل مبنى صحيفة عدن الغد لا يُعد اعتداءً على شخص فتحي بلزرق أو على طاقم صحيفته فحسب، بل هو امتهان لكرامة شعب يتجاوز تعداده الأربعين مليوناً. فكرامة الأفراد لا تنفصل عن كرامة الأمة، وأي انتهاك لحرية صحفي أو مواطن إنما هو جرح مباشر في سيادة الدستور والقانون.
إن إطلاق سراح رئيس التحرير وإرسال اعتذارات شكلية لا يكفيان في مثل هذه المواقف. المطلوب اليوم هو فتح تحقيق شفاف ومستقل يعيد الاعتبار للقانون وهيبته، ليس في مديرية المنصورة وحدها، بل في كل شبر من الوطن. فما يهمنا ليس حماية فرد أو صحيفة بحد ذاتها، بل حماية كرامة شعب كامل وصيانة دستور ارتضاه لنفسه.